ارتدادات الجائحة:

جرائم كراهية الآسيويين.. هل تكفي إجراءات "بايدن"؟

23 March 2021


رغم أن الأمريكيين من أصول آسيوية هم العرقية الأسرع نموًا بين الناخبين الأمريكيين، فضلًا عن أن السياسيين الأمريكيين من أصول آسيوية بدءوا في اكتساب مزيد من النفوذ السياسي في الولايات المتحدة، حيث تم انتخاب نائبتين جمهوريتين من أصل كوري عن ولاية كاليفورنيا في الكونغرس، وهي سابقة تعد الأولى من نوعها. إلا أنه يبدو أن ذلك لم ينعكس إيجابيًا على الوضع العام لمجتمع الأمريكيين من أصول آسيوية، والذين يعانون من الإحباط والخوف بسبب تعرضهم لهجمات عرقية تتراوح حدتها من الهجوم اللفظي إلى القتل.

مؤشرات تصاعد العنصرية: 

منذ بداية جائحة فيروس كورونا المستجد، شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا في عدد حوادث الكراهية ضد الأمريكيين من أصول آسيوية، فخلال الفترة من مارس إلى مايو 2020، تم الإبلاغ عن أكثر من 800 حادث كراهية تجاه الأمريكيين من أصول آسيوية في ولاية كاليفورنيا فقط، وهي الولاية التي تضم أكبر نسبة من الآسيويين في الولايات المتحدة. كما ارتفعت جرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين بنسبة 115٪ في مدينة لوس أنجلوس .

في حين أصدرت منظمة مكافحة جرائم الكراهية تجاه الأمريكيين من أصل آسيوي (Stop AAPI Hate) إحصائية مفادها أنه خلال الفترة من مارس 2020 حتى فبراير 2021، تم تسجيل حوالي 3800 حادث عنف عرقي تجاه الآسيويين في الولايات المتحدة، من بينها 503 حوادث وقعت خلال شهري يناير وفبراير من العام الحالي. كما تشير الإحصائية ذاتها إلى أن النساء قد شكلن نسبة 68% من الأمريكيين-الآسيويين المستهدفين من جرائم الكراهية، في حين أن نسبة الرجال الآسيويين المستهدفين من هذه الهجمات كان 29 % فقط .

ومنذ بداية العام الحالي، بدأت تزداد حدة ووتيرة أحداث العنف اللفظي والجسدي تجاه الأمريكيين من أصول آسيوية. فخلال الفترة من يناير-مارس 2021، يمكن رصد أهم حوادث العنف تجاه الآسيويين الأمريكيين في: تعرض أمريكي من أصل فلبيني يبلغ من العمر 61 عامًا إلى جروح في الوجه بعد الاعتداء عليه بآلة حادة في مترو الأنفاق بنيويورك، كما تم إضرام النار في جسد امرأة صينية تبلغ من العمر 89 عامًا في نيويورك. وقد قُتل رجل تايلاندي يبلغ من العمر 84 عامًا في كاليفورنيا. كما أبلغ العديد من مالكي المنازل الأمريكيين الآسيويين أنهم تعرضوا لحوادث عنف لفظي، وكذلك قيام مجهولين بإلقاء الحجارة على منازلهم.

أما الهجوم العنصري الأبرز فقد وقع في 16 مارس الجاري، عندما قام "روبرت آرون لونغ" (مسلح أمريكي يبلغ 21 عامًا من أصول بيضاء) بمهاجمة ثلاثة منتجعات صحية يمتلكها آسيويون في منطقة أتلانتا وقتل ثمانية أشخاص، من بينهم 6 سيدات آسيويات. 

دوافع جرائم الكراهية: 

يمكن القول أن أسباب جرائم الكراهية ضد الآسيويين تتمثل فيما يلي: 

1- العامل الاقتصادي: تقول "دوريس تشانج"، الأستاذة في جامعة نيويورك وأخصائية علم النفس الإكلينيكي والتي تقوم بدراسة تأثير العنصرية على مجتمع الأمريكيين من أصول آسيوية في الولايات المتحدة، إن الهجمات العنصرية ضد الآسيويين ليست بجديدة، بل لها جذور تاريخية منذ القرن التاسع عشر؛ إلا أن هذه الهجمات قد تميزت بالتذبذب، بمعنى أنه أحيانًا كانت تزداد وتيرة هذه الهجمات، ثم ما تلبث أن تخبو أو تقل وتيرتها.

ويمكن إرجاع الدافع الرئيسي وراء هذه الهجمات -آنذاك- إلى الدافع الاقتصادي، فالآسيويون المهاجرون للولايات المتحدة مثلوا قوى عاملة رخيصة، وهو ما أدى إلى ازدياد شعور الكراهية من جانب الأمريكيين من أصول بيضاء ضد الأجيال الأولى من المهاجرين الآسيويين، حيث كان ينظر إليهم على أنهم جاءوا ليسرقوا الوظائف، ويهددوا الأمريكيين من أصل أبيض على حد تصورهم.  

ويمكن ربط هذا السبب التاريخي بالواقع الأمريكي الحالي، حيث أشار "ترامب" مرارًا وتكرارً إلى أن الصين تسرق الوظائف من الأمريكيين، مما عمل على تعزيز الصورة النمطية حول أن الآسيويين يمثلون تهديدًا اقتصاديًا للأمريكيين، خاصة مع الكساد الاقتصادي الذي تواجهه الولايات المتحدة في ظل الجائحة، مما أنتج شعورًا بالحنق تجاه الآسيويين، ونتج عنه زيادة جرائم الكراهية ضدهم. 

2- الصورة النمطية: وهو عامل وثيق الصلة بالعامل الاقتصادي، فقد رسم الإعلام الأمريكي صورة نمطية لمجتمع الأمريكيين-الآسيويين، على أنه مجتمع نموذجي ويتسم بالنجاح الاقتصادي، ويتميز أفراده بالثراء، ويتمتعون بامتيازات اقتصادية واجتماعية كبيرة. بل إن الصورة النمطية للأمريكيين الآسيويين هي أنهم أكثر نجاحًا على الصعيد الاقتصادي من غيرهم من العرقيات الأخرى في المجتمع الأمريكي.

وقد مثّل ذلك دافعًا لزيادة الهجمات على الآسيويين. فضلًا عن أن هذه الصورة النمطية قد أضفت نوعًا من الشرعية على أي تمييز يحدث تجاه الآسيويين، خاصة في أوقات الكساد الاقتصادي، بحجه أنهم الطبقة الأكثر ثراءً ونجاحًا. في حين أن حقيقة الأمر تشير إلى أن مجتمع الأمريكيين-الآسيويين، مثل أي أقلية أخرى في الولايات المتحدة، يتميز بالتنوع والتباين الاقتصادي الشديد. فرغم وجود أثرياء في هذا المجتمع، إلا أن هناك أمريكيين-آسيويين يعانون الفقر الشديد. 

3- خطابات "ترامب" العدائية: يُجمع الخبراء على أن السبب الرئيسي وراء زيادة وتيرة الهجمات العنصرية التي يواجهها الأمريكيون من أصول آسيوية حاليًا، يرجع إلى إشارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" إلى فيروس كورونا المستجد بأنه "فيروس صيني"، فضلًا عن اشتداد النزاع بين الولايات المتحدة والصين.

وقد وجّه الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن" اللوم إلى الرئيس السابق "دونالد ترامب"، حيث قال "بايدن": "لقد عرفنا دائمًا أن هذه التصريحات ستكون لها عواقب"، وأضاف أنه كان يجب أن يتم تسمية الفيروس بأنه فيروس كورونا المستجد فقط، بدون أن يتم نعته بصفة أخرى.

4- سردية "التفوق الأبيض": حيث يشير بعض الخبراء إلى أن تزايد نشاط الجماعات اليمينية المتطرفة والتي تروج لتفوق العرق الأبيض، وعدم إدانة ترامب لهذه المنظمات بل ودعمه لبعضها مثل منظمة (براود بويز)، قد مثل عاملًا محفزًا لزيادة الهجمات العرقية وجرائم الكراهية تجاه الأجانب بشكل عام في الولايات المتحدة.

5- إغفال مناقشة مشكلات الآسيويين: فعلى الرغم من أنه تم إصدار قانون الاستبعاد الصيني لعام 1882 والذي بمقتضاه تم منع دخول العمالة الصينية إلى الولايات المتحدة لفترة طويلة، ورغم أنه خلال الحرب العالمية الثانية أصدرت الولايات المتحدة الأمر التنفيذي 9066 والذي بمقتضاه تم دفن الأمريكيين من أصل ياباني في معسكرات منعزلة؛ إلا أنه نادرًا ما يتم تسليط الضوء على المعاناة التاريخية للآسيويين، مثلما يتم تسليط الضوء على معاناة الأمريكيين من أصول إفريقية من العبودية. فعادةً عندما يتم تسليط الضوء إعلاميًا على موضوع العدالة العرقية في الولايات المتحدة، يتم الحديث عن الأمريكيين من أصول إفريقية، دون التطرق للأمريكيين الآسيويين.

ردود فعل إدارة "بايدن":

قدم الرئيس "جو بايدن" ونائبته "كامالا هاريس"، العزاء للأمريكيين الآسيويين، ونددا بأحداث الكراهية والعنصرية تجاههم، وبعد حادث إطلاق النار على المنتجعات الصحية في أتلانتا، قام "بايدن" و"هاريس" بعقد اجتماع استمر حوالي 80 دقيقة مع المشرعين وغيرهم من القادة الأمريكيين الآسيويين. حيث صرح "بايدن" بأن هذه الأحداث ليست أمريكية.

وأضاف أنه "من المؤلم الاستماع إلى قصص الخوف بين الأمريكيين الآسيويين وسكان جزر المحيط الهادئ بسبب الارتفاع الصاروخي في المضايقات والعنف ضدهم" .ودعا "بايدن" جميع الأمريكيين إلى الوقوف في وجه التعصب، مضيفًا: "صمتنا هو تواطؤ. ولا يمكننا أن نكون متواطئين". 

كما استغل "بايدن" هذه الحوادث في التأكيد على أهمية توجه إدارته لتعديل قوانين حيازة الأسلحة في البلاد، وذلك بهدف فرض مزيد من القيود على بيع الأسلحة للمواطنين. في حين صرحت "كامالا هاريس"، نائبة الرئيس وأول شخص من أصل جنوب آسيوي يتولى منصبًا وطنيًا رفيعًا في الولايات المتحدة، إن "العنصرية حقيقة في أمريكا، وكره الأجانب أمر حقيقي في أمريكا". وأضافت أنها لن تقف هي أو الرئيس "بايدن" مكتوفي الأيدي حيال هذه الحوادث.

منظمات المجتمع المدني:

كان الهاشتاج #StopAsianHate من أكثر التغريدات رواجًا على تويتر بعد ساعات من حادثة إطلاق النار في مدينة أتلاتنا. وقد عبر عدد من الآسيويين عن غضبهم من أنه فور القبض على مرتكب الحادث، لم يتم توجيه تهمة ارتكاب جريمة بدافع الكراهية والعنصرية. حيث أشارت الشرطة في البداية إلى أن المتهم يؤكد أن السبب وراء الهجوم لم يكن عنصريًا تجاه الآسيويين.

حيث أعربت "مارجريت هوانج"، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمركز قانون الفقر الجنوبي، الذي يهدف إلى تتبع مجموعات الكراهية، عن قلقها من تعليقات نقيب الشرطة من أن "المتهم كان يواجه يومًا سيئًا"،  حيث أشارت إلى أن مثل هذه التعليقات تعمل على الترويج للجريمة على أنها ليست جريمة كراهية، وهو ما قد يشجع استمرار هذه الهجمات. 

كما صرحت "سينثيا تشوي"، المؤسسة المشاركة لـمنظمة مكافحة جرائم الكراهية تجاه الأمريكيين من أصل آسيوي، إن الأمريكيين الآسيويين "يخشون مغادرة منازلهم"، وأضافت أن ذلك يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان. ودعت الحكومة الأمريكية إلى أن يتم أخذ هذه الهجمات على محمل الجد وعلى وجه السرعة. 

ودعت "جو آن يو"، المديرة التنفيذية للاتحاد الآسيوي الأمريكي، إلى أنه يتعين على وزارة العدل الأمريكية أن تعمل على توظيف مزيد من الأمريكيين من أصول آسيوية، وذلك للعمل على كسر الحاجز اللغوي، خاصة لدى كبار السن من الأمريكيين-الآسيويين، فضلًا عن أن ذلك قد يشجع مزيدًا من الآسيويين على الإبلاغ عن جرائم الكراهية التي يتعرضون لها .

إجراءات الدعم والحماية:

لم يتوانَ "بايدن" منذ توليه مهام منصبه عن التأكيد على أنه لا يمكن لوم الآسيويين أو استخدامهم ككبش فداء للتعبير عن الغضب والحنق من انتشار الوباء. حيث قام "بايدن" خلال الأسبوع الأول له في منصبه بالتوقيع على أمر تنفيذي يحظر بشكل أساسي استخدام مصطلحات مثل الفيروس الصيني داخل الحكومة الفيدرالية، فضلًا عن إدانة كراهية الأجانب. كما وجه وزارة الصحة للتأكد من أن استجابة الحكومة الوبائية لا يشوبها أي تمييز عرقي.

كما طلب الرئيس "بايدن" من المشرعين الأمريكيين سرعة تمرير قانون جرائم الكراهية المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، وهو مشروع قانون من شأنه زيادة إشراف وزارة العدل على جرائم الكراهية المرتبطة بفيروس كورونا، كما يهدف القانون إلى تقديم الدعم لوكالات إنفاذ القانون الفيدرالية والمحلية، ناهيك عن إتاحة المعلومات المتعلقة بجرائم الكراهية للمجتمعات الأمريكية-الآسيوية.

وفي السياق ذاته، يقوم عدد كبير من المشرّعين، مثل "جودي تشو" عضو الكونجرس عن ولاية كاليفورنيا، بالضغط على وزارة العدل الأمريكية لتكثيف الجهود للإبلاغ عن جرائم الكراهية وتعقبها ومقاضاة مرتكبيها.

وعلى مستوى ولاية كاليفورنيا، فقد خصص المشرعون مبلغ 1.4 مليون دولار من أموال الولاية لتمويل جهود التوسع في جمع البيانات وتدشين مبادرات مكافحة العنصرية ودعم الضحايا.

كما صرحت "جين باسكي"، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بأنه تم تكليف وزارة العدل بالعمل مع بعض القادة والمجموعات الخارجية، وكذلك الوكالات الحكومية والمحلية، وذلك لمنع التمييز والمضايقات وجرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين، فضلًا عن جمع البيانات بشكل أفضل حول هذه الحوادث. 

ولا يزال التحدي الأكبر الذي سيواجه إدارة "بايدن" في هذا الشأن هو توفير التمويل اللازم لإتمام عمليات التعليم والتدريب والتواصل المجتمعي على المستوين الفيدرالي والمحلي لوضع حد لانتشار الكراهية ضد الأجانب وضد الآسيويين في الولايات المتحدة.

ختامًا، يبدو أن هناك نوعًا من الارتياح يسود مجتمع الأمريكيين من أصول آسيوية لقيام الرئيس "بايدن" ونائبته "هاريس" بالاجتماع مع ممثليهم في أتلاتنا عقب الهجوم، فضلًا عن إقرار الإدارة الأمريكية بوجود تمييز عنصري ضد الآسيويين، وهو ما افتقده الأمريكيون-الآسيويون بشكل كامل خلال إدارة الرئيس "ترامب".

إلا أن هذا الارتياح الجزئي هو ارتياح ممزوج بالقلق والتخوف النابع من عاملين أساسيين؛ الأول يتعلق باستمرار هجمات الكراهية، أما العامل الثاني فهو أنه ما زال الطريق طويلًا أمام إدارة "بايدن"، بل والإدارات الأمريكية المتعاقبة، لمعالجة تنامي نفوذ الجماعات اليمينية المتطرفة، خاصة مع ما يتواتر من أنباء حول إمكانية ترشح "ترامب" للرئاسة في عام 2024، وهو ما قد يزيد من تخوفات الأمريكيين الآسيويين، من أنه حتى حال قيام إدارة "بايدن" ببعض الإصلاحات التشريعية والمجتمعية لصالحهم، فقد تأتي الإدارة الأمريكية القادمة ولا تسير على النهج ذاته.