شواغل ستوكهولم:

لماذا تهتم السويد بتفاعلات إقليم الشرق الأوسط؟

21 October 2020


على الرغم من أن السويد، مثل غيرها من الدول الاسكندنافية، لم تكن تولي اهتماماً ملحوظاً بالتحولات الجارية في بعض الأقاليم الجغرافية البعيدة نسبياً عنها، إلا أن العقد الأخير شهد تحولاً في هذا الاتجاه، حيث تشتبك ستوكهولم مع التفاعلات الجارية في الشرق الأوسط، فيما يخص جهود الوصول إلى تسوية سلمية للصراعات المسلحة في سوريا واليمن وليبيا، ومحاربة تهديد تنظيم "داعش" العابر للحدود، والدفاع عن مصالح الدول الأوروبية المشاطئة لشرق المتوسط في تنقيبها القانوني المشروع عن الغاز، وهو ما برز جلياً في أبعاد متعددة، منها السعى لاستضافة مشاورات جديدة لتسوية الصراع اليمني، وتحسين الأوضاع الإنسانية في شمال شرق سوريا، وانتقاد التدخلات التركية في شئون دول الإقليم، ودعم جهود قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في العراق، وإعادة إعمار المدن العربية المتضررة من الصراعات المسلحة وتعزيز العلاقات التجارية مع بعض الدول العربية المحورية مثل الإمارات ومصر. 

وقد برز اهتمام السويد بتفاعلات الإقليم، بدرجة متزايدة خلال عام 2020، على نحو ما توضحه النقاط التالية:

محادثات اليمن

1- السعى لاستضافة مشاورات جديدة لتسوية الصراع اليمني: سبق للسويد أن استضافت جولة مباحثات بين الحكومة الشرعية اليمنية وميليشيا المتمردين الحوثيين في ديسمبر 2018. وهنا، قال السفير السويدي لدى اليمن نيكلاس تروفي في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" في 19 أكتوبر 2020: "إن السويد والسعودية تكرسان جهودهما في محاولة لإيجاد حل مستدام للنزاع في اليمن"، لافتاً إلى أن الرياض "تلعب دوراً مهماً باعتبارها الجار المباشر، ولمعرفتها العميقة بالثقافة وعلاقاتها التاريخية مع اليمن، إضافة إلى كونها الدولة الرئيسية في التحالف العربي، وكلا البلدان يدعمان جهود الأمم المتحدة لإقناع الطرفين بالاتفاق على وقف إطلاق النار وبدء المحادثات السياسية في أسرع وقت ممكن".

وقال تروفي أنه "لا توجد خطط محددة لاستضافة أى مفاوضات أو مشاورات يمنية محتملة على المدى المنظور. ومع ذلك أبلغنا الأمم المتحدة باستعدادنا لاستضافة أى حوار إذا ما طلبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وأطراف النزاع ذلك"، مضيفاً أن "الصراع مستمر منذ أكثر من خمس سنوات، والطريق إلى سلام مستدام لايزال أمامنا. الحكومة الشرعية لم تتمكن من العودة بشكل كامل إلى البلد الذي تمثله، والمتمردون الحوثيون يواصلون الدفع عسكرياً لكسب المزيد من الأرض وإطلاق الصواريخ نحو المملكة العربية السعودية، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق".

وشدد تروفي على "ضرورة فتح المزيد من المنافذ الإنسانية في جميع أنحاء اليمن، حيث لا بديل عن تسوية سياسية سلمية للصراع... قد تكون لدينا نقاط انطلاق مختلفة فيما يتعلق بالنزاع، لكننا نتشارك الهدف نفسه المتمثل بالتوصل إلى سلام دائم وإنهاء معاناة الناس". وأوضح أن "السويد هى سادس أكبر مانح إنساني على مستوى العالم، وبالنسبة لليمن ساهمت السويد في خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة منذ عام 2015 بإجمالي 185 مليون دولار". وهنا تجدر الإشارة إلى التواصل السويدي مع مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية للحد من القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين.

ملفات إنسانية

2- تحسين الأوضاع الإنسانية في شمال شرق سوريا: وصل وفد رفيع المستوى من الخارجية السويدية برئاسة بير أورينوس مبعوثها الخاص للملف السوري، وضم توماس مركوس مسئول الملف الإنساني بالخارجية، وأفين جتين المستشارة بالمعهد الأوروبي للسلام، إلى مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقى سوريا، في 17 أكتوبر الجاري، حيث عقد اجتماعاً مع الدكتور عبدالكريم عمر رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة، تناول الملفات السياسية والإنسانية، وخاصة أوضاع قاطني مخيمات "الهول" و"روج" بريف الحسكة الخاصة بعوائل مسلحي تنظيم "داعش"، فضلاً عن النقاش بشأن مصير السجناء الأجانب في الإدارة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومة السويدية تبدي اهتماماً كبيراً بملف السجناء الأجانب لدى الإدارة الذاتية، حيث استعادت ثمانية أطفال يتامى لآباء مقاتلين في تنظيم "داعش" في العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار تسليم الإدارة الذاتية نساء وأطفال يحملون جنسيات مختلفة لحكومات بلادهم، ويأتي على رأسها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا واستراليا وهولندا والنمسا وفنلندا والدنمارك والسويد والنرويج وأوزبكستان وكازاخستان ونيجيريا، فضلاً عن عدة دول عربية.  

مناوئة أنقرة  

3- انتقاد التدخلات التركية في شئون دول الإقليم: شنت وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي هجوماً حاداً على تركيا، خلال مؤتمر صحفي جمعها بنظيرها التركي مولود جاويش أوغلو، في 13 أكتوبر الجاري، حيث اتهمت النظام الحاكم في تركيا وذراعه السياسية- حزب العدالة والتنمية- بإشعال الصراعات في سوريا وليبيا، وإقليم ناجورني قره باغ، وانتهاكاته المستمرة لسيادة دول شرق المتوسط، مطالبة بانسحاب القوات التركية المحتلة من الأراضي السورية، واتهمت الوزيرة السويدية تركيا بمسئوليتها عن "تقسيم سوريا واضطهاد الأكراد".

وقد رد جاويش أوغلو على هذه الانتقادات قائلاً: "ما هى صفتكم لتطلبوا منا الانسحاب من سوريا.. لا يمكنكم طلب ذلك منا"، وتابع: "هل فوضت سوريا الإدارة السويدية أو الاتحاد الأوروبي ليطالبنا بالخروج من أراضيها؟"، وهدد أوغلو بأنه في حال انسحاب القوات التركية من إدلب السورية سوف يتدفق 3 ملايين لاجئ سوري إلى أوروبا، متهماً السويد برغبتها في أن تحل محل تركيا في إدلب لدعم الأكراد. وفيما يخص الانتهاكات التركية لحقوق الأكراد في سوريا والعراق، ذكر جاويش أن "تركيا لا تميز بين أى جماعة كردية سواء في الداخل أو الخارج"، وقال: "جميعهم إرهابيون، يدعمون حزب العمال الكردستاني".

محاربة "داعش"

4- دعم جهود قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في العراق: يوجد تصور حاكم لدى الحكومة السويدية مفاده أن الإرهاب هو السبب الرئيسي لمشكلات الشرق الأوسط، وهو ما يتعين تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لمحاربته، الأمر الذي انعكس في إرسال قوات ضمن التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، فضلاً عن تدريب وتسليح قوات البيشمركة على خوض حروب المدن وخطط الحرب لمواجهة "داعش" في العراق.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن السويديين العائدين من بؤرتى الصراع في سوريا والعراق يشكلون تهديداً رئيسياً للأمن القومي السويدي، كما أن هناك خطورة لفئة الإرهابيين التي يصعب الكشف عنها، وهى الفئة التي تأتي مع موجات اللاجئين للسويد كبلد مستقبل للاجئين، والتي تزايدت منذ عام 2015. وهنا، ترى أجهزة الأمن والاستخبارات السويدية أن ثمة خطراً يواجهها يتعلق بما يسمى "ظاهرة الذئاب المنفردة"، والتي شهدتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

إعمار الدول 

5- إعادة إعمار المدن العربية المتضررة من الصراعات المسلحة: تتمثل إحدى المصالح الرئيسية التي تسعى إليها السويد من الانخراط في تفاعلات مع مجمل أطراف الصراع في سوريا وليبيا في التطلع للحصول على حصة من كعكة إعادة إعمار الدول، بعد سكوت المدافع. وفي هذا الإطار، اجتمع وزير الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية الدكتور عبد الهادي الحويج وأندرس نيلسون نائب القنصل الفخري لمملكة السويد، في 30 سبتمبر الفائت، ودعا الوزير الشركات السويدية للعمل في إعادة إعمار بنغازي وبقية المدن الليبية. 

كما أن هناك مساهمة سويدية في إعادة الاستقرار للمناطق المتضررة من سيطرة تنظيم "داعش" في العراق، وبشكل خاص بالموصل. فضلاً عن الإسهام في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي أطلق مشروع إعادة الاستقرار في سبتمبر 2015، بناءً على طلب من الحكومة العراقية، لتسهيل عودة النازحين العراقيين، ووضع أسس إعادة الإعمار والتعافي، والحد من انتشار العنف والتطرف في ظل مخاطر عودة "بقايا داعش".

مصالح اقتصادية

6- تعزيز العلاقات التجارية مع بعض الدول العربية المحورية: فعلى سبيل المثال، تولي السويد اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقات التجارية مع الإمارات لما تتمتع به من موقع تجاري متميز وإمكانيات تجارية متقدمة، وهو ما يفسر مشاركتها في معرض "إكسبو 2021" بدبى، والذي يمثل نافذة فرصة للشركات السويدية لتعزيز حضورها بالمنطقة. كما أن الإمارات والسويد نجحتا خلال المرحلة الماضية في توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة لتطوير شراكات في قطاعات حيوية ومن أبرزها الابتكار وريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. فضلاً عن التطلع لقطاعات ذات أولوية ومن أبرزها الصحة والتكنولوجيا والأدوية والصناعات الطبية والاتصالات والنقل والتعليم ومشاريع تدريب رواد الأعمال المواطنين والمواطنات داخل الإمارات وفي السويد.

كما تعد مصر إحدى الدول الشريكة الرئيسية للسويد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما نوه إليه السفير بدر عبدالعاطي مساعد وزير الخارجية المصري للشئون الأوروبية خلال لقائه السفيرة آن ديسمور نائب المدير العام مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالخارجية السويدية، في 9 فبراير الماضي، بشأن الانفتاح الذي تبديه السويد لتعزيز التعاون الاقتصادي مع مصر للاستفادة من التطورات الاقتصادية الإيجابية والمشروعات القومية الكبرى الجاري تنفيذها في مصر، حيث تسهم بعض الشركات السويدية في مشروع بناء العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المدن الجديدة.

من جانبها، أكدت المسئولة السويدية حرص بلادها على التعاون مع مصر في مجال الطاقة والغاز الطبيعي، وكذلك في مجال النقل الذكي في المدن الجديدة، وفي مجال الحوكمة الإلكترونية. ونوهت بالعديد من التجارب الناجحة للاستثمارات السويدية في مصر، وأشارت إلى ارتفاع معدلات السياحة السويدية إليها، حيث أصبحت مصر الوجهة الثانية للسياحة خارج الاتحاد الأوروبي. كما حث رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور برزاني السفير السويدي الجديد لدى العراق لارس روناس، في 2 فبراير الماضي، على الاستثمار في الإقليم.

مسارات متعددة:

خلاصة القول، إن شواغل ستوكهولم متعددة فيما يجري من تفاعلات في الشرق الأوسط، تتعلق بعلاقات سياسية وأدوار إنسانية ومصالح اقتصادية وهواجس أمنية، وعلى نحو ينعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على مصالحها الوطنية، فإن لم تذهب إلى الشرق الأوسط فسوف يحضر هو إليها.