ثقوب داخلية:

مشكلات "أحزاب السلطة" في الشرق الأوسط

14 November 2016


تشهد الأحزاب أو الائتلافات الحاكمة أو أحزاب السلطة أو أحزاب "الرئيس" في منطقة الشرق الأوسط، أزمات متصاعدة تؤثر على أدائها أو تحالفاتها أو بقائها، في الأشهر القليلة المقبلة، على نحو ما تعبر عنه حالات الأحزاب المهيمنة في السودان والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا وجيبوتي وسوريا والعراق وتركيا، وهو ما يرجع إلى إرث الإخفاقات المتواصلة في تحقيق الإنجازات الداخلية، وتنامي صراعات القيادة الحزبية، وتشكيل تحالفات حزبية مؤسسية سائلة، وتصاعد التداخلات بين المهام التنفيذية والأدوار الحزبية، وصراع المواقع بين أطراف الائتلافات الحزبية، وغياب التجانس الفكري بين الائتلافات الحاكمة، وتطهير البنية الحزبية من العناصر المناوئة، والتشكيك في شرعية التمثيل المجتمعي، وضعف أداء القيادات الحزبية في الأزمات الكبرى، والتحالف مع الميلشيات المسلحة.

ويتجه التيار الرئيسي في أدبيات النظم الحزبية إلى أن التفسيرات المطروحة لتعثرات أحزاب السلطة أو ائتلافات الحكم في دول الإقليم، بأشكال مختلفة ودرجات متباينة، للقيام بمهامها السياسية الداعمة للاستقرار الداخلي، هي على النحو التالي:

إرث الماضي:

1- الإخفاقات المتتالية في الإنجازات الداخلية: وهو ما تعبر عنه التجربة الحزبية المصرية. فقد أخفقت أحزاب السلطة في مصر على مدى ستة عقود، بدءًا من ثورة 23 يوليو 1952 وحتى قيام ثورة 30 يونيو 2013، وهو أحد الأسباب الرئيسية لرفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تأسيس حزب سياسي جديد ليكون ظهيرًا شعبيًّا له، بخلاف القيد الدستوري المرتبط بامتناع رئيس الجمهورية عن الانضمام إلى حزب سياسي، أو تقديم استقالته أو تجميد عضويته في حال انتسابه للحزب قبل انتخابه.

الأكثر من ذلك أن قطاعات واسعة من المصريين شاركت في ثورتين خلال عامين ونصف للإطاحة بالحزب الوطني الديمقراطي في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وحزب الحرية والعدالة في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، الأمر الذي يعبر عن طعن في الشرعية التي يمثلها نظاما الحكم في مرحلتين مختلفتين، فضلا عن السلطوية السياسية التي مثلها الحزب المهيمن خلال فترتي الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر والرئيس الأسبق أنور السادات، حيث كانت التجربة سلبية في أداء حزبي الاتحاد الاشتراكي وحزب مصر (الذي تحول فيما بعد إلى الحزب الوطني)، وهو ما لا يريد تكراره مع حزب "30 يونيو" الذي اقترحته الدكتورة هدى عبدالناصر.

وقد قادت تجربة الأحزاب السياسية "الحاكمة" في مصر إلى تبلور قناعة لدى رئيس الدولة بأن أحزاب السلطة، رغم اختلاف أسمائها وتشكيلاتها وسياقات عملها، مثلت عبئًا على الرئيس أكثر من كونها إضافةً إلى رصيده السياسي والشعبي. فضلا عن ذلك فإنه لا يمكن استنساخ أوضاع قديمة في ظل تحولات جديدة تقاوم بطبيعتها تشكيل حزب للسلطة لا يعرف له رؤية أو دور في صناعة القرار باستثناء الترويج للسياسات ودعم القرارات الصادرة عن مؤسسة الرئاسة، وهو ما عبر عنه الكاتب الصحفي عبدالله السناوي بعبارة: "هناك فارق بين ظهير سياسي يشارك وظهير آخر يُبايع".

وقد سبق أن طرح المسئول الأول عن إدارة الحزب الشيوعي الصيني على الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته إلى الصين، في ديسمبر 2014، فكرة تأسيسه حزبًا سياسيًّا يساعده في الحكم، وأن الحزب الشيوعي الصيني على استعداد لأن يساعد في تدريب كوادر الحزب المصري حال إنشائه، لا سيما في التواصل مع القواعد الشعبية، إلا أن الرئيس السيسي رد بأنه من المبكر التفكير في هذا الأمر، إلى أن نفى الرئيس عزمه إنشاء هذا الحزب خلال انعقاد المؤتمر الوطني للشباب في 27 أكتوبر 2016، لا سيما في ظل ما تردد حول أن المشاركين في المؤتمر سيشكلون نواة لظهير سياسي يقوده الرئيس خلال الفترة المقبلة.

صراعات الأجنحة:

2- تنامي صراعات القيادة الحزبية: يشهد حزب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة -وهو جبهة التحرير الوطني- صراعات متكررة حول القيادة، وكان أبرز ملامحها خلال العامين الماضيين استبعاد عبدالعزيز بلخادم من تولي الأمانة العامة للحزب، وتقديم عمار سعداني -الأمين العام للحزب- استقالته في 22 أكتوبر 2016، رغم دوره الجوهري في الإطاحة بمدير الاستخبارات (دائرة الاستعلام والأمن) الفريق محمد مدين المعروف بـ"الجنرال توفيق" الذي كان يلقب بـ"صانع الرؤساء" حتى أطلق عليه "رب الجزائر".

ونظرًا إلى أن هناك تمددًا لنفوذ سعداني خلال الفترة الماضية، بدأت أجنحة نافذة داخل الجيش والرئاسة في تقليص هذا النفوذ، عبر إقالته أو استقالته لدواعٍ صحية، حيث صادق أعضاء اللجنة المركزية بالحزب على تعيين جمال ولد عباس لخلافة سعداني، باعتباره أكبر أعضاء المكتب السياسي سنًّا، الأمر الذي يشير إلى أن هناك حركات تصحيحية تجري داخل الحزب الحاكم في الجزائر بشكل مستمر، بما يحافظ على توازنات القوى داخل مجموعة ضيقة هي المعنية بصنع القرار في البلاد.

تحالفات سائلة:

3- تشكل تحالفات حزبية مؤسسية جديدة: تكشف بعض الكتابات عن تحالفات جديدة يتم تدشينها بشأن مستقبل أو مصير الحكم في الجزائر بعد عام 2019 حينما تنتهي ولاية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، حيث تسعى مجموعة من المدنيين إلى ترشيح الرئيس لولاية خامسة رغم أنه لم يتحدث للرأي العام الجزائري منذ 7 مايو 2012. ويقود المعسكر الداعم لبوتفليقة رئيس الوزراء عبدالمالك سلال، وأمين عام حزب جبهة التحرير الوطني الحالي جمال ولد عباس، ووزيرة التجارة سابقًا عمارة بن يونس. وفي هذا السياق، قال الأمين العام لجبهة التحرير في تصريحات لصحيفة "الحياة" في 5 نوفمبر 2016: "من يقف وراء برنامج بوتفليقة فهو معنا".

في حين يقود الأمين العام السابق للحزب الحاكم عمار سعداني المعسكر الداعم لنائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، رغم أن سعداني الذي انتُخب أمينًا عامًّا للحزب الحاكم في مؤتمره العاشر في العام الماضي أشار في وسائل الإعلام إلى تأييده لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، فيما بعث رئيس الأركان برسالة تهنئة لسعداني بعد توليه المنصب في عام 2015، الأمر الذي لم يفعله مع بقية قادة الأحزاب السياسية الأخرى، وهو ما يعكس التفاهم بين الطرفين، ويعبر عن رغبة قايد صالح في الترشح للرئاسة في فترة قادمة، لكنه يحتاج إلى دعم حزب شعبي منتشر في كافة أنحاء البلاد، ويحظى بوجود بارز في المجالس البلدية والبرلمان.

غير أن هذا التحالف (صالح - سعداني) أثار حفيظة القوى الداعمة لبقاء الرئيس بوتفليقة لولاية جديدة أو اختيار بوتفليقة خليفة له، وهو ما يطلق عليه "جماعة الرئيسبفي" التي يتوافر لديها قناعة بأن الشخص الذي سيخلف بوتفليقة سيختاره هو بنفسه. ولعل ذلك يفسر دعم الحزب الحاكم لتحركات بوتفليقة، وظهوره في افتتاح بعض المشروعات مثل "أوبرا الجزائر" و"القصر الدولي للمؤتمرات" و"ورشة الجامع الأعظم" بالضاحية الشرقية للعاصمة، بما يوجه رسالة محددة وهي قدرة الرئيس على الحكم لفترة مقبلة.

ويعظِّم من هذا التوجه إلغاء الرئيس بوتفليقة في مطلع العام الجاري المادةَ الدستورية التي كانت تمنح الرئيس الحق في الترشح مدى الحياة، وحدد البقاء في الحكم بولايتين، وبذلك سيبدأ حساب عدد الولايات من الصفر بالنسبة له، على نحو يمكنه من الترشح لفترتين أخريين. وفي هذا السياق، قال الأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس في تصريحات لصحيفة "الحياة" اللندنية في 25 أكتوبر 2016 أن "الحزب الحاكم في الجزائر ينوي ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة". لكن هذا الموقف قد لا يعبر عن توجه مؤسسة الرئاسة الجزائرية من ترشيح بوتفليقة، لا سيما أنه كان يرفض التقدم للولاية الرابعة الحالية بعد إصابته بمرض مفاجئ.

التغول السياسي:

4- تصاعد التداخلات بين المهام التنفيذية والأدوار الحزبية: ويبدو ذلك جليًا في تجربة حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس الباجي قايد السبسي في منتصف عام 2012، واحتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية التي أُجريت في 26 أكتوبر 2014، حيث يشهد الحزب منذ ذلك الوقت صراعًا بين كتلتين، مع استعمال كل طرف أوراق ضغط من وسائل إعلام وتأييد خارجي ودعم من أطراف نافذة داخل الدولة والمجتمع، حيث تميل إحداهما إلى دعم حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس، بينما تطالب الثانية برئاسة الأمين العام السابق للحزب محسن مرزوق وتقليص نفوذ عائلة السبسي.

وقد نجحت الكتلة الأولى في إسناد رئاسة الحكومة ليوسف الشاهد مع شغله موقع رئاسة الحزب دون إيلاء اهتمام لمقترحات واردة من الكتلة الأولى، على نحو جعل حزب نداء تونس أقرب إلى ما يمكن تسميته بـ"الرجل المريض"، لأنه يعكس أزمة حزب وأزمة حكم في آن واحد بعد سعي قيادات الحزب لاحتكار مناصب رئيسية بتولي رئاسة الجمهورية "قايد السبسي"، ورئاسة البرلمان "محمد الناصر"، ورئاسة الحكومة "يوسف الشاهد"، دون إدراك لدرس تجربة حزب النهضة وهو عدم قدرة فصيل سياسي واحد على تحمل أعباء الحكم بمفرده، بل إن البقاء في السلطة قد يكون، في رؤية اتجاهات عديدة، "محرقة"، وهو ما تشير إليه خبرة الأحزاب الإسلامية والحكومات "الملتحية" بعد الثورات العربية.

فقد دعا محسن مرزوق إلى تكوين مجلس أعلى للدولة يضم الرئاسات الثلاث (الحكومة، ومجلس النواب، والرئاسة)، ويكون برئاسة قايد السبسي، غير أن الأخير يسعى لتشكيل حزب جديد يحمل اسم "الوحدة الوطنية" لمواجهة الخلافات والانشقاقات داخل حزب النداء من ناحية، وتشكيل جبهة متماسكة قادرة على ضمان التوازن السياسي مع حركة النهضة بعد تحول حصة الأكثرية لحزب النهضة الذي يستحوذ على 69 مقعدًا في مقابل 56 مقعدًا لحزب نداء تونس من أصل 217 مقعدًا. وقد شهدت الأسابيع الماضية مشاورات بين الرئيس السبسي ورموز سياسية يسارية ونقابية، بما يؤدي إلى التخلي نهائيًّا عن حزب النداء، بعد تأثير الخلافات داخل الحزب الحاكم على خريطة الكتل السياسية داخل البرلمان، والتداخل بين الحزب والدولة.

غنيمة انتخابية:

5- صراع المواقع بين أطراف الائتلافات الحزبية: وهو ما تتجه إليه الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية المغربية، وقد عبر الملك محمد السادس عن ذلك في خطابه الذي ألقاه بالعاصمة السنغالية دكار، في 6 نوفمبر 2016، بمناسبة الذكرى 41 لانطلاق المسيرة الخضراء، واسترجاع الصحراء من الاستعمار الإسباني، عن ذلك بقوله: "إن المغرب يحتاج إلى حكومة جادة ومسئولة. غير أن الحكومة المقبلة لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية". وأضاف: "الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة باختصاصات قطاعية مضبوطة. وسأحرص على تشكيل الحكومة المقبلة، طبقًا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة، ولن أتسامح مع أي محاولةٍ للخروج عنها".

كما تتصاعد صراعات أجنحة داخل الحزب الحاكم في موريتانيا بين رئيس الحزب محمد ولد محم ورئيس مجلس الشيوخ محسن ولد الحاج، لا سيما بعد معارضة أعضاء مجلس الشيوخ للاستفتاء المزمع تنظيمه لإلغاء غرفة مجلس الشيوخ، بعد إعلان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلغاء المجلس دون التشاور مع أعضائه، نظرًا لتكلفته المالية، وعرقلته التشريع، والاستعاضة عنه بمجالس جهوية محلية، وهو ما برز جليًّا في تفاعلات يونيو 2016، على نحو يكشف هشاشة الائتلاف الحاكم، لا سيما بعد اشتراط أعضاء مجلس الشيوخ لحل هذه الأزمة إقالة رئيس الحزب الحاكم، وعزل 14 وزيرًا قادوا الحملة الأخيرة ضد المجلس، وتهديد بعضهم برفع دعوى قضائية ضد أعضاء الحكومة بتهمة التشهير بالمجلس في حال عدم التوصل لتسوية للأزمة.

تشكيلات هجينة:

6- غياب التجانس الفكري بين الائتلافات الحاكمة: وينطبق ذلك على الائتلاف الرباعي التونسي بين حزب نداء تونس والنهضة والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس، إذ إن التحالف بين حزب نداء تونس مع نقابيين ويساريين ورموز سابقة في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي يُعبِّر عن تحالف انتخابي غير متجانس للحد من هيمنة النهضة على مفاصل الدولة أكثر من كونه يتمتع بمرجعية فكرية وبرنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي، يعبر في الحاصل الأخير عن هوية الحزب، لا سيما المحافظة على طبيعة الدولة المدنية، ومقاومة الإرهاب التكفيري، وإعادة الهيبة للدولة التونسية التي ظلت مفقودة خلال فترة حكم الترويكا.

ويظهر هذا جليًّا أيضًا في الائتلاف الحاكم الذي يتم تشكيله بعد الانتخابات البرلمانية المغربية في 7 أكتوبر 2016، إذ لا يمكن لحزب واحد الفوز بأغلبية مطلقة، وفق منطق "المشاركة لا المغالبة"، على نحو يدفع للدخول في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية من ثلاثة أحزاب أخرى، لا سيما في ظل صعوبات سابقة.

فقد كان حزب العدالة والتنمية يقود ائتلافًا حكوميًّا خلال مرحلة ما بعد انتخابات نوفمبر 2011 مع ثلاثة أحزاب غير إسلامية هي الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، إلا أن الاستقلال انسحب من التشكيل الحكومي لينضم بدلا منه حزب تجمع الأحرار، وهي كيانات حزبية غير متآلفة فكريًّا وسياسيًّا، على نحو يتوقع تكراره في التحالف المقبل. وكذلك الحال بالنسبة للتفاهمات الجارية بين المعارضة وحزب المؤتمر الوطني في السودان.

اجتثاث حزبي:

7- تطهير البنية الحزبية من العناصر المناوئة: وهو ما تعكسه تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا بعد الانقلاب الفاشل في منتصف يوليو 2016، حيث يُجري قادة الحزب عملية تطهير داخلية لاجتثاث الأعضاء الذين توجد شبهات حول صلتهم بجماعة فتح الله جولن التي تتهمها الحكومة التركية بإدارة "دولة موازية داخل الدولة" وصنفتها "منظمة إرهابية"، الأمر الذي أوضحه نائب رئيس الحزب حياتي يازجي في 5 أغسطس 2016 بقوله أن "هناك أمرًا بتطهير فوري للتنظيم الحزبي"، وفقًا لوكالة "الأناضول" التركية.

وقد يكون هدف الحكومة حظر أو اجتثاث الحزب ذاته، حيث أصدر مجلس النواب العراقي قانونًا بحظر حزب البعث من أي عمل سياسي في البلاد، ومنع وصوله إلى السلطة أو المشاركة في الحياة السياسية أو التعددية الحزبية، وتضمن التشريع الجديد فرض عقوبات على مؤيديه ومن يروج له، على الرغم من أن هذا القانون يتعارض مع بنود الدستور العراقي التي تنص على حرية الفكر السياسي، كما يتعارض مع أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي تعطي الأحقية في الرأي والتوجه السياسي.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن ثمة تناقضًا جوهريًّا يتمثل في أن النخبة العراقية الحاكمة تُقصي حزب البعث في بلادها، وتتحالف مع نظيره في سوريا، وهو ما يُعبر عن التوجه الإقصائي الطائفي للأحزاب العراقية الحاكمة، والتي ينحصر كل همها في حصار التوجهات الداخلية المناوئة لها، والحرص على الدعم المتواصل لسياسة طهران بالسيطرة على مفاصل القرار في بعض العواصم العربية، لا سيما بعد الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003.

طعن الشرعية:

8- التشكيك في شرعية التمثيل المجتمعي: وتبدو تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا مثالا على ذلك، حيث حصل الحزب والأحزاب المتحالفة معه على غالبية مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات التشريعية التي أجريت في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، في 13 إبريل 2016، وهو ما رفضته المعارضة في الداخل والخارج، ونددت به الدول الغربية مثل فرنسا، لأنها -أي الانتخابات- أُجريت "دون حملة انتخابية فعلية، وتحت إشراف نظام قمعي، ودون مراقبة دولية"، وذلك وفق ما صرح به المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال.

ممارسات متناقضة:

9- ضعف أداء القيادات الحزبية في الأزمات الحادة: وينطبق ذلك على أداء القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، التي تم حلها في 21 يناير 2016، إذ تمت مصادرة جميع ممتلكات القيادة القومية من العقارات والسيارات والمكاتب، لا سيما بعد ضعف نشاط القيادة، وغيابها عن أداء دورها في ساحة العمل الحزبي لسنوات طويلة، وخاصة بعد ثورة مارس 2011 التي تحولت إلى صراع مسلح بين نظام الأسد وقوى المعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية.

فضلا عن ذلك، فإن هناك سببًا آخر لهذا القرار الداعي لحل القيادة القومية للحزب يتعلق بتنفيذ مضمون قانون تأسيس الأحزاب السياسية الذي يحظر على الأحزاب المؤسسة في سوريا افتتاح فروع خارجية لها. وقد عبر توجه نظام الأسد بإلغاء القيادة القومية عن انتهاء الوظيفة المفترضة لها، والتي لم يعد لها مبرر بتوفير غطاء أيديولوجي لتدخلات سوريا الأسد (الأب والابن) في الشئون اللبنانية والأردنية والفلسطينية. كما أن شعاراتها مثل "الشعب طريقنا إلى الوحدة العربية"، و"أمة عربية خالدة" لم يعد لها سند حقيقي.

خلافات هيكلية:

10- التحالف مع الميلشيات المسلحة: على نحو ما تعبر عنه حالة حزب المؤتمر الشعبي برئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تحالف مع جماعة الحوثيين في سياق مخطط للعودة إلى السلطة، والثأر من الحركات الثورية الشبابية التي قامت بالثورة على حكمه في عام 2011، بما أدى إلى خروجه من الحكم وفقًا للمبادرة الخليجية، إلا أن الخلافات القائمة بين الطرفين لا تبدو هامشية ولا يمكن تسويتها بسهولة، لا سيما في ظل تعقد الصراع في اليمن.

وخلاصة القول، تعبر الخلافات والأزمات والانشقاقات داخل أحزاب السلطة، أو ائتلافات الحكم سواء في السلطة التنفيذية أو على الأقل في المؤسسات النيابية في دول الشرق الأوسط؛ عن لوبيات ومراكز ضغط تعكس صراعات المصالح أكثر منها مراعاة مصائر الأوطان، وتصبح أزمات تلك الأحزاب لا تنتهي، وهو ما يؤثر على استقرار النظم السياسية التي يُفترض أن يكون تركيزها منصبًّا على شرعية الإنجاز لا غريزة البقاء.