تحولات القوة:

دمج القدرات السيبرانية في تقرير التوازن العسكري 2020

17 March 2021


عرض: د. إبراهيم سيف منشاوي - مدرس العلوم السياسية - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

أضحت القدرات السيبرانية العسكرية التي تمتلكها الجيوش على مستوى العالم مؤشرًا هامًا في تقييم القوة الوطنية لأي دولة، وهو ما ركز عليه تقرير "التوازن العسكري لعام 2020" الذي يصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية سنوياً، إذ وجد أن عددًا قليلًا من الدول قد تحوّل بشكل شامل نحو دمج عمليات الفضاء الإلكتروني في هياكل القوة المختلفة. 

ونظرًا لندرة البيانات الأساسية المتعلقة بالقدرات العسكرية السيبرانية، قام المعهد بجمع بيانات استرشادية في أربعة مجالات: مجال الاستراتيجية والعقيدة، ومجال الوحدات الرئيسية للدفاع السيبراني، ومجال الأقمار الصناعية العسكرية، والمجال المتعلق بتدريبات الدفاع السيبراني، لتقديم أدلة على نشر المفاهيم والقدرات العملياتية لعمليات الفضاء السيبراني من خلال التدريبات الإلكترونية العسكرية الوطنية، وإبراز القدرات السيبرانية للدول الكبرى في النظام الدولي، وذلك على النحو التالي:

القدرات السيبرانية البريطانية

تتركز القوة السيبرانية للمملكة المتحدة –بشكل أساسي- في المركز القومي للأمن السيبراني، إلى جانب القدرات التي يمتلكها مكتب الاتصالات الحكومية (جهاز المخابرات البريطاني) في مجال الاستخبارات السيبرانية. وتقود التشكيلات العسكرية السيبرانية في بريطانيا القيادة الاستراتيجية التي تأسست في عام 2020، لعدم وجود قيادة عسكرية سيبرانية موحدة. فالقوات المسلحة البريطانية تمتلك بعض التشكيلات الخاصة بالفضاء الإلكتروني. 

كما قامت الدولة بتطوير استراتيجية أساسية في مجال الأمن السيبراني في إطار الاستراتيجية العامة في كل القطاعات. فقد عرضت الاستراتيجية التي ترتكز عليها العقيدة العسكرية البريطانية بالتفصيل للهجوم السيبراني، وكيفية استخدامه لخلق حرية المناورة، وزيادة القوة وتحقيق عملية الردع.

ولقد حرصت المملكة المتحدة على تطوير القدرات الهجومية السيبرانية من خلال مشروع مشترك بين مكتب الاتصالات الحكومية ووزارة الدفاع. كما نظمت الأخيرة في عام 2014، برنامجًا وطنيًا لتطوير القدرات الهجومية السيبرانية، الذي استُبدل ببرنامج آخر في عام 2020، ولكن ما زال هذا البرنامج يفتقر إلى قيادة عسكرية سيبرانية تختص بإدارة ملف الأمن السيبراني في بريطانيا حيث ما زال الأمر مسندًا إلى القيادة الاستراتيجية.

القدرات السيبرانية الأمريكية

تُعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأكثر تفوقًا في مجال امتلاك القدرات العسكرية السيبرانية، فقد تم تشكيل قيادة سيبرانية موحدة في وقت مبكر من عام 2018، من أجل التماشي مع التطور الكبير والواسع في القدرات السيبرانية الأمريكية، وقد كان هذا أحد أهداف الاستراتيجية السيبرانية الوطنية لوزارة الدفاع الأمريكية. ويشغل منصب قائد هذه القيادة الموحدة مدير وكالة الأمن القومي، وتشرف السلطات الحكومية الأمريكية على تنظيم قدراتها المختلفة. 

تعتمد القيادة السيبرانية الأمريكية على خمسة مكونات أساسية: القيادة السيبرانية للجيش، وقيادة الأسطول السيبراني، والقيادة الإلكترونية للقوات الجوية، والقيادة الإلكترونية لقوات مشاة البحرية وخفر السواحل، بالإضافة إلى وحدات الحرس الوطني. ويبلغ عدد الفرق السيبرانية في هذه القيادة نحو 133 فريقًا يضطلع بمهام مختلفة في مجال حماية الأمن السيبراني الأمريكي.

وترتكز استراتيجية الفضاء الإلكتروني الأمريكي على مبدأ "الدفاع المتقدم"، لذا ينظر البعض إلى القوة السيبرانية الأمريكية على أنها قوة هجومية في المقام الأول. فالولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تركز بشكل متزايد على دمج القدرات التكنولوجية في جميع مراحل العمليات التي تقوم بها قواتها المسلحة، وفي كل مستوى من مستويات القيادة كذلك.

القدرات السيبرانية الفرنسية

تأسست قيادة الدفاع السيبراني الفرنسي في عام 2017، تحت إشراف وزارة الدفاع. وتخضع جميع العمليات الهجومية العسكرية الإلكترونية لهذه القيادة، ولكنها موزعة على المستوى التكتيكي. 

كما يوجد فصل بين العمليات السيبرانية الهجومية والدفاعية، فالوكالة الفرنسية للأمن السيبراني تضطلع بصورة حصرية بعمليات الدفاع، كما أن كل فرع من فروع القوات المسلحة الفرنسية مسؤول عن القيام بعملياته الإلكترونية الدفاعية من خلال مركز خاص لإدارة هذه العمليات. ويعتبر مركز تحليل الدفاع السيبراني هو مركز عمليات الأمن التابع لوزارة الدفاع. ويقوم بمهمة تقييم المخاطر السيبرانية العالمية حتى تتمكن القيادة السيبرانية من التصرف وتقديم المشورة للسلطات السياسية. كما يقوم مركز مراجعة أمن نظم المعلومات بإجراء اختبارات الاختراق والتدقيق الأمني على الأنظمة العسكرية. ولقيادة الدفاع السيبراني الفرنسي شركة تسمى "شركة الإشارات 807"، يقع مقرها في رين، وهي مسؤولة عن تأمين الاتصالات وأنظمة الأسلحة.

القدرات السيبرانية الصينية

أنشأت الصين في عام 2015 قوة الدعم الاستراتيجي كجزء من الإصلاحات التنظيمية لجيش التحرير الشعبي، وتجمع هذه القوة بين قدرات الحرب الفضائية والسيبرانية والنفسية. وتتبع اللجنة العسكرية المركزية، ولها فرعان: إدارة أنظمة الشبكة التي تسيطر على القوة الإلكترونية المسؤولة عن عمليات المعلومات، وإدارة النظم للعمليات الفضائية. 

وتتحدد مسؤولية هذه القوة في دعم المعلومات الاستراتيجية من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية الفنية، ومد القوات المسلحة بهذه المعلومات لتمكينها من شل وتخريب عمليات العدو وأنظمة قيادة الحرب. والحقيقة أن إنشاء الصين لهذه القوة ستكون له تداعياته الإيجابية على القدرة السيبرانية العسكرية الصينية من شقين: أولهما ستكون هذه القوة قادرة على تتبع نوع العمليات المعلوماتية المعقدة والمتعددة الأبعاد، والتي يتوقعها جيش التحرير الشعبي في النزاعات المستقبلية. وثانيهما ستعمل هذه القوة على تحسين الاستعداد العسكري لبكين ومساعدة جيش التحرير الشعبي على التحول السلس من حالة السلم إلى الحرب. 

فمن خلال الجمع بين وظائف التجسس والهجوم عبر الوحدات الإلكترونية ووحدات الحرب الفضائية، ومن خلال وضعها تحت قيادة واحدة، يهدف جيش التحرير الشعبي إلى مسح ساحة المعركة، وإعداد عمليات متعددة التخصصات، وتطوير قدرات معينة يمكن تكييفها باستمرار لتلائم متطلبات المواقف سريعة الحركة.

القدرات السيبرانية الروسية

اعتبرت الاستراتيجية والعقيدة العسكرية الروسية –تاريخيًا- الأمن السيبراني والعمليات الإلكترونية مكونًا من عمليات المعلومات بمفهومها الواسع، وهذا بدوره قد يطمس التمييز بين القدرات العسكرية والمدنية. ولكن كشفت العقيدة العسكرية الروسية لعام 2015 عن أن الفضاء الإلكتروني جزء من الأراضي الروسية، ومن ثم كلفت القوات المسلحة بحمايته. كما قدمت وثيقة صادرة في عام 2011 بعنوان "آراء مفاهيمية حول نشاط القوات المسلحة للاتحاد الروسي في فضاء المعلومات"، بعض المعلومات حول كيفية رؤية القوات المسلحة لدورها في الفضاء الإلكتروني، ولكنها ركزت على الوعي بالموقف والتهديدات وحماية القوة.

ولقد شكلت السلطات الروسية في عام 2017 "قوات عمليات المعلومات"، وقد اعتقد البعض أن مهمة هذه القوات تتحدد في المسؤوليات السيبرانية، ولكن معظم المؤشرات تشير إلى استخدامها بالأساس في أنشطة المعلومات التقليدية والعمليات النفسية. لذلك، ووفقًا للسلطات الأمريكية، تعد المديرية الرئيسية لهيئة الأركان العامة والتشكيلات التابعة لها بما في ذلك مركز الخدمة الخاصة الرئيسي الخامس والثمانين (الوحدة 26165) ومركز الخدمة الخاصة رقم 72 (الوحدة 54777)، هي الجهات الفاعلة في مجال العمليات السيبرانية الهجومية.

المصدر:

Military cyber capabilities, The Military Balance, 2021, pp 503-506.