• Login

حراك إقليمي:

أهداف اجتماع وزراء خارجية ليبيا وتونس والجزائر

15 June 2022


استضافت العاصمة التونسية اجتماعاً ثلاثياً لوزراء خارجية كل من الجزائر، رمطان لعمامرة، وليبيا، نجلاء المنقوش، بالإضافة لنظيرهما التونسي، عثمان الجرندي، في 10 يونيو 2022، في إطار بحث عدد من الملفات المشتركة، في مقدمتها مسارات الأزمة الليبية خلال الفترة المقبلة، وسبل تعزيز الاستقرار هناك، وهو الاجتماع الذي عكس دلالات مهمة، خاصةً في ظل السياقات الداخلية والإقليمية المحيطة به.

ثلاثة اجتماعات موازية:

شهد الملف الليبي خلال الأيام الأخيرة تطورات إقليمية لافتة، انعكست في تعدد الاجتماعات التي استضافتها دول المنطقة في إطار مساعي الوصول إلى تسوية للأزمة وصياغة ترتيبات داخلية جديدة، ويمكن الإشارة إلى هذه الاجتماعات على النحو التالي: 

1- اجتماع ثلاثي في تونس: هيمن الملف الليبي على المباحثات الثلاثية التي جمعت وزراء خارجية تونس والجزائر وليبيا، حيث أكد البيان الختامي للاجتماع ضرورة إنجاز الاستحقاقات الانتخابية في ليبيا، من خلال التوافق بين مختلف الأطراف الليبية، لتعزيز الاستقرار في ليبيا ومحيطها الإقليمي، ورحب الوزراء باستئناف مشاورات اللجنة الدستورية المشتركة في القاهرة، داعين مجلسي النواب والدولة إلى التوصل إلى توافقات حول الأساس الدستوري الذي يمهد لإنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وأشاد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، فتحي باشاغا، بالبيان الصادر عن الرئاسة التونسية، والذي تضمن دعماً تونسياً للحلول الليبية من أجل ضمان وحدة واستقرار ليبيا، فيما لم تصدر أي تعليقات عن حكومة الدبيبة.

2- اجتماع بوزنيقة المغربي: استضاف منتجع بوزنيقة المغربي، في 10 يونيو الجاري، اجتماعات سياسية وعسكرية لوفود ليبية موسعة، وذلك بالتزامن مع اجتماعات تونس. وتضمنت هذه الاجتماعات حضور رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، وممثلين عن الجيش الوطني الليبي، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات بحكومة الدبيبة، حسين العايب.

كما تضمنت هذه الاجتماعات قادة عدد من المجموعات العسكرية في غرب ليبيا، كان أبرزهم عبدالغني الكيكلي، وعماد الطرابلسي، وناصر شطيبة، وأيوب بوراس، ومحمود بن رجب، وعمر بغداده. وهو الاجتماع الثاني الذي تستضيفه المغرب بين الأطراف الليبي خلال الأسبوعين الأخيرين، مما يحمل مؤشرات مهمة بشأن وجود بعض التوافقات المبدئية بين الأطراف المشاركة في هذه الاجتماعات.

3- اجتماعات اللجنة الدستورية في القاهرة: انطلقت الجولة الثالثة من مشاورات المسار الدستوري بين ممثلين عن مجلسي النواب والدولة في 12 يونيو الجاري، وذلك من أجل إتمام الاتفاق على بنود القاعدة الدستورية التي ستنظم الانتخابات الليبية المقبلة.

وحسمت الجولة الثانية نحو 70% من مواد هذه الدستور، أي حوالي 137 مادة من أصل 197 مادة، بيد أن ثمة تعويلاً كبيراً على هذه الجولة الثالثة الحاسمة، كونها ستناقش المواد الخلافية بين الطرفين.

واستبقت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، هذه الاجتماعات بعقد سلسلة من اللقاءات التحضيرية مع عدد من الأطراف الليبية، بغية التوصل إلى تفاهمات أولية يمكن البناء عليها خلال اجتماعات القاهرة، حيث عقدت ويليامز اجتماعاً مع رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، في 8 يونيو الجاري، قبل أن تلتقي المستشارة الأممية برئيس مجلس الدولة، خالد المشري، كذا، فقد التقت برئيس المفوضية العليا للانتخابات، عماد السائح، لبحث تطورات العملية الانتخابية.

انخراط إقليمي موسع:

عكس الحراك الإقليمي الواضح والمكثف إزاء الملف الليبي عن جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تباينات إقليمية: أعلن البيان الختامي لاجتماع تونس دعمه لاجتماعات اللجنة الدستورية التي تستضيفها القاهرة، بيد أن غياب الحضور المصري قد يرجع إلى بعض التباينات في الرؤية الجزائرية والمصرية تجاه الملف الليبي، في ظل استمرار الدعم الجزائري لحكومة الدبيبة المقالة، مقابل اعتراف مصري بحكومة باشاغا كحكومة شرعية مكلفة من قبل البرلمان الليبي.

وبالتوازي مع ذلك، ألمحت بعض التقديرات الأخرى إلى أن عقد مؤتمر ثلاثي في تونس بالتوازي مع اجتماع آخر في المغرب يعكس التنافس الجزائري – المغربي، ومساعي كل طرف تعزيز حضوره إقليمياً في الملف الليبي.

من ناحية أخرى، يثير الاجتماع الثلاثي الأخير احتمالات بحث ملف تعيين مبعوث أممي جديد في ليبيا، وذلك قبل أقل من شهر من نهاية مهام المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، في ليبيا. وتدعم واشنطن تعيين الدبلوماسي الألماني، كريستيان باك، السفير الألماني السابق لدى ليبيا، مبعوثاً أممياً جديداً في طرابلس، بيد أنه من المرجح أن ترفضه موسكو، وتدعم، في المقابل، تعيين دبلوماسي أفريقي. 

وفي هذا الإطار، أشارت بعض التقارير إلى إمكانية طرح اسم وزير الخارجية التونسي السابق، المنجي الحامدي، لتولي هذا المنصب، خاصةً أن الأخير يلقى دعماً جزائرياً، فضلاً عن عدم استبعاد حصوله على دعم موسكو، بيد أن هذه الخطوة ربما تلاقي رفضاً غربياً في ظل التوترات الراهنة بين تونس والقوى الغربية.

2- دعم المسار العسكري: لم يقتصر الحراك الإقليمي المرتبط بالملف الليبي على المسار السياسي فقط، بل امتد ليشمل المسار العسكري، إذ يبدو أن ثمة محاولات للاحتفاظ بالمكتسبات التي تم تحقيقها في هذا المسار، وعدم خسارتها بسبب أي تعثرات تتعلق بالمسار السياسي، وهو ما ينعكس في الاجتماع الأخير الذي استضافته تونس، في 8 يونيو الجاري، للجنة العسكرية المشتركة 5+5، وذلك برعاية أممية وفرنسية، بعد توقف دام لنحو شهرين. وتضمنت اجتماعات تونس حضور ممثلين عن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ومصر وتركيا والاتحاد الأفريقي.

3- ترتيب ما بعد خريطة الطريق:‏ تعكس هذه اللقاءات المكثفة وجود مساعٍ إقليمية ودولية للتوصل إلى ترتيبات جديدة تحكم الملف الليبي بعد نهاية خريطة الطريق الحالية، والتي يفترض أن تنتهي في 22 يونيو الجاري. 

وفي هذا السياق، يتصاعد القلق من احتمالات أن تؤدي نهاية خريطة الطريق الحالية إلى تأجيج الصراعات المسلحة مرة أخرى، فقد شهدت طرابلس، في 10 يونيو الجاري، اشتباكات عنيفة بين الميليشيات المسلحة المنتشرة هناك، وبين ميليشيات النواصي الداعمة لحكومة باشاغا، وجهاز دعم الاستقرار الموالي للدبيبة، قبل أن تتدخل قوة عسكرية من اللواء 444 لفض الاشتباكات بين الطرفين.

4- تنافس اقتصادي قائم: ترتبط الترتيبات الجديدة التي يجري التشاور بشأنها خلال المرحلة المقبلة بالأبعاد الاقتصادية، خاصةً في ظل القلق الأمريكي والأوروبي من عمليات الإغلاق المتكررة للموانئ والحقول النفطية، بما يؤثر على أزمة الطاقة المتفاقمة عالمياً.

وتسعى واشنطن لتشكيل لجنة مراقبة، تديرها شركة تدقيق، تكون مسؤولة عن التحكم في تحويل عائدات النفط من شركة النفط الوطنية إلى المؤسسات الليبية المختلفة، لتحقيق التوزيع العادل لعوائد النفط، وتجنب استخدام هذه الورقة في الصراعات السياسية القائمة. ومن ناحية أخرى، باتت ليبيا تمثل منطقة جذب لتنافس إقليمي ودولي كبير، على جهود إعادة الإعمار والتنمية.

انعكاسات محتملة:

يأتي الانخراط الإقليمي في الملف الليبي في إطار التحضير لصياغة ترتيبات جديدة للمرحلة المقبلة في ليبيا، وهو ما يحمل عدداً من التداعيات، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تحرك جزائري لإقصاء المغرب: وضح ذلك في الملفات التي تم بحثها على أجندة الاجتماع الثلاثي الذي استضافته تونس، حيث تم بحث ملف الهجرة، مع التأكيد على ضرورة صياغة رؤية مشتركة بين الدول الثلاث لإدارة هذه القضية، وما يرتبط بها من تحديات عديدة، وربما يلاقي هذا الطرح دعماً أوروبياً واسعاً.

كذلك، تضمن اجتماع خارجية الدول الثلاث بحث سبل التعاون المشترك في عدة مجالات أخرى، لعل أبرزها الأمن الغذائي والطاقة والأمن الصحي وكذا البيئة، إلى جانب محاولة تنسيق السياسات الخارجية للدول الثلاث إزاء القضايا الإقليمية والدولية المختلفة.

وترتبط هذه المساعي بالأساس بالتحركات الجزائرية الراهنة، التي تسعى لإعادة تعزيز حضورها في شمال أفريقيا في مواجهة المغرب، إذ يبدو أن هناك توجهات جزائرية لصياغة تحالفات إقليمية تضم تونس وليبيا إليها، وبدرجة أقل موريتانيا، ليحل بذلك مكان اتحاد المغرب العربي التقليدي، والذي كان يضم المغرب إلى جانب هذه الدول الأربعة.

2- دعم أمريكي للمسار الدستوري: يتوقع أن تفرز اجتماعات القاهرة توافقات جديدة، تؤسس للمرحلة المقبلة، يمكن البناء عليها في المؤتمر المقبل الذي تعمل إيطاليا حالياً على تنظيمه في 22 يونيو الجاري، خاصة في ظل التأكيدات المتتالية من قبل واشنطن عن دعمها للمباحثات الراهنة في القاهرة، فضلاً عن المشاورات الأمريكية الأخيرة مع عدة أطراف ليبية، من أجل تعزيز فرص نجاح هذه المشاورات.

وثمة تخوفات لدى مجلسي النواب والدولة من أن يؤدي تعثر الوصول لتوافقات بشأن المسار الدستوري إلى دفع واشنطن والشركاء الدوليين لتشكيل نموذج آخر لملتقى الحوار الليبي، أو أن يتم تركيز الاهتمام نحو المجلس الرئاسي وتفويضه بصلاحيات دستورية أكبر، على حساب المجلسين.

وفي الختام، تعكس ملامح التحركات الإقليمية المرتبطة بسياقات الأزمة الليبية عن وجود اهتمام متنامٍ بالملف الليبي، يمكن أن تتمخض عنه صياغة توافقات داخلية تسهم في حلحلة الانقسامات الداخلية، بيد أن تعدد الأطراف المنخرطة وتداخل شبكة المصالح ربما يبطئ من هذه الجهود.