ضبط التصعيد :

ما هي الرسائل التي حملها "السوداني" في زيارته إلى إيران؟

27 November 2023


أجرى رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الاثنين 6 نوفمبر 2023، زيارة إلى إيران. التقى خلالها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وقد أكد السوداني، خلالها، أن زيارته إلى طهران تأتي في إطار جهود العراق المُستمرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، مُشيراً إلى أن "من يريد احتواء الصراع ومنع انتشاره بالمنطقة عليه إيقاف عدوان الكيان الصهيوني"، مُضيفاً أنه "وإزاء ما يحصل في غزة نؤكد أن المجتمع الدولي والمنظومة الدولية فشلا في الإيفاء بالتزاماتهما حيال الشعب الفلسطيني". 

أبعاد مُتعددة: 

شملت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى طهران عدداً من الأبعاد، يمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:

1- تحذير واشنطن لإيران بوقف الهجمات في العراق: جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى إيران، بعد أقل من 24 ساعة على زيارة أجراها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى العراق، فيما يُعتقد أنها رسائل حملها السوداني إلى الجانب الإيراني، تتعلق بمطالبة طهران بحث مليشياتها في العراق على الكف عن هجماتها ضد القواعد والقوات الأمريكية، والتي تزايدت خلال الفترة التي أعقبت اندلاع التصعيد الأخير في غزة بين إسرائيل وحركة حماس في 7 أكتوبر 2023، وبلغت، وفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية، نحو 40 هجوماً. وفي هذا السياق، فقد صرّح بلينكن، خلال مؤتمر صحافي له في العراق، أنه أوضح تماماً للسوداني أن هذه الهجمات، والتهديدات التي مصدرها مليشيات مُتحالفة مع إيران، غير مقبولة على الإطلاق. كما قامت الولايات المتحدة بالرد على هجمات تلك المليشيات باستهداف مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، في 8 و12 نوفمبر 2023. 

2- طلب مُساعدة إيران للضغط على المليشيات: تُشير المصادر إلى إخفاق رئيس الوزراء العراقي السوداني، في إقناع بعض قادة الإطار التنسيقي، المكون الرئيسي للحكومة العراقية الحالية، بأي مقترح للتهدئة، ومنع تحويل العراق، إلى ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة، إذ أصرت بعض المليشيات المنضوية في الإطار على التصعيد العسكري، وأكدت استمراره طالما استمر التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة. 

لذا فقد قام السوداني بتلك الزيارة إلى إيران، لحث الأخيرة على الضغط على الفصائل المسلحة في العراق بهدف وقف التصعيد. إذ إن الهجمات التي تقوم بها تلك الفصائل ضد القوات والقواعد الأمريكية في العراق، تضر بالعلاقة بين بغداد وواشنطن، وكذلك الاتفاق الاستراتيجي الموقع بينهما، وهو الاتفاق الذي تحرص حكومة السوداني، على استكمال بنوده. بالإضافة لتخوف السوداني نفسه، من أن يؤدي موقفه الرافض لتلك لهجمات إلى إقالته من الحكومة، وهو الأمر الذي تداولته بالفعل بعض الجهات القريبة من الإطار التنسيقي. 

3- تعزيز التعاون الاقتصادي: شدّد رئيس الوزراء العراقي على أن زيارته إلى طهران لتأكيد عمق العلاقة بين البلدين، وحجم المشتركات بينهما. فضلاً عن تأكيد سرعة تنفيذ ملفات التعاون المُشتركة بين البلدين، والتي شهدت خطوات عملية بعد توقف لسنوات. والمثال الأبرز على ذلك مؤخراً، هو قيام رئيس الوزراء العراقي إلى جانب النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر، بوضع حجر الأساس لإنشاء أول خط للسكك الحديدية يربط العراق بشبكة السكك الحديدية في إيران عبر منفذ الشلامجة الحدودي بمحافظة البصرة في سبتمبر 2023؛ بهدف رفع قدرة العراق على تسهيل التواصل واستقبال المسافرين القادمين من إيران. أخذاً في الاعتبار ما أثاره المرشد الأعلى الإيراني خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي من أهمية التعاون الثنائي بين إيران والعراق في المجالين الاقتصادي والأمني، مؤكداً أن "الأمور تتقدم والحمدلله، ولكن يجب الاهتمام بمواصلة متابعة تنفيذ الاتفاقيات بنفس الحافز الأولي وعدم التباطؤ".

ومن جهة أخرى، فقد احتل موضوع تصدير الغاز الإيراني للعراق أهمية على أجندة الزيارة، وذلك في ضوء تخفيض طهران لإمدادات الغاز للعراق إلى النصف، خلال الأيام الأخيرة، بسبب مستحقات تقدر بقيمة 11 مليار يورو، موجودة في حساب مصرفي عراقي لا يمكن لطهران استخدامها، بسبب العقوبات الأمريكية على إيران. وقد جرى الاتفاق بين بغداد وطهران على اتفاق مُقايضة عينية، يقضي بأن تصدر العراق النفط الخام أو النفط الأسود مقابل الحصول على الغاز الإيراني. وهو الاتفاق الذي حظي بموافقة واشنطن، للتخفيف من آثار تقليل الغاز الإيراني للعراق، وما لذلك من تداعيات سلبية على خدمات الكهرباء في العراق. 

4- تأكيد استكمال تنفيذ الاتفاق الأمني: أعرب الرئيس الإيراني، خلال لقائه السوداني، عن تقديره لتعاون العراق في نزع سلاح الجماعات الكردية المعارضة للنظام الإيراني، وتأمين المناطق الحدودية بين البلدين، وطالب بالتنفيذ الكامل للاتفاقات بين بغداد وطهران في هذا الخصوص. 

وقد سبق لإيران أن هددت بغداد بالمهلة التي انتهت يوم 19 سبتمبر 2023، بأنه إذا استمرت الجماعات الكردية المعارضة للنظام الإيراني في العمل في إقليم كردستان فإنها ستتعامل معها عسكرياً بشكل مباشر. وقد بحث وزير الداخلية العراقي، في 8 أكتوبر 2023 تطورات الاتفاق الأمني مع نظيره الإيراني أحمد وحيدي، ورئيس الأركان محمد باقري في طهران. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن باقري قوله إن "إيران تتوقع من العراق نزع أسلحة المجاميع المعادية للثورة بالكامل"، لأن "الإجراءات التي اتُخذت جيدة لكنها ليست كافية"، بحسب تعبيره. 

سياقات مُعقدة: 

ثمّة سياقات مُعقّدة تحيط بزيارة السوداني إلى إيران، وربما تقلل من حجم النتائج المرجوة منها، ويتمثل أبرزها في الآتي: 

1- استمرار الهجمات على القوات الأمريكية: بعد أقل من 24 ساعة على عودة السوداني من زيارته إلى طهران، تبنت الفصائل المُسلحة استهداف قاعدة "حرير" في أربيل بكردستان العراق، التي توجد فيها قوات التحالف الدولي. أخذاً في الاعتبار أن الإعلان عن استهداف القوات الأمريكية في العراق تكرر بعد اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، بعد أن كانت الفصائل نفسها تقوم على مدى السنوات الماضية باستهداف نفس القواعد التي يوجد فيها الأمريكيون، دون تَحمُل فصيل أو طرف مسلح مسؤولية ما يحصل. 

وفي سياق ما بدا رداً مُباشراً، على رسالة السوداني إلى طهران أو وساطة قام بها بناءً على طلب أمريكي بشأن عدم استهداف الفصائل للقواعد التي يوجد فيها الأمريكيون في العراق، فقد أصدرت ما تُسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، وهي التسمية الشاملة التي تطلق على جميع الجماعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران، والتي تشن هجمات على القواعد والقوات الأمريكية والغربية في العراق وسوريا، منذ اندلاع التصعيد الأخير في غزة، بياناً في 6 نوفمبر 2023، أعلنت خلاله استهداف أربع قواعد أمريكية بست هجمات. وقالت في البيان إنها استهدفت قاعدة "عين الأسد" غربي العراق بثلاث هجمات، وقاعدة قرب مطار أربيل شمالي العراق، وقاعدتي تل البيدر شمال سوريا والتنف جنوب سوريا بضربة لكل منهما. فيما يُشير إلى أن طلب السوداني من إيران، لم يلاق قبولاً من جانب إيران للضغط على مليشياتها في العراق وسوريا، والدليل على ذلك استمرار هجمات المليشيات على الأهداف الأمريكية في المنطقة. 

2- طلب "خامنئي" من بغداد الضغط على واشنطن: اتهم المرشد الإيراني الولايات المتحدة، في 25 أكتوبر 2023، بأنها من "يدير الجريمة في غزة". وهو ما أصرّ على تكراره لدى استقباله السوداني، بحضور الرئيس الإيراني وعدد من المسؤولين العراقيين والإيرانيين، قائلاً إن "كل الأدلة تُشير إلى أن أمريكا تتدخل مُباشرةً في إدارة الحرب، منذ الأيام الأولى لهجمات الكيان الصهيوني".

وقد حضّ خامنئي العراق، على أن يؤدي "دوراً خاصاً"، وبالتنسيق مع إيران، في الضغط السياسي على الولايات المتحدة وإسرائيل لوقف الحرب في غزة، مُثمناً مواقف العراق الأخيرة في دعم غزة، واصفاً إياها بـ"القوية والجيدة" داعياً إلى ضرورة "تكثيف الضغوط السياسية على أمريكا وإسرائيل لوقف قتل الفلسطينيين". ويؤشر ذلك على أن إيران ترغب في أن يقوم العراق بدور في الضغط على واشنطن، في ضوء العلاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي تجمعهما، في محاولة معكوسة للدور الذي رغبت واشنطن في أن تؤديه بغداد، في التوسط لدى طهران، لتخفيف الهجمات التي تشنها المليشيات المسلحة ضد القوات الأمريكية. 

3- التماهي مع الموقف الإيراني: صرّح رئيس الوزراء العراقي، خلال زيارته إلى طهران، بأن "قرار جر المنطقة إلى حرب شاملة بيد الطرف الذي يمارس العدوان على غزة"، في إشارة إلى إسرائيل، وتابع: "مواقفنا مُشتركة من القضية الفلسطينية، ونسعى لتحقيق الهدف الأهم، وهو إيقاف إطلاق النار في غزة.. إن موقف العراق ثابت تجاه القضية الفلسطينية، وعبّرت عنه المرجعية الدينية العليا والقوى السياسية والوطنية". وتُشير بعض المصادر إلى أن هذا الموقف من جانب السوداني، جاء بهدف إرضاء الفصائل المشكلة للإطار التنسيقي، والتي تتبنى موقفاً مُتشدداً حيال الولايات المتحدة، باعتبارها الداعم الأبرز لإسرائيل، في حربها على قطاع غزة، وبإمكان تلك الجهات أن تُقيل السوداني، وهو ما تتداوله فعلياً بعض الجهات القريبة من الإطار.

وفي التقدير، يمكن القول إن إيران التي تمتلك القدرة على التأثير في الفصائل المُسلحة، وبالتالي يمكنها منعها من استهداف الوجود الأمريكي في العراق، ما زالت تتبع سياسة مُزدوجة؛ اتصالاً بحرصها على عدم بلورة موقف واضح إزاء ما يُحدث على الأرض، والاعتماد على الأذرع الإيرانية في المنطقة بدءاً من حماس، والتي التقى رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، بالمرشد الإيراني خلال زيارة لطهران في الأيام الماضية. في حين تؤكد طهران أنها لا تمارس أي سلطة فعلية على تلك المليشيات، وبالتالي فهي غير مسؤولة عن هجماتها ضد القوات والقواعد الأمريكية، في محاولة منها للتنصل من مسؤولية تلك الهجمات.

ومن المتوقع أن يستمر التصعيد بين المليشيات المسلحة، وتلك القوات في العراق وسوريا خلال الفترة المقبلة، دونما انخراط طهران المُباشر في الصراع الدائر حالياً في غزة، وهو ما يعقّد من المشهد الأمني والسياسي في كل من العراق وسوريا.