توظيف سياسي:

كيف تؤثر قوات حماية المنشآت على الصراع النفطي بالإقليم؟

26 September 2016


تكشف تطورات الصراع النفطي بإقليم الشرق الأوسط عن بروز دور قوات حماية المنشآت النفطية باعتبارها أحد الأطراف المؤثرة في معادلة الصراع على الموارد النفطية بين الحكومات من جهة والجماعات الإرهابية والميلشيات المسلحة من جهة أخرى.

وبشكل عام، مارست قوات حماية المنشآت النفطية في دول المنطقة مثل العراق واليمن دورًا مساندًا لحكوماتها الشرعية، إما في صد هجمات تنظيم "داعش" كما هو عليه الحال في العراق وكردستان، أو في منع وصول الجهات غير الشرعية لموارد النفط كما هو الحال في اليمن.

وبالمثل، فقد ساهم حرس المنشآت النفطية في ليبيا بدور محوري في صد هجمات "داعش" على حقول النفط الليبية على مدار الشهور الأولى من عام 2016، بيد أن نطاق مهامه ربما ينطوي خلال الشهور المقبلة على استعادة حقول "الهلال النفطي" الرئيسية التي سيطرت عليها قوات الجيش الوطني الليبي في 11 سبتمبر 2016.

ويبدو أن نجاح قوات حماية المنشآت في القيام بمهامها بكفاءة في الفترة المقبلة سوف يتوقف على استمرار الدعم المالي واللوجستي المقدم لها من قبل الحكومات المحلية أو المجتمع الدولي، والذي يأتي بالأساس في إطار مكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش".

كما أنه يتطلب بدوره تعزيز المساعي الإقليمية نحو إدماج كافة الأطراف السياسية الفاعلة في قوات حماية المنشآت النفطية من أجل ضمان استقرار البيئة الأمنية المحيطة بالمنشآت النفطية.

أنماط متباينة:

تضم هذه القوات -في أغلب الأحوال- رجال القبائل والميلشيات المسلحة بالمناطق المحلية، ويمكن تقسميها إلى تصنيفين رئيسيين، هما:

1- قوات رسمية: تندرج قوات حماية المنشآت النفطية في العراق تحت إطار رسمي يعرف بشرطة الطاقة أو النفط. وقد تغير هيكل المنظومة الأمنية للشركات النفطية العاملة بالعراق في السنوات الماضية من الاعتماد المفرط على شركات الأمن الخاصة ومسلحي العشائر إلى أن أصبح هذا الإطار الجديد يمارس الدور الأكبر في حماية حقول النفط.

وبجانب هذه القوة، من الملاحظ أن الحكومة العراقية لا تزال تستعين بقوات شبه رسمية أخرى مثل الميلشيات الشيعية لتأمين مناطق إنتاج النفط من الحقول ومروره عبر خطوط أنابيب النفط، كما تستعين ببعض الشركات الأمنية الخاصة على نطاق محدود لتأمين منشآتها. وفي هذا الصدد، وقّعت شركة "غاز البصرة" اتفاقًا مع شركة "جي 4 إس" في غضون عام 2014 لتأمين منشآتها.

2- قوات شبه رسمية/ غير رسمية: في أغلب الأحوال، عملت قوات حماية المنشآت النفطية بدول الصراع بالمنطقة ضمن إطار غير رسمي أو شبه رسمي كما كان الحال في سوريا واليمن وليبيا. وفي هذا السياق، وعلى الرغم من أن قوات حرس المنشآت النفطية الليبية تأسست بشكل رسمي في عام 2005، إلا أن تشكيلها حاليًّا في أعقاب انهيار المؤسسات الليبية يقوم بدرجة أساسية على تحالفات عسكرية تضم رجال القبائل بمنطقة "الهلال النفطي" لا سيما المغاربة.

وبالمثل في اليمن، فمع انهيار مؤسسات الدولة عقب استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، تتولى حتى الآن قوات المقاومة الشعبية بجانب عناصر مسلحة من قبائل محافظتي مأرب وحضرموت تأمين المنشآت النفطية والغاز الطبيعي.

أما في سوريا، ونتيجة لتشرذم موارد النفط بين ثلاثة أطراف هي: "داعش"، والأكراد، والنظام السوري، فإن كل طرف يتولى مسئولية تأمين منشآته النفطية على حدة.

خريطة الصراع:

تحولت قوات حماية المنشآت النفطية إلى أحد الأطراف الرئيسية في خريطة متشابكة للصراع النفطي تضم العديد من الجماعات الإرهابية والميلشيات المسلحة، بيد أنها كانت أيضًا، في بعض الأحوال، مصدرًا للصراع على الموارد النفطية. ويمكن تناول أبرز أدوارها في ضوء خريطة الصراع النفطي على النحو التالي:

1- السيطرة على منشآت النفط: تُظهر المفارقة الجوهرية أن قوات حماية المنشآت النفطية كانت أحد مصادر الصراع على موارد النفط في دول الإقليم منذ عام 2011. ويعد حرس المنشآت النفطية الليبية نموذجًا جليًّا على ذلك بحسب مؤشرات مختلفة على مدار السنوات الماضية.

فبجانب العديد من الاحتجاجات المتكررة التي أثارتها قوات حرس المنشآت الليبية على مدار سنوات من أجل تحقيق مطالبات بزيادة الرواتب الحكومية، فقد أجرى الحرس النفطي الليبي بقيادة إبراهيم الجضران، في مارس 2014، محاولة أولى لبيع كميات نفطية بشكل غير شرعي بنحو 230 ألف طن من النفط الخام من ميناء السدرة، بيد أن السفينة المحملة بالنفط عادت مرة أخرى للسواحل الليبية عقب سيطرة الأسطول الأمريكي عليها في البحر المتوسط في إشارة إلى عدم السماح ببيع النفط الليبي بشكل غير شرعي، وليتفق هذا الإجراء مع قرار مجلس الأمن رقم 2146 الذي صدر في عام 2014 وقضى بوقف التصدير غير القانوني للنفط من ليبيا، وفرض عقوبات على كل من يسعى لاستغلال أو تحويل نفط ليبيا أو ثروتها النفطية.

2- حماية المنشآت من التنظيمات الإرهابية والميلشيات المسلحة: حتى وقت قريب، مَثَّلَ النفط مصدرًا رئيسيًّا لتنظيم "داعش" الذي نجح في السيطرة على العديد من الحقول النفطية في سوريا وشمال العراق منذ عام 2014، بيد أنه في ضوء تكثيف قوات التحالف الدولي من ضرباتها العسكرية ضد مواقع التنظيم ومن بينها منشآت النفط، وذلك بالتعاون مع القوات العراقية والكردية، انخفضت قدرته الإنتاجية اليومية إلى حدود 30 ألف برميل يوميًّا، وهو ما يوازي نصف قدرته سابقًا.

وإلى جانب هذه الخسائر، فقد فشلت الهجمات الخاطفة التي شنها "داعش" ضد بعض الحقول النفطية بشمال العراق في تحقيق أهدافها، كما تبين مؤخرًا بعدما نجحت شرطة النفط العراقية، في سبتمبر 2016، في صد هجمات للتنظيم ضد حقل عجيل والذي يبعد 20 كلم عن مدينة تكريت.

واللافت للانتباه في هذا السياق، أن قوات "البيشمركة" الكردية أيضًا اضطلعت منذ عام 2014، بمسئولية حماية حقول النفط في محافظة كركوك والتي تضم حقول كركوك وباي حسن وجمبور وخباز، في ظل الفراغ الأمني والعسكري الذي نشأ عقب انسحاب القوات العراقية منها، وتنتج هذه المنطقة حاليًّا نحو 150 ألف برميل يوميًّا. وهذه السيطرة قد تمنح حكومة كردستان ورقة إضافية للضغط على الحكومة المركزية في بغداد في مفاوضاتها حول تقاسم الإيرادات النفطية.

وبنفس الأسلوب، أجرى تنظيم "داعش" في ليبيا المتمركز بسرت محاولات خاطفة للسيطرة على حقول النفط الليبية (مبروك والغاني والبيضاء)، إلا أن قوات الحرس نجحت في صد هذا الهجوم بشكل كبير.

ومن ناحية أخرى، فإن سيطرة الجيش الوطني الليبي على موانئ الهلال النفطي الأربعة (رأس لانوف، السدرة، الزويتينة، والبريقة) ستُصعِّد من حدة المواجهات مع قوات حرس المنشآت النفطية على مدار الأشهر المقبلة، ومن المؤكد أن الأخيرة سوف تسعى بدورها للسيطرة على هذه الموانئ من جديد، بهدف استعادة مكاسبها المالية والسياسية التي تحصل عليها من خلال مهامها الأمنية.

أما في اليمن، فمنذ استيلاء حركة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، باتت مهمة المقاومة الشعبية بالتعاون مع الحكومة الشرعية في عدن لتأمين المنشآت النفطية في محافظة مأرب وحضرموت وغيرها تحتاج إلى مزيد من الدعم العسكري والمالي لمواجهة محاولات الحوثيين أو تنظيم "القاعدة" باليمن السيطرة على حقول النفط.

وفي إطار الدعم العربي لها، نجحت هذه القوات إلى درجة كبيرة في تأمين المنشآت النفطية، بل استطاعت الحكومة اليمنية الشرعية استئناف إنتاج وتصدير النفط الخام من حقول المسيلة بمحافظة حضرموت بعد انقطاع أكثر من عام ونصف كما أعلنت في أغسطس 2016، بما يُظهر تحسن البيئة الأمنية على نحو ملحوظ.

مسارات مستقبلية:

حتى الآن يميل ميزان القوى لصالح قوات حماية المنشآت النفطية في أغلب دول المنطقة، في ضوء اعتبارات عديدة من أهمها الدعم المقدم لهذه القوات من جانب أطراف دولية وإقليمية عديدة.

بيد أن نجاح خطط الحكومات الشرعية في السيطرة على موارد النفط سيتوقف على محددين رئيسيين: يتمثل الأول، في تعزيز القوة العسكرية للحرس النفطي. وينصرف الثاني، إلى دعم فرص التوافق بين القوى السياسية المختلفة.