ترقب فرنسي:

فرص نجاح الجزائر في الوساطة بين مالي والإيكواس

01 February 2022


وصل وفد جزائري إلى العاصمة المالية، باماكو، في 24 يناير 2022، برئاسة المبعوث الجزائري لمنطقة الساحل الأفريقي، ديلمي بوجمعة، وذلك في إطار المبادرة التي عرضها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، للوساطة بين مالي ومجموعة دول غرب أفريقيا (إيكواس)، بعدما تصاعدت حدة التوترات بين الطرفين، في أعقاب العقوبات الصارمة التي فرضتها الإيكواس على باماكو، رداً على قرار المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في مالي بمد الفترة الانتقالية لمدة خمس سنوات.

صراع محتدم حول مالي

شهدت مالي انقلابين عسكريين في أغسطس 2020 ومايو 2021، كما عمد المجلس العسكري الانتقالي إلى التقارب مع موسكو والتعاقد مع شركة "فاجنر" الروسية من أجل دعم جهود مالي لمكافحة الجماعات الإرهابية. وتفاقمت الأزمة في مالي نتيجة لعدد من التطورات المتسارعة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- فرض الإيكواس عقوبات صارمة: أوصى المشاركون في "الجلسات الوطنية لإعادة التأسيس" في مالي، في نهاية ديسمبر الماضي، بضرورة مد الفترة الانتقالية لمدة خمس سنوات بدلاً من ستة أشهر، بعدما كانت السلطات الانتقالية، بقيادة الكولونيل عاصمي جويتا، قد تعهدت بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بنهاية فبراير 2022، وهو ما لم يتم.

وسلم وزير الخارجية المالية، عبد الله ديوب، مقترح باماكو، بشأن تمديد الفترة الانتقالية، إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وبناء عليه قررت الأخيرة عقد قمة استثنائية لبحث المقترح المالي، في 9 يناير الجاري، والذي تمخض عنه فرض عقوبات ضد مالي تضمنت إغلاق دول الإيكواس لحدودها مع باماكو، وتعليق التجارة معها، فضلاً عن قطع المساعدات المالية وتجميد أصول مالي لدى البنك المركزي الخاص بدول غرب أفريقيا، إضافة إلى استدعاء سفراء دول المجموعة لدى مالي.

وإضافة إلى ما سبق، قامت مجموعة الإيكواس بحشد قواتها تحسباً لأي تطورات مستجدة في مالي. ورداً على ذلك، نددت السلطات المالية بالعقوبات المفروضة عليها، واستدعت سفراءها لدى دول الإكواس، وقررت إغلاق حدودها معها، كما دعت المواطنين للتظاهر من أجل الاحتجاج على قرارات المنظمة الإقليمية.

2- مبادرة جزائرية للوساطة: سبق صدور العقوبات التي فرضتها الإيكواس على مالي، زيارة قام بها وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، إلى الجزائر، في 6 يناير الجاري، في محاولة لطلب وساطة الجزائر وتخفيف حدة الضغوطات التي تمارسها الإيكواس على مالي.

وفي 11 يناير الجاري، أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن استعداد بلاده للوساطة بين الجانبين، محذراً من تداعيات العقوبات الصارمة للإيكواس ضد باماكو، وكذلك الإجراءات المضادة للسلطات المالية، داعياً الطرفين إلى ضبط النفس والعودة للحوار للحيلولة دون تفاقم الأزمة.

وانطوت المبادرة الجزائرية على تمديد المرحلة الانتقالية لمدة تتراوح بين 12 و18 شهراً، بدلاً من ستة أشهر، ودعا تبون السلطات المالية إلى تدشين نظام دستوري توافقي وجامع خلال عام 2022، والعمل على تحقيق مخرجات اتفاقية السلام والمصالحة لعام 2015، المنبثقة عن مسار الجزائر.

وفي هذا الإطار، وصل المبعوث الجزائري الخاص لمنطقة الساحل ورئيس لجنة "مراقبة اتفاق السلام والمصالحة"، دلمي بوجمعة، إلى مالي في 24 يناير الجاري، على رأس وفد جزائري، لإيصال رسالة من الرئيس الجزائري لرئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي، عاصمي جويتا، تستهدف إيجاد تسوية للتوترات الراهنة.

3- دعم أفريقي للمقترح الجزائري: أعلن مجلس السلم والأمن الأفريقي في بيان له يوم 21 يناير الجاري، عن دعمه للمبادرة الجزائرية للحيلولة من دون تفاقم الأزمة، كما أعلن المجلس عن ارتياحه لمقترح الجزائر بشأن تمديد الفترة الانتقالية في مالي، وتعزيز المسار القائم على التفاهم المتبادل، داعياً طرفي الأزمة إلى ضرورة الالتزام بالمبادرة الجزائرية والعمل على حلحلة نقاط الخلاف القائمة.

وساطة جزائرية وترقب أوروبي

عكست المبادرة الجزائرية المتعلقة بمحاولة تسوية التوترات القائمة بين باماكو وإيكواس عن وجود عدد من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- إمكانية نجاح مبادرة الجزائر: يلاحظ أن هناك فرصاً لنجاح الوساطة الجزائرية، وهو ما يرجع إلى حجم القبول الذي تحظى به الجزائر في الداخل المالي، فضلاً عن علاقة الجزائر الواسعة بالدول الأفريقية. ومن ناحية أخرى، تتمتع الجزائر بعلاقات وثيقة ببعض دول الإيكواس، وهو ما يمكن أن تستثمره الجزائر لتخفيف حدة العقوبات المفروضة على باماكو. كذا، يمكن أن تدعم خبرة الجزائر السابقة في هذا السياق في تعزيز فرص إنجاح مبادرة الجزائر، خاصةً أنها كانت قد توصلت في 2015 إلى اتفاق بين الحكومة المالية وعدد من الجماعات الإرهابية.

ومن ناحية أخرى، عملت الجزائر على زيادة حجم المساعدات الإنسانية إلى مالي، حيث أرسلت الأولى مؤخراً عدداً من شحنات المساعدة إلى باماكو، بإجمالي 108 أطنان من المواد الغذائية، ونحو 400 ألف جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وذلك في إطار مساعي الجزائر تعزيز علاقاتها بمالي، كما تهدف المساعدات الجزائرية إلى محاولة خفض تأثيرات الحصار الذي تفرضه الإيكواس على مالي، ومن ثم الضغط على المنظمة لدفعها للجلوس على طاولة المفاوضات مع السلطات الانتقالية في باماكو.

2- تعزيز دور الاتحاد الأفريقي: تدعم الجزائر فكرة الحلول الأفريقية لأزمات دول القارة السمراء، فضلاً عن مساعيها للتأكيد على أن دور الاتحاد الأفريقي في إدارة الأزمات لا يمكن تجاوزه عبر أي من المنظمات الإقليمية الفرعية. 

ويبدو أن الجزائر تسعى للحصول على دعم مصر لمبادرتها الخاصة بالوساطة في مالي، وذلك قبيل انطلاق اجتماعات القمة الأفريقية المقبلة، فقد أشارت بعض التقديرات إلى أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى القاهرة، في 24 يناير الجاري، تضمنت في أحد أبعادها التنسيق بين الجزائري والقاهرة حول السياسة الجزائرية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، ومن بينها الوساطة الجزائرية في مالي.

وتذهب تحليلات إلى إمكانية وجود تنسيق كذلك بين الجزائر وروسيا للوساطة بين مالي والإيكواس على أساس العلاقات الوثيقة بين الجزائر وموسكو، وفي ظل الأهمية الكبيرة التي تمثلها باماكو بالنسبة للجزائر. 

3- مساعٍ جزائرية لتنشيط أدوارها الإقليمية: تعكس الوساطة الجزائرية المقترحة لحلحلة الأزمة في مالي أحد ملامح التحركات الجزائرية الراهنة لاستعادة حضورها الإقليمي السابق، والذي لطالما اعتمد على الانخراط في علاج الأزمات الإقليمية. 

وشهد هذا الدور تراجعاً ملحوظاً خلال العقد الماضي، غير أن الأشهر الأخيرة شهدت محاولات من قبل تبون، لاستعادة دور الدبلوماسية الجزائرية. ولعل هذا ما ارتبط بعودة وزير الخارجية الجزائري المخضرم، رمطان لعمامرة.

4- تحديات فرنسية قائمة: تواجه المبادرة الجزائرية تحديات، من بينها النفوذ الفرنسي على الإيكواس، وهو ما وضح في اتهام رئيس الوزراء المؤقت في مالي، تشوغويل كوكالا مايغا، في 16 يناير الجاري، فرنسا بأنها تستخدم منظمة إيكواس كأداة لتصفية حسابات أخرى، في إشارة لضغط فرنسا على المنظمة لفرض عقوبات على مالي بسبب اتجاهها لإقامة علاقات مع روسيا.

ومن جهة ثانية، فإنه نظراً لاتباع باماكو سياسات تصعيدية ضد باريس، والتي كان آخرها مطالبة السلطات المالية للجانب الفرنسي بضرورة مراجعة الاتفاقيات الدفاعية الثنائية بينهما، وصولاً إلى تلويح وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، بإلغاء هذه الاتفاقات، فضلاً عن طرد السفير الفرنسي في باماكو جويل ميير في 31 يناير 2022. 

5- ترقب أوروبي للوساطة الجزائرية: شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً مضطرداً في حدة التوتر بين مالي والقوى الأوروبية المشاركة في قوة "تاكوبا" في منطقة الساحل الأفريقي، خاصة بعد إعلان باماكو بأن القوات الدنماركية المشاركة في العملية الأوروبية باتت غير مرحب بها في مالي، وهو ما دفع الدنمارك في 27 يناير للإعلان عن سحب قواتها الموجودة هناك، والمقدر عددها بحوالي 100 عنصر من القوات الخاصة، وهي الخطوة التي جاءت بعد أسابيع قليلة من إعلان السويد مطلع يناير الجاري بأنها ستسحب قواتها من مالي في مارس المقبل.

ويبدو أن القوى الأوروبية عمدت إلى تأجيل أي قرارات حاسمة بشأن مستقبل وجودها في مالي لحين معرفة ما ستؤول إليه الوساطة الجزائرية، وربما يدعم هذا الطرح، المشاورات التي أجراها وزراء دفاع 15 دولة أوروبية، في 28 يناير الجاري، والتي أعقبها الإعلان بأن الوزراء اتفقوا على صياغة خطة مشتركة خلال أسبوعين حول الانخراط الأوروبي في منطقة الساحل.

ويعاني الموقف الأوروبي من انقسامات حول كيفية التعامل مع مالي، بين اتجاه داعم لاتخاذ موقف صارم ضد السلطات المالية ورفض العمل معها، وبين اتجاه آخر يتبني فكرة عدم إفساح المجال أمام النفوذ الروسي في منطقة الساحل.

وفي التقدير، تعكس التحركات الجزائرية الأخيرة للوساطة بين مالي والإيكواس عن الأهمية الكبيرة التي توليها الجزائر لتعزيز حضورها الإقليمي، ويمكن القول إن احتمالات نجاح الوساطة الجزائرية يستند إلى مدى تجاوب باريس مع المساعي الجزائرية، كما سيعتمد نجاح الجهود الجزائرية على مدى قدرتها على حشد موقف داعم لوساطتها خلال قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة مطلع فبراير 2022.