اهتمام خليجي:

اتجاهات التأمين ضد الكوارث الطبيعية في الشرق الأوسط

06 March 2023


على مدار السنوات الماضية، زادت حدة الكوارث الطبيعية والأضرار التي تُحدثها في أنحاء العالم كافة، حيث تضاعف العدد المطلق للكوارث حول العالم منذ الثمانينيات، وشهد العام الماضي نحو 350 إلى 500 كارثة متوسطة إلى كبيرة الحجم، وفقاً لتقرير التقييم العالمي الصادر عن المنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث لعام 2022. كما توقع التقرير ارتفاع عدد الكوارث الطبيعية لتبلغ نحو 560 كارثة بحلول عام 2030، بناءً على المسار الحالي.

وتُلحق الكوارث الطبيعية أضراراً بشكل غير متناسب، حيث تفقد البلدان النامية نحو 1% (في المتوسط) من إجمالي الناتج المحلي سنوياً بسبب الكوارث، مقارنة بنسبة تتراوح بين 0.1 و0.3% في الدول المتقدمة. كما تفتقر أغلب الدول النامية إلى التغطية التأمينية للمساعدة في جهود التعافي وإعادة البناء بشكل أفضل. فمنذ عام 1980، تم التأمين على 40% فقط من الخسائر المتعلقة بالكوارث، في حين كانت معدلات التغطية التأمينية في البلدان النامية أقل من 10%، وكانت قريبة من الصفر في بعض الأحيان؛ لأن معظم هذه البلدان غير قادرة على الوصول إلى أسواق التأمين وإعادة التأمين الدولية لتغطية نفسها ضد تلك الالتزامات الطارئة، حسبما أفاد به التقرير المُعنون بـ"عالمنا مهدد بالخطر: تغيير شكل الحوكمة من أجل مستقبل قادر على الصمود" الصادر عن البنك الدولي.

اتجاهات عالمية:

تتركز أغلب أنشطة التأمين وإعادة التأمين في الاقتصادات المتقدمة، وفي المقابل تسجل الأسواق الناشئة معدلات نمو أعلى، ويرجع هذا الاتجاه إلى الاهتمام المتزايد بمخاطر الكوارث والتي تميل بطبيعتها إلى الارتباط بالدول الناشئة. وتوضح المؤشرات تركز التأمين إلى حد كبير في أسواق أمريكا الشمالية وأوروبا والدول الآسيوية المتقدمة، التي تمتلك تاريخاً طويلاً وسمعة عالمية، وقواعد من الأصول الضخمة والمعرضة للخطر بشكل متزايد والتي تحتاج إلى الحماية. ووفقاً لمجموعة التأمين "Munich Re" في عام 2016، دفعت دول أمريكا الشمالية 31.1% من الأقساط العالمية، ودول أوروبا الغربية نحو 28.8%، والأسواق الآسيوية الأكثر تقدماً (مثل اليابان) نحو 19.8%. ومع ذلك، فإن معدلات النمو في الأسواق الناشئة تفوقها بكثير، وفقاً لتقرير "EY"، حيث ارتفع قسط التأمين على الحياة في الأسواق النامية بنسبة 7.8%، بينما نمت الأسواق المتقدمة بنسبة 4% في عام 2014. وكانت هذه المعدلات 13.2% في الأسواق النامية و3.4% في الأسواق المتقدمة في عام 2015، و20.1% و2% على الترتيب في عام 2016، وما يقدر بـ14.9% و2.1% في عام 2017. ولوحظ وجود نمو قوي بشكل خاص في قطاعات التأمين على الحياة في فيتنام وماليزيا وإندونيسيا. وفيما يتعلق بالتأمين على غير الحياة، كان النمو في الأسواق الناشئة في حدود 5 إلى 8.5% منذ عام 2012، بينما ظل النمو في الأسواق المتقدمة عند حوالي 2%.

وفيما يخص التأمين على الممتلكات والحوادث "P&C"، فقد شهد نمواً بنسبة 4.7% في عام 2019 مقارنة بالعام السابق عليه، لترتفع حصته السوقية إلى نحو 31% من أقساط التأمين العالمية. ولا تزال الأسواق المتطورة - أمريكا الشمالية، وأوروبا الغربية، ودول آسيا والمحيط الهادئ المتقدمة – تسهم بالنصيب الأكبر بنسبة 61% في النمو المطلق في أقساط التأمين ضد المخاطر. بينما سجلت الأسواق الناشئة في أمريكا اللاتينية، وبلدان آسيا والمحيط الهادئ النامية، وإفريقيا، أسرع معدلات نمو بلغت 13% و9% و8%، على الترتيب.

وفي إطار انتشار ثقافة التأمين في البلدان النامية، تتجه المنظمات التنموية العالمية إلى دعم التأمين الصغير "micro- insurance" الذي تم استهدافه كأحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة كمدخل تنموي حديث. وتُقدر شركة إعادة التأمين السويسرية "Swiss Re" أن سوق التأمين الصغير ومتناهي الصغر يمكن أن يغطي 4 مليارات شخص في جميع أنحاء العالم. 

تراجع إقليمي:

تعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق سخونة وجفافاً على مستوى العالم، حيث تواجه بعضاً من أسوأ آثار تغير المناخ مثل السيول والجفاف والفيضانات، إلى جانب الكوارث المتعلقة بالزلازل. وهو الأمر الذي يترتب عليه خسائر مالية ضخمة، خاصة بالنسبة للبلدان التي تعاني بالفعل من انعدام الأمن الاقتصادي، فقد تضرر أكثر من 40 مليون شخص بتكلفة أكثر من 20 مليار دولار على مدار 30 عاماً الماضية، وفقاً للبنك الدولي. وخلال السنوات الخمس الماضية وحدها، تم تسجيل 120 كارثة في المنطقة، نتج عنها متوسط مليار دولار سنوياً من الأضرار والخسائر.

وشهدت تركيا وسوريا أخيراً سلسلة من الهزات الأرضية الشديدة والتي وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها "كارثة القرن"، قائلاً: "نواجه واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية ليس فقط في تركيا ولكن أيضاً في تاريخ البشرية". وقد أشارت "وكالة فيتش للتصنيف الائتماني" إلى أن معظم مدفوعات التأمين بسبب الزلزال ستتحملها شركات إعادة التأمين العالمية، والتي قدرت الوكالة أنها تتجاوز ملياري دولار أمريكي ويمكن أن تصل إلى 4 مليارات دولار أو أكثر. ومع ذلك، يمكن أن تكون الخسائر المؤمن عليها أقل بكثير وربما تبلغ حوالي مليار دولار.  

ومن المرجح أن تكون التغطية التأمينية منخفضة في معظم الأجزاء المتضررة من تركيا وسوريا. فعلى الرغم من إنشاء مجمع التأمين التركي ضد الكوارث "TCIP" بعد زلزال إزميت في عام 1999 لتغطية أضرار الزلزال التي لحقت بالمباني السكنية في المناطق الحضرية، فإنه لا يغطي الخسائر البشرية أو الخسائر غير المباشرة مثل توقف الأعمال. علاوة على ذلك، يعتبر غطاء التأمين ضد الزلازل إلزامياً من الناحية الفنية في تركيا، لكن لا يتم تطبيقه في كثير من الأحيان في الممارسة العملية. ومن المرجح أيضاً أن تكون تغطية التأمين في الأجزاء المتضررة من سوريا منخفضة بالمثل؛ نتيجة للاضطرابات والحروب التي شهدتها البلاد.

وبشكل عام، تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تراجعاً بشكل كبير في معدلات التأمين، حيث لم تتجاوز نسبة عمق التأمين (نسبة الأقساط التأمينية إلى الناتج المحلي الإجمالي) نحو 1.9% في الدول العربية في عام 2020، كذلك تمثل الحصة السوقية لقطاع التأمين في هذه الدول ما نسبته 0.75% من السوق العالمي للتأمين، وهي حصة متواضعة للغاية، كما يتفاوت أداء القطاع بين دول المنطقة لتسجل دول مجلس التعاون الخليجي أداءً متميزاً. 

نمو خليجي:

يتبين مما سبق أن تكرار الكوارث الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط يمثل دافعاً لشركات التأمين وإعادة التأمين للتوسع في تقديم خدماتها في المنطقة وابتكار منتجات جديدة أكثر قدرة على مواجهة المخاطر الكبيرة. وقدمت أزمة "كوفيد19" خير دليل على قدرة شركات التأمين إلى حد كبير على الصمود في وجه تفشي الجائحة والاضطرابات الاقتصادية الناتجة عنها.

ومن المتوقع أن ينمو سوق التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي، ليرتفع من 26.5 مليار دولار في عام 2021 إلى 31.1 مليار دولار في عام 2026، مدفوعاً بالزيادة المستمرة في أعداد السكان، والانتعاش الاقتصادي، وإعادة تشغيل قطاع السياحة، وانتعاش مشاريع تطوير البنية التحتية، علاوة على جهود الحكومات في تشجيع الخدمات المبتكرة القائمة على التكنولوجيا. وفي هذا الإطار، يُتوقع أن تحقق الكويت وقطر والإمارات معدلات نمو سنوية تزيد عن 5.3% و4.7% و4.1% على الترتيب خلال السنوات الخمس المقبلة. 

ختاماً، يمكن القول إن التأمين يمكن أن يؤدي دوراً حاسماً في مواجهة التحديات الرئيسة الناتجة عن الكوارث الطبيعية المتكررة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن لا تزال هناك العديد من العوامل التي تحول دون التوسع في أنشطة التأمين وإعادة التأمين في المنطقة؛ ويأتي في مقدمتها ضعف الوعي المجتمعي بأهمية التأمين، كما أن هناك حاجة إلى منتجات منخفضة التكلفة ومصممة خصيصاً للأسواق الناشئة بما يعزز ثقة المستهلكين في خدمات التأمين ويمنحهم تجربة إيجابية. علاوة على ذلك، يجب على شركات التأمين تبادل خبراتها ومساعدة الأفراد والشركات والحكومات على تقليل المخاطر. ولزيادة الوعي بالفوائد المحتملة للتأمين، سيكون من الضروري زيادة الاستثمار في التعليم المالي. ويُعد وجود سياسة عامة وإطار تنظيمي شرطاً مسبقاً لتطوير سوق تأمين فعّال لدول المنطقة.