واقع جديد:

مواقف أطراف الداخل اليمني من عاصفة الحزم

31 March 2015


مع بدء الساعات الأولى من يوم 26 مارس 2015 بدأ تحالف "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة العربية السعودية أولى عملياته العسكريه الجوية على مواقع عسكرية تقع تحت سيطره الحوثيين والرئيس السابق على عبدالله صالح.

وبحسب بيان دول التحالف، فإن عاصفة الحزم جاءت "استجابة لطلب الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية لحماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية التي كانت، ولاتزال، أداة في يد قوى خارجية لم تكف عن العبث بأمن واستقرار اليمن الشقيق، وأصبحت هذه الميليشيات تشكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة واستقرارها وتهديداً للسلم والأمن الدولي. وقد طالت اعتداءاتها كذلك أراضي المملكة العربية السعودية، وأصبحت دول الخليج تواجه تهديداً مستمراً لأمنها واستقرارها بوجود الأسلحة الثقيلة وصواريخ قصيرة وبعيدة المدى خارج سيطرة السلطة الشرعية".

وأيدت القمة  العربية التي اختتمت أعمالها في شرم الشيخ  يوم 29 مارس 2015 استمرار هذه العملية حتى انسحاب الحوثيين وتسليم أسلحتهم، باعتبارها تستند إلى ميثاق جامعة الدول العربية وقراراتها بشأن الأوضاع في اليمن، كما تستند إلى المادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك وإلى قوانين ومبادئ الجامعة العربية.

ومع التأييد الإقليمي والدولي لهذه العملية، فإنه من الضروري التوقف أمام مواقف الأطراف السياسية الرئيسية في المشهد السياسي اليمني، وتأثير ما يجري على مواقفها، وما هي الإمكانيات المتاحة للحل السياسي؟

مواقف الأطراف السياسية الرئيسية

1 ـ المؤتمر الشعبي العام: رفض العملية واعتبر ما يجرى "شأناً داخلياً نتيجة صراع على السلطة بين بعض الأطراف ولا علاقه للمؤتمر به"، ودعا إلى العودة إلى طاوله الحوار. وفي الوقت الراهن، ومع ما شهده الحزب من انشقاقات لبعض قياداته في محافظة مأرب أو المحافظات الجنوبية، لم يعد المؤتمر بتلك القوة والتماسك التي كان عليها إلى منتصف عام 2014.

وكادت التسريبات الأخيرة عن لقاء نجل الرئيس صالح  قبل يومين من عاصفة الحزم بوزير الدفاع السعودي وعرضه التخلي عن الحوثيين، بل وقتالهم مقابل بعض الضمانات لوالده، ومنها رفع العقوبات الدولية وتمتعه بالحصانة الشخصية والمالية، أن تُحدِث حالة من الخلاف بين صالح والحوثيين، ولكن سرعان ما نفت وسائل إعلام صالح التسريبات، واعتبر بعض قياديي الحوثيين أن هدفها الوقيعة بينهم والمؤتمر. وحاول صالح من خلال خطاب متلفز موجه إلى القمة العربية الاستنجاد بالزعماء العرب لوقف العمليلت العسكرية الجوية، لكن ذلك لم يلق أي تجاوب ، ولم يتم الإدلاء بتصريح عربي تناوله بالإيجاب أو السلب.

2 ــ الحوثيون: رفض عبد الملك الحوثي في خطابه يوم 26 مارس العملية العسكرية، وهدد في الوقت نفسه بالرد بقوله: "هل تريدون أن تقتلونا ونسكت"؟ وهل تريدون بحصاركم الجوي والبحري أن نموت جوعاً ونوافق"؟، وهو موقف يحمل في دلالاته لغة من التحدي. كما أعلن عن تشكيل خمس جبهات: أمنية خارجية لصد ما يعتبره العدوان، وداخلية تستولي على مفاصل الدولة وتمنع انهيارها، وثالثة لجمع الدعم المادي للمقاتلين، ورابعة إعلامية للتصدي لكل الحملات الخائنة داخلياً وخارجياً، وخامسة تعتمد على الخطباء والعلماء في حشد الناس ضد عاصفة الحزم.

3 ـ التجمع اليمني للإصلاح: عبر عن تمسكه بالحوار، ودعا إلى تحكيم منطق العقل وتقديم المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. وكان القيادي في الحزب محمد قحطان، قد نبه إلى خطورة الوضع في اليمن بعد التحركات العسكرية على حدود المناطق الجنوبية، وناشد المملكة والقيادات الخليجية ورعاة المبادرة الخليجية سرعة التحرك لإنقاذهم من ويلات وكوارث الاحتراب والصراعات الدموية، ووضع حد لمحاولات تفجير الوضع في المناطق الجنوبية.

والتجمع اليمني هو أكبر الأحزاب السياسية في اليمن وأكثرها تنظيماً وتماسكاً، ويتكون من الجناح القبلي وجناح حركة الإخوان المسلمين، وكانت علاقته في الفترة الماضية قد شهدت توتراً مع المملكة العربية السعودية، التي تناصب حركة الإخوان المسلمين العداء، إلا أن العلاقة في الوقت الراهن تتحسن مع الحزب.

4 ـ حزب التنظيم الوحدوي الناصري: يقف مع شرعية هادي، وضد عاصفة الحزم، ويطالب بوقف جميع العمليات القتالية فوراً، وانهاء كافة أشكال انتهاك السيادة، وإلى انسحاب الحوثيين وحلفائهم وكافة المجاميع المسلحة من جميع المحافظات، وتمكين الحكومة من القيام بمهامها وبسط الدولة نفوذها على كامل اليمن، وألمح الحزب إلى أن ممارسات الحوثيين وتقويضهم السلطة الشرعية أدى في مجمله إلى استدعاء الخارج، وهو ما يرفضه الحزب، ويطالب بالعودة إلى الحوار الجاد والمسؤول لإخراج البلد من أزمته.

5 ـ الحزب الاشتراكي اليمني: لم يحدد موقفاً صريحاً لرفض عاصفة الحزم، لكنه أكد رفضه لنهج الحروب، ودعا إلى التخلي عن لغة السلاح والعمل في إطار المصلحة الوطنية للشعب اليمني.

المحافظات الجنوبية وموقف القوى السياسية

1 ـ قوى تؤيد عاصفة الحزم وتؤيد الرئيس هادي، وتمثل نسبة بسيطة من الحراك الجنوبي، والذي شاركت قيادته في مؤتمر الحوار الوطني، ولا تأثير قوي لها في المشهد السياسي الجنوبي.

أما القوة الأخرى وهي اللجان الشعبية المسلحة التي أسسها وزير الدفاع السابق في عام 2012 لمواجهة تنظيم القاعدة، فهي التي دخلت عدن وواجهت قوات الأمن الخاص الموالي للحوثيين وصالح.

كما أعلنت الكتلة البرلمانية للجنوب مباركتها للعملية وتأييدها للرئيس هادي. ويعبر عن نفس الموقف أعضاء اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام في المحافظات الجنوبية.

من جانب آخر بارك الشيخ حميد الأحمر، وهو أبرز قيادي في الجناح القبلي لحزب الإصلاح، ويقيم في الوقت الراهن في تركيا، بالإضافة إلى قائد الفرقة الأولى مدرع اللواء علي محسن الأحمر المقيم في السعودية والقريب من حزب الإصلاح، باركا الضربة، ولا يُستبعَد عودة محسن إلى مأرب للقتال ضد صالح.

2 ـ قوى لا تتفق مع هادي ولكنها تؤيد عاصفة الحزم، ويمثل هذا الاتجاه علي سالم البيض نائب رئيس الجمهورية السابق وشريك صالح في تحقيق الوحدة، والذي أصدر بياناً رحب فيه بعاصفه الحزم الموجهة ضد الحوثيين وصالح المحتلين لدولة الجنوب، ووجه التحية للمشاركين في العملية لوقوفهم مع شعب الجنوب المظلوم والمقهور، واعتبره قرار طال انتظاره للتخلص من جنرالات ومجرمي حرب احتلال الجنوب.

وينظر علي سالم البيض للرئيس هادي بأنه رئيس دولة الاحتلال بالجنوب، وطالب مؤيديه بالتحرك فوراً لطرد المحتل اليمني.

ومن المواقف التي لم تعلن حتى الآن، ولكنها معروفة انطلاقاً من طبيعته السياسية، موقف حزب رابطة أبناء الجنوب العربي الحر المؤيد للضربة، والذي يتزعمه عبدالرحمن الجفري.

3 ـ حلف قبائل حضرموت، لم يعلن موقفه، والذي هو في كل الاحوال يؤيد الضربة، لكن للحلف توجهه السياسي، وهدفه المعلن أن يتحكم أبناء حضرموت بثرواتهم.

العمليات العسكرية وخلق واقع جديد

لاشك في أن توقف العمليات والتوجه إلى الحل السياسي يرتبط بتخلي الحوثيين عن السلاح وانسحابهم من المناطق التي سيطروا عليها، وإلا فإن العمليات ستتواصل، وسيؤدي نجاحها إلى إضعاف الحوثيين، وطردهم من - أو تخليهم عن - المناطق التي سيطروا عليها، وعودتهم إلى معقلهم الرئيسي في صعدة، هذا إضافة إلى ضعف، إن لم يكن، تفكك المؤتمر الشعبي العام، وبالتالي معاودة تصدر حزب التجمع اليمني للإصلاح  صدارة المشهد السياسي، بالإضافة إلى توقع دور سياسي متزايد لحزب الرشاد السلفي.

ومن المتوقع أن تشهد المبادرة الخليجية مراجعة كاملة تُسقِط من بنودها مكتسبات حصل عليها الرئيس السابق، وتعيد النظر في مطالب أبناء الجنوب، وتعزز من مكانتهم في مسار العملية السياسية.

وستواصل المملكة العربية السعودية دعمها لحلفائها، وسوف تراجع المملكة هذا الملف الذي أحدث فيه صالح الكثير من الضرر؛ فهي اللاعب الرئيسي في اليمن، ويمتد نفوذها إلى القبائل، سواء من حاشد أو بكيل أو قبائل مأرب في الشمال أو قبائل حضرموت وشبوة في الجنوب، وكذلك إلى عدد من الاحزاب السياسية في الجنوب والشمال.

خلاصة واستنتاجات

يمكن القول إنه أمكن تحديد بداية العملية، ولكن لا يمكن تحديد نهايتها، وسيناريو الفشل مستبعد إلا إذا طال أمد عملية عاصفة الحزم وتزايد عدد الضحايا من المدنيين، لأن طول الفترة له تأثيرات سلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية في اليمن. وتتفاوت مشاعر الناس بين مرحب ومعارض. والملفت أن هذا التمايز لا يقوم على أساس مذهبي أو مناطقي. ولكن في حالة التدخل البرس قد يختلف الأمر كثيراً، فاليمنيون عبر تاريخهم يتحسسون منه.

ولا شك في أن ما يحدث، خاصة لدى القبائل في شمال الشمال (وهي قبائل مسلحة قد توافرت لها بيئة مناسبه يتعاملون مع الحروب كمهنة يعيشون عليها، كما أن الأحداث ستؤدي إلى ظهور حراك جنوبي مسلح بعد انتشار حالة الفوضى ونهب المعسكرات في عدن ولحج وأبين من مدن الجنوب، لتدخل معظم مناطق اليمن في نطاق ودائرة العسكرة.

أخيراً، فإنه وبعد انتهاء عاصفه الحزم، يتطلب الأمر من دول مجلس التعاون الخليجي إعادة النظر في تعاملها مع اليمن والتفكير الجاد لمساعدته في حل مشاكله الاقتصادية، وإعطائه الأولوية في الاهتمام حتى لا تتكرر المآسي مرة أخرى، وتوجيه المساعدات نحو إيجاد الوظائف، وربما فتح المحال أمام اليمنيين للعمل بدول الخليج.