العقد الاجتماعي:

تحديات إقرار أكراد سوريا لدستور أحادي الجانب

24 February 2022


اختتمت اللجنة الموسعة لصياغة "ميثاق العقد الاجتماعي" في إطار الاجتماع السنوي الثالث للمجلس التنفيذي لـلإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أعمالها في مدينة الرقة، والتي امتدت على مدار يومي 6 و7 فبراير الجاري. 

ويعد الميثاق بمنزلة دستور محلي ناظم لعمل مؤسسات ولجان الإدارات المدنية، شرق الفرات، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والمنتشرة في سبع مدن هي الجزيرة وكوباني وعفرين والرقة والطبقة ودير الزور ومنبج.

تحديات قائمة:

أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أنه سيتم مناقشة الميثاق مع قادة المجتمع المحلي ومكونات وأهالي المنطقة، قبل إقراره حتى يدخل حيز التنفيذ لاحقاً هذا العام، إلا أنه ما زال هناك عدد من التحديات أمام الادارة الذاتية، وهو ما يمكن استعراضه في النقاط التالية:

1- استبعاد القوى الكردية المعارضة: يلاحظ أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لايزال ينفرد بإدارة مناطق الأكراد في سوريا، ويعمد إلى استبعاد أي قوى كردية أخرى معارضة له، وهو ما اتضح جلياً في اجتماع اللجنة المعنية بكتابة الميثاق، والتي استبعدت ممثلي أحزاب المعارضة الكردية، وتحديداً حزبي "المجلس الوطني الكردي" و"الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي"، وهو ما دفع محمد إسماعيل، عضو المجلس الوطني الكردي، إلى التصريح بأن المجلس لن يعترف بأي عمل منفرد لا جدوى منه بالنسبة للمنطقة.

ولعل ما ينتقص من شرعية إجراءات الاتحاد الوطني هو وجود رفض من جانب بعض القوى المجتمعية في شمال شرق سوريا، عن أداء "الإدارة الذاتية" التابعة للاتحاد الديمقراطي، والتي أخفقت في توفير الأمن، في بعض المناطق. 

2- معارضة الحكومة السورية: ترفض الحكومة السورية الخطوات والإجراءات التي تتخذها الإدارة الذاتية الكردية في مناطق سيطرتها، نظراً لأنها ترى أن هذه الإجراءات ما هي إلا محاولة لفرض أمر واقع على الحومة السورية، ممثلاً في فرض مناطق حكم ذاتي للأكراد شرق نهر الفرات، وترسيخ سلطة الأمر الواقع المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية والمؤسسات والكيانات المرتبطة بها، وذلك من دون أن تسعى للتوافق مع الحكومة السورية عليها. 

وتجدر الإشارة إلى أن "الإدارة الذاتية" تطالب بالاعتراف بها بشكل قانوني واعتبار قوات سوريا الديمقراطية "قسد" جزءاً من الجيش السوري، وهو ما تم رفضه من قبل الحكومة السورية في عدد من جولات الحوار التي عقدت بين الجانبين بحضور الجانب الروسي.

3- رفض المعارضة السورية: ترفض المعارضة السورية، ممثلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، معظم الإجراءات الأحادية التي تقوم بها "الإدارة الذاتية" الكردية منذ سيطرتها على نحو ثلث الاراضي السورية خلال السنوات الماضية، لاسيما أن هذا الثلث يضم المناطق الغنية بالثروات الزراعية والنفطية، وهو ما يعرف باسم "سوريا المفيدة". 

وتتهم المعارضة السورية "قسد" بانها تسعى إلى تأسيس إقليم كردي مستقل في شمال شرق سوريا، وهو ما يلاقي رفضاً كبيراً من القوى الإقليمية الداعمة لائتلاف المعارضة السورية، وتحديداً تركيا، والتي تصنف حزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره تنظيماً إرهابياً، بالنظر إلى ارتباطه بحزب العمال الكردستاني، والمصنف لدى تركيا كتنظيم إرهابي. 

4- ترقب تركي للتحركات الكردية: تشكل أنقرة تهديداً مباشراً للادارة الذاتية الكردية. وقامت على مدار السنوات السابقة بعمليات عسكرية محدودة لإبعاد وحدات حماية الشعب عن حدودها، فضلاً عن محاولة شن عمليات عسكرية انتقامية رداً على ما تعتبره تحركات إرهابية تستهدف أمنها، غير أنه من الملاحظ أن محاولة أنقرة لتنفيذ هجوم واسع ضد أكراد سوريا قد باءت بالفشل في أواخر العام الماضي، وذلك بسبب الرفض الروسي والأمريكي لمثل هذه العملية التركية. 

وفي المقابل، تستمر أنقرة في التأكيد على عدم قبولها تاسيس منطقة حكم ذاتي تسيطر عليها أي قوى مدعومة من حزب العمال الكردستاني، بل وسعت للتوصل لتفاهمات مع دمشق، حول تحجيم وحدات حماية الشعب الكردي، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، فضلاً عن محاولة إحياء التفاهمات القديمة بين الجانبين، والتي كانت تقضي بأحقية أنقرة بالدخول بعمق 35 كيلومتراً داخل الأراضي السورية لحماية أمنها وفق الاتفاقيات الثنائية الموقعة سابقاً مع الحكومة السورية.

الفرص المتاحة:

في مواجهة التحديات السابقة، يلاحظ أن الاتحاد الديمقراطي سعى للحصول على الدعم الأمريكي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- توظيف ورقة مكافحة الإرهاب: تمكنت قوات "قسد" من إحباط التمرد المسلح في سجن الصناعة بحي غويران جنوب مدينة الحسكة بدعم من التحالف الدولي، وهو ما يزيد من أهمية "قسد" في مكافحة الإرهاب، خاصة في مواجهة داعش، وهو ما يزيد من امكانيات دعم الولايات المتحدة للادارة الذاتية خلال الفترة القادمة. ومن ثم تحرص قسد على استغلال ذلك لمحاولة استقطاب الدعم الأمريكي للدستور الكردي أحادي الجانب. 

2- دعم أمريكي منقوص: يسعى الاتحاد الديمقراطي إلى استغلال علاقاته القوية بالولايات المتحدة، خاصة في ظل عودة الاهتمام الأمريكي بالملف السوري منذ وصول الرئيس الامريكي بايدن الي سدة الحكم، فضلاً عن استغلال رفض دمشق للاستجابة للمطالب الأمريكية بالانفتاح على المعارضة السورية، ومحاولة توظيف ذلك من أجل الحصول على دعم أمريكي لمخططات الحكم الذاتي الكردية.

وعلى الرغم من الدعم الأمريكي للخطوة الكردية، فإنه يلاحظ أنه جاء منقوصاً، إذ تضغط الولايات المتحدة على "الإدارة الذاتية" لتوسيع مشاركة المكونات المحلية، والبدء في حوار مع المعارضة السورية، وهو ما قد يعد بمنزلة ورقة ضغط أمريكية على الحكومة السورية للقبول بتسويات سياسية مع المعارضة خلال المرحلة القادمة، وإنه في حالة عدم استجابة دمشق، فإن واشنطن سوف تدعم استقلالية الأكراد بحكم الأمر الواقع.

وفي الختام، يمكن القول إن الإدارة الذاتية الكردية تسعى لفرض أمر واقع، ومحاولة الحصول على الاعتراف الدولي، بما يحسن من موقفها التفاوضي في مواجهة الحكومة السورية وموسكو في الفترة القادمة، غير أن الرفض الداخلي والإقليمي للدستور الكردي سوف يمثل أكبر المعوقات، التي قد تحد من قدرة الاتحاد الديمقراطي في إقرار دستور داخلي أحادي الجانب، خاصة في ظل إخفاقه في الحصول على دعم القوى الكردية الأخرى.