قيود عديدة:

لماذا لم تنجح سياسات التنمية الإيرانية؟

06 October 2020


بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران نحو 463 مليار دولار في عام 2019. ويحتل القطاع النفطي مكان الصدارة بين القطاعات الاقتصادية في إيران، إذ تأتي في المركز الثاني على مستوى العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي والمركز الرابع في احتياطيات النفط الخام المؤكدة، ويعتمد النشاط الاقتصادي وإيرادات الحكومة إلى حد كبير على العائدات النفطية، ومن ثم فإنها تظل متقلبة مع تقلب القطاع النفطي العالمي، كما أن أية أزمات يتعرض إليها القطاع العالمي تأخذ طريقها إلى الاقتصاد الإيراني أيضاً، إلى جانب أن تعرض إيران لعقوبات خارجية، كما هو الحال الآن بالنسبة للعقوبات الأمريكية المفروضة عليها، تضع مصير الاقتصاد الكلي على المحك.

ولتقليص انكشاف الاقتصاد الإيراني على القطاع النفطي، تبنت الحكومة استراتيجية شاملة تسعى لتطبيق إصلاحات تقوم على قوى السوق، وتهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط. وتمتد الاستراتيجية لمدة 20 عاماً، بداية من عام 2016/2017، تتألف من ثلاث ركائز، ينطوي ما يخص الاقتصاد فيها على تطوير اقتصاد قادر على التكيف، من خلال تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي بنسبة 8%، وإصلاح المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة، وتطوير القطاعين المالي والمصرفي، كما أنها تعمل على تخصيص وإدارة عائدات النفط بما يعزز التنويع الاقتصادي. 

مؤشرات سلبية:

بعد مرور فترة تزيد عن الأربعة أعوام منذ إطلاق الاستراتيجية الإيرانية، ومع اقتراب نهاية خطة السنوات الخمس الأولى، فإن الاقتصاد الإيراني يعيش أحد أسوأ عصوره، حيث أنه انكمش بمعدل 4.7% في عام 2019، كما أن انكماشه ازداد عمقاً بسبب التبعات الاقتصادية لأزمة كورونا، مسجلاً انكماشاً بنحو 7.6% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الإيراني 2019/2020. وقد كان انكماش القطاع النفطي بمعدل يزيد عن 14% هو العامل المحوري في الضغط على الاقتصاد خلال الفترة المذكورة، ولاسيما أن تلك الفترة شهدت نمواً في الصناعات الزراعية وغير النفطية بنسبة 3.2% و2% على التوالي خلال الفترة ذاتها. 

ومنذ محاولة السلطات توحيد أسعار الصرف الرسمية والمتوازية في أبريل من عام 2018، حيث كان الاقتصاد يعمل في ظل نظام سعر صرف متعدد، فقد انخفضت قيمة الريال بشكل قوي في السوق الموازية مقابل الدولار في منتصف ذلك العام، بسبب زيادة المضاربة على العملات الأجنبية، وبدأ التضخم في الارتفاع ليبلغ ذروة وصلت إلى 52% بحلول مايو من عام 2019. كما استمر تراجع قيمة الريال إلى أن سجل مستويات قياسية لم يبلغها من قبل، بوصول سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى 267 ألف ريال للدولار الواحد، فاقداً ما يصل إلى 75% من قيمته منذ بداية التدهور.

وقد تفاقمت أزمة البطالة في إيران برغم محاولات الإصلاح التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، وسط نقص فرص العمل وتدني مستوى المعيشة، وهو ما أثبت فشل السياسات الحكومية. ومثلت أزمة كورونا سبباً جديداً لتفاقم أزمة البطالة، وقد أظهرت بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإيراني، أن عدد العاطلين عن العمل في البلاد ازداد إلى 2 مليون عاطلاً خلال الربع الثاني من عام 2020، وبنسبة تقارب الـ10%، بينما تشير تقديرات دولية صادرة عن معهد التمويل الدولي إلى بطالة تدور حول 20% من إجمالي القوة العاملة في إيران.

وفيما يتعلق بالفقر، فقد أظهرت بيانات رسمية، صادرة عن لجنة الخميني الإغاثية لشئون التوظيف والاكتفاء الذاتي، زيادة أعداد الأسر الفقيرة في إيران لنحو 600 ألف أسرة خلال الفترة بين مارس 2018 وحتى مارس 2019، وذلك من إجمالي 2.1 مليون أسرة. ويرى برلمانيون إيرانيون أن نحو 57 مليون شخص على الأقل مهددون بالوقوع تحت خط الفقر في البلاد. وقد كان الفقر والبطالة من أهم مسببات الاحتجاجات الشعبية التي عمّت الشوارع في مدن إيرانية عدة في يناير من عام 2018، وكذلك في نوفمبر من عام 2019.

بينما تشير تقديرات غير رسمية أيضاً إلى أن نحو 55% من الأسر الإيرانية يعيشون تحت خط الفقر، وذلك حسب وكالة أنباء "إيلنا" العمالية. وتصنف الوكالة الأسر التي يقلّ دخلها الشهري عن 714 دولار شهرياً بأنها تعيش تحت خط الفقر.

ضغوط مستمرة:

تكشف مؤشرات الأداء الاقتصادي المرصودة حتى الآن عن أن جل المساعي الحكومية الرامية إلى تنويع الإنتاج، وإخراج الاقتصاد من تبعيته للقطاع النفطي، لم تفلح بعد، لاسيما وأنه برغم جميع تلك الجهود فمازالت الإيرادات النفطية تمثل نحو 80% من الإيرادات التصديرية الكلية لإيران، كما أنها تمثل نحو 60% من الإيرادات العامة للدولة. وفي ظل ذلك الوضع، فإنه بافتراض عدم وجود توتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك بافتراض عدم حدوث أزمة كورونا، فسيظل الاقتصاد منكشفاً على أية أزمات نفطية عالمية.

كما أن بقاء الاقتصاد في حالة من العزلة شبه التامة على مدار السنوات الماضية، حرمه من الكثير من الفرص المتعلقة باستقطاب الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن أن العقوبات الأمريكية الأخيرة حرمته مما يقدر بنحو 120 مليار دولار من تلك الاستثمارات. وفي ظل هذه الظروف، يبقى الاقتصاد معتمداً على الاستثمار المحلي، وهو بطبيعة الحال قاصراً عن تأمين جميع الاحتياجات التمويلية للمشروعات التنموية الكبرى، بما في ذلك تنفيذ استراتيجيات التنمية والتنويع الاقتصادي. بل إن القطاعات الحيوية التي تمتلكها إيران، بما فيها القطاع النفطي، تظل محرومة من فرصة التطور، وتبقى ذات أداء قاصر، وتعاني حالة من التخلف مقارنة بنظيرتها في الدول الأخرى.

ويعني ذلك أن إيران، وفي ظل استمرار الظروف الراهنة ومع استمرار توتر علاقاتها بالعالم الخارجي، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية بسبب سياساتها الخارجية التدخلية والمثيرة للقلاقل على مستوى منطقة الشرق الأوسط، لن تتمكن من توفير الظروف الملائمة لتنفيذ خطتها التنموية، وسيبقى اقتصادها رهينة القطاع الواحد، وهو النفط، كما ستظل المشكلات الداخلية في طريقها إلى التفاقم، بما في ذلك الاضطراب في مستويات النمو على المستوى الكلي، وتفاقم الأوضاع المالية، الداخلية والخارجية، والانعكاسات الناتجة عن ذلك على مؤشرات البطالة والتضخم والفقر.

وقد تشهد الفترة المقبلة المزيد من التصاعد في تلك المظاهر الاقتصادية السلبية في إيران، في ظل سعي الولايات المتحدة الأمريكية نحو إشراك المجتمع الدولي في عقوبات اقتصادية جديدة في إطار أممي، تفرض على طهران. وفي حال حدوث ذلك، فإنه سيكون بمثابة السبب لتمديد الوضع المتأزم للاقتصاد وتعميق تأزمه، وكذلك إفشال أي محاولة حكومية لإصلاح الاقتصاد وتطويره.