خطوة استباقية:

لماذا وافقت إيران على مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟

30 August 2020


رغم أن إيران ما زالت حريصة على الترويج إلى ما تعتبره "انتصاراً" سياسياً تحقق لها في مجلس الأمن بعد فشل مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية، في 15 أغسطس الجاري، فيما يتعلق بتمديد الحظر المفروض عليها في مجال الأسلحة الثقيلة المزمع رفعه في 18 أكتوبر القادم، إلا أنها ما زالت تبدي قلقاً واضحاً من احتمال نجاح واشنطن في تفعيل آلية "سناب باك"، لاسيما في ظل الحملة الدبلوماسية التي تشنها الأخيرة على الساحة الدولية من أجل استقطاب تأييد مزيد من دول العالم للسياسة التي تتبناها في التعامل مع إيران.

ويبدو أن واشنطن سوف تعتمد في هذا السياق على كونها ما زالت، بمقتضى قرار مجلس الأمن رقم 2231، عضواً في الاتفاق النووي، وهو ما يعتبر "ثغرة" قانونية تمكنت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما من تضمينها في القرار، من أجل امتلاك ورقة ضغط قوية في مواجهة إيران. 

وهنا، فإن إيران سارعت إلى استغلال الزيارة التي قام بها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي، في 26 أغسطس الجاري، من أجل توجيه رسالة بأنها ما زالت معنية باستمرار التعاون مع الوكالة، لاسيما فيما يتعلق بالاستجابة للطلب الذي سبق أن تقدمته به الأخيرة بزيارة موقعين في مدينتى كرج وأصفهان يشتبه في أن إيران أجرت فيهما أنشطة لا تتفق مع التزاماتها النووية.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن إيران وافقت على ما سبق أن رفضته من مطالب للوكالة في ضوء اعتبارات ثلاثة رئيسية تتمثل في:

1- مواجهة الضغوط الأمريكية: لم ترغب إيران في منح فرصة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تساعدها في دعم موقفها وتحركاتها الراهنة على الساحة الدولية، قبيل حلول موعد 20 سبتمبر القادم، الذي سيتضح فيه مدى قدرة الأخيرة على تفعيل آلية "سناب باك".

وبمعنى آخر، فإن طهران اعتبرت أن انتهاء زيارة المدير العام للوكالة دون نتائج بارزة على صعيد التعاون بين الطرفين كانت ستزيد من مساحة الحركة وحرية المناورة أمام واشنطن، من أجل تكوين حشد دولي مناوئ لرفع الحظر المفروض على الأسلحة الثقيلة وفي الوقت نفسه مؤيد لعودة آلية "سناب باك".

2- تحفيز الأوروبيين: ربما لا يمكن فصل هذا القرار عن الموقف الذي سبق أن تبنته الدول الأوروبية الثلاث: بريطانيا وفرنسا وألمانيا في مجلس الأمن، في 15 أغسطس الجاري، عندما تحفظت على مشروع القرار الذي تقدمته به واشنطن لتمديد الحظر المفروض على إيران في مجال الأسلحة الثقيلة. 

وفي رؤية طهران، فإن هذا الموقف كشف أن الدول الأوروبية ما زالت حريصة على استمرار العمل بالاتفاق النووي رغم التوتر الذي تتزايد مساحته تدريجياً مع إيران، لدرجة أنها وقفت في مواجهة الحليف الأمريكي.

ووفقاً لذلك، فإن هذا الموقف جاء بعد سلسلة قرارات اتخذتها الدول الأوروبية وتماهت من خلالها مع السياسة الأمريكية تجاه إيران، بما يعني أن هذا التماهي كان له حدود من البداية فرضتها المصالح الأوروبية مع إيران ورؤية تلك الدول للعواقب التي يمكن أن يفرضها أى انهيار محتمل للاتفاق النووي خلال المرحلة القادمة.

إذ تدرك تلك الدول أن تمديد الحظر المفروض على إيران في مجال الأسلحة الثقيلة أو تفعيل آلية "سناب باك" قد يدفع طهران إلى اتخاذ الخطوة نفسها التي سبق أن أقدمت عليها واشنطن وهى الانسحاب من الاتفاق النووي، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من تداعيات سوف تؤثر على حالة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ومن ثم على مصالح الدول الأوروبية القريبة من حدودها.

3- ضغوط الحلفاء: قد تكون المرونة الظاهرة في السياسة التي تتبناها إيران في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرتبطة بضغوط تمارسها كل من روسيا والصين على الأولى من أجل تقليص قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق هدفها الأهم والخاص بإعادة فر ض العقوبات الدولية التي سبق أن تم رفعها بمقتضى الاتفاق. 

فقد بذلت موسكو وبكين جهوداً حثيثة من أجل تجنب إقرار تمديد الحظر المفروض على الأسلحة الثقيلة لدرجة التهديد باستخدام حق الفيتو، وما زالت تشن حملة دبلوماسية مضادة على الساحة الدولية لتأكيد أن واشنطن لم تعد عضواً في الاتفاق النووي ولا يحق لها ممارسة الحقوق المنصوص عليها فيه.

ومن هنا، فإن الدولتين ربما حاولتا إقناع طهران بضرورة تسوية الخلافات مع الوكالة، على الأقل في المرحلة الحالية، من أجل تدعيم موقفهما على الساحة الدولية تجاه الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية.

سقف محدد:

ربما تصورت إيران أنها في مقابل الاستجابة لمطالب الوكالة بزيارة موقعين محددين، نجحت في الخروج بنتائج إيجابية من زيارة المدير العام للوكالة، خاصة فيما يتعلق بالنص في الاتفاق على أن "الوكالة الدولية وافقت استناداً على تحليل معلومات، في السياق الحالي، على عدم توجيه أى أسئلة أخرى إلى إيران ولن تتقدم بطلب للوصول إلى أماكن غير تلك الأماكن التي أبلغت عنها إيران، بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة والبروتوكول الإضافي".

مع ذلك، يمكن القول إن تلك النتائج قد تكون مؤقتة، بانتظار ما سوف تؤول إليه تطورات الاتفاق النووي خلال الفترة القادمة، لاسيما فيما يتعلق بما ستسفر عنه الجهود الأمريكية لتفعيل آلية "سناب باك". وربما تعود إيران من جديد إلى تقليص مستوى التعاون مع الوكالة، لاسيما أنها تعتبر ذلك إحدى أوراق الضغط التي تمتلكها في مواجهة الضغوط والعقوبات الأمريكية.

من هنا، يمكن القول في النهاية إن مجلس الأمن سوف يشهد معركة قانونية خلال الفترة السابقة على تاريخ 20 سبتمبر القادم، بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ومعظم أعضاء مجلس الأمن الدولي من جهة أخرى، وبناءً على ما ستنتهي إليه تلك المعركة، سوف تتحدد معالم العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة أن الاتفاق النووي سوف يواجه في هذه اللحظة اختباراً حاسماً سوف يؤثر على مدى استمراره من عدمه.