إحكام الحصار:

دوافع تزايد الاستهداف الأمريكي لحزب الله اللبناني

06 May 2020


تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إحكام الحصار على حزب الله اللبناني، على نحو دفعها إلى الترحيب بالقرار الذي اتخذته السلطات الألمانية، في 30 إبريل 2020، بحظر الحزب على أراضيها. وتستند واشنطن في هذا السياق إلى آليات عديدة يتمثل أبرزها في توظيف التأزم الداخلي لتقليص نفوذ الحزب، وفرض ضغوط إضافية عليه لكبح تحركاته الإقليمية، لاسيما في سوريا والعراق. ويبدو أنها سوف تواصل جهودها من أجل إقناع العديد من الدول الأوروبية بتبني الخطوة الألمانية نفسها خلال الفترة القادمة.

ضغوط متواصلة:

يتعرض حزب الله في الفترة الحالية لضغوط دولية وإقليمية قوية، وهو ما يبدو جلياً في المؤشرات التالية:

1- الحظر الألماني: أصدرت وزارة الداخلية الألمانية في 30 إبريل 2020، قراراً بحظر جماعة حزب الله على الأراضي الألمانية وذلك بعد خمسة أشهر من تصويت البرلمان الألماني على قرار اعتبر فيه الحزب تنظيماً إرهابياً. وفي هذا السياق، قامت القوات الأمنية بعدة مداهمات لبعض المؤسسات والجمعيات المرتبطة بالحزب. وتشير تقارير عديدة إلى أن عدد عناصر الحزب الذين يتواجدون على الأراضي الألمانية يصل إلى 1050 عنصراً، إلا أن بعضهم لم يمارس نشاطاً بارزاً خلال الفترة الماضية.

2- محاولات واشنطن استقطاب دعم باريس: طالب السفير الأمريكي في ألمانيا ريتشارد غرينيل مستشار السياسة الخارجية للرئيس الفرنسي إيمانويل بون، بضرورة حظر باريس أنشطة حزب الله، ودعا الأخيرة للتعاون من أجل حظر الحزب على مستوى الاتحاد الأوروبي، في إشارة إلى احتمال قيام واشنطن بشن حملة دبلوماسية في هذا الصدد خلال الفترة القادمة.

3- عقوبات متتالية: فرضت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من العقوبات على بعض القيادات في الحزب والكيانات المرتبطة به خلال الشهور الأخيرة، منها إدراج وزارة الخزانة الأمريكية 3 مسئولين في الحزب و12 كياناً على قوائم العقوبات بسبب ارتباطهم بمؤسسة "الشهداء" التابعة له في 27 فبراير 2020، فضلاً عن إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، في 10 إبريل 2020، عن تقديم مكافأة قدرها 10 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض على محمد كوثراني القيادي في الحزب الذي كان مقرباً من قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، الذي قتل مع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبومهدي المهندس في العملية العسكرية التي شنتها واشنطن في 3 يناير الماضي.

وقد أشارت العديد من التقارير إلى احتمال اتجاه وزارة الخزانة الأمريكية إلى فرض عقوبات جديدة على الحزب، بعدما تم الكشف مؤخراً عن وجود شبكة صرافين توفر له الدولار في الداخل اللبناني، والتعامل مع الخارج، وذلك في إطار تلافي العقوبات الأمريكية. 

أسباب عديدة:

تتمثل أهم الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية لإحكام الحصار على حزب الله، في التالي:

1- توظيف الوضع الداخلي: تستهدف واشنطن ممارسة ضغوط أكبر على حزب الله في ظل تراجع نفوذه في لبنان، وتزايد احتقان بيئته الحاضنة نتيجة تصاعد الضغوط الاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي، فضلاً عن تأهب الحراك الشعبي للعودة إلي الشارع للتنديد بالنخبة الحاكمة، مما يزيد من فرص تقويض دور الحزب داخلياً في حالة استعادة زخم احتجاجات أكتوبر 2019.

ويتوازى ذلك، مع تصاعد حدة هجوم المعارضة السياسية لحزب الله، حيث أكد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في 27 إبريل الفائت، أنه "يجب تشكيل جبهة معارضة لحزب الله، خاصة وأن الحزب يمثل مشكلة أكبر من رئيس الجمهورية ميشال عون"، مشيراً إلى أن الوضع في لبنان معقد وخطير وأن حكومة حسان دياب لم تحقق شيئاً للبنان. فيما قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في حديث لقناة "العربية" في نهاية الشهر نفسه: "يريد الحزب تأميم لبنان على طريقته، يريد إلغاءنا، لكننا سنقول لا، وسنرفض أن نصبح كسوريا أو كالعراق".

2- تقليص التهديدات الإقليمية: كان لافتاً في الفترة الماضية تزايد دور حزب الله في كل من الأزمتين العراقية والسورية، وهو ما دلل عليه ارتفاع مستوى المواجهة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لذلك التواجد، على نحو بدا جلياً في الإعلان عن مكافأة كبيرة للمساعدة في القبض على محمد كوثراني منسق دور الحزب في العراق، بالإضافة إلى تزايد الضربات الإسرائيلية الموجهة لعناصر ومواقع الحزب في الداخل السوري، وكان آخرها في 21 إبريل الفائت عبر استهداف مقر للحزب في مدينة "تدمر" (وسط سوريا)، وقبلها تم استهداف سيارة نقل قوات تابعة للحزب بالقرب من الحدود مع لبنان.  

3- تعميم التصنيف أوروبياً: نجحت الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن في إقناع بعض الدول الأوروبية الكبرى بإدراج حزب الله كمنظمة إرهابية، وعدم الفصل بين الجناحين العسكري والسياسي، على غرار بريطانيا، التي اتخذت هذا القرار في 17 يناير 2020، والذي بمقتضاه جمدت وزارة الخزانة البريطانية أموال وأصول الحزب في إطار قانون تجميد أصول الجماعات الإرهابية. وربما يمثل القرار الأخير لألمانيا بداية لمرحلة جديدة قد تشهد اتجاه العديد من الدول الأوروبية الأخرى إلى إصدار قرارات واتخاذ إجراءات مماثلة إزاء الحزب.

ختاماً، يبدو أن مساعي واشنطن لفرض مزيد من الضغوط على حزب الله سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة، في إطار استراتيجية عامة تحاول من خلالها أولاً دفع إيران إلى إجراء تغيير في سياستها باتجاه القبول بالانخراط في مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق مختلف، وثانياً ردع التنظيمات الموالية لها ومنعها من استهداف مصالحها في المنطقة أو خارجها.