أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تفادي الصدام:

هل يعزز خطاب "حالة الاتحاد" فرص بايدن في الترشح للانتخابات القادمة؟

21 فبراير، 2023


ألقى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 7 فبراير 2023، خطابه الثاني عن "حالة الاتحاد"، والثالث أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي منذ توليه المنصب في يناير 2021. وكان هذا الخطاب محورياً في تاريخ بايدن لأنه يُلقى أمام كونغرس منقسم ما بين الديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ، والجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب، وذلك في أعقاب انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في 8 نوفمبر 2022.

أهمية "حالة الاتحاد" 

يُعد خطاب "حالة الاتحاد" بمثابة رسالة سنوية يلقيها رئيس الولايات المتحدة إلى الكونغرس الأمريكي، ويُلقى الخطاب كل عام، باستثناء العام الأول للرئيس في المنصب، وتتمثل أهمية هذا الخطاب في التالي: 

1- آلية تجمع ديمقراطية: يُظهر هذا الحدث بشكل مباشر طريقة عمل الديمقراطية الأمريكية؛ فمن خلاله يتم جمع كل ممثلي الحكومة الفدرالية، بدءاً من الرئيس الذي يمثل رأس السلطة التنفيذية، مروراً بأعضاء مجلسي النواب والشيوخ الذين يمثلون السلطة التشريعية، وصولاً إلى قضاة المحكمة العليا الذين يمثلون السلطة القضائية. 

وبالإضافة إلى ذلك، يحضر معظم الوزراء ومسؤولو ومستشارو الوكالات الحكومية المختلفة الذين تتشكل منهم الحكومة، وكذلك يتم تمثيل الجيش من قبل هيئة الأركان المشتركة، كما يشارك في الجلسة عميد السلك الدبلوماسي في البلاد.

2- تنفيذ لمطلب دستوري: يُلقي الرؤساء خطاب "حالة الاتحاد" تنفيذاً للفقرة الأولى من القسم الثالث من المادة الثانية للدستور الأمريكي، والتي تنص على "أن يقوم الرئيس من حين إلى آخر بتقديم معلومات عن حالة الاتحاد إلى الكونغرس، وأن يوصي بالنظر في تلك التدابير التي يحكم بضرورتها وسرعة تنفيذها". 

3- كشف حساب وعرض للإنجازات: يتضمن الخطاب معلومات وتحديثات عن حالة الدولة والحكومة الفدرالية أثناء إدارة الرئيس الحالي؛ وبهذا، يستعرض حالة الاقتصاد ووضع الميزانية، فضلاً عن الأولويات الرئيسة للبيت الأبيض والمقترحات التشريعية، وجدول أعمال الرئيس المستقبلي، فضلاً عن عرض الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت خلال العام الماضي. 

وعلى هذا النحو، يرى المراقبون أن هذا الحدث يُعد بمثابة فرصة للرؤساء الأمريكيين، إذ أنه على الرغم من أنه في الأصل تكليف دستوري يقدم إلى الكونغرس، فإنه في الحقيقة هو عرض لحال ولاية رئيس البيت الأبيض، أو بالأحرى تلميع صورته عبر الاستفاضة فيما حققه من إنجازات خلال العام الماضي، وما ينوي تحقيقه خلال العام الجاري. 

ويرى بعض المراقبين أنه مع مرور السنين وتكرار المشهد الترويجي، بدا التقليد يفقد معناه، وأصبح الرؤساء غير معنيين بالكشف عن سياسات جديدة تصب في مصلحة الأمريكيين ودولتهم، وصار المشهد "فرصة" لتأكيد التوجهات والأجندة المعروفة سابقاً.

ملامح خطاب بايدن

استقطب خطاب "حالة الاتحاد" هذا العام اهتماماً كبيراً بسبب التوتر المحتدم بين الإدارة الأمريكية والجمهوريين الذين تعهدوا بعرقلة أجندة بايدن التشريعية بعد سيطرتهم على مجلس النواب، بالإضافة إلى وجود أزمات دولية، مثل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن أزمة المنطاد الصيني، وصولاً إلى ضبابية التوقعات بشأن مدى احتمالية ترشح بايدن لولاية رئاسية ثانية، لاسيما في ظل تأييد 37% فقط من الديمقراطيين ترشحه بسبب تجاوز عمره ثمانين عاماً، ووجود مخاوف من عجزه عن إنجاز مهام وأعباء منصبه. وفي ظل هذه الظروف، ركز بايدن على ما يلي:

1- تراجع أولوية السياسة الخارجية: لم تحتل السياسة الخارجية مكانة متميزة في خطاب بايدن، لدرجة أن البعض وصف الخطاب بأنه خالٍ من قضايا السياسة الخارجية. وذلك على أساس أن الأمريكيين لا يهتمون بالسياسة الخارجية إلا عندما يموت الجنود الأمريكيون في الخارج، ما يعني أن قضايا الداخل كانت محور الخطاب باعتبارها الأكثر قوة وتأثيراً، وذلك لتعزيز شعبية رئيس البيت الأبيض. 

وتمثلت إحدى الإشارات القليلة للسياسة الأمريكية في تحذير بايدن للصين، قائلاً: "اليوم، نحن في أقوى مركز منذ عقود للتنافس مع الصين أو أي شخص آخر في العالم"، فضلاً عن إشارته بصورة عابرة إلى دعم أوكرانيا، وذلك لخشيته من استمرار اعتراض بعض الجمهوريين على عدم مشروطية المساعدات، فقد أكد رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي هذا النهج، إذ صرح سابقاً أنه لن يكون هناك "شيك على بياض" لأوكرانيا إذا فاز بمنصب رئيس مجلس النواب.

2- صمود الديمقراطية الأمريكية: كرس بايدن جزءاً كبيراً من خطابه للديمقراطية الأمريكية، مؤكداً أنها لا يجب أن تكون قضية حزبية، ولكنها حالة أمريكية فريدة، وأضاف أنه على الرغم من التهديد الذي تعرضت له الديمقراطية منذ عامين، في إشارة إلى حادثة اقتحام الكونغرس من جانب أنصار ترامب يوم 6 يناير 2021، فإنها لا تزال منيعة وصامدة وعصية على القهر والانكسار. وفي هذا الصدد، شدّد بايدن على أهمية احترام نتائج الانتخابات وأهمية تعاون الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الجديد.

3- تفادي الصدام مع الجمهوريين: حاول بايدن في أكثر من مرة مهاجمة ترامب وتياره، غير أنه مع ذلك كان حريصاً على التودد للجمهوريين؛ حيث استخدم عبارة "أصدقائي الجمهوريين" عندما أثنى على تصويتهم لصالح قانون البنية التحتية. 

كما دعاهم إلى مزيد من التعاون لتمرير قوانين مدعومة منهما، كما حدث خلال أول عامين له في رئاسة البيت الأبيض، وانتقد المشككين الذين يرون استحالة أن يعمل الديمقراطيون والجمهوريون معاً مرة أخرى، قائلاً: "إذا كنا قد تمكنا من العمل معاً في دور الانعقاد السابق للكونغرس، فلا يوجد سبب يمنعنا من العمل معاً والتوصل إلى إجماع على أشياء مهمة في دور الانعقاد الحالي أيضاً". 

وحاول بايدن الابتعاد عن القضايا الخلافية، وركز على القضايا التي كانت محل اتفاق بين الحزبين، مثل دعم الصناعة الأمريكية، وتمويل مشروعات البنية التحتية، محاولاً أن يكون هذا الخطاب بداية لتجاوز الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين.  

4- وضع الاقتصاد على المسار الصحيح: يعلم الرئيس الأمريكي أن ما يهتم به الأمريكيون، وفقاً لاستطلاعات الرأي، هو الاقتصاد. ونظراً لأنهم يرون، أن البلاد ما زالت تعاني من صعوبات اقتصادية، فقد جاء خطاب بايدن كمحاولة لتغيير آرائهم، ومن ثم تعزيز فرصه في الفوز بفترة رئاسية ثانية. 

وفي هذا السياق، لفت بايدن الانتباه إلى حالة الاقتصاد الأمريكي المتعثر، حينما تولى الرئاسة قبل عامين، مذكراً بقيود "كوفيد19" وتناقص الاستثمارات، ومرجعاً أزمة التضخم إلى كونها مشكلة عالمية تتعلق بالجائحة والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يعني أن الأسباب الرئيسة للتضخم خارجة عن إرادته إلى حد كبير. وعلى الرغم من ذلك، أكد بايدن وجود مؤشرات مضيئة لتحسن حالة الاقتصاد الأمريكي، مثل توفير حوالي 12 مليون وظيفة عمل خلال فترة حكمه، محققاً بذلك رقماً قياسياً في خفض معدل البطالة. كما أوضح أن إدارته نجحت في تقليل الدين العام بنحو 1.3 تريليون دولار.

5- أولوية القضايا المجتمعية: لم يغب في خطاب "حالة الاتحاد" الاهتمام بالقضايا التي تهم الشارع الأمريكي، وكان أبرزها إصلاح الشرطة الأمريكية، فقد أدان الرئيس في كلمته حادث الضرب المميت من قبل الشرطة لمواطن أمريكي يبلغ من العمر 29 عاماً في مدينة ممفيس بولاية تينيسي الأمريكية، ودعا الكونغرس الأمريكي إلى ضرورة تمرير مشروع قانون إصلاح الشرطة الأمريكية، والذي يحمل اسم مشروع قانون جورج فلويد. 

وفيما يتعلق بحق الإجهاض، دعا الرئيس الكونغرس لاستعادة حق الإجهاض على مستوى البلاد، وتعهد بفرض "فيتو رئاسي" على أي مشروع يجعل حظر الإجهاض وطنياً، ويدرك بايدن أهمية هذه القضية لكونها أحد أسباب نجاة الديمقراطيين من هزيمة ساحقة إبان انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر الماضي.

وأكد الرئيس أهمية التعليم وانخفاض تكلفته للطبقة المتوسطة، ودعا إلى ضرورة رفع رواتب مدرسي المدارس العامة، وتوفير الدراسة المجانية للأطفال بعمر 4 سنوات، وشدد على أهمية المزيد من الاستثمارات التي يتعين أن توجه إلى التعليم والتدريب الوظيفي. 

6- تأكيد مكافحة الهجرة غير الشرعية: نوّه بايدن إلى أن مشكلة الهجرة غير الشرعية ما زالت قائمة، على الرغم من تأكيده انخفاض معدل الهجرة غير الشرعية بنسبة 97% من قبل كوبا وهايتي وفنزويلا ونيكاراجوا. وأكد بايدن الحاجة إلى تعاون الحزبين لدعم تشريع جديد للهجرة، وتقوية قوات حرس الحدود التي نجحت في اعتقال ما يقرب من 8 آلاف مهرب بشر، وصادرت 23 ألف "باوند" من مخدر "فينتينيل" الخطر، وذلك خلال الأشهر القليلة الماضية.

تحديات ما زالت قائمة 

ثمة ملاحظات يمكن استنتاجها في ضوء خطاب "حالة الاتحاد" لعام 2023، ويمكن تناولها فيما يلي: 

1- تبرير بايدن ترشحه للانتخابات: كان هذا الخطاب بمثابة محاولة من بايدن ليظهر قوياً، وذو رؤية لقيادة دفة البلاد اقتصادياً وسياسياً. كما أن لديه استراتيجية سياسة خارجية قوية وناجحة، تؤهله لقيادة البلاد لمدة أربع سنوات أخرى. وعلى هذا النحو، ظل بايدن طوال مدة إلقاءه للخطاب هادئاً وغير مرتبك، وذلك على الرغم من هتافات بعض الجمهوريين ضده. 

وبالتالي، فإن خطاب بايدن كان موجهاً للناخبين الأمريكيين، الباحثين عن رؤية جديدة للولايات المتحدة في ظل مجتمع منقسم على ذاته، وذلك بهدف إقناعهم بقدرته على تحمل أعباء منصب رئاسة البيت الأبيض على الرغم من تجاوزه سن الثمانين.

2- نشوة سياسية دون مقترحات: خلا خطاب بايدن، على الإطلاق، من أي مقترحات أو مبادرات رئاسية جديدة، فمن الواضح أن بايدن كان أقل جرأة لتدشين أي مبادرة أمام الجمهوريين ذوي الأغلبية، وذلك مقارنة بخطابه العام الماضي، والذي دعا فيه إلى إنفاق تريليونات الدولارات لإحياء البرامج الحكومية في مجالات الرعاية الصحية ورعاية الأطفال وتغير المناخ، فضلاً عن إصلاح النظام الضريبي، ودعم مشاريع البنية التحتية. 

3- صعوبة احتواء الجمهوريين: على الرغم من محاولات بايدن جذب الجمهوريين إليه طوال فترة الخطاب، مستهلاً كلماته بالحديث إلى كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب؛ حيث عبّر عن تطلعه للعمل معه، فإن صيحات السخرية والاستهجان من قبل بعض الجمهوريين لم تتوقف على مدار 73 دقيقة؛ لدرجة أن النائبة الجمهورية، مارجوري تايلور جرين، وصفته بأنه كاذب أثناء إلقاء الخطاب، بل وهتف آخرون بأنه "فشل" في وقف الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

وفي سياق آخر، كان الخطاب بمثابة فرصة لإثارة الانتقادات لبايدن من قبل أقطاب الحزب الجمهوري، فعلى سبيل المثال، خرج ترامب في مقطع فيديو قصير يهاجم الرئيس الأمريكي بسبب سياساته الفاشلة تجاه الهجرة والتضخم ودعم أوكرانيا، وغرد بالمثل، مايك بنس، على "تويتر" قائلاً: "لقد حان الوقت للقيادة الجمهورية الجديدة لإعادة أمتنا إلى القوة والازدهار الذي كان لدينا في ظل الإدارة الأمريكية السابقة".

وفي التقدير، نجح بايدن في خطاب "حالة الاتحاد" لعام 2023 في تجنب إثارة الخطاب لغضب الجمهوريين، وتسليط الضوء على بعض نجاحات الإدارة الديمقراطية، ولكنه في الوقت ذاته كشف عن ضعف السياسة الخارجية الأمريكية، فلم يجرؤ طوال الخطاب أن يضع أي نهج للتعامل مع تصاعد التوترات مع روسيا والصين، بالإضافة إلى غياب أي رؤية مستقبلية للبلاد، وليس من الواضح بعد مدى نجاح بايدن في توظيف خطابه لتعزيز فرص دخوله السباق الرئاسي القادم، وإن كان سيواجه بتحديات كبيرة، نظراً لتقدم عمره وظروفه الصحية من ناحية، وتقديمه لخطاب ترك انطباعاً للأعداء بأنه قائد ضعيف، ولا يريد التصادم مع الخصوم، وهو الأمر الذي قد يستغله الجمهوريون في الفترة المقبلة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.