تدهور الديمقراطية:

أسرار الانتقال الرئاسي "الخطر" من ترامب إلى بايدن

18 October 2021


عرض: هدير أبو زيد

شكَّلت فترة الانتقال الرئاسي في الولايات المتحدة من دونالد ترامب إلى جو بايدن أحد أخطر الفترات في التاريخ الأمريكي، لاسيما أنها تزامنت مع جملة من التحديات أبرزها، جائحة كورونا، وانقسامات الحزب الجمهوري ناهيك عن فوضى تسليم السلطة، والتي أسفرت عن اقتحام أنصار ترامب مبنى "الكابيتول" في يناير الماضي في محاولة لوقف آخر خطوة إجرائية في الكونغرس تسمح بتنصيب الرئيس الجديد جو بايدن. 

في هذا السياق، قدَّم كل من بوب وودوارد وروبرت كوستا، الصحفيان الشهيران في صحيفة "واشنطن بوست"، في كتابهما المعنون: الخطر، نظرة سياسية فاحصة للأشهر التي سبقت انتخابات 2020 وبعدها بما في ذلك الحملات الانتخابية الرئاسية، وجائحة كورونا والانسحاب الفوضوي للجيش الأمريكي ‏من أفغانستان، بالإضافة للانتقادات الموجهة لإدارة بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب هو الثالث ضمن سلسلة كتب الصحفي بوب وودوارد بعد كتابي "الخوف" و"الغضب" اللذين تناولا العديد من أسرار وخفايا البيت الأبيض في عهد الرئيس ترامب، ويتميز الكتاب بأنه اعتمد على أكثر من 200 مقابلة مع مشاركين وشهود عيان، كما يتضمن تقارير حصرية عن الأحداث التي سبقت 6 يناير ورد فعل ترامب على التمرد. 

الصحة العقلية لترامب:

أشار الكاتبان إلى أن الجنرال "مارك ميلي" رئيس هيئة الأركان المشتركة، كان على يقين من أن ترامب يعاني "تدهوراً خطيراً في قدراته العقلية" واحتمال تحوله إلى "شخص خطير" في أعقاب الانتخابات، فضلاً عن أنه بات مهووساً تماماً، إذ لجأ إلى الصراخ على المسؤولين ونشر نظرية المؤامرة.

في هذا الإطار، استشهد الكاتبان بمكالمة جرت بين رئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" و"ميلي" بعد يومين من اقتحام الكابيتول، حيث أعربت الأولى عن قلقها من وضع ترامب العقلي ووصفته بـ"المجنون" وأنه قد يشن ضربة نووية، منتقدة صمت مسؤولي البيت الأبيض عن تصرفات ترامب وعدم منعه من الهجوم على مبنى الكونجرس، أخيراً، دعت إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة لقطع الطريق أمام أي قرارات عسكرية يتخذها ترامب، فيما أقر "ميلي" بخطورة الموقف ووافق على ما قالته بيلوسي وفقاً لنسخة من المكالمة حصل عليها المؤلفان.

 وعندما رفض ترامب التنازل في نوفمبر2020، حذَّرت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية "جينا هاسبل" ميلي، قائلة: "نحن في طريقنا إلى انقلاب يميني، إنه في نوبة غضب ويتصرف مثل طفل في السادسة من عمره"، والواقع أنها كانت تخشى من تنفيذ هجوم على إيران. وبناءً عليه، طالب "ميلي" قادة الاستخبارات في الولايات المتحدة وعلى رأسهم مديرة وكالة الاستخبارات المركزية "جينا هاسبل"، وقائد الاستخبارات العسكرية "بول ناكاسون"، بمراقبة تصرفات ترامب ورصد سلوكه.

إجراءات صارمة:

كشف الكتاب عن قيام "ميلي" باتخاذ عدد من الإجراءات السرية بعد يومين من الهجوم على مبنى "الكابيتول"، حيث دعا إلى اجتماع سري في مكتبه في البنتاغون لمراجعة سير العملية العسكرية، بما في ذلك إطلاق الأسلحة النووية، وفي حديثه إلى كبار المسؤولين العسكريين عن مركز القيادة العسكرية الوطنية، غرفة الحرب التابعة للبنتاغون، أمر ميلي بعدم تلقي أوامر من أي شخص ما لم يكن مرتبطاً بالأمر.

جاء ذلك بعدما اكتشف رئيس هيئة الأركان المشتركة أن ترامب قام بتوقيع أمر عسكري لسحب جميع القوات من أفغانستان والصومال قبل مغادرته البيت الأبيض، حيث تمت صياغة المذكرة سراً من قبل اثنين من الموالين لترامب بحسب الكتاب، من دون القيام بالإجراءات الطبيعية المعمول بها في هذه الحالات، وهي استشارة كبار مسؤولي فريقه الأمني، ومع ذلك ألغيت المذكرة في نهاية المطاف. 

إلا أن "ميلي" لم يستطع أن يتناسى أن ترامب يمكنه الالتفاف حول كبار مستشاريه العسكريين، أخيراً، اتصل ميلي بالأدميرال المشرف على القيادة البحرية العسكرية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ وأوصى بتأجيل التدريبات العسكرية المقررة هناك.

مخاوف هجوم نووي:

وفقاً للكتاب، فقد أجرى "ميلي" مكالمتين هاتفيتين سريتين مع نظيره الصيني الجنرال "لي زوتشنغ"، الأولى كانت في 30 أكتوبر 2020 قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أما الثانية فكانت يوم 8 يناير 2021 أي بعد اقتحام مبنى "الكابيتول" بيومين، أكد ميلي خلالهما أن الولايات المتحدة لن توجه ضربة عسكرية أو نووية ضد الصين.

يعود الاتصال الأول إلى وصول معلومات استخباراتية إلى "ميلي" تشير إلى أن الصينيين يعتقدون أن الولايات المتحدة كانت تستعد للهجوم، ووفقاً لما ذكره المؤلفان فإن هذا الاعتقاد كان مبنياً على التوترات التي صاحبت التدريبات العسكرية الأميركية في بحر الصين الجنوبي في ذلك الوقت، وعمَّقها خطاب ترامب العدواني تجاه الصين في الأسابيع الأخيرة قُبيل الانتخابات. ولهذا أكد ميلي لنظيره الصيني أن الولايات المتحدة لن تهاجم الصين أو تجري عمليات عسكرية ضدها، بل ذهب إلى حد التعهد بأنه سينبه نظيره بشكل مسبق عبر قناة خلفية في حال الاستعداد لشن هجوم أميركي ضد الصين.

 أما المكالمة الثانية، فقصد "ميلي" من ورائها معالجة مخاوف الصين بشأن أحداث اقتحام مبنى الكونغرس، لكن محاولات ميلي طمأنة الصينيين بأن كل شيء على ما يرام وأن الديمقراطية يمكن أن تختل في بعض الأحيان، لم تهدئ من انزعاج رئيس الأركان الصيني، وفقاً للكتاب.

لم يكن موقف ترامب الذي وصفه المؤلفان بـ"الهجومي" متعلقاً بالصين فحسب، بل كان الأمر يشمل إيران أيضاً، إذ يشير الكتاب إلى أن الرئيس الأمريكي السابق لم يستبعد تنفيذ عمل عسكري ضد إيران أثناء مناقشاته بشأن برنامجها النووي، ويورد الكتاب تفاصيل اجتماع "ميلي" الأخير مع ترامب في يناير 2020، الذي ضم آنذاك وزير الخارجية "مايك بومبيو" ومستشار الأمن القومي "روبرت أوبراين"، وفيه تبددت أخيراً المخاوف بشأن قيام ترامب بشن ضربة ضد إيران بعد أن حدد الثلاثة عواقب القرار.

 دفع ذلك ميلي خلال الأشهر السابقة للمشاركة في جهود متعددة لضمان عدم دخول ترامب في صراع عسكري مع إيران، كجزء من حملته الخيالية لإلغاء نتائج انتخابات 2020، والبقاء في السلطة، إذ كانت تنتابه مخاوف داخلية من أن يصر ترامب على توجيه ضربة للمصالح الإيرانية يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة.

ارتباك إدارة ترامب:

أشار الكتاب إلى تدهور إدارة ترامب خلال أيامه الأخيرة وهو ما تجلَّى في عدد من الظواهر أبرزها إقالة وزير الدفاع "مارك إسبر" 9 نوفمبر 2020، وهو ما تسبب في تصاعد مخاوف مسؤولي إدارة ترامب كجينا هاسبل وديفيد أوربان كبير مستشاري حملة ترامب الرئاسية في 2016 وأحد المقربين منه، حيث أخبر أوربان صهر الرئيس وكبير مستشاريه "جاريد كوشنر" بأن إقالة إسبر خطوة شاذة، جعلت ترامب يبدو خارج السيطرة.

 فضلاً عن استقالة النائب العام "ويليام بار" بعدما فشل في إقناع ترامب بأنه بحاجة لكسب الجمهوريين المعتدلين والتركيز على الانتعاش الاقتصادي والاستجابة السريعة لجائحة كورونا، وعدم اقتناعه برواية ترامب الخاصة بتزوير الانتخابات، ناهيك عن ضغوط ترامب على نائبه "مايك بنس" لمنعه من التصديق على انتخاب بايدن، فبحسب الكتاب جاء رفض بنس فكرة ترامب بإلغاء المصادقة على النتائج يوم 6 يناير 2021 نتيجة لاعتقاده بأن هذا سيكون مناقضاً لوجهة نظره المحافظة تقليدياً.

أخيراً، تناول الكتاب تفاصيل عديدة تتعلق باستهداف ترامب خلال اجتماع في البيت الأبيض صهره جاريد كوشنر بتصريحات عنصرية تشير إلى أن كوشنر أكثر ولاء لإسرائيل من وطنه (أمريكا)، واستخدم تعبيراً معادياً للسامية، وبحسب الكتاب، لم تكن تلك المرة الوحيدة، ففي اجتماع آخر قال ترامب مازحاً: "كما تعلمون فإن جاريد كوشنر الذي نشأ في أسرة يهودية أرثوذكسية هو أكثر ولاء لإسرائيل منه للولايات المتحدة".

وينقل الكتاب عن رابطة مكافحة التشهير (ADL) في الولايات المتحدة أن ترامب استخدم مراراً فكرة "الولاء المزدوج" للقول ولو بالمزاح، أن اليهود الأمريكيين أكثر ولاء لإسرائيل من الولايات المتحدة، وهي تهمة كانت تستخدم لعدة قرون لمضايقة اليهود. أخيراً، استذكر الكتاب أن أنصار ترامب استخدموا بشكل متكرر مشاعر معادية للسامية، وأن ترامب كان قد وقَّع في ديسمبر 2019 على أمر تنفيذي ضد معاداة السامية في الكليات الجامعية، وهو قرار قال معارضوه إنه خنق لحرية التعبير.

"شرنقة" بايدن:

يؤرخ الكتاب الأشهر الأولى من رئاسة بايدن ويوضِّح بالتفصيل جهود إدارته ‏للاستجابة لوباء كورونا والجهود المبكرة للعمل مع الكونجرس والمداولات الداخلية بشأن الانسحاب ‏الأمريكي من أفغانستان، ويشمل ذلك كيف تكيف بايدن مع الحياة في البيت الأبيض، والذي ‏قيل إنه أطلق عليه "القبر"، كما أشار الكتاب إلى أن مساعدي بايدن عملوا على إبعاده عن الأحداث غير المسجلة أو المقابلات ‏الطويلة لتجنب الزلات والسقطات التي عادة ما تحدث وهو ما وصفوه بـ "شرنقة الرئيس". 

ليس هذا فحسب، فقد أظهر الكتاب أن ثمة انقساماً داخل الإدارة الأمريكية بشأن الانسحاب من أفغانستان، حيث أيد وزير الخارجية "بلينكن" في البداية عملية الانسحاب الكامل من أفغانستان، وكان متوافقاً مع بايدن حول هذا الأمر، لكنه قدَّم توصية مغايرة للرئيس بايدن وذلك بعد اجتماعه مع وزراء في الناتو في مارس 2021، حيث حاول إقناع بايدن بإطالة أمد الوجود العسكري في أفغانستان؛ لتعزيز فرص الحل السياسي بين الأفغان وإفساح مجال أكثر للمفاوضات، لكن بايدن رفض.

بالإضافة لما سبق، أشار الكتاب إلى مخاوف بايدن من تلاعب المؤسسة العسكرية، حيث جادل الكاتبان بأن بايدن كان مقتنعاً بأن القادة العسكريين تلاعبوا بالرئيس أوباما في الملف الأفغاني، حيث أقنعوه بالبقاء هناك بعدما كان يفكر في قرار الانسحاب، وبحسب الكتاب فإن بايدن تعهد في عام 2009 عندما كان نائباً للرئيس، بعدم إعطاء فرصة للجيش للتحكم أو التلاعب فيه، ومن ثم رفض جميع اقتراحات تأجيل قرار الانسحاب من أفغانستان، كما رفض بايدن الانسحاب على مراحل، فيما اقترح وزير الدفاع "لويد أوستن" انسحاباً أمريكياً على ثلاث أو أربع مراحل حتى تتمكن واشنطن من الضغط على المفاوضين الأفغان.

بشكل عام، كانت وجهة نظر المؤلفين تجاه بايدن أكثر إيجابية مقارنة بوجهة نظرهم تجاه ترامب، لاسيما أنهم أظهروا احترامهم لفريق بايدن في أكثر من موضع بما في ذلك رئيس الأركان "رون كلاين" و"مايك دونيلون"، كما عبَّروا عن إعجابهم بالسيدة الأولى "جيل بايدن".

  ختاماً، يمكن القول إن الكاتبين حاولا التحذير من تدهور أركان النظام الأمريكي بدءاً من الحديث عن تراجع  الديمقراطية الأمريكية حيث أشاروا في أكثر من موضع إلى وجود ما يشبه "انقلاباً ناعماً" من المؤسسة العسكرية ضد الرئيس ترامب لشكوك حول قدراته العقلية، وهو أمر لا يختلف كثيراً عن الانقلابات العسكرية، مروراً بالحديث عن تدهور الحياة الحزبية، وهو ما تجلى في الإشارة للانقسامات التي حدثت داخل الحزب الجمهوري، ومن أبرزها، عزل "ليز تشيني" من قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب، والتي صوتت لصالح محاكمة ترامب وانتقدت بقوة الأكاذيب التي كان يرددها عن تزوير الانتخابات.

المصدر:

Bob Woodward & Robert Costa, Peril, (New York: Simon & Schuster, September 21, 2021) pp. 512