الاستجابة للوباء:

تحديات تنفيذ مخرجات قمة مجموعة العشرين

26 November 2020


هيمنت التطورات الخاصة بفيروس (كوفيد-19) وسبل معالجة الأضرار الناتجة عنه، على مخرجات قمة دول مجموعة العشرين (G20) التي عُقدت يومي 21 و22 نوفمبر الجاري بالمملكة العربية السعوديىة وبرئاسة الملك "سلمان بن عبدالعزيز آل سعود"؛ حيث تعهَّد قادة المجموعة ببذل كافة الجهود لضمان وصول لقاحات الفيروس إلى الجميع بطريقة عادلة وبتكلفة ميسورة، فضلًا عن تلبية الاحتياجات التمويلية المتبقية بشأن هذه اللقاحات، وتبني مبادرة "تعليق مدفوعات خدمة الديون" عن الدول منخفضة الدخل.

وتنبع أهمية هذه القمة الخامسة عشرة من أمرين؛ أولهما أنها تأتي في وقتٍ يواجه فيه العالم، النامي والمتقدم على السواء، فيروسًا عالميًّا يتطلب مواجهة دولية مشتركة. وثانيهما أنها أول قمة لمجموعة العشرين، التي تضم أقوى اقتصادات العالم، تستضيفها دولة عربية، وتتم بشكل افتراضي، وأفرزت نجاحًا لافتًا، سواء على مستوى إعداد برنامج القمة أو تنظيمها، قُوبل بإشادات عربية ودولية كبيرة.

مخرجات القمة:

أبرز البيان الختامي للقمة اتفاق دول قادة مجموعة العشرين على عدة نقاط، لعلَّ أهمها ما يلي:

1- مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين: التزمت الدول الأعضاء بتعليق مدفوعات خدمة الديون وتمديدها إلى شهر يونيو 2021، بما يعطي للبلدان الفقيرة متنفسًا مؤقتًا هي بحاجة إليه، كما سيقوم وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي بدراسة الوضع الاقتصادي والمالي للتبين من مدى الحاجة لتمديد إضافي لمبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين لفترة 6 أشهر أخرى. 

بالإضافة إلى ذلك، اتفق قادة المجموعة على ضرورة وجود "إطار عمل مشترك لمعالجة الديون" يتجاوز نطاق مبادرة تعليق خدمة الدين، نظرًا لاختلاف نطاق تأثير الأزمة على الدول منخفضة الدخل، بما يتطلب إجراء معالجة للديون لكل حالة على حدة. ومن ثم سيسمح هذا الإطار للبلدان التي لديها ديون لا يمكن تحملها بالتقدم بطلب للحصول على إعفاء دائم من الديون على أساس كل حالة على حدة، مع تكافؤ الفرص للدائنين.

2- القطاع الصحي في الدول النامية: أكد قادة القمة على أهمية تمويل التغطية الصحية الشاملة في الدول النامية. وفي هذا الصدد تبنوا مبادرة تأسيس "مركز الابتكار العالمي" لتحسين القيمة في مجال الصحة، بما يمكن للدول المشاركة فيه على أساس طوعي. بالإضافة إلى العمل المشترك على معالجة مقاومة مضادات الميكروبات والأمراض الحيوانية المنشأ على أساس نهج الصحة الواحدة، ودعم وتسريع البحث والتطوير لمضادات الميكروبات الجديدة، وضمان الوصول إلى مضادات الميكروبات الموجودة.

3- إبقاء طرق النقل مفتوحة وآمنة: التزم قادة المجموعة بضمان إبقاء طرق النقل وسلاسل الإمداد العالمية مفتوحة وآمنة ومؤمّنة، وبأن تكون القيود المفروضة نتيجة الجائحة، بما في ذلك المفروضة على النقل الجوي والبحري، شفافة ومؤقتة ومتوافقة مع الالتزامات الصادرة بموجب الاتفاقات الدولية، فضلًا عن البحث عن إجراءات ملموسة يمكن من خلالها تسهيل حركة الناس بما لا يتعارض مع حماية الصحة العامة. 

4- شبكة أمان مالية عالمية: جدَّد القادة التزامهم بضمان شبكة أمان مالية عالمية قوية مدعومة بكفاءة، والحفاظ على صندوق النقد الدولي في موضع صدارة تلك الشبكة كمؤسسة قوية تقوم على حصص العضوية وتتوافر لها الموارد الكافية. كما أكدوا التزامهم بإعادة النظر في مدى كفاية حصص العضوية، ومواصلة عملية إصلاح نظام حوكمة الصندوق في إطار المراجعة العامة السادسة عشرة للحصص، ومن ذلك الاتفاق على صيغة جديدة للحصص للاسترشاد بها، بحلول 15 ديسمبر 2023.

5- مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب: أكد القادة دعمهم لمجموعة العمل المالي باعتبارها الجهة المعنية بوضع معايير عالمية تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح. وجددوا التزامهم بتعقب جميع مصادر هذه التهديدات وأساليبها وقنواتها، والعمل على تقوية الشبكة العالمية للهيئات الإقليمية التابعة لمجموعة العمل المالي، عبر دعم خبراتها في إجراء التقييمات المتبادلة، داعين إلى التطبيق الكامل والفعال والسريع لمعايير مجموعة العمل المالي في جميع أنحاء العالم.

6- دعم التنمية المستدامة في الدول الفقيرة: أكد القادة أن التبعات الاقتصادية والاجتماعية للوباء فرضت ضرورة وأهمية تسريع الجهود للقضاء على الفقر، ومعالجة عدم المساواة، والعمل على ضمان وصول الفرص للجميع. في هذا الصدد، أبدت المجموعة دعمها للدول الإفريقية للتغلب على الأزمة، بما في ذلك البحث عن خيارات تمويل أكثر استدامة للنمو في إفريقيا، فضلًا عن تأكيد دعمه المستمر لمبادرة مجموعة العشرين لدعم التصنيع في إفريقيا والدول الأقل نموًّا، وشراكة إفريقيا مع مجموعة العشرين، ومبادرة الشراكة مع إفريقيا، وغيرها من المبادرات ذات الصلة.

7- دعم التوظيف في أعقاب جائحة (كوفيد-19): أكد قادة المجموعة أن معالجة آثار الجائحة على أسواق العمل تمثل أولوية كبرى بالنسبة لمجموعة العشرين، خاصة مع تعرض ملايين العمال لفقدان الوظائف ومصادر الدخل. في هذا الصدد، أبدى القادة دعمهم لتمكين الجميع من الحصول على حماية اجتماعية شاملة وقوية وقابلة للتكيف، بما في ذلك العاملون في الاقتصاد غير الرسمي، وتأييد استخدام خيارات السياسات لتكييف الحماية الاجتماعية لتواكب أنماط العمل المتغيرة، فضلًا عن ضرورة دعم العمل من خلال سياسات التدريب وصقل المهارات.

كما أبدى القادة في السياق نفسه تأييدهم لخارطة طريق مجموعة العشرين للشباب 2025، والتي تنصّ على تقليص نسبة الشباب الأكثر عرضة للإقصاء في سوق العمل بشكل دائم بنسبة 15% بحلول عام 2025.

8- تمكين المرأة: تعهد قادة المجموعة بتكثيف الجهود لتقليص الفجوة في مشاركة القوى العاملة بين الرجال والنساء بنسبة 25 % بحلول عام 2025، إلى جانب تطوير جودة توظيف النساء. كما أكدت المجموعة أنها ستتخذ خطوات لإزالة الحواجز أمام المشاركة الاقتصادية للمرأة وريادة المرأة للأعمال. كما رحَّبت القمة بإطلاق تحالف القطاع الخاص لتمكين ودعم التمثيل الاقتصادي للمرأة الذي يهدف إلى تمكين النساء في المناصب القيادية.

9- تيسير تعافي السياحة العالمية: أكد القادة مواصلة جهودهم بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة -بما فيها القطاع الخاص- لتسهيل تعافي قطاع السفر والسياحة من جائحة (كوفيد-19). كما أبدوا في هذا الصدد ترحيبهم بمبادرة "المجتمع السياحي" كمحفز لانتعاش القطاع، بما في ذلك الاقتصاد الإبداعي، فضلًا عن تأييدهم للمبادئ التوجيهية لمجموعة العشرين للعمل على السفر الآمن والسلس، ورحبوا بتأسيس مجموعة عمل السياحة لمجموعة العشرين.

10- حماية البيئة: اتفق قادة المجموعة على ضرورة العمل المشترك لحماية كوكب الأرض، ومواجهة ‏التحديات الناشئة عن التغير المناخي، والحفاظ على البيئة لتحقيق اقتصاد قوي وشامل ومتوازن ‏ومستدام.

11- الاستجابة المشتركة لأزمات اللاجئين والمهاجرين: أكد القادة على أهمية الإجراءات المشتركة الرامية إلى التخفيف من تأثير الجائحة على الفئات المهمشة التي قد تشمل اللاجئين والمهاجرين والنازحين قسرًا، والاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة، ومعالجة الأسباب الجذرية للنزوح، ومواصلة الحوار داخل المجموعة حول الأبعاد المختلفة لهذه القضية.

إشادات دولية:

حظيت هذه المخرجات بإشادات دولية واسعة، حيث رحَّب عدد من المنظمات الدولية ورؤساء الدول بالقرارات والنتائج التي أسفرت عنها؛ إذ أشاد الاتحاد الأوروبي باتفاق دول مجموعة العشرين على مواجهة الأوبئة العالمية، داعيًا إلى التفكير في توقيع معاهدة دولية بشأن الأوبئة بما يساعد في منعها مستقبلًا وتساعد الجميع على الاستجابة بشكل أسرع وبطريقة أكثر تنسيقًا، داعيًا إلى التفاوض بشأنها مع كل الدول ومنظمات الأمم المتحدة ووكالاتها.

من ناحية أخرى، أشادت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجيفا" بالإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها دول مجموعة العشرين للتخفيف من تأثير جائحة (كوفيد-١٩)، بما في ذلك الإجراءات المالية والنقدية ومبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين، مشيرةً إلى أن تلك الإجراءات ساعدت في منع حالات الإفلاس الهائلة وأزمة أعمق.

تحديات التنفيذ:

هناك بعض التحديات التي قد تواجه إمكانية تنفيذ مخرجات قمة العشرين على أرض الواقع بالشكل الذي طرحه قادة الدول، لعل أهمها ما يلي:

1- توزيع لقاحات كورونا: ففي حين خصصت دول المجموعة ما يقرب من 21 مليار دولار لدعم لقاحات فيروس (كوفيد-19)، تظل إمكانية ضمان وصولها لجميع دول العالم تحديًا كبيرًا أمام قادة المجموعة؛ خاصة في ظل ضعف إمكانيات العديد من الدول الفقيرة للكشف عن حجم انتشار فيروس (كوفيد-19) بين مواطنيها، والذي بناء عليه تحدد كمية اللقاحات المطلوبة للدولة، ناهيك عن الفساد الذي قد يكتنف مسألة توزيع اللقاحات وطرحها ربما بأسعار أعلى من المحدد لها، خاصة في بعض الأنظمة السلطوية في إفريقيا.

ويستدعي ذلك ضرورة التنسيق مع منظمة الصحة العالمية على سبيل المثال لضمان وصول اللقاحات للمواطنين المحتاجين لها في هذه الدول، والرقابة -في الوقت ذاته- على شحنات اللقاحات لضمان عدم التلاعب بها داخليًّا في بعض الدول.

2- العمل المشترك في مجال الصحة: خاصة في ظل سعي كل دولة لإثبات تقدمها ونجاحها في هذا المجال بما يبرز ريادتها للعالم كما حدث في لقاح شركة "فايزر" لمواجهة فيروس (كوفيد-19)، ناهيك عن أن ظهور الفيروسات قد يرتبط -إلى حد ما- بالعادات الغذائية لبعض المجتمعات كما حدث في فيروس (كوفيد-19) وفقًا للرواية السائدة، ومن ثم لا يمكن تغيير هذا الأمر بما يضع إمكانية العمل المشترك عالميًا لوأد ظهور الأوبئة والفيروسات محل شك. 

لكن برغم هذه التحديات القائمة، ليس من شك في أن مخرجات القمة نجحت في التفاعل المباشر مع التحديات العالمية وطرح حلول فعَّالة لها، مبنية على التوافق بين الدول الأعضاء، والرغبة في مواجهة تداعيات الأزمة العالمية التي أنشأها وباء (كوفيد-19) على مختلف الدول والقطاعات.