التصعيد خياراً:

رسائل الولايات المتحدة وروسيا عقب زيارة الرئيس الأوكراني واشنطن

27 December 2022


استقبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، يوم 21 ديسمبر 2022. وكان زيلينسكي وصل إلى قاعدة أندروز الجوية على متن طائرة عسكرية أمريكية في أول زيارة خارجية يقوم بها منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، في 24 فبراير الماضي. واستمرت زيارة زيلينسكي إلى الولايات المتحدة لمدة عشر ساعات فقط.

أبعاد زيارة زيلينسكي: 

تضمنت زيارة زيلينسكي إلى الولايات المتحدة عدة لقاءات، وذلك على النحو التالي: 

1- لقاء وزير الخارجية الأمريكي: التقى زيلينسكي وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، فور وصوله واشنطن، حيث أكد بلينكن في مؤتمر صحفي أن روسيا لم تظهر أي اهتمام بالانخراط في "دبلوماسية جدية" لإنهاء الحرب، وذلك في محاولة لتبرير الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وتصعيد واشنطن هذا الدعم عبر إرسال نظم الدفاع الجوي الأمريكية من طراز باتريوت. 

2- الاجتماع مع بايدن: استقبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره الأوكراني في البيت الأبيض، حيث أكد له مجدداً مواصلة الدعم الأمريكي لبلاده مع استمرار العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا. وأعلن بايدن، تقديم مساعدات لأوكرانيا بقيمة 1.85 مليار دولار لتوفير الذخائر، وذلك خلال مؤتمره الصحفي مع زيلينسكي، في البيت الأبيض. كما أكد بايدن أن "بوتين لن ينتصر فيها". 

وفي المقابل، أكد زيلينسكي في المؤتمر الصحفي أن "بوتين .. من الممكن أن يهاجم دولاً أوروبية أخرى"، وذلك في مسعى منه للحفاظ على الدعم الغربي لأوكرانيا على أساس أن أوكرانيا تدافع عن الدول الأوروبية الأخرى من التهديدات الروسية، فضلاً عن تأكيد زيلينسكي أهمية "مساءلة روسيا على ما تقوم به" من انتهاكات في أوكرانيا. 

3- خطاب زيلينسكي في الكونجرس: هدف خطاب زيلينسكي أمام الكونجرس الأمريكي لمحاولة ضمان التأييد الأمريكي مستقبلاً، خاصة مع سعي الإدارة الأمريكية لتمرير ميزانية مقدرة بحوالي 45 – 50 مليار دولار لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وهناك مخاوف من أن يتراجع الدعم الأمريكي عندما يتولى الجمهوريون قيادة مجلس النواب مطلع يناير 2023. وسعى الديمقراطيون لمؤازرة زيلينسكي، فقد وجهت نانسي بيلوسي، زعيمة مجلس النواب الديمقراطية، رسالة إلى الكونجرس مطالبة الأعضاء بمواصلة دعم أوكرانيا، مشبهة الأخيرة ببريطانيا في عام 1941، حينما طلبت الدعم الأمريكي لمواجهة ألمانيا النازية.

وفي حين أن الأغلبية من الجمهوريين والديمقراطيين عبروا عن دعمهم لزيلينسكي عبر الوقوف له عند دخوله للكونجرس والتصفيق له بحرارة، فإن بعض المشرعين المنتمين إلى الحزب الجمهوري جلسوا على مقاعدهم بصورة طغى عليها التحدي. كما أكد زعيم غالبية الحزب الجمهوري في الكونغرس، كيفن ماكارتي، والذي سيتولى رئاسة مجلس النواب خلفاً لبيلوسي، أن موقفه بشأن تخفيض المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا لم يتغير حتى بعد خطاب زيلينسكي. وأضاف أنه يدعم أوكرانيا ولكن ليس على طريقة "شيك على بياض"، وهو ما يعني أن أطروحات السلام الأوكرانية، والتي تقوم على هزيمة روسيا بشكل كامل لن تلقى صدى لديهم، إذ لا يتوقع أن يوافقوا على هذه المبالغ الطائلة لدعم أوكرانيا. 

أهداف الزيارة الخاطفة:

عكست زيارة زيلينسكي الخاطفة إلى واشنطن عدداً من الدلالات، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1- تأكيد استعداد واشنطن للتصعيد: تمثل أحد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة من زيارة زيلينسكي هو تأكيد ضمان الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وهو ما وضح على لسان الناطقة الرئاسية الأمريكية، كارين جان – بيار، في بيان أن هذه الزيارة تؤكد أن الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا "طالما اقتضت الضرورة".

ويرتبط الموقف الأمريكي بعاملين أساسيين. أولهما، وجود تقييم لدى الدوائر العسكرية الأمريكية والأوكرانية، يرى أن روسيا قد تتجه لتصعيد الصراع في أي وقت، وأنها قد تتجه لفتح جبهة جديدة للحرب ضد العاصمة كييف انطلاقاً من الأراضي البيلاروسية، خاصة في ظل الزيارات المكثفة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والبيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، فقد زار الأول بيلاروسيا في 20 ديسمبر 2022، لتتبعها زيارة لوكاشينكو إلى موسكو في 24 ديسمبر. كما أنه خلال الزيارة الأولى، أعلن لوكاشينكو إعادة تجهيز الطائرات العسكرية البيلاروسية لإمكانية حمل أسلحة نووية، فضلاً عن نشر قوات روسية يقدر عددها بحوالي عشرة آلاف جندي في بيلاروسيا، وهو ما أثار مخاوف غربية من إمكانية فتح روسيا جبهة للحرب من جديد من بيلاروسيا، وذلك لتهديد العاصمة كييف، ودفع أوكرانيا لسحب قواتها المنتشرة في جنوب وشرق أوكرانيا. 

ومن جهة أخرى، فإن هناك تقييمات عسكرية ترى أن الجنرال سيرجي سوروفيكين، قائداً للقوات الروسية في منطقة العمليات العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ينظر إلى الحرب في أوكرانيا باعتبارها حرباً متعددة السنوات، أي أنه ليس في عجلة في أمره لإنهاء الحرب في وقت قريب. 

أما ثاني هذه العوامل، فيرتبط بوجود مخاوف لدى الإدارة الأمريكية من تراجع دعم الكونجرس لأوكرانيا، خاصة مع سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب مطلع العام القادم. ولذلك قام زيلينسكي بإلقاء خطاب أمام الكونجرس، والذي لايزال يحظى بأغلبية ديمقراطية، حتى نهاية عام 2022، وذلك لضمان تمرير حزمة دعم أمريكية إضافية، والتي قدرت بحوالي 45 مليار دولار، وذلك ليرتفع إجمالي الدعم الأمريكي لأوكرانيا خلال العام الحالي إلى 100 مليار دولار، وهي الوتيرة التي قد لا يتم الحفاظ عليها خلال الكونجرس الجديد المهيمن عليه من الجمهوريين.    

وفي ضوء ما سبق، فإن إدارة بايدن تسعى لاستثمار زيارة زيلينسكي إلى واشنطن لتأكيد عزمها على دعم أوكرانيا عسكرياً مهما تطلب الأمر، ومحاولة حصد تأييد بين الحزبين على ذلك، وهو ما عبر عنه زيلينسكي صراحة، حينما دعا المشرعين في الكونجرس إلى مواصلة دعم أوكرانيا على أساس تأييد الحزبين. 

2- الترويج لـ "السلام العادل والمستدام": تمثل أحد أهداف زيارة زيلينسكي لواشنطن في محاولة بلورة تصور أوكراني للسلام، خاصة بعدما مارست واشنطن ضغوطاً على أوكرانيا على مدار الأشهر الأخيرة لإسقاط أحد مطالبها للتفاوض مع روسيا لوضع نهاية للحرب الروسية – الأوكرانية، والتي تتمثل في رحيل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. 

وقدم زيلينسكي إلى بايدن خطة سلام مكونة من عشر نقاط، لم يتم الكشف عنها، وإن كان من الملحوظ أن تصريحات الرئيس الأوكراني تعكس تشدداً غير واقعي، إذ أنه اعتبر أن السلام العادل "لا يمثل تنازلات فيما يتعلق بسيادة بلدي وحريته وسلامة أراضيه، ولكن تعويض جميع الأضرار التي سببها العدوان الروسي"، وهو ما يعني أنه يسعى إلى استعادة السيطرة على الأراضي التي ضمتها روسيا، ولكن كذلك إلى مطالبة روسيا بتعويضات، وهي مواقف لن تتجاوب معها موسكو. 

وقد كشف بلينكن أثناء اجتماعات عبر الفيديو مع وزراء خارجية دول مجموعة السبع، في 22 ديسمبر، عن فكرة "السلام العادل"، الذي اقترحه زيلينسكي خلال زيارته واشنطن. ووصف بلينكن طرح الرئيس الأوكراني بأنه "بداية جيدة"، وأوضح بلينكن أن أي سلام يجب أن يكون "عادلاً ومستداماً". ويتمثل السلام العادل، وفقاً له، في سحب روسيا قواتها من الأراضي الأوكرانية، أما السلام المستدام فيتمثل في تقديم ضمانات لأوكرانيا، بعدم تكرار روسيا ما فعلته بها مستقبلاً.


أما الإدارة الأمريكية، فقد كان لديها ثلاثة تصورات للسلام في أوكرانيا، ولكل منها أتباع داخل الإدارة الأمريكية. ويتمثل التصور الأول، في خطة زيلينسكي نفسه للسلام، والتي تتمثل في الانسحاب الروسي من جميع الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ومناطق شرق دونباس التي سيطرت عليها قوات موالية لروسيا منذ 2014. أما التصور الثاني، فتتمثل في انسحاب روسيا إلى خطوط السيطرة في عام 2014، أي التسليم بسيطرتها على القرم وأجزاء من الدونباس، والتي كانت خاضعة للمتمردين الموالين لروسيا. أما الخيار الثالث فيتعلق بالانسحاب من دونباس، ولكن ليس شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في 2014. ورفض زيلينسكي الخيارين الثاني والثالث. 

ولاشك أن التصورات الأمريكية للسلام تتعارض كلياً مع ما هو مطروح روسياً، إذ أكد مدير دائرة أمريكا الشمالية بالخارجية الروسية، ألكسندر دارتشييف، في 23 ديسمبر، على استعداده للتوصل لسلام، ولكن بعد انتهاء العمليات العسكرية الروسية بضم الأقاليم الأربعة الأوكرانية، ثم مناقشة الضمانات الأمنية لموسكو مع الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لما أشار إليه بعد يوم واحد من التصريحات الأمريكية. 

وبطبيعة الحال، فإن التصورين الروسي والأوكراني للسلام سوف يتوقف على نتائج حرب الشتاء، ومدى تمكن روسيا من السيطرة على مناطق إضافية في الأقاليم الأوكرانية الأربعة. ويكشف ما سبق أن نظرة البلدين للسلام تختلف اختلافاً جوهرياً عن بعضهما البعض، وهو ما يعني استمرار التعويل على الأداة العسكرية لحسم الصراع. 

وأكد هذا الأمر، هنري كيسنجر، والذي أكد إمكانية إجراء استفتاء تحت إشراف دولي للبت في أمر الأراضي التي انضمت إلى الاتحاد الروسي، في حال ما إذا ثبت استحالة العودة إلى المشهد الذي كانت عليه الأوضاع في عام 2014، وهو ما يعني أن نتائج السلام سوف تتحدد أولاً في الميدان. 

3- إمداد أوكرانيا بصواريخ باتريوت: أعلنت واشنطن أثناء زيارة زيلينسكي أنه سيتم إمداد أوكرانيا بنظام الدفاع الجوي "باتريوت"، بعدما شدد على حاجته الماسة إليه لصد ضربات القوات الروسية على البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، خاصة محطات الكهرباء، إذ تمكنت موسكو من تدمير أغلب منظومات الدفاع الجوي التي كانت أوكرانيا تمتلكها، خاصة "إس 300"، فضلاً عن نفاد ذخيرتها، وهو ما تطلب إبدال هذه المنظومة بغيرها. 

ويلاحظ أن نظام الدفاع الجوي الصاروخي باتريوت، وهو نظام دفاعي تكتيكي يوفر الحماية لمواقع مهمة من المنظور الاستراتيجي أو العسكري، مثل منشآت الطاقة، وذلك في محاولة لحمايتها من الهجمات الروسية، إذ لا يمكن أن يوفر هذا النظام الحماية لمجمل الأراضي الأوكرانية، أو مناطق واسعة منها. 

ويلاحظ أن هذه النظم لن تكون قادرة على تأمين منشآت الطاقة الأوكرانية أو المواقع العسكرية المهمة بشكل كامل، نظراً لأن موسكو تعمد إلى استنزاف منظومات الدفاع الجوي الأوكرانية عبر إرسال صواريخ وهمية إلى جانب الصواريخ التي تستهدف منشآت الطاقة، وذلك لإضعاف فاعلية نظم الدفاع الجوي الأوكرانية. 

وفي المقابل، فإن إرسال مثل هذه الأسلحة سوف تؤشر إلى تورط أمريكي إضافي في الصراع عبر إرسال مزيد من القوات الغربية، تحت ستار المرتزقة لتشغيل هذه النظم، خاصة إذا ما أرادت واشنطن نشر هذه النظم بسرعة. فوفقاً للخبراء العسكريين الأمريكيين، فإن التدريب على باتريوت سوف يستغرق عدة أشهر، في حين أن تدريب عناصر الجيش الأمريكي على صيانتها أو إصلاحها يستغرق عاملاً كاملاً. ولن يكون بإمكان أوكرانيا الانتظار كل هذه المدة، إذا ما أرادوا مواجهة الهجمات الروسية على بنيتهم التحتية.

4- رفض مطالب زيلينسكي الأخرى: طلب الرئيس الأوكراني خلال زيارته إلى واشنطن الحصول على أسلحة أمريكية أخرى، على غرار دبابات "إبرامز" ومقاتلات "إف 16"، والصواريخ دقيقة التوجيه طويلة المدى، والطائرات المسيرة، وهو ما رفضته واشنطن، غير أنه من الملاحظ أن واشنطن كانت تتحفظ في البداية على إمداد أوكرانيا بصواريخ باتريوت، ثم اتجهت للموافقة على إمدادها بها بعدما نجحت موسكو في تدمير نظم الدفاع الجوي الأوكرانية أو استنفاد ذخيرتها، وهو ما يعني أن واشنطن قد تلجأ إلى الموافقة مستقبلاً على إمداد أوكرانيا بهذه الأسلحة، غير أن هذا الأمر سوف يترتب عليه إرسال مزيد من القوات الغربية تحت ستار المرتزقة، بما يحمله ذلك من مخاطر تصعيد عالية.

وعبّر الرئيس بايدن عن ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع زيلينسكي، حينما أجاب عن سؤال حول الصواريخ دقيقة التوجيه، حيث أكد أن مثل هذا الأمر سوف يدمر وحدة دول الحلف خلف دعم أوكرانيا، نظراً لأنها لا تفكر في الذهاب "إلى حرب ضد روسيا، فهم لا يهدفون إلى حرب عالمية ثالثة".   

رد فعل موسكو: 

اتجهت موسكو للرد على زيارة زيلينسكي إلى واشنطن، وذلك من خلال الخطوات التالية:

1- التأكيد على تورط واشنطن في الصراع: استغلت موسكو الدعم الأمريكي لأوكرانيا خلال زيارة زيلينسكي للتأكيد أن واشنطن باتت طرفاً في الصراع ضد روسيا، فقد اعتبر الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف أن واشنطن تشن "حرباً غير مباشرة" ضد روسيا. 

وتهدف موسكو من ذلك إلى إضفاء الشرعية على السردية الروسية، والتي ترى أن هدف واشنطن من دعم أوكرانيا هو إضعاف روسيا على المدى الطويل، وسبق وأن وظفت وسائل إعلامية روسية تصريحات المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، والتي قالت خلالها إن اتفاقات منسك كانت تهدف لمنح كييف الوقت الكافي لتعزيز قدراتها العسكرية، وإنها استغلت هذه الفرصة جيداً، وهي اليوم أقوى مما كانت عليه في الأعوام 2014 – 2015، ليؤكد الكرملين صحة تقييماته بأن الغرب لم يكن أبداً جاداً في تسوية الأزمة في شرق أوكرانيا من خلال اتفاقات منسك، والتي رفضت كييف تطبيقها، وهو ما أعاد بوتين التأكيد عليه في 22 ديسمبر: "صبرنا وصبرنا أملاً في عقد اتفاقات سلام معينة (مع أوكرانيا والغرب)، ثم تبين أنهم احتالوا علينا ببساطة".

وفي ضوء ما سبق، فإن موسكو تعتبر عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا مبررة تماماً، لضمان أمنها في مواجهة مساعي الولايات المتحدة لضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، ومن ثم نشر قواعد الحلف بالقرب من الحدود الروسية، فضلاً عن وقف الإبادة للروس على الأراضي الأوكرانية السابقة.

2- السخرية من باتريوت الأمريكية: علّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نوايا واشنطن نشر صواريخ باتريوت بالسخرية، وذلك عبر تأكيده أن المنظومة الأمريكية قديمة تماماً، ولا تعمل كما تعمل منظومة "إس – 300" الروسية، ومؤكداً أن روسيا سوف تجد حلاً لها، في إشارة ضمنية إلى أنها ستعمل على تحييدها. ويلاحظ أن قدرات باتريوت تبدو أقل في بعض المواصفات الفنية لمنظومة "إس 300" الروسية. 

3- تأكيد موسكو تحقيق أهداف أخرى: سعت موسكو إلى التأكيد على نجاحها في تحقيق جانب من أهدافها العسكرية في أوكرانيا، وهو ما لم يقتصر على ضم أراضٍ أوكرانية إليها، ولكن كذلك نزع سلاح أوكرانيا، وهو ما يتم من خلال تدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، بالإضافة إلى نفاذ مخزونات أوكرانيا سريعاً من الأسلحة، وهو ما انعكس سلباً كذلك على الدول الداعمة لها.

ووفقاً للتقديرات الغربية، فقد استخدمت روسيا ذخيرة في يومين أكثر من مخزون الجيش البريطاني. كما أنه في ظل معدلات استهلاك المدفعية الأوكرانية الحالية، فإن المخزونات البريطانية قد تستمر لمدة أسبوع ولن يكون حلفاء المملكة المتحدة الأوروبيون في وضع أفضل. ومن جهة أخرى، أمدت الولايات المتحدة أوكرانيا بحوالي ثلث مخزونها من صواريخ جافلين المضادة للمدرعات، وصواريخ ستنجر المضادة للطائرات، غير أنها لن تكون قادرة على تعويض هذه المخزونات سريعاً. 

ومن جهة أخرى، فإنه عندما أرسلت فرنسا ستة مدافع هاوتزر ذاتية الدفع من طراز "قيصر" إلى أوكرانيا في أكتوبر 2022، فإنها قامت بذلك عبر تأجيل تسليم طلبية دنماركية لهذا النوع من المدفعية. وكشفت هذه الوقائع عن انكماش البنية الصناعية العسكرية للدول الغربية، خاصة الأوروبية، أي أن الحرب لم تمثل استنزافاً عسكرياً لأوكرانيا، ولكن كذلك للدول الغربية الداعمة لها. 

وفي الختام، تكشف الوقائع السابقة عن أن تصورات السلام بين روسيا وواشنطن متباينة بشدة، وسوف يكون العامل الحاسم في تغيير ذلك الوضع، أو إحداث تقارب في طروحات السلام هو الوضع الميداني على الأرض، وتحديداً قدرة أوكرانيا على الصمود أمام الهجمات الروسية خلال فصل الشتاء، إذ أن أي انتكاسة أوكرانية جديدة سوف يجعل أطروحات السلام الأوكرانية مستحيلة، ويفتح الباب على التفاوض على أساس الرؤية الروسية للسلام.