مكاسب إنسانية:

فرص وتحديات الحوار مع المسلحين في مناطق الصراعات

05 October 2016


إعداد: أحمد عبدالعليم


في ظل صعود الفواعل العنيفة من غير الدول في مناطق متفرقة من العالم، وارتكابهم العديد من الجرائم الوحشية، وقدراتهم على السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، وتجنيد عدد كبير من الشباب حول العالم، وما يرتبط بذلك من زيادة وتيرة التطرُّف العنيف بما يُهدد السلام والاستقرار الدوليين، فإن هناك توجُّهًا دوليًّا نحو الحوار مع التنظيمات المتطرفة التي تتبنى العنف، من أجل تحقيق مكاسب إنسانية للمدنيين والمتضررين، في محاولة لتخفيف حدة الصراعات الدولية.

وفي هذا الإطار يأتي تقرير بعنوان "منع الفظائع من خلال الحوار: تحديّات التعامل مع التنظيمات المتطرفة العنيفة"، الصادر عن معهد الولايات المتحدة للسلام، والذي أعده كل من "صوفيا سيباستيان Sofia Sebastian" زميل بالمعهد، و"جوناس كلايس Jonas Claes" كبير الباحثين بالمعهد.

يعكس التقرير خلاصة حلقات نقاش عقدها معهد الولايات المتحدة للسلام مع المعهد الأوروبي للسلام  European Institute of Peace خلال هذا العام (2016) في واشنطن (5 فبراير) وبروكسل -مقر المعهد الأوروبي- (23 فبراير) ونيروبي (18 مايو). وقد عقدت حلقة النقاش في كينيا بالتعاون مع مركز الحوار الإنساني Centre for Humanitarian Dialogue. وضمت حلقات النقاش سياسيين مسئولين عن صنع السياسات، وأكاديميين وخبراء ومشاركين في الحوار مع الفواعل غير العنيفة من غير الدول، ومنع الأعمال الوحشية والتطرف العنيف. 

يستعرض التقرير إمكانية الحوار مع التنظيمات المتطرفة العنيفة، وما يرتبط بذلك من مزايا مختلفة، ومحددات متنوعة يتطلبها ذلك الحوار؛ من أجل أن يحقق الأهداف المرجوّة منه، دون الإخلال بحقوق السكان المدنيين المتضررين من الأعمال الوحشية والعنيفة، وكذلك دون الإخلال بالقوانين والمواثيق الدولية. ويناقش التقرير المخاطر والتحديّات التي ينبغي تفاديها بشكل فعَّال من أجل تعظيم فوائد الحوار بما يعزز السلام والأمن الدوليين.

إمكانية الحوار:

أورد التقرير تعريف الإدارة الأمريكية لمفهوم "التطرف العنيف Violent Extremist" على أنه: "الأفراد الذين يقومون بدعم أو بارتكاب العنف بدوافع أيديولوجية من أجل تحقيق أهداف سياسية متباينة". ويشير التقرير إلى أن هناك العديد من الأهداف التكتيكية والاستراتيجية للتنظيمات المسلحة بداية من إنشاء ملاذات آمنة للتدريب والتخطيط للعمليات الإرهابية، وصولا إلى طموح السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي. ويضيف أن لكل تنظيم خصائصه المتمايزة عن الآخر، سواء من حيث الهيكل التنظيمي أو علاقته مع الدولة، وكذلك من حيث الطابع؛ فهناك تنظيمات ذات طابع محلي وأخرى ذات طابع دولي.

ويتحدث التقرير عن أن تنظيم الدولة الإسلامية بالشام والعراق (داعش) مسئول عن الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين والمسيحيين والشيعة، وأن ذلك يأتي متزامنًا مع بروز عدد من الفواعل العنيفة من غير الدول (مثل: بوكو حرام النيجيرية، وحركة الشباب المجاهدين الصومالية)، وهي تنظيمات تتبنى التطرُّف العنيف بشكل جماعي كأداة استراتيجية من أجل تعزيز أهدافها المختلفة.

وفي هذا الإطار، يطرح التقرير إمكانية الحوار مع التنظيمات المتطرفة العنيفة من خلال الجهود التي تبذلها المنظمات الإنسانية والمنظمات الدولية أو المنظمات غير الحكومية عن طريق الانخراط في حوار مباشر مع تلك التنظيمات من أجل أغراض إنسانية مثل: المساعدة أو حماية المدنيين. ويُقصد بالحوار هنا جهود طرف ثالث من أجل إقناع التنظيمات المتطرفة للتفاوض والمرونة في عرض مطالبهم، والموافقة على مطالب الوسيط. 

ويبرز التقرير عدة مزايا مرتبطة بنهج الحوار مع التنظيمات المسلحة، وهي كالتالي:

1.    إمكانية تقديم الإغاثة الإنسانية على المدى القصير.

2.    إمكانية وقف العنف على المدى الطويل أو حل النزاع والمظالم المختلفة.

3.    التمهيد لحوار سياسي فعَّال.

4.    إمكانية إنشاء ممرات إنسانية آمنة، وإيصال الغذاء والأدوية للمتضررين من المدنيين.

5.    تسهيل جمع المعلومات حول بنية التنظيم المتطرف، وتحديد أولوياته واستراتيجياته فيما يتعلق بالسكان المدنيين.

6.    إقناع الجُناة المحتملين بالامتناع عن الأعمال الوحشية.

7.     طرح بعض الأفكار المرتبطة بالحوار قد تُسبّب انقسامات داخلية في التنظيمات المتطرفة مما قد يؤدي في النهاية إلى تفتُّتها.

وفي السياق ذاته، يبرز التقرير عدة محددات تعزز من إمكانية الحوار مع التنظيمات المتطرفة، وذلك على النحو التالي:

1-    وجود رغبة لدى التنظيمات المتطرفة في الحوار ومناقشة الموضوعات المطروحة مع الوسيط الدولي.

2-    وجود احتمال معقول في إحراز نوع من التقدُّم الملموس، سواء نحو تحقيق أهداف سياسية أو إنسانية محدّدة سلفًا.

3-     وجود الحد الأدنى من الضمانات الأمنية كآلية هامة لتسهيل الحوار.

4-    قبول السكان المدنيين أو المتضررين إجراء مثل هذا الحوار.

5-    الغطاء الأخلاقي والقانوني من قِبل الجهات الدولية الرئيسية المَعنية.

6-    إمكانية الانسحاب في أيّ وقت إذا أخلت التنظيمات المتطرفة بشروط الحوار، أو إن أصبح الحوار غير مُجدٍ.

تحديات الحوار:

يوضح التقرير بعض المخاطر والتحديّات التي تتعلق بإجراء حوار مع التنظيمات المتطرفة، والتي تتمثل في:

1-    الفهم الخاطئ لبعض تلك التنظيمات بأن نهج الحوار -في حد ذاته- يعتبر تنازلا أو مؤشر ضعف واعترافًا بتلك التنظيمات. 

2-    إمكانية الانقسام الداخلي داخل التنظيم كأحد تداعيات الحوار من الممكن أن يكون له وجه سلبي متمثل في خلق فواعل متطرفة جديدة بأجندات مختلفة عن تلك القائمة.

3-    غياب الأهداف المشتركة للتفاوض أو الحوار في ظل اتسام عدد كبير من تلك التنظيمات بالجمود أو الانغلاق، والبرجماتية، مما يمنع وجود أرضية مشتركة للحوار.

4-    انعدام الثقة في بعض الحالات بين التنظيمات المتطرفة وبين بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من المنظمات الدولية، لا سيما مع الهجمات العسكرية الأخيرة ضد تلك التنظيمات في أكثر من موقع.

5-    نفور ضحايا العنف من الحوار مع التنظيمات المتطرفة العنيفة؛ حيث يرون أن الحوار مع تلك التنظيمات يمنحها شرعية الوجود والتأثير، وهي شرعية ليست حقيقية.

6-    قد يكون الحوار مع التنظيمات المتطرفة العنيفة سببًا في تطرُّف بعض التنظيمات المعتدلة التي تستخدم الوسائل السلمية والاحتجاج بدلا من العنف، ويكون ذلك دافعًا لهم لأن ينخرطوا في أعمال عنيفة باعتبارها مجزية أكثر، وتلقى اهتمامًا دوليًّا أكبر، وتمنحهم فرصة لتحقيق بعض شروطهم على الأرض في مقابل التنازلات للطرف الآخر.

توصيات مقترحة: 

يطرح التقرير عدة توصيات تتعلق بالجانب البحثي والتحليلي لعملية الحوار مع التنظيمات المتطرفة العنيفة، منها أن يكون تحليل الصراع قائمًا على أسس علمية ترتبط بالبحوث الميدانية على أرض الواقع، وضرورة بحث الأطراف الداعمة والمساعدة لأطرافه والشركاء التجاريين الذين لهم تأثير عليهم، علاوةً على ضرورة بحث الأولويات والاستراتيجيات المختلفة لتلك التنظيمات من أجل التقييم الفعَّال لاحتمالية نجاح الحوار.

ويضع التقرير عددًا من المقترحات الهامة في هذا الإطار، وذلك على النحو التالي:

1-    ضرورة أن يكون لدى الوسيط القائم على الحوار مع التنظيمات المتطرفة، سواء كان فردًا أو منظمة، درجة كبيرة من المصداقية والنزاهة من أجل كسب ثقة تلك التنظيمات.

2-    ضرورة وجود ضمانات واضحة من أجل حماية هؤلاء الأفراد الذين يشاركون بشكل مباشر في الحوار مع المتطرفين، وأنه في حالة عدم وجود أرضية مشتركة أو مطالبة المتطرفين بتنازلات محددة سلفًا من الضروري وقف الحوار فورًا.

3-    التعرُّف على نقاط الضعف لدى تلك التنظيمات من أجل التأثير في العملية التفاوضية.

4-    التأكيد على ضرورة منع الجرائم الوحشية بشكل واضح وشفّاف.

وختامًا، يؤكد التقرير أن وضوح المحددات والتحديَّات المرتبطة بإنجاح الجهود الداعية لمنع الجرائم الوحشية للتنظيمات المتطرفة هامة للغاية، من أجل خلق حوار بنّاء مَبني على الثقة بين الأطراف المختلفة. وأنه يجب أن يكون هناك وعي بجديّة تلك التنظيمات، خاصة في ظل توجُّه بعضهم نحو الدخول في مثل تلك الحوارات من أجل كسب مزيد من الوقت للتخطيط لعمليات وحشية أكثر، وهو ما يخلق إشكاليات متعددة تتطلب مهارة خاصة للطرف الوسيط من أجل تعظيم مكتسبات الحوار، سواء لصالح المدنيين والمتضررين، أو لصالح تعزيز الأمن والسلام في المجتمع الدولي بشكلٍ عام.


* عرض موجز لتقرير بعنوان "منع الفظائع من خلال الحوار: تحديّات التعامل مع التنظيمات المتطرفة العنيفة"، الصادر عن "معهد السلام الأمريكي" في الثلاثين من أغسطس من عام 2016.

المصدر:

Sofía Sebastián and Jonas Claes, “Atrocity Prevention through Dialogue: Challenges in Dealing with Violent Extremist Organizations”, (Washington, DC, August 30, 2016)