تحركات مزدوجة:

لماذا تصاعد اهتمام إيران بتطورات المشهد اللبناني؟

12 January 2021


كشفت تصريحات بعض المسئولين الإيرانيين وقيادة حزب الله اللبناني عن سعى طهران إلى تعزيز حضورها في المشهد السياسي اللبناني خلال المرحلة الحالية، استباقاً للانخراط في أية تفاهمات محتملة مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي سيتولى مقاليد منصبه في 20 يناير الجاري. ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل بدوره عن التصعيد المستمر مع إسرائيل، خاصة في ظل العمليات العسكرية التي تشنها الأخيرة داخل سوريا من أجل تقليص قدرة إيران على ترسيخ نفوذها على الأرض بعد تغير توازنات القوى لصالح النظام السوري.

رسائل متعددة:

قامت إيران مؤخراً بتوجيه عدة رسائل إلى الداخل اللبناني والمجتمع الدولي على لسان بعض مسئوليها وقادة الميليشيات الموالية لها في المنطقة. إذ أكد قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري امير علي حاجي زاده، في 2 يناير الجاري، على أن "كل ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية تم بدعم إيران، وهما الخط الأمامي لمواجهة إسرائيل"، لافتاً إلى أن "قدرات محور المقاومة لم تعد كما كانت قبل عشر سنوات". وتوازى ذلك مع إشارة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، بعد ذلك بيوم واحد، إلى أن "طهران هى التي تدعم الحزب بالسلاح والصواريخ".

أهداف مختلفة:

يمكن القول إن إيران تحاول، بالتنسيق مع حزب الله، تحقيق أهداف عديدة عبر تلك الرسائل، يتمثل أبرزها في:

1- تكريس نفوذ تيار 8 آذار: تسعى إيران وحزب الله إلى استغلال تصاعد حدة الأزمة السياسية الداخلية والتي تنعكس في تأخر تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري حتى الآن، من أجل تعزيز حضور تيار 8 آذار، لاسيما في ظل التباينات التي تبدو جلية في مواقف التيار المناوئ "14 آذار"، والتي تساهم في توسيع هامش الحركة والمناورة المتاح أمام الحزب والتيار الأول تساعده في تقليص حدة الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها بسبب اتهامه بتأجيج الأزمة الداخلية وانخراطه المتواصل في الصراع السوري.

2- استعدادات مسبقة للتفاهمات المحتملة: تبدو إيران في الوقت الحالي حريصة على رصد كل الإشارات التي توجهها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وخاصة فيما يتعلق باحتمال تأسيس قنوات تواصل أو الانخراط في تفاهمات معها حول العديد من الملفات. ومن هنا، يمكن فهم تعمد إيران إلقاء الضوء على الأدوار التي تقوم بها في بعض دول المنطقة، لاسيما لبنان وسوريا والعراق واليمن، في إشارة إلى أنها تعتبر أن هذه الأدوار تعزز موقعها التفاوضي وتزيد من قدرتها على الحصول على مكاسب عديدة من الإدارة الأمريكية في حالة الانخراط في أية تفاهمات محتملة، رغم أنها ما زالت مُصرَّة على حصر تلك التفاهمات في الاتفاق النووي.

وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن طهران تحاول التلويح بأن التوتر قد يتصاعد على الجبهة بين لبنان وإسرائيل، في مرحلة لاحقة، في حالة ما إذا استمر التصعيد سمة رئيسية في علاقاتها مع إدارة بايدن، أو إذا اتجهت الأخيرة إلى مواصلة تبنى سياسة فرض مزيد من العقوبات عليها بسبب تخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، لاسيما بعد أن رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20%.

3- إعادة التموضع في سوريا: لا تنفصل تلك التصريحات والتحركات عن تصاعد حدة التوتر على الساحة السورية، على خلفية العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد مواقع تابعة لإيران وحزب الله داخل سوريا، وكان آخرها العمليات التي شنت في مدينة البوكمال في ريف دير الزور بشمال سوريا، في 12 يناير الجاري، والتي أشارت تقارير عديدة إلى أنها جاءت بعد قيام ميليشيا "فاطميون" الموالية لإيران بنقل صواريخ إيرانية الصنع عبر العراق.

وهنا، فإن تصريحات المسئولين الإيرانيين، فضلاً عن قيادة حزب الله، تشير إلى أن الطرفين يسعيان في الوقت الحالي إلى تأكيد مواصلة دورهما داخل سوريا رغم الضغوط القوية التي يتعرضان لها، حتى من جانب بعض الحلفاء، مثل روسيا، التي لا تتوافق مثل تلك التحركات مع مساعيها لتعزيز حضورها على المستويات المختلفة داخل سوريا، والتحول إلى الطرف الرئيسي الذي يمتلك القدرة على تحديد المسارات المحتملة للأزمة السورية بعد انتهاء المواجهات الميدانية، تقريباً، لصالح النظام وحلفائه.

انعكاسات سلبية:

فرضت تلك التحركات تداعيات سلبية على الداخل اللبناني، حيث زادت من حدة الانقسام السياسي في الوقت الذي تبدو الحاجة ماسة إلى التهدئة من أجل إنهاء عملية تشكيل الحكومة الجديدة، خاصة وأن الخلافات تحاوزت القوى المتنافرة (القوى الموالية والمناوئة لإيران)، لتمتد إلى داخل تلك القوى نفسها، مثل حزب الله وحركة أمل، وهو ما تجلت مظاهره في التجاذب بين أنصار الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بدأ الحديث يتزايد حول التمايز بين الدور الذي يقوم به الحزب لتعزيز مصالح طهران، والدور الذي تمارسه الحركة لدعم الاستقرار الداخلي على المستويين السياسي والاقتصادي. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن محاولات إيران وحزب الله إبراز الأدوار التي يقومان بها على الساحتين اللبنانية والسورية في هذا التوقيت تعكس حرصهما على استغلال وصول رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض، على نحو يمكن أن يزيد من احتمالات الانخراط في تفاهمات أمريكية- إيرانية قد تسفر عن تقليص حدة الضغوط التي تفرضها العقوبات الأمريكية على الطرفين في الفترة الماضية، وإن كان ذلك لا ينفي أن ثمة اتجاهاً آخر يرى أن تلك التفاهمات قد تكون خياراً مؤجلاً ليس فقط لأنها تواجه عقبات عديدة يتمثل أبرزها في الإجراءات التصعيدية التي تواصل إيران اتخاذها في الملفات الخلافية المختلفة، على غرار الاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي، وإنما أيضاً لأن الملفات الداخلية الأمريكية سوف تحظى بالأولوية على الأقل في المرحلة الأولى من عهد الرئيس الجديد، لاسيما مواجهة جائحة "كوفيد- 19" واحتواء الأزمة الحالية التي انعكست في اقتحام الكونجرس الأمريكي.