ملف شائك:

كيف يؤثر الاعتراف بـ"إبادة الأرمن" على العلاقات التركية- الأمريكية؟

28 April 2021


تتصاعد حدة التوتر تدريجياً في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، على ضوء التطورات العديدة التي طرأت عليها في الفترة الأخيرة، وهو ما بدا جلياً في إخطار واشنطن، في 21 أبريل الجاري، أنقرة بإخراجها رسمياً من برنامج مشترك يشرف عليه حلف شمال الأطلسي "الناتو" لإنتاج وتطوير المقاتلة الأمريكية "إف-35" بسبب إصرارها على اقتناء منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية "إس- 400"، علماً بأن ذلك التوجه كان جاري العمل عليه منذ يوليو 2019 بعد تسلم تركيا المنظومة الجوية الروسية.

تبع التحرك السابق، إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في 24 أبريل الجاري، اعتراف بلاده رسمياً بأن المجازر التي تعرض لها ما يقرب من 1.5 مليون أرميني خلال الحرب العالمية الأولى على يد العثمانيين، كانت إبادة جماعية، لافتاً إلى أن "الاعتراف بإبادة الأرمن لا يستهدف إلقاء اللوم ولكن لمنع تكرار ما حدث"، الأمر الذي دفع المسئولين الأتراك إلى توجيه انتقادات لهذه الخطوة الأمريكية، بالتوازي مع استدعاء وزارة الخارجية التركية السفير الأمريكي في أنقرة ديفيد ساترفيلد لإبلاغه رفضها القرار الأمريكي، وهو ما يشير إلى اتباع الولايات المتحدة الأمريكية سياسة مزدوجة في تحديد اتجاهات علاقاتها مع تركيا على غرار الاتحاد الأوروبي، وذلك لدفع أنقرة إلى إجراء تغيير في سياستها على نحو يمكن أن يساعد في الوصول إلى توافق بين الطرفين حول العديد من الملفات الخلافية. وتبدو تلك السياسة جلية في حرص بايدن في الوقت نفسه على عدم تحميل تركيا مسئولية الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن.

مسارات متعددة:

من هنا، فإن ثمة اتجاهات عديدة ترى أن الخطوة الأمريكية الأخيرة لن تؤدي إلى وصول التوتر بين الطرفين إلى مرحلة غير مسبوقة، لاسيما في ظل محاولات الإدارة الأمريكية استقطاب تركيا في مواجهة روسيا، خاصة بعد تحرك أنقرة الأخير لتعزيز التعاون العسكري مع أوكرانيا في ظل تنامي التوتر الحدودي بين الأخيرة وروسيا، وهو ما انعكس في تحذير نائب رئيس الوزراء الروسي يوري برويسوف من خطر تحليق الطائرات التركية بدون طيار في سماء أوكرانيا مرة أخرى، وبالتالي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز ذلك التوجه بهدف تجميد، أو على الأقل تقليص مستوى التعاون بين روسيا وتركيا في كافة المجالات، خاصة وأن المسئول الروسي أكد أن المراجعة التي يمكن أن تجريها موسكو بناءً على هذه السياسة التركية لن تقتصر على التعاون التقني والعسكري بل إن السلطات الروسية قد تعيد النظر في كل القضايا، لوقف الانحياز التركي لأوكرانيا، وقد بدأت روسيا بالفعل في ممارسة بعض الضغوط على أنقرة في هذا الصدد، حيث قامت بتقليص عدد الرحلات الجوية بين الدولتين اعتباراً من 15 أبريل وحتى 1 يونيو المقبل، في إطار تدابير مكافحة فيروس كورونا، مما يثبت جديتها في هذا الصدد، علماً بأن فيروس كورونا منتشر في كثير من الدول ولم تتخذ موسكو إجراءات مشابهة معها، بما يعني أن القرار يكتسب من دون شك طابعاً سياسياً لا ينفصل عن التوتر المتصاعد بين الطرفين بسبب التباين في التعامل مع بعض التطورات التي تشهدها العديد من الملفات.

واللافت في هذا السياق، هو أن التوجه الأمريكي يتماهى في الوقت نفسه مع محاولات تركيا تعزيز نفوذها في وسط آسيا التي تمثل الساحة الخلفية لموسكو، فضلاً عن اتجاه أنقرة لتعزيز علاقاتها بدول أوروبا الشرقية والقوقاز، وهو ما بدا جلياً مؤخراً في لقاء وزراء خارجية تركيا ورومانيا وبولندا في 22 أبريل الجاري، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والدفاعية. وهنا، فإن واشنطن تعتبر أن تلك التحركات التركية تتوافق مع مصالحها، لاسيما فيما يتعلق بتعزيز نفوذها في مناطق تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لموسكو لاعتبارات استراتيجية وأمنية عديدة، على غرار دول آسيا الوسطى. وقد بدأ التنافس بين الطرفين يتصاعد تدريجياً في تلك المنطقة، لاسيما بعد التدخل التركي المباشر في أزمة إقليم ناجورني قره باغ، لصالح أذربيجان، على نحو لم يحظ بتأييد واسع من جانب روسيا وإيران.

فضلاً عن ذلك، فإن واشنطن تسعى، حسب مراقبين، إلى توسيع نطاق التفاهمات مع تركيا في العديد من الملفات الإقليمية، لاسيما في ليبيا وسوريا وشرق المتوسط، في ضوء سياسة "إعادة التموضع" التي تتبناها إدارة الرئيس جو بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض، والتي تقوم في الأساس على تغيير الآليات التي تستخدمها واشنطن في التعامل مع تلك الملفات.

أوراق ضغط:

مع ذلك، فإن كلاً من واشنطن وأنقرة حريصتان على توسيع هامش الخيارات المتاح أمامهما، على نحو سوف يدفعهما إلى الاحتفاظ بأوراق ضغط متبادلة يمكن الاستناد إليها في حالة وصول التوتر إلى مرحلة غير مسبوقة، وهو احتمال قائم من دون شك، في ظل الخلافات العالقة بين الطرفين والتي لا تبدو ثانوية أو يمكن احتواءها بسهولة. ومن هنا، تبدو إدارة الرئيس بايدن حريصة على عد استبعاد آلية العقوبات في تحديد اتجاهات علاقاتها مع تركيا، وذلك بموجب قانون "مكافحة أعداء الولايات المتحدة"(CAATSA) ، والذي بالفعل فرضت واشنطن بمقتضاه في ديسمبر 2020 عقوبات على رئاسة صناعات الدفاع التركية بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس- 400". وربما تتجه الإدارة الأمريكية أيضاً إلى استخدام قيود تجارية على الواردات من تركيا وذلك عبر رفع التعريفة الجمركية عليها أسوة بسياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ختاماً، تشهد العلاقات التركية- الأمريكية تصاعداً في حدة التوتر خاصة بعد القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس بايدن بالاعتراف بـ"إبادة الأرمن"، إلا أن ذلك لا ينفي أن كلاً من واشنطن وأنقرة سوف تسعيان إلى احتواء هذا التوتر، لاسيما في ظل تشابك وتعقد الملفات الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمام خاص من جانبهما.