متطلبات العدالة:

كيف يتأثر الاقتصاد العالمي بـ"قومية لقاح" كورونا؟

06 January 2021


عرض: ياسمين أيمن - باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تتسابق دول العالم لإنتاج اللقاح الخاص بفيروس كورونا المستجد بالتزامن مع الزيادة اليومية لمعدلات الإصابة بالفيروس، والتي تصاحبها زيادة في معدل الوفيات. فهناك نحو 165 لقاحاً قيد التطور البحثي، ويخضع البعض منها للتجارب البشرية. ويُعزَى هذا السباق إلى رغبة الدول في محاربة الأزمة الصحية العالمية التي تسبب بها الوباء من جهة، وفي معالجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد العالمي نتيجة للجائحة، حيث تنفق الحكومات الوطنية تريليونات الدولارات لمحاربة التأثير الاقتصادي السلبي، وستستمر عملية الإنفاق في الزيادة حتى يتم توفير لقاح مناسب لفيروس كورونا المستجد.

ويتناول الباحثون حالياً آثار حصر اللقاح الذي يتم إنتاجه أو التوصل إليه على الدول ذات الدخل المرتفع أو الدول المنتجة للقاح دون مراعاة لبقية الدول، فيما يُعرف بـ"قومية للقاح".

وفي هذا السياق، توضح دراسة مصغرة نشرتها مؤسسة راند، بعنوان "التكلفة الاقتصادية العالمية لقومية لقاح (كوفيد-19)"، مفهوم قومية اللقاح، والآثار الاقتصادية الناجمة عن عدم المساواة في الحصول على اللقاح بناء على نهج دراسي محدد، وأخيراً آلية تجاوز قومية اللقاح مستقبلاً.

منهجية الدراسة

اعتمد الباحثون خلال تلك الدراسة على مراجعة الأدبيات المختلفة المتعلقة بـ"قومية اللقاح" للحصول على فهم أفضل للقضايا المرتبطة بتأميم اللقاحات. كما تم استخدام نموذج حاسوبي للاقتصاد الكلي لتوقع ما سيحدث للناتج الاقتصادي العالمي، نتيجة لانخفاض النشاط الناجم عن مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي، والتغيرات في سلوك المستهلك داخل قطاعات الخدمة التي تتطلب درجة عالية من الاتصال، كالضيافة، والأنشطة الترفيهية، ووسائل النقل، وخدمات الرعاية الصحية والاجتماعية .وتم القياس بناء على تبني أربعة سيناريوهات بعنوان "ماذا لو":

1. لم يتم تطوير لقاح (كوفيد-19)؟

2. انحصر اللقاح على الدول المنتجة له؟

3. تم توفير اللقاح للدول المنتجة للقاح والدول ذات الدخل المرتفع فقط؟ 

4. تم توفير اللقاح للدول المنتجة للقاح والدول ذات الدخل المرتفع والمتوسط؟

قومية اللقاح

أظهرت الدراسة أنه تاريخياً تميل الحكومات الوطنية إلى اتباع مصالحها الخاصة استجابة للأوبئة بدلاً من اتباع نهج أكثر تنسيقاً مع دول العالم. وتظهر "قومية اللقاح" حينما تضغط الدول من أجل الوصول أولاً إلى إمدادات اللقاحات، أو تخزين المكونات الرئيسية لإنتاج اللقاح دون النظر لغيرها من الدول.

وبتطبيق ذلك على الأوقات الراهنة، نجد أنه على الرغم من ظهور بعض اللقاحات المرتبطة بفيروس كورونا؛ إلا أنه لا تزال هناك صعوبة في عمليات الإنتاج والتوزيع، وهو ما يدفع الدول لحصر الكمية المنتجة من اللقاح عليها وعلى الدول ذات الدخل المرتفع. ولذلك، لا يزال التباعد الجسدي واستخدام الأقنعة والاختبارات وبرامج التتبع والتعقب هي التدابير الفعالة الوحيدة ضد انتشار المرض داخل كافة دول العالم حالياً.

التكلفة الاقتصادية لجائحة كورونا

ما لم يتم توفير اللقاح على نطاق واسع، فستستمر إجراءات التباعد المادي في التأثير سلباً على القطاعات الرئيسية للاقتصاد العالمي، لا سيما تلك التي تعتمد على التقارب المادي الوثيق بين الناس.

 

ويوضّح الرسم البياني أنه من المتوقع أن تصل التكلفة العالمية الاقتصادية الناجمة عن الجائحة في حال لم يتم توفير اللقاح إلى 3,4 تريليونات دولار سنوياً، حيث سيتكبد الاتحاد الأوروبي نحو 5,6% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، أي ما يعادل 983 مليار دولار. بينما ستصل خسائر المملكة المتحدة إلى 4,3% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، أي ما يقدر بـ145 مليار دولار. فيما ستخسر الولايات المتحدة حوالي 2,2% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، أي حوالي 480 مليار دولار. 

وفي حال تم توفير اللقاحات على نطاق محدود للدول المنتجة له فقط، فسيتكبد الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 1,2 تريليون دولار سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي، لأن تحصين جزء من سكان العالم ضد الفيروس لا يضمن السيطرة على الوباء، الذي لا يزال منتشراً على نطاق واسع في مناطق مختلفة. ومن ثم ستستمر التبعات الاقتصادية له.

وفي حال تم توفير اللقاح للدول المنتجة له فقط، إضافة إلى الدول ذات الدخل المرتفع، فسيتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 292 مليار دولار سنوياً. 

أما في حال عجزت الدول الفقيرة عن الحصول على اللقاحات، فقد يخسر العالم حوالي 153 مليار دولار سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي. وستتكبد البلدان ذات الدخل المرتفع، وكذلك دول مثل الهند والصين وروسيا معاً، خسائر تقدر بنحو 119 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 10 مليارات دولار شهرياً، حيث سيخسر الاتحاد الأوروبي وحده نحو 40 مليار دولار سنوياً، وستخسر الولايات المتحدة الأمريكية نحو 16 مليار دولار، بينما ستخسر المملكة المتحدة بين ملياري دولار و10 مليارات دولار.

وبناء على تقديرات منظمة أوكسفام الدولية في عام 2020، تحتاج الدول ذات الدخل المرتفع مشتركة لدفع 25 مليار دولار لتوفير اللقاح للدول ذات الدخل المنخفض، وفي حال تحقق هذا السيناريو فقد تكون هناك نسبة فائدة مقارنة بالتكلفة تبلغ 4,8 إلى 1. أي إنه مقابل كل دولار واحد يتم إنفاقه، ستستعيد البلدان مرتفعة الدخل حوالي 4,80 دولارات.

الحاجة إلى جهد دولي مشترك

تُشير الدراسة إلى أن المنافسة العالمية أو قومية اللقاح قد تمنع وصول اللقاح إلى من هم في أمسّ الحاجة إليه، وهذا يعني تعريض حيوات أشخاص أكبر للخطر، وزيادة في معدلات الوفيات العالمية.

ولذلك، ترى الدراسة أن الاستثمار في تطوير اللقاح وضمان الوصول العادل له سيكون مفيداً اقتصادياً على المدى الطويل. ومع ذلك تشير الدراسة إلى أن الإنفاق الحالي من قبل الاقتصادات الرائدة على تطوير اللقاح وتوزيعه صغير نسبياً مقارنة بحجم الخسارة الاقتصادية المرتبطة بجائحة (كوفيد-19). 

فهناك جهود دولية كالتعاون بين منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الدولية الأخرى فيما يُعرف بـCOVAX، ويهدف هذا التعاون لتوفير الموارد اللازمة لخلق فرص متساوية للحصول على اللقاحات على الصعيد العالمي. ولكن حتى الآن لا تزال الالتزامات ضعيفة من قبل البلدان الأكثر ثراء.

ولتخطي تلك العقبة يجب تعزيز الجهد التعاوني العالمي للاستثمار في تطوير اللقاح وتوزيعه على نطاق واسع. ولذلك تشير الدراسة إلى أنه ستكون هناك حاجة لتوفير أطر محددة وواضحة تتعلق بكيفية تطوير اللقاح وتوزيعه، وستزيد الحاجة للمنظمات الدولية التي ستعمل على تشجيع الدول على المشاركة مادياً ومعنوياً، حيث سيتم صياغة اتفاقيات ومعاهدات تُلزم الدول بعدم تقييد الإمدادات الخاصة باللقاح، وبتوزيعه بشكل أكبر على دول العالم. وهو ما سيساهم في تطوير منطق التفكير لدى الدول، بحيث لا تركز على أهداف قصيرة المدى عند عملية صنع واتخاذ القرار، ولكنها ستركز على أهداف طويلة المدى تحقق الأمن الصحي والاقتصادي لكافة سكان العالم.

المصدر:


Marco Hafner (and others), "The global economic cost of COVID-19 vaccine nationalism", Santa Monica, CA: RAND Corporation, 2020.