مواجهة الإسلاموفوبيا:

نماذج مختلفة لتعليم الدين الإسلامي في الغرب

30 April 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم

ثمة نقاش محتدم في الغرب حول الإسلام والمسلمين منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وكذلك ما تبعها من تفجيرات في عدد من العواصم الأوروبية المختلفة. وقد ركزت أغلب تلك النقاشات على إظهار الصراعات والقيم المتناقضة للإسلام مع الغرب، وكذك تمَّ النظر للمسلمين المهاجرين نظرة مليئة بالشك والريبة، في ظل الحديث عن أن ولائهم لن يكون أبداً للغرب، مما أدى إلى زيادة المراقبة عليهم من أجل إحكام السيطرة على تحركاتهم، وبالتالي تمَّ التعامل مع الأعمال الإرهابية التي يقوم بها قلة متطرفة على أنها خطأ يُعاقب به الكل.

وفي ظل هذا التوجُّه، بدأت بعض الأصوات تتحدث عن ضرورة ضمان الحريات الدينية والمساواة في الحقوق للكل بعض النظر عن الجنس أو اللغة أو العقيدة الدينية، ومن ثم ظهرت قضية "تعليم الدين الإسلامي في الغرب" كموضوع آخر للنقاش والجدل، إذ تفاوت التعاطي مع تعليم الدين الإسلامي بين اهتمام بعض الدول، وتجاهل دول أخرى.

وتأتي هذه الدراسة المنشورة عن معهد بروكينجز، وعنوانها: "تعليم التربية الإسلامية بتمويل من الحكومة في أوروبا والولايات المتحدة"، وأعدَّتها "جيني برجلاند Jenny Berglund"، الأستاذ المساعد المتخصص في دراسة الأديان بجامعة سوديرتورن بالسويد، حيث تلقي الضوء على مفهوم التعليم الإسلامي، ومدى اعتباره اختباراً لتعامل الدولة مع الأقليات في ظل الحديث عن تمويل الحكومة أو القطاع العام للتعليم الديني، كما تتطرق الدراسة بشكل مقارن إلى تعليم الدين الإسلامي في عدد من الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة، وصولاً إلى عرض عدد من الآليات التي يمكن من خلالها تعليم الدين الإسلامي بشكل أفضل.

التعليم الديني كمؤشر لعلاقة الدولة بالمجتمع

تشير الكاتبة إلى أن الدولة العلمانية عادة ما تتضمن الفصل بين الدين والدولة، ويعني هذا أنه لا يوجد دين معين يحتل مكانة مميزة في المجتمع أو الدولة. ومع ذلك، لا يمكن القول حتى في ظل الدولة العلمانية إنه لا توجد أي علاقة بين الدين والدولة، لأنه يتم توفير دعم مالي كبير للمؤسسات الدينية وللتربية الدينية.

وبالتالي، فإن فكرة التعليم الديني بشكل عام كاشفة لمدى علاقة الدولة بالأقليات الموجودة فيها، فثمة بعض الدول تتعامل بنوع من الاستبعاد للمسلمين من المجال العام في ظل تعالي الأصوات المهاجمة لهم في الغرب.

وفي ذات السياق، تذكر الكاتبة أنه على الرغم من تواجد الإسلام في الغرب منذ قرون طويلة، فإن هناك حالة من الخوف من الإسلام تتنامى بشكل متزايد خاصةً في أوروبا وأمريكا الشمالية، وبالتحديد في دول مثل السويد وفرنسا وهولندا؛ إذ توجه الأحزاب السياسية في هذه الدول انتقادات شديدة للإسلام من أجل الحصول على مكاسب انتخابية وكسب قدر أكبر من أصوات الناخبين، وتركز هذه الأحزاب على أن ولاء المسلمين لن يكون إلا للإسلام ولن يستطيعوا التكيف مع القوانين الأوروبية. كما أن هناك بعض الشخصيات الأوروبية تسعى لتعزيز فكرة الصدام بين الإسلام والغرب.

وعلى النقيض من ذلك في دول أخرى، يُلاحظ ظهور التربية الإسلامية الممولة من القطاع العام أو الحكومة، في ظل التأكيد على الحقوق المتساوية لجيمع المواطنين، وفي إطار معاملة كل الأديان بالمثل. وفي هذا الصدد سُمح للمسلمين في كثير من الدول الأوروبية بالحصول على تمويل للمدارس الدينية وإدخال تعليم الدين الإسلامي في التعليم العام، وتدريب المعلمين بشكل جيد على تدريس التربية الإسلامية، وإنشاء أقسام في الجامعات لتعليم الدين الإسلامي.

وبالتالي، يمكن القول أنه رغم من تفشي "الإسلاموفوبيا" والتخويف من الإسلام، فإن ثمة انتشار كبير لتعليم التربية الإسلامية في عدد من الدول بالغرب.

نماذج مختلفة لتعليم الدين الإسلامي في الغرب

أضحى تعليم الدين الإسلامي في أوروبا والولايات المتحدة محل جدال واسع منذ فترة طويلة، خاصةً في ظل قلق المواطنين في الغرب من الهجمات ضدهم من قِبل بعض الإسلاميين. وتؤكد الدراسة أن استجابة الدول الغربية في هذا الشأن تترواح بين رعاية التعليم الديني في المدارس العامة أو توفير المناخ الملائم دون دعم مالي، إذ إن سياسات الدول تختلف وفقاً للثقافة السياسية الوطنية.

وتعرض الدراسة في هذا الصدد عدة نماذج مختلفة، أبرزها ما يلي:

1- ألمانيا والنمسا: تتضمن كثير من المدارس العامة في هاتين الدولتين تعليم الإسلام في إطار المنهج الديني الذي يعطي للآباء الحق في اختيار التعليم الديني لأبنائهم. وبالرغم من الجدل الواسع في ألمانيا والنمسا، فقد تمَّ البدء في التوسع في توفير التدريب للمعلمين من أجل تدريس الإسلام بالجامعات الحكومية أيضاً. ويعكس ذلك بالتالي سياقات دينية وقانونية تعترف بالأديان، وتتعامل معها الدولة بشكل تعاوني.

2- المملكة المتحدة والسويد: يتم تعليم الإسلام لكل الطلاب كموضوع أكاديمي، وكذلك يتم تدريب المعلمين من خلال دراسة الأديان المقارنة في الجامعات، كما أنه في كل من البلدين يتم منح المسلمين نفس الحقوق التي يحصل عليها المسيحيون من التمويل اللازم للمدارس الدينية. وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة والسويد لهما تاريخ كنسي طويل، فإنهما يمنحان الديانات غير المسيحية نفس الفرص والحقوق في إطار التكافؤ والمساواة بين كافة المواطنين.

3- فرنسا والولايات المتحدة: على النقيض مما سبق، لا يوجد تعليم للدين الإسلامي في المدارس العامة (أي الممولة من القطاع العام في هاتين الدولتين(، وإن كان ثمة فرصة لدراسة الإسلام بشكل غير مباشر من خلال الفن والتاريخ والأدب.

وتعود الكاتبة إلى السياقات التاريخية للبلدين، حيث إن كليهما يركز على الفصل الصارم والواضح بين الكنيسة والدولة أو بين الدين والدولة. ويعد ارتداء أي من الملابس أو المظاهر الدينية (سواء الإسلامية أو الأديان الأخرى) مثل الحجاب وغيره، ممنوعاً في المدارس العامة.

ومن هنا يأتي عدم الاهتمام بتعليم الدين الإسلامي في المدارس العامة الفرنسية والأمريكية، وبالتالي يستعيض أولياء الأمور عن ذلك بإرسال أبنائهم في أوقات الفراغ أو العطلة الأسبوعية إلى المساجد الإسلامية أو المنظمات الإسلامية الخاصة من أجل تعلم الدين الإسلامي.

آليات تحسين التعليم الإسلامي في الغرب

ترى الكاتبة أن الأعراف والمعايير التاريخية والسياسية والتعليمية والدينية تؤثر على تدريس التربية الإسلامية في المدارس الممولة من القطاع العام في أوروبا والولايات المتحدة. ونظراً  للاختلافات واسعة النطاق بين هذه المعايير، فإن نموذج دولة ما لا يكون مناسباً بالضرورة لدولة أخرى فيما يتعلق بتعليم الدين الإسلامي.

ومع ذلك، تشير الدراسة إلى عدة آليات يُمكن من خلالها تعليم الدين الإسلامي بشكل أكثر اتساقًا مع الأوضاع والظروف التي تعيشها الدول الغربية المختلفة، وبما يعزز من المواطنة واحترام الآخر، من خلال التركيز على تطوير المرتكزات التالية:ـ

1- تدريب المعلمين: تنصح الكاتبة بضرورة وضع معايير أكاديمية عالية للمعلمين الذين يُدرَّسون الدين الإسلامي، وتخصيص موارد كافية لهم من أجل ضمان أفضل سُبل ممكنة لتعليم الدين الإسلامي بشكل غير طائفي. كما يجب أن يظل هؤلاء المعملين على صلة بالشباب المسلم الأوروبي لنقل المفاهيم الإسلامية إليه، فضلاً عن أهمية كسب ثقة كل من أغلبية السكان والأقلية المسلمة في الغرب.

وترى الكاتبة أن مسؤولية نجاح تدريس الدين الإسلامي في الغرب لا تقع فقط على الدولة، ولكن أيضاً على المعلمين أنفسهم، مطالبة إياهم بالمشاركة في الأنشطة النقابية وتكوين الجمعيات الخاصة بهم، وخلق فرص لتبادل المعارف التربوية مع غيرهم في إطار السياقات الوطنية غير الطائفية. ويتعين أيضاً حصول هؤلاء المعلمين على دورات تدريبية حول الأديان الأخرى، وهو ما يعود بالفائدة على تلك المجتمعات، ويضمن وجود معلمين يُدرَّسون الإسلام بشكل غير طائفي.

2- توفير المحتوى الجيّد وتطوير المناهج الدراسية: من المهم توفير الكتب المدرسية، سواء بالنسبة لتدريس الدين الإسلامي أو الديانات الأخرى، على أن تراعي هذه الكتب السياقات الوطنية المختلفة وتأخذها في الاعتبار، وأن تكون في إطار أكاديمي صارم، إذ توجد بعض الكتب الدينية غير الطائفية، لكنها لا تُلبي الحد الأدنى من المعايير الأكاديمية، وهو ما يجعل بعض دور النشر تطلب من المنظمات الإسلامية إعادة النظر في محتوى بعض تلك الكتب المدرسية قبل نشرها. كما ينبغي على المعلمين أنفسهم أيضاً التدقيق في الكتب التي يشترونها.

وبالتالي، تشدد الكاتبة على أهمية تحسين المناهج الدراسية والتربوية الحالية، وإيجاد ممارسات وطرق تدريس أفضل للدين الإسلامي في الغرب، ويعد التبادل الدولي وسيلة ناجعة هنا. فعلى الرغم من التفسيرات المتباينة للإسلام، فإن المسلمين في أوروبا الغربية يشتركون في تجربة العيش كأقلية. وعلى هذا النحو، فإن قادة المدارس المسلمة ومُعلمي الدين الإسلامي قد يستفيدون من تبادل تجاربهم عبر الحدود الوطنية.

* عرض مُوجز لدراسة: "تعليم التربية الإسلامية بتمويل من الحكومة في أوروبا والولايات المتحدة"، المنشورة في شهر أبريل 2015 عن معهد بروكينجر ضمن مشروع المؤسسة عن علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي.

المصدر:

Jenny Berglund, Publicly Funded Islamic Education in Europe and the United Stated, (Washington, The Brookings Institution, April 2015).