تغريدات سلفية:

"تويتر" والصراع الطائفي في الشرق الأوسط

26 April 2015


إعداد: نوران شريف مراد

شهدت المنطقة العربية عدداً من التحولات الكبرى في السنوات القليلة الماضية، مثل اشتعال الصراع في سوريا، والذي أعاد قضية الانقسام ما بين الشيعة والسنة؛ إذ تحول هذا الانقسام إلى صراع طائفي واسع النطاق ما بين الطائفتين، بل إنه امتد لأجزاء من العراق ولبنان. وفي سياق هذا الصراع، اتضح دور "السلفيين الذين لا يتبنون العنف" كفاعل غير رسمي جديد على الساحة الدولية، يقوم باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي بنجاح للتعبير عن آرائه تجاه الشيعة.

وعلى الرغم من أن الهوية الدينية لم تكن هي المحرك الأساسي للثورات العربية التي انطلقت مع أواخر عام 2010، حيث رفعت تلك الثورات شعارات الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، فإنه بحلول عام 2012 بدأت المنطقة تدخل في أتون صراع طائفي، نتيجة لظروف داخلية وأخرى إقليمية، حيث يشجع السياق الاجتماعي والسياسي بالعالم العربي على بروز مثل هذه التوترات الطائفية.

في هذا الإطار، نشر معهد بروكينجز دراسة تحت عنوان: "السلفيون والطائفية: تويتر والصراع الطائفي في الشرق الأوسط"، والتي أعدتها "جينيف عبدو" Geneive Abdo، وهي زميل غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز. وتنبع أهمية هذه الدارسة في كونها تلقي الضوء على المناقشات السلفية عبر موقع "تويتر"، بهدف معرفة وجهة النظر السلفية تجاه الأحداث الجارية في المنطقة (المحرر: تناقش هذه الدراسة فقط دور بعض الشيوخ السلفيين، لكنها لم تفرق فيما بينهم من حيث نوع التيار السلفي الذي يتبناه العديد منهم، كما لم تشر الدراسة بشكل ما إلى دور قيادات شيعية في تأجيج هذا الصراع الطائفي، ربما لأن ذلك ليس محل الدراسة).

الصراع الطائفي في المنطقة العربية

تشير الباحثة إلى أن الخلاف ما بين الشيعة والسنة مستمر عبر قرون، فالسنة دوماً لديهم اعتقاد بأن الشيعة يمثلون خطراً شديداً، لأنهم يعكسون تهديداً من داخل الدين الإسلامي ذاته. ويصل الأمر في بعض الأحيان من جانب بعض السلفيين إلى تكفير الشيعة، على اعتبار أنهم يُبجلون أئمتهم بشدة، وهو ما يتعارض ومبدأ التوحيد في الاعتقاد السني.

وترى الباحثة أن الثورات العربية قد ساهمت في خلق الظروف المساعدة على نشاط السلفيين في المجال السياسي؛ ومن ثم، نشطت الحركات السلفية، وبرز عدد من السلفيين في مجال العمل الحزبي في دول مثل مصر وتونس.

وتطرقت الدراسة إلى الصراع الطائفي الشيعي- السني في عدد من دول المنطقة ودور السلفيين فيه؛ وذلك كالتالي:ـ

1- سوريا: بدأت النزعة الطائفية تظهر مع وصول حافظ الأسد للسلطة عام 1970، خاصةً بعد أن أقنع رجل الدين الشيعي موسى الصدر عام 1973 بإعلان أن العلويين الذين يحكمون سوريا ينتمون للشيعة الإثنا عشرية، الأمر الذي دفع الإخوان المسلمون في سوريا إلى وصف العلويين "بغير المؤمنين". وفي هذا السياق ظهر عدد من السلفيين المعادين للشيعة مثل "سعيد الحوى" و"محمد سرور زين العابدين".

2- لبنان: تأسس التيار السلفي هناك على يد الشيخ "سالم الشهال" عام 1946، والذي كون جمعية "شباب محمد" في طرابلس بلبنان، إلا أنه قد تم حلها، وتم تأسيس أخرى سُميت بـ"الجماعة مسلمون"، وارتكزت أعمالها على الدعوة والأعمال الخيرية. ومع تولي "داعي الإسلام الشهال" أمور الجمعية، بدأت المرحلة الثانية للعمل السلفي في لبنان، فإلى جانب الدعوة والأعمال الخيرية، بدأت الجمعية تهتم بالمجال السياسي. وأسس "داعي" في ثمانينيات القرن الماضي جمعية "الهداية والإحسان"، تلك التي تم حلها في عام 1996، ثم تم السماح لها بالعمل من جديد في عام 2005.

3 – العراق: شهد عام 1960 أول محاولة لتشكيل حركة سلفية في العراق، وذلك عبر مجموعة من الأفراد الذين درسوا على يد الشيخ "عبد الكريم السقا"، حيث نجحوا في تأسيس "جماعة الموحدين". وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، كانت هناك محاولة أخرى لتشكيل هوية سلفية ذات طابع سياسي أكثر منه ديني. وعندما اكتشفت السلطات العراقية هذا الأمر، قامت بتوقيفهم. وكانت النتيجة أنه لم تتواجد أي حركات منظمة وواعية سياسياً في العراق بأي صورة حتى عام 2003.

السلفيون وتأثيرهم على الصراع الطائفي عبر "تويتر"

كان لتطور أدوات الاتصال انعكاساته على ممارسة السلفيين لدورهم، حيث أصبجت شبكات التواصل الاجتماعي ساحة للتعبير عن الآراء والأفكار ومعرفة الشخصيات الأكثر تأثيراً. وووفقاً للباحثة، فإن متابعة نقاشات شيوخ السلفية على "تويتر" باتت أكثر فاعلية من المقابلات وجهاً لوجه، على اعتبار أن المعلومات التي تنتج من المقابلات غالباً ما تغيب عنها المصداقية.

وعبر تويتر، يتمكن رجال الدين السلفيين من التأثير المباشر على الأحداث الجارية مثل الحرب في سوريا والعراق. ومن ثم، أضحى العالم الافتراضي مجالاً أساسياً للقادة الدينيين للانطلاق وإصدار الفتاوى والآراء، فهم يستخدمون تويتر وفيسبوك وغير ذلك من شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن كانت المساجد هي الساحة الأساسية لمثل تلك النقاشات.

وفي هذا الإطار، قامت الباحثة باختيار عدد من السلفيين المؤثرين لتحليل خطابهم الديني والسياسي عبر تويتر، واعتمدت على معيارين في انتقاء هذه النماذج، وهما:

1 ـ درجة ما يمتلكونه من "سلطة اجتماعية" Social authority على شبكات التواصل الاجتماعي، ويتحدد ذلك استناداً إلى عدد من المؤشرات، منها؛ عدد متابعي الفرد المعني، وعدد المرات التي يُذكر فيها اسمه من قِبل المستخدمين الآخرين، وعدد الأفراد الذين يعيدون نشر تغريداته.

2 ـ هناك عدد آخر من السلفيين الذين لهم عدد متابعين أقل نسبياً على تويتر مثل عدد من السلفيين في شمال لبنان، بيد أنه وقع عليهم الاختيار في هذه الدراسة بسبب تأثيرهم الواضح على مسار الحرب السورية.

واستناداً إلى المعايير السابقة، اختارت الباحثة الشيوخ السلفيين التاليين لتحليل تغريداتهم عبر تويتر، كما أضافت الباحثة للدراسة ملحقاً يتضمن نصوص عدد من تغريداتهم، وهم:

1 ـ نبيل العوضي: هو رجل دين سلفي كويتي، ينشر- عبر تغريداته على تويتر- أفكاره المرتبطة بالحرب على سوريا والعراق، ومعاداته للشيعة، وهو يدعم المعارضة السورية، ويدفع بعدد من الحملات لجمع المساعدات للجماعات المقاتلة في مواجهة النظام السوري المدعوم من إيران. ويرى أن الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية في العراق هي سلاح لإيران بالمنطقة.

وترى الباحثة أن تعليقاته تساهم في تأجيج نيران الطائفية. و"العوضي" مُستخدم نشط لتويتر، له حساب باللغة العربية (4,11 مليون متابع)، وآخر باللغة الإنجليزية (يزيد متابعوه عن عشرة آلاف شخص).

2 ـ محمد العريفي: هو رجل دين سعودي معروف، له أكثر من 8 ملايين متابع على تويتر. وتصف الدراسة تغريداته بالمثيرة للجدل، وتؤجج نيران الصراع الطائفي في المنطقة، مشيرةً إلى أنه يقوم بنشر العديد من التعليقات المعادية للشيعة حتى قبل بداية الحرب السورية. ومن وجهة نظره، فإن التوجه الشيعي ليس سوى بدعة لم تكن موجودة في وقت الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم). وتعتبر أفكار "العريفي" قريبة للفكر السلفي، بيد أنها تحمل بعض نقاط التشابه مع أفكار جماعة الإخوان المسلمين في مصر. ويطالب "العريفي" بالجهاد في سوريا بكافة السبل الممكنة، ومن ثم فهو من أشد المؤيدين للحرب السورية. وينتمي "العريفي" لفئة السلفيين على تويتر الذين يُعبرون عن قلقهم من أن تسيطر الطائفة الشيعية على العالم العربي.

3 ـ الشيخ "داعي الإسلام الشهال": هو ابن مؤسس الحركة السلفية في شمال لبنان، ولديه ما يزيد عن 3000 متابع على تويتر. ويرى أن "حزب الله" مشروع إيراني يسعى لإشعال الحرب الأهلية السنية- الشيعية، كما يندد بالدعم الأمريكي للشيعة في المنطقة. ويشجع- عبر تغريداته - الشباب في طرابلس  اللبنانية على التضحية بدمائهم وحياتهم لمنع الشيعة من السيطرة على النظام السوري.

4 ـ عدنان العرعور: بات الشيخ "عدنان العرعور" أحد القوى القادرة على تحويل مسار الصراع في سوريا عبر أسلوبه الساخر على تويتر، وينتقد عبر تغريداته دور إيران و"حزب الله" وأنصار النظام العلوي والشيعة، حيث يصفهم بالتكفيريين. وينتمي "العروعر" لاتجاه السلفيين على تويتر الذين يسترجعون الخلافات الدينية التقليدية بين الشيعة والسنة في تغريداتهم.

5 ـ سالم الرافعي: ينتمي إلى طرابلس اللبنانية، ولديه أكثر من 3000 متابع على تويتر. وفي كثير من تغريداته، ينتقد "حزب الله" والشيعة. ويعد "الرافعي" نموذجاً لكيفية خروج التيار السلفي من الرؤية الدينية الضيقة للمجال السياسي الأوسع.

6 ـ بلال بارودي: رجل دين سلفي من طرابلس اللبنانية، وهو وجه بارز معاد للنظام السورى. ويرى أن الشيعة الذين يحكمون إيران يسعون للسيطرة على العالم السني. ولا ينتمي "بارودي" لأي حركة أو منظمة. ولقد أصدر فتوى لمنع الشباب من المشاركة في الصراع الدائر بالأراضي السورية، فهو من السلفيين الذين لا يدعون لممارسة العنف.

وترى الكاتبة أن سلطة الحركات السلفية المعاصرة تنبع من مواقفها السياسية، فهم يحاربون في مواجهة "بشار الأسد"، ويعارضون سياسات الحكومات الغربية، ويحذرون من التدخلات المفرطة من جانب إيران والشيعة. وتركز الدراسة على تلك الفئة من السلفيين الذين لا يستبعدون العمل السياسي من دعوتهم للإسلام الصحيح.

كما تشير إلى أن التغريدات المختلفة للسلفيين تعكس قيام بعضهم باستخدام تعبيرات ذات مدلول طائفي لوصف الشيعة، فهم يصفونهم بالكفار على سبيل المثال، كما يُسمي عدد منهم "حزب الله" بحزب الشيطان. كما أن السلفيين يلقبون الشيعة بالروافض، وذلك لرفضهم الاعتقاد السني المتعلق بمن يجب أن يخلف الرسول الكريم، الأمر الذي يشعل الخلافات الطائفية.

كيف تتعامل الولايات المتحدة مع السلفيين؟

في نهاية دراستها، تشير الباحثة إلى أنه في مواجهة التحولات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وتصاعد قوة السلفيين كفاعل غير دولي، يكون أمام الولايات المتحدة عدداً من الخيارات، وهي:

1- بدء حملة تواصل مع الأحزاب السياسية السلفية المعتدلة في دول مثل مصر وتونس واليمن، وهذا التواصل لا يعني دعم واشنطن وجهة نظر هذه الأحزاب في قضايا مثل الأقليات الدينية والمرأة، ولكن مجرد اعتراف الولايات المتحدة بالأهمية السياسية لتلك الأحزاب المعتدلة سيؤدي إلى دعمها وتقويتها في مواجهة التيارات السلفية الأخرى التي تؤجج المشاعر الطائفية في المنطقة.

2- بدء حملة دبلوماسية عامة مًوجهة للسنة في العالم العربي، وأن تُظهر واشنطن التزامها بالتسامح الديني وعدم انحيازها لطرف دون الآخر، خاصةً أن مفاوضاتها مع إيران بشأن البرنامج النووي أوجدت تصوراً لدى الدول السنية أن الولايات المتحدة تدعم المحور الشيعي الذي تقوده إيران ومعها الحكومة العراقية ونظام الأسد في سوريا وفاعليين غير دوليين مثل حزب الله في لبنان. كما يتعين على الإدارة الأمريكية الضغط على إيران لوقف تدخلاتها في البلدان العربية.

3- أن تشجع الولايات المتحدة وجود قيادة سنية قوية في لبنان، فرد فعل السلفيين يعكس - في جزء منه- الفراغ السياسي والاجتماعي الموجود بين السنة بعد الانتكاسات الأخيرة التي تعرض لها تيار المستقبل في لبنان. فعندما كان تيار "الحريري" قوياً في منطقة طرابلس ذات الغالبية السنية، أُجبر السلفيون على التعاون مع هذا التيار أو التزام الصمت.

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "السلفيون والطائفية: تويتر والصراع الطائفي في الشرق الأوسط"، والمنشورة في مارس 2015 عن معهد بروكينجز.

المصدر:

Geneive Abdo, Salafists and sectarianism: Twitter and the communal conflict in the Middle East (Washington, Center for Middle East Policy, Brookings institute, March 2015).