تحديات كبيرة:

كيف تؤثر جائحة "كورونا" على أسواق الغاز الطبيعي المسال؟

06 May 2020


تُعاني أسواق الغاز الطبيعي المسال في العالم من ضغوط طارئة نتيجة تفشي فيروس كورونا في أنحاء مختلفة بالعالم، حيث أثّر الوباء بشكل ملموس على سلسلة عمليات الصناعة بالكامل، بما في ذلك الإنتاج والتسويق ونقل وشحن الغاز المسال إلى أسواق الاستهلاك. وسيتوقف الحدّ من هذه التأثيرات على قدرة حكومات العالم على احتواء فيروس كورونا في الفترة المقبلة. وفيما يلي أبرز التحديات الراهنة التي تمر بها صناعة الغاز المسال عالميًّا في ضوء أزمة كورونا:

1- عقبات تشغيلية:

يفرض تفشي فيروس كورونا عقبات تشغيلية أمام مشاريع الغاز المسال في العالم، يتعلق بعضها بالعمالة، والأخرى بإنتاج ونقل وشحن الغاز لأسواق الاستهلاك. ووسط الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الفيروس، اضطرت العديد من الشركات في أمريكا الشمالية وأستراليا لتقليص العمليات التشغيلية وخفض القوى العاملة بمشاريع الغاز المسال، الأمر الذي يهدد التدفقات النقدية وأرباح الشركات العاملة في الصناعة. 

وعلاوة على مما سبق، فقد عرقل تفشي فيروس كورونا بشكل مباشر استئناف بعض مشاريع الغاز المسال طور التنفيذ في بعض أنحاء العالم، ولعل من أبرزها مشروع شركة "توتال" لإنتاج الغاز المسال في موزمبيق، حيث أصيب نحو 11 عاملًا بالمشروع بفيروس كورونا، مما سيُبطئ على الأرجح من وتيرة تنفيذه في الفترة المقبلة إلى حين اتخاذ الإجراءات الوقائية الكافية لحماية العمالة.

2- تدهور الطلب العالمي:

وجدت مشاريع الغاز المسال العالمية مصاعب غير مسبوقة في تصدير إمداداتها من الغاز المسال لأسواق الاستهلاك الرئيسية، حيث انخفض بشكل ملموس طلب كبار المستوردين -مثل الصين والهند- على الغاز المسال مع إغلاق النشاط الاقتصادي بهما في الربع الأول من العام. وهنا، فقد أعلن عدد من الشركات الصينية والهندية حالة القوة القاهرة لعقود استيراد الغاز المسال مع انخفاض الطلب بالسوق المحلي.

وفي هذا السياق، أرجأت شركات صينية (مثل: مؤسسة البترول الصينية "بتروتشاينا"، والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري) استلام بعض شحنات الغاز المسال من موردين في أستراليا وماليزيا وقطر في مارس الماضي. وبالمثل، فقد أصدرت شركة "بترونت"، أكبر مستورد في الهند، إعلان القوة القاهرة، وأعادت جدولة بعض شحنات الغاز الطبيعي المسال القادمة من الشرق الأوسط.

ولم يكن منتجو الغاز المسال في الولايات المتحدة بمأمن عن التطورات الأخيرة في أسواق الطاقة العالمية، حيث تشير ترجيحات إلى أنه تم إلغاء نحو 20 شحنة على الأقل للغاز الطبيعي المسال الأمريكي في إبريل الماضي من قبل المشترين في آسيا وأوروبا أيضًا.



ومن المتوقع أن يكون الانكماش في الطلب بالسوق الصيني أكبر منه في كوريا الجنوبية واليابان، حيث من المتوقع أن يصل الطلب الصيني إلى نحو 58.1 مليون طن وبانخفاض 3.2 ملايين طن عن مستويات عام 2019. بينما سينخفض طلب كوريا الجنوبية بنحو 1.9 مليون طن إلى 38.5 مليون طن، واليابان بنحو 0.9 مليون طن إلى 76.2 مليون طن.

3- تراجع الغاز الطبيعي:

قبل ظهور فيروس كورونا، كانت أسعار الغاز المسال العالمية تعاني من ضغوط قياسية بسبب تباطؤ الطلب في آسيا وتخمة المعروض من الغاز المسال مع دخول العديد من مشاريع تسييل الغاز حيز التنفيذ في عامي 2018 و2019. ومع تفشي فيروس كورونا في العالم في بداية العام، تبددت الآمال بانتعاش أسعار الغاز المسال مجددًا.

ومنذ ظهور فيروس كورونا، فقدت أسعار الغاز المسال الفورية أكثر من ثلث قيمتها في أسواق آسيا وأوروبا. ووصلت أسعار الغاز المسال في المملكة المتحدة إلى نحو 2.20 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في مارس الماضي، أي بانخفاض بنسبة 29% عن بداية 2020.

بينما انخفض سعر الغاز الطبيعي المسال بالأسواق الآسيوية إلى حوالي 2.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أواخر مارس، أي أقل النصف من مستوياته في بداية العام، بينما كان يتم تداول الأسعار عند أقل بقليل من 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أكتوبر 2019. ومن المرجح أن تظل الأسعار عند مستويات منخفضة لعدة أشهر إذا ما استمر الطلب ضعيفًا وسط تفشي فيروس كورونا.

4- وقف المشاريع:

تدفع ظروف عدم اليقين الاقتصادي نتيجة تفشي فيروس كورونا، والآفاق القاتمة للطلب على الغاز المسال، شركات الطاقة لإعادة تقييم استثماراتها في عددٍ من مشاريع الغاز طور التنفيذ، حيث قد تضطر الشركات لتأجيل اتخاذ قرارات استثمارية نهائية بشأن المشاريع أو تأخير خطط الإنتاج.

ويتزامن ذلك مع مصاعب قد تجدها الشركات، سواء في تأمين تمويلات إضافية للمشروعات، في ظل اضطراب أسواق السلع وانخفاض الجاذبية الاستثمارية لمشاريع تسييل الغاز، فضلًا عن صعوبة العثور على مشترين لإنتاج الغاز المسال أو ما يُعرف بــ"عقود الشراء"، التي تقتضي على الشركات عادة تأمينها قبل المضيّ في عمليات الإنتاج.

وبحسب ترجيحات عديدة، فإن الظروف الراهنة سوف تؤثر على القرارات الاستثمارية لعدد من المشاريع الرئيسية في إفريقيا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط، وبطاقة إجمالية قدرها 119.3 مليون طن، ومن أبرزها مشروع "روفوما" بموزمبيق بطاقة إنتاجية قدرها 15.2 مليون طن، و"دريفتوود" بالولايات المتحدة بطاقة (27.6 مليون طن)، وغيرها من المشاريع الأخرى.

ومن الجدير بالإشارة أنه لكي تُحقق المشاريع السابقة ربحية، فقد تتطلب سعرًا مسوقًا للغاز المسال قريبًا من 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في حين أن الأسعار الحالية أو المستقبلية لن تتخطى على الأكثر 4 أو 5 دولارات للمليون وحدة حرارية، مما يجعل الجدوى الاستثمارية للمشروع منخفضة بشكل كبير حاليًّا، بما قد يضطرها لتأجيل تنفيذها عن الجدول الزمني المخطط لها المقرر في 2024، أو إلغائها بشكل نهائي. 

وبجانب ما سبق، من المحتمل أن تدفع الظروف الراهنة بعض شركات الطاقة للتخلص من بعض أصولها في صناعة الغاز المسال مع انخفاض الجدوى الاستثمارية للمشاريع. وعلى هذا النحو، فقد قررت شركة "رويال داتش شل" في مارس الماضي الانسحاب من مشروع محطة الغاز المسال "بحيرة تشارلز" بولاية لويزيانا الأمريكية المشترك مع شركة "إنرجي ترانس إنتربرايز" والبالغ طاقته الإنتاجية حوالي 16.5 مليون طن سنويًّا. 

وقد بررت شركة "رويال" قرارها بالانسحاب من المشروع بمساعيها للحفاظ على السيولة وتعزيز مرونة أعمالها. وكما يبدو فإنّ الشركة تشعر بوطأة الضغوط المالية الواقعة عليها بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز العالمية، ولذا قررت التخلص من بعض الأصول غير الرئيسية مثل المشروع السابق، وهو الأمر الذي يتماشى مع خطتها لخفض نفقاتها الرأسمالية لعام 2020 إلى 20 مليار دولار أو أقل بخمسة مليارات دولار عن المستويات المقترحة في البداية.

5- تخزين ونقل الغاز المسال:

من المؤكد أن التأخير في تنفيذ مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة سينتقل تأثيره إلى باقي عمليات الصناعة، حيث من المتوقع أن يضعف الطلب على قطاع الشحن، وكذلك بناء محطات التخزين وتغويز الغاز المسال. وعلى هذا النحو، تشير التقديرات إلى أن تأجيل المشاريع سيُترجم إلى طلبات أقل على ناقلات الغاز الطبيعي المسال في السنوات الثلاث المقبلة، حيث سينخفض الطلب على الناقلات الجديدة المطلوبة حتى عام 2024 بنسبة 40% إلى 160 ناقلة من 270 في السابق.

ختاماً يمكن القول إن صناعة الغاز المسال في العالم تمر بحالة من الارتباك، على غرار النفط، نتيجة تفشي فيروس كورونا، والذي سيؤثر على أساسيات السوق -أي العرض والطلب- لفترة قد تطول أو تقصر طبقًا لقدرة الحكومات على احتواء تداعيات الفيروس، وعودة النشاط الاقتصادي العالمي من جديد.