تهدئة مؤقتة:

كيف تؤثر كورونا على التنظيمات المسلحة في سوريا؟

14 May 2020


مع اتّساع نطاق انتشار فيروس كورونا بدول العالم، وخروجه عن السيطرة في العديد من دول العالم؛ طُرحت تساؤلات كثيرة حول انعكاس انتشار الوباء على مستقبل الصراع المسلح بالداخل السوري، وآثاره على الميليشيات والجماعات المسلحة والإرهابية، في ظل انشغال الفاعلين الإقليميين والدوليين بمكافحة انتشار الفيروس، ومواجهة تداعياته الاقتصادية والاجتماعية، في ظل اتساع نطاق الانتشار الجغرافي.

 فقد أصبحت العديد من الدول الإقليمية والدولية مهتمة بشكل كبير بتداعيات فيروس كورونا على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الداخلية، بجانب بعض التداعيات الأمنية على المستوى الجنائي، نتيجة توقف العديد من الشركات، وتباطؤ المجال الاقتصادي. وقد أدى هذا الانشغال بكورونا إلى تأثير مباشر على الصراع المسلح بالداخل السوري، وعلى بنية بعض التنظيمات الإرهابية داخل سوريا، ويمكن أن يتمثل هذا التغيير في تطور نشاط التنظيمات الإرهابية، ولا سيما تنظيمَيْ "داعش" و"هيئة تحرير الشام". ومن ثم يأتي التساؤل الرئيسي حول تأثير انتشار فيروس كورونا على مستقبل الصراع المسلح بالداخل السوري، وعلى بنية تنظيمَيْ "داعش" و"هيئة تحرير الشام".

تداعيات "كورونا":

شهدت الأزمة السورية العديد من التحولات الجذرية منذ بداية العام الجاري 2020 أثّرت بشكل مباشر على استراتيجيات الفاعلين الإقليميين والدوليين بالأزمة، حيث أخذت مظاهرُ تلك التحولات في الأزمة السورية أبعادًا عدة تمثل أهمها في التفوق العسكري الروسي-السوري في استعادة العديد من مناطق نفوذ الميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة، كان أبرزها إعادة السيطرة على محافظة حلب وحماة وبعض المناطق بريف إدلب (معقل التنظيمات والميليشيات المسلحة)، مع تنامي النفوذ العسكري التركي، واتساع رقعة السيطرة والنفوذ التركي في الشمال السوري. 

ومع انتشار وباء كورونا بشكل متسارع في الداخل التركي والإيراني، وتراجع الاهتمام العالمي بالأزمة السورية نتيجة تركيز الدول الغربية على مكافحة فيروس كورونا؛ بدأت بعض المسارات الجديدة في مسار الصراع المسلح بالداخل السوري في الظهور، حيث حدث تراجع نسبي في أداء بعض الميليشيات والتنظيمات المسلحة والمتطرفة الفاعلة بالداخل السوري، وفي مقدمتها تنظيم "هيئة تحرير الشام"، وهو التنظيم الإرهابي المسيطر على مساحات واسعة من إدلب، يضاف إلى هذا سعي تنظيم "داعش" لاستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها قبل معركة الباغوز في مارس 2018. وهو ما يدفع لتحليل آثار انتشار فيروس كورونا على تنظيمَيْ "هيئة تحرير الشام" و"داعش" من ناحية، والمسارات المحتملة للنظام السوري لاستعادة آخر نقاط للنظام في إدلب.

داعش.. تهديدات إرهابية:

تتباين انعكاسات انتشار فيروس كورونا على بنية تنظيم "داعش" بحسب تمركز التنظيم. بمعنى أدق، يختلف تنظيم "داعش" من حيث البناء التنظيمي والتمركز الجغرافي من دولة إلى أخرى. فتنظيم "داعش" في سوريا يختلف بشكل كبير عن تنظيم "داعش" في الساحل والصحراء الإفريقية، من حيث تداخل عناصر التنظيم مع السكان المحليين. فتنظيم "داعش" في: سوريا، والعراق، وأفغانستان، واليمن، وشرق آسيا، والقوقاز؛ يتواجد بين السكان بالبيئة المحلية، في حين يتمركز تنظيم داعش في الساحل والصحراء الإفريقية وغرب إفريقيا ووسط إفريقيا في مناطق صحراوية بعيدة عن التواجد السكاني الكثيف، وهو ما أدي إلى معاناة تنظيم "داعش" سابقًا من انتشار فيروس إيبولا خلال عام 2017، والذي كان منتشرًا بشكل كبير في دول غرب إفريقيا.

ومن ثمّ فتداخل تنظيم "داعش" في سوريا في الأوساط المحلية يجعل من تأثير انتشار فيروس كورونا في صفوفه مماثلًا لمقدار الانتشار في المحيط المحلي لتواجده بسوريا، بل إن تأثير فيروس كورونا على عناصر "داعش" قد يكون أكبر من تأثيره على السكان المحليين نتيجة امتناع عناصر التنظيم عن التوجه إلى المستشفيات خشية القبض عليهم، وهو ما دفع تنظيم "داعش" لإصدار التوجهات السبعة التي نشرها في مجلة "النبأ" الداعشية بالعدد (225)، في محاولة من التنظيم لتوجيه إرشادات لعناصره، مع التركيز على أن إصابة الشخص أو وفاته هو قضاء وقدر، على عكس ما أعلنه التنظيم من أن إصابة المواطنين في دول العالم هو غضب من الله.

من ناحية أخرى، سعى تنظيم "داعش" لاستغلال انتشار وباء كورونا في العالم، في ظل تراجع اهتمام الدول الغربية بمتابعة التنظيم، وعدم تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية ضده. فمع إعلان الدولة السورية بداية ظهور فيروس كورونا في الأول من مارس 2020، زعم تنظيم "داعش" أنه قام بتنفيذ 52 عملية إرهابية داخل سوريا بناء على بيانات التنظيم المنشورة في الأعداد (224-225-226-227-228-229-230) من مجلة "النبأ" الداعشية وذلك على حد ادعاؤهم.

كما دعا "داعش" لتوجيه ضربات إرهابية ضد العديد من دول أوروبا، وفي الداخل السوري، نتيجة انشغال هذه الدول بمكافحة فيروس كورونا، حيث تحدث التنظيم -في رسالة موجهة لعناصره بالعدد (226) من مجلة "النبأ" الداعشية- عن تراجع الدور الأمني لدول أوروبا في مواجهة التنظيم، بجانب انشغال أجهزة الأمن بمكافحة فيروس كورونا، وهو ما اعتبره التنظيم الإرهابي فرصة لقيام عناصره بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية. 

وتُعتبر هذه الرسالة أكثر الرسائل تحريضًا ووضوحًا من قِبَل "داعش" لعناصره للقيام بعمليات إرهابية، استغلالًا لانشغال الدول بمكافحة فيروس كورونا. 

هيئة تحرير الشام.. تغير التحالفات:

قامت تركيا منذ اللحظات الأولى للأزمة السورية إلى تشكيل ودعم العديد من التنظيمات والجماعات المسلحة لمواجهة النظام السوري، وكان يطلق على هذا المسار مسمي التدخل "غير المباشر" لدعم المعارضة، والذي أخذ أشكالًا متعددة فمثلاً تدخل النظام التركي لدعم ومساندة فصائل المعارضة بالضربات الجوية أثناء حربها ضد تنظيم "داعش"، وهو ما ساعد التنظيمات والفصائل المسلحة القريبة من النظام التركي في السيطرة على عدد من المناطق بخط الحدود التركي، ومنها محافظة إدلب (معقل الميليشيا المسلحة التابعة للنظام التركي). وقد ساعد هذا الدعم غير المباشر لتلك الفصائل والتنظيمات المسلحة الجانبَ التركي في تحقيق عدة أهداف عسكرية بإنشاء ما يُسمى "المنطقة الآمنة" التي تمتد من جرابلس إلى إعزاز وتضم (الباب، ومنبج).

 كما سمح هذا الدعم بإعادة ترتيب خريطة التحالفات بين التنظيمات والميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة بإعلان تشكيل تنظيم مسلح جديد باسم "الجبهة الوطنية لتحرير سوريا" في نهاية عام 2017، والتي تضم العديد من الألوية والفصائل المسلحة لتكون إحدى أهم نقاط الارتكاز السياسي والعسكري للنظام التركي في مواجهة باقي التنظيمات والجماعات المسلحة الفاعلة بمحافظة إدلب، وإحدى أوراق التفاوض السياسي مع الجانب الروسي-السوري.

ومع بدايات العام الجاري 2020، اتبعت تركيا مسارًا جديداً بفتح قنوات اتصال مع بعض التنظيمات والجماعات المتطرفة والإرهابية الفاعلة والمؤثرة في الساحة السورية، والذي ظهر جليًّا في علاقة تركيا بتنظيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، والذي بدت ملامحه تتشكل في أعقاب اتفاق التهدئة في درعا. وتنامت العلاقات بين الجانبين (التركي - تنظيم هيئة تحرير الشام) مع بدء التفاوض التركي-الروسي الخاص بأزمة إدلب، حيث برز الانحياز التركي لجبهة النصرة، وتحسين العلاقة معها خلال شهر أغسطس وسبتمبر من عام 2018 في العديد من المؤشرات التي انعكست في الخلاف في الرأي بين الجانب الروسي -الراغب في بدء معركة إدلب- والرفض التركي لانطلاق المعركة.

ومع انتشار فيروس كورونا بالداخل السوري، واتساع حدة الانتشار في تركيا؛ بدأ الجانب التركي في تعزيز العلاقة مع "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على مساحات واسعة من إدلب بهدف قيام "هيئة تحرير الشام" بأدوار المواجهة مع النظام السوري، في الوقت الذي ينشغل فيه النظام التركي بمكافحة انتشار فيروس كورونا في الداخل، في ظل تزايد تداعيات الوباء على السياسة والاقتصاد التركيين، وللحد من انتشار الفيروس وسط القوات العسكرية التركية.

وتم الضغط على هيئة تحرير الشام لإعادة هيكلة داخلية تقضي بإعادة تغيير اسم التنظيم، وإعادة النظر في خريطة التحالفات بين التنظيم وباقي الفصائل المسلحة الأخرى لتشكيل تنظيم جديد يُخرج "هيئة تحرير الشام" من تصنيف المجتمع الدولي لها جماعةً إرهابيةً، وهو ما يمكن أن يشهده التنظيم خلال المرحلة المقبلة.

ويلاحظ أنه مؤخراً تزايدت الخلافات بين تركيا وهيئة تحرير الشام، حيث جرت مفاوضات بين الطرفين في أبريل 2020 لإنهاء التوتر بينهما وذلك بعد تدخل القوات التركية لفض اعتصام قرب النيرب شرق إدلب على طريق حلب- اللاذقية، كما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان مؤخراً أن هيئة تحرير الشام رفضت طلباً تركياً بإنشاء نقطة عسكرية بإنشاء نقطة عسكرية على القمة الإستراتيجية لتل النبي أيوب في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي نظرا لموقعها وإشرافها على مناطق واسعة، قبل الرضوخ للمطالب والتنازل عنها لصالح الأتراك، وهو ما يطرح تساؤلات حول شكل العلاقة بين الطرفين مستقبلاً في ظل حالة الشد والجذب بينهما.

هدوء مؤقت:

مع انتشار فيروس كورونا في الداخل السوري، دعت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى أن هناك حاجة لوقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا حتى تنجح "الجهود الشاملة" في القضاء على فيروس كورونا، ومنعه من النَّيْل من السكان المحاصرين، ولا سيما في إدلب التي تسيطر عليها الميليشيا المسلحة. بدوره، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا "جير بيدرسن"، أن السوريين معرضون بشدة للإصابة بفيروس كورونا (كوفيد-19). داعيًا إلى الإفراج على نطاق واسع عن المحتجزين والأسرى لأسباب إنسانية ووقف إطلاق النار. وهو ما شدد عليه "فابريزيو كاربوني"، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وفي هذا السياق قام النظام السوري وبعض الميليشيات المسلحة في إدلب بفتح معبر بين الطرفين على خط التماس بريف إدلب لدخول المساعدات الطبية والسلع الغذائية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى وقف كامل لإطلاق النار بشكل مؤقت لحين انتهاء أزمة انتشار فيروس كورونا.

في المجمل، أثّر انتشار فيروس كورونا بشكل مباشر على الصراع المسلح بالداخل السوري نتيجة تراجع أدوار الفاعلين الإقليميين (الأتراك-الإيرانيين) والدوليين (روسيا-الولايات المتحدة) في ظل انشغال تلك الدول بمكافحة انتشار الوباء، وبدء ظهور تداعياته على الأداء الاقتصادي لهذه الدول، مما سينعكس على آليات التعامل بين تلك الأطراف الدولية والإقليمية والفاعلين من دون الدول (من ميليشيات وجماعات مسلحة) بالداخل السوري، وهو ما سيؤدي إلى تهدئة حدة مسارات الصراع السوري بشكل مؤقت إلى حين صياغة الأطراف الإقليمية والدولية مسارات جديدة للأزمة بناء على نتائج آثار انتشار فيروس كورونا بالدول الفاعلة بالأزمة السورية.