عودة حذِرَة:

لماذا تصاعدت أنشطة داعش في موزمبيق؟

15 May 2024


قال رئيس موزمبيق، فيليب نيوسي، في 10 مايو 2024، إن جيش بلاده يقاتل الجماعات المسلحة التي شنت هجوماً كبيراً على بلدة ماكوميا الشمالية الغنية بالغاز، وهو ما يُعيد للأذهان سيطرة تنظيم داعش في 2021 على مدينة بالما الغنية بالغاز في موزمبيق، ويأتي ذلك في ظل شن تنظيم داعش موجة جديدة مُتصاعدة من العمليات الإرهابية في عدد من المناطق المختلفة في موزمبيق، وهو ما يطرح التساؤل حول دلالات وتداعيات هذا التصعيد على المشهد السياسي والأمني في البلاد. 

مؤشرات مُتصاعدة: 

 يعود تنظيم داعش في موزمبيق إلى الظهور من جديد بعد تعديل نهجه في مختلف أنحاء البلاد، ومن أبرز مؤشرات عودة التنظيم ما يلي: 

1. تزايد حجم وعدد العمليات الإرهابية: تبنى التنظيم في موزمبيق بشكل رسمي –وفقاً لصحيفة النبأ- ما يزيد عن 35 هجوماً في مناطق مُختلفة من موزمبيق، وكان شهر فبراير هو الأكثر دموية؛ إذ تبنى التنظيم فيه أكثر من 21 هجوماً إرهابياً، فيما بدأ حجم العمليات المُتبناة بالتراجع مع استمرار نشاط التنظيم خلال الشهر الشهريْن الماضييْن، وعاد مرة أخرى بشكل متزايد في مايو 2024، فقد تبنى التنظيم في الأيام العشرة الأولى من مايو 7 هجمات إرهابية، وهو نفس العدد الذي تبناه طوال شهر إبريل، وهو ما يرجح أن يتزايد معدل هجمات التنظيم خلال الأسابيع المتبقية من مايو 2024. 


2. تنوع شبكة الأهداف التي يركز عليها التنظيم: بحسب العمليات التي تبناها التنظيم منذ يناير 2024، يظهر تركيز داعش على الأهداف الرخوة؛ إذ جاءت معظم هجمات التنظيم ضد الكنائس والقرى المسيحية، متعمداً إحراق الكنائس ومنازل المسيحيين، واختطاف وقتل بعض السكان المدنيين، فيما يركز بشكل أقل على استهداف عناصر الشرطة والجيش الموزمبيقي، بالإضافة إلى استهداف القوات الإقليمية المعاونة للجيش الموزمبيقي "سادك". 

3. التركيز على مقاطعة كابو ديلغادو: يتركز نشاط داعش بشكل أساسي في موزمبيق في مقاطعة كابو ديلغادو، الواقعة في أقصى شمال موزمبيق، والتي تبلغ مساحتها 82.625 كيلومتراً مربعاً ويبلغ عدد سكانها 2.320.261 نسمة. فضلاً عن حدودها مع منطقة متوارا، في دولة تنزانيا المجاورة، فهي تجاور مقاطعتي نامبولا ونياسا، وتمثل كابو ديلغادو معقل التنظيم ومركز هجماته الرئيسية؛ إذ ينفذ هجمات في القرى والمدن الواقعة لها مثل: (شيور، أنكواب، نامبولا، ماكوميا، إرات، بيمبا، ميكوفي...) وتُعد منطقتا شيور وماكومبا، الأكثر تأثراً بهجمات التنظيم. 


وجدير بالذكر، أن موزمبيق كانت قد تراجعت ثلاثة مراكز في تصنيف الدول الأكثر تأثراً بالإرهاب خلال عام 2023، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي، مقارنة بتصنيفها على ذات المؤشر خلال عام 2022، فقد حلت موزمبيق في المركز الخامس عشر في مؤشر الدول الأكثر تأثراً بالإرهاب خلال عام 2023، بينما كانت في المركز الثاني عشر خلال 2022، فقد شهدت موزمبيق تراجعاً ملحوظاً في عدد الوفيات نتيجة العمليات الإرهابية خلال 2023. 

4. تنويع التحركات في موزمبيق: لم تقتصر مؤشرات تصاعد نشاط داعش في موزمبيق على تنفيذ عمليات إرهابية فقط، ولكن يبدو أن التنظيم يسعى إلى تنويع تحركاته من خلال الأنشطة الدعوية في مناطق شمال البلاد مع التركيز على فئات الشباب والأطفال؛ إذ نشر التنظيم في 30 إبريل الماضي، تقريراً مصوراً لما أسماه "جانب من النشاط الدعوي للتنظيم" يظهر تجمع عدد من الأطفال يتلقون دروساً على أيدي عناصر التنظيم. 

تحولات رئيسية: 

مرّ تنظيم "ولاية موزمبيق" بمراحل متعددة اتخذت مسميات مختلفة وأهدافاً وارتباطات متشابكة، أثرت في حدود واستراتيجيات نشاطه المختلفة، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 

1. حركة أصولية مُتشددة: تعود أصول التنظيم إلى حركة "أهل السنة والجماعة" في موزمبيق والمعروفة أيضاً باسم "حركة الشباب"، كحركة أصولية متشددة، عملت في جميع أنحاء مقاطعة كابو ديلغادو، منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وكانت موسيمبوا دا برايا، هي مركز انتشار التنظيم، كما نفذ بعض العمليات في بالاما وتشيوري في الجنوب الغربي والجنوب، وماكوميا على الساحل، ونانغادي في شمال المقاطعة، ومقاطعة نياسا إلى الغرب.

2. الانضمام لداعش: في عام 2017، تحالفت حركة أهل السنة والجماعة بقيادة أبو ياسر حسن، مع تنظيم "قوات الديمقراطية المتحالفة ADF"، والذي ينشط بدوره في الكونغو، لتكوين ما سُمي "ولاية وسط إفريقياISCAP " الذين أعلن بيعته لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، وفي 10 مارس 2021، صنّفت وزارة الخارجية الأمريكية الفصيلين في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق على أنهما تابعان لتنظيم الدولة الإسلامية، وأدرجتهما على قوائم الإرهاب، وخلال تلك الفترة أفادت تقديرات متعددة بأن فرع تنظيم داعش في وسط إفريقيا تلقى الدعم والتمويل من قبل "مكتب القرار" التابع لداعش في الصومال من خلال وكلاء في كينيا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا. 

3. مهاجمة المنشآت المدنية: نشط التنظيم، خلال الفترة من 2019 وحتى منتصف 2022، في مقاطعة كابو ديلغادو؛ إذ ركز على استهدف المراكز الحضرية بشكل واضح، وكذا القرى التي توجد بها الكنائس والمسيحيون، وسيطر على بلدة موسيمبوا دا برايا. وهدد التنظيم مشروع الغاز الطبيعي المسال في بالما. وتركز نشاطه في مناطق (أنكوابي، ميتوغ، ماكوميا، موكيمبوا دا برايا، بالما، نانغادي، بيمبا، مويدومبي، كويسانغا)، كما حاول التنظيم السيطرة على عدد من الطرق الرئيسية، وهاجم مؤسسات الدولة مثل: مراكز الشرطة والمراكز الصحية والمدارس.

4. تنظيم ولاية موزمبيق: شكل هجوم المتمردين على مدينة بالما، في 24 مارس 2021، تهديداً حقيقياً لمشروع الغاز الطبيعي المسال، وعجل بالتدخل من كل من مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي ورواندا، في يوليو 2021، وفي مايو من ذات العام، شهد التنظيم تحولاً نوعياً؛ إذ انفصل التنظيم عن "ولاية وسط إفريقيا" وتم الإعلان لأول مرة عن تنظيم "ولاية موزمبيق"، وعمل التنظيم منذ 2022 وحتى اللحظة على التكيف مع عمليات مكافحة الإرهاب، وتحول إلى نمط أكثر مرونة، وهو التحول إلى خلايا صغيرة، كما فقد التنظيم بعض قادته مثل: أبو ياسر حسن، وبونومادي ماتشودي عمر، خلال عام 2023، كما تُشير بعض التقديرات إلى تراجع عدد مقاتلي التنظيم إلى 300 مقاتل ينشطون على طول الساحل وفي غابة كاتوبا، في منطقة ماكوميا، والمناطق المجاورة في مقاطعتي موسيمبوا دا برايا ومويدومبي.  

دلالات مُتقاطعة:

يمكن فهم وتفسير أسباب استمرار وعودة تكثيف نشاط تنظيم "ولاية موزمبيق" رغم الجهود الإقليمية والوطنية في ظل عدد من السياقات التالية: 

1. تمدد انتشار داعش: تمددت خريطة انتشار تنظيم داعش بشكل عام منذ عام 2024، خاصة منذ يناير 2024، وفي أعقاب خطاب المتحدث باسم التنظيم، أبو حذيفة الأنصاري؛ إذ أعاد التنظيم تكثيف عملياته في مناطق الشرق الأوسط، ومنطقة الساحل، وغرب إفريقيا خاصة نيجيريا، وكذا جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى وسط وشرق إفريقيا مثل: موزمبيق والصومال. 

2. التأثر بعدوى الفراشة: تأثر نشاط التنظيم بأثر الفراشة (العدوى) في إفريقيا؛ إذ بات التنظيم أكثر انتشاراً في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموزمبيق والكونغو والصومال ونيجيريا، وهو يسعى إلى استغلال بعض السياقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في القارة الإفريقية، وتعزيز مسارات وشبكات الجريمة المنظمة وعمليات التهريب، مستغلاً بذلك حالة الاستقطاب والتنافس الدولي ليس في إفريقيا فقط ولكن على الساحة الدولية أيضاً. 

وجدير بالذكر أن نشاط تنظيم داعش في موزمبيق تنامى بعودة نشاط فرع التنظيم في الصومال؛ إذ يقوم الأخير بعمليات التخطيط الاستراتيجي وعمليات التوجيه والتمويل للفروع المجاورة. كما يرتبط نشاط التنظيم في موزمبيق أيضاً برغبته في الاستحواذ على مناطق الغاز والتمدد نحو الساحل؛ إذ قد يوفران مصادر تمويل ضخمة للتنظيم، من خلال عمليات التهريب والقرصنة البحرية. 

3. الاستفادة من الفراغات الأمنية: يسعى التنظيم إلى الاستفادة من الفراغات الأمنية التي قد يتركها انسحاب قوات مجموعة التنمية لجنوب إفريقيا "ساداك"، وقوات رواندا المشاركة في مكافحة معاقل التنظيم، وذلك على غرار استفادة التنظيم من انسحاب كل من بعثات الأمم المتحدة، وقوة برخان الفرنسية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا؛ إذ أتاح ذلك للتنظيم حرية انتشار أوسع وإعادة هيكلة عناصره في تلك المناطق؛ وهو الأمر ذاته الذي قد يفعله التنظيم في الصومال مع اقتراب خروج القوات الإفريقية المعنية بمكافحة نشاط حركة الشباب في الصومال. 

4. الاعتماد على الطائفية: يهدف استهداف التنظيم للكنائس والمدن التي يسكنها المسيحيون إلى تحقيق دعاية أكثر انتشاراً وتجنيد عناصر جديدة من خلال الاعتماد على الطائفية، كما أن تلك العمليات ستدفع الحكومة والقوات المساندة لها لتركيز جهودها على حماية الكنائس والمدنيين؛ وهو ما يعني سحب قوات للحماية من بعض المناطق؛ ومن ثم قد يخلق ذلك بعض الفراغات الأمنية في المناطق الغنية بالغاز؛ ومن ثم مهاجمتها؛ وهو نفس الأسلوب الذي سيطر به التنظيم على مدينة بالما، في 2021.  

5. محدودية النشاط: بالرغم من عودة نشاط التنظيم، فإن حجم عملياته ما زال محدوداً مقارنة بنشاط التنظيم خلال الفترة من 2019 وحتى 2022؛ إذ يعاني التنظيم من خلل هيكلي في قدراته التنظيمية والتخطيطية والتسليحية؛ إذ تظهر العمليات التي تبناها التنظيم خلال 2024 اعتماده على أسلحة خفيفة وعمليات قتل عشوائي.

سيناريوهات مُحتملة: 

تحمل العودة التدريجية لنشاط تنظيم داعش في موزمبيق، عدداً من التوقعات والممارسات المرجحة على المستوى الأمني في موزمبيق، لعل من أبرزها: 

• يرجح أن يركز التنظيم على تمديد نشاطه بالقرب من المناطق الغنية بالغاز؛ إذ قد يعمد التنظيم إلى تكرار هجماته في مدينة بالما. 

• قد يركز التنظيم على استراتيجية تجنيد الأطفال والشباب والعناصر الأجنبية لتعويض النقص العددي في عناصره، كما قد يلجأ إلى استقدام وتجنيد عناصر من خارج موزمبيق، ولاسيما من تنزانيا. 

• يرجح أن تدفع عودة نشاط التنظيم مرة أخرى إلى إعادة التفكير في مسألة انسحاب قوات "سادك" ورواندا من موزمبيق، كما سيكون على موزمبيق تعديد شراكاتها الأمنية مع الاتحاد الإفريقي أو الاتحاد الأوروبي، أو روسيا التي باتت تؤدي دوراً بارزاً في الشراكات الأمنية في القارة، ولاسيما مع تأسيس ما يسمى بـ "الفيلق الروسي في إفريقيا" كبديل لشركة "فاغنر"، وفي هذا الشأن يمكن الإشارة إلى تصريح وزير الخارجية الروسي، في يونيو 2023، باستعداد موسكو لتقديم المساعدة لموزمبيق في مكافحة الإرهاب في كابو ديلغادو. 

وفي التقدير، يمكن القول إنه بالرغم من أهمية عدم المبالغة بحجم تهديدات عودة داعش في موزمبيق، فإن هناك حاجة للحذر من تزايد مخاطر تمكن التنظيم من النفاذ إلى البحر وحصوله على مصادر تمويلية جديدة وانتقاله إلى عمليات القرصنة، وكذا تهديده لمشروعات استخراج الغاز الطبيعي المسال، كما أن هناك حاجة لإعادة تقييم مخاطر محتملة لتأثير نشاط التنظيم في الأمن بدول الجوار، ولاسيما تنزانيا حيث يتمركز التنظيم في المناطق الحدودية المجاورة لها.