إدارة بايدن: مراجعات سريعة

23 February 2021


قامت إدارة الرئيس بايدن خلال الأسابيع القليلة المنصرمة بمراجعات سريعة لملفات خارجية عديدة ومتنوعة ومهمة، مما أعطى الانطباع بأن ثمة تغيرات واسعة في المواقف الأميركية حيالها، وهو انطباع قد لا يكون دقيقاً، لأن معظم المراجعات كان يمثل عودةً إلى «المدى الطبيعي» للمواقف الأميركية من قضايا مثلت قرارات ترامب خروجاً على مألوف السياسة الأميركية بشأنها، كالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة الصحة العالمية، وتوتير العلاقة مع حلفاء شمال الأطلسي الأوربيين.. لذلك بدت المراجعات في هذه الحالات عودةً إلى الحالة الطبيعية. ويمكن إضافة القضية الفلسطينية إلى الملفات التي لم تُثر مواقف بايدن بشأنها مشاكل، حيث لم تراجع هذه المواقف أساسيات الموقف الأميركي كالالتزام التام بأمن إسرائيل، بل والخطوات التي اتخذها ترامب كنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإنما اتجهت إلى استئناف الاتصالات مع السلطة الفلسطينية والمساعدات لها ولوكالة غوث اللاجئين وخطوات أخرى لا تمس جوهر السياسة الأميركية.

غير أن بعض المراجعات يثير الجدل، وإن كان لا يمكن الزعم بالضرورة بأنه يمثل تغيراً جذرياً في نموذج السياسة الخارجية الأميركية، لكنه قد يثير مشكلات أو يتضمن ألغاماً، ويأتي على رأس هذه الملفات الملف النووي الإيراني، مع أنني أزعم أن الخلاف بين ترامب وبايدن فيه حتى الآن ليس جذرياً، فبينما كان الأول يتحدث عن أنه سيسعى حال فوزه بولاية ثانية إلى اتفاق جديد يستجيب للهواجس الأمنية والسياسية للولايات المتحدة وحلفائها، فإن بايدن كان واضحاً منذ بداية حملته الانتخابية في القول بأنه ينوي العودة إلى اتفاق 5+1، لكن بشرط إشراك حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين في مفاوضات التعديل وإدخال برنامج الصواريخ الباليستية لإيران، وكذلك نشاطها المزعزع للاستقرار في المنطقة ضمن الاتفاق، وكلها شروط يصعب أن تقبل بها إيران في ظل وجود التيار المتشدد واقتراب انتخابات الرئاسة. وهنا ستكون الولايات المتحدة إزاء سيناريوهين محتملين ينطويان على مضامين سلبية لها بدرجات متفاوتة، ويشير السيناريو الأول إلى فشل المسعى الأميركي الأوروبي للتوصل إلى اتفاق جديد، وهو ما سوف يمثل تحدياً حقيقياً لسياسة بايدن. أما السيناريو الثاني فيتمثل في اتفاق لا يلبي كل الشروط الأميركية الأوربية، كنجاح إيران في عدم تضمين برنامجها الصاروخي ضمن الاتفاق، مما يقلل من مكانة الأطراف الدولية في الاتفاق. والأخطر من ذلك أنه قد يستفز إسرائيل ويدفعها لردود فعل لا يمكن الجزم بمدى رشادتها ومن ثم تأثيرها على أمن المنطقة.

ويرتبط الملف الإيراني بملف آخر ينطوي على ألغام للسياسة الأميركية، وهو الصراع في اليمن الذي تدعم إيران فيه الطرف الحوثي المنقلب على الشرعية في البلاد منذ 2014. وقد اتخذت الإدارة الحالية سلسلة من المواقف التي قد تبدو متوازنة للوهلة الأولى، لكنها تنطوي على تناقضات قد تفسد «الطبخة» الأميركية، حيث أكد بايدن على ضرورة وقف الحرب ووقف تزويد التحالف العربي بالأسلحة، وهو ما يمكن أن يرسل رسالة خاطئة إلى الحوثيين، بدليل استمرارهم في محاولة السيطرة على مأرب. كذلك فإن إلغاء قرار ترامب تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، بدعاوى إنسانية، يعزز هذه الرسالة الخاطئة، مع أن بيان الخارجية الأميركية الذي ألغى القرار أدان الأعمال المشينة للحوثيين وكثير منها يندرج في فئة العمليات الإرهابية. ورغم أن إدارة بايدن حرصت على تأكيد التزامها بأمن المملكة العربية السعودية، بما يضفي نوعاً من التوازن على الموقف الأميركي الجديد، إلا أن عدم اتخاذ موقف واضح من مسألة استعادة الشرعية، وغياب القدرة حتى الآن على حل الصراع أو تسويته سياسياً، يفتح الباب لتطورات قد لا تكون مواتية لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها!

*نقلا عن صحيفة الاتحاد