اتساع الفجوات:

اتجاهات تأثير وباء كورونا على الهجرة العالمية

07 April 2020


عرض: باسم راشد - باحث في العلوم السياسية

لن تقتصر التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار جائحة فيروس كورونا المستجد على مواطني الدول المتقدمة، ولكنها ستنال أيضًا وبصورة أكثر تأثيرًا المهاجرين في تلك الدول، والتي ستكون لها تداعيات جمة على الدول النامية التي تعتمد مصادر دخلها بصورة كبيرة على تحويلات العاملين في الخارج، وهو الأمر الذي سيزيد من الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية. ومع تشدد إجراءات الهجرة الشرعية، وتدهور الأوضاع في كثير من دول الأزمات، ستتزايد حركة النزوح الداخلي، والهجرة غير الشرعية. ويتوقع أن يكون لفيروس كورونا آثار دائمة على الهجرة حتى بعد فترة طويلة من عودة الحياة لطبيعتها.

في هذا الصدد، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مقالًا للكاتب "إيرول ييبوك"، نائب مدير المركز وكبير باحثي مشروع الرخاء والتنمية بالمركز، بعنوان: "خمسة طرق سيغير بها فيروس كوفيد-19 الهجرة العالمية"، يؤكد من خلاله أنه من المحتمل أن تكون للاضطرابات المرتبطة بفيروس كورونا تأثيرات طويلة المدى على ملامح الهجرة العالمية من خلال خمسة طرق أساسية.

توقف اليد العاملة المهاجرة 

يؤكد الكاتب أن اليد العاملة المهاجرة تعد محرك الاقتصاد المعولم. وفي حين قد يتم منح إعفاءات للمهن الرئيسية، مثل العلماء والأطباء والصحفيين والقادة الحكوميين، فإن أولئك الذين يسافرون من أجل العمل قد لا يكونون قادرين على القيام بذلك في المستقبل المنظور، وستكون لذلك آثار ملحوظة على الأسرة والاقتصاد، وربما على الأمن الغذائي، وقد لا يتمكن العمال المهاجرون في الخارج حاليًّا من العودة إلى ديارهم.

ومن المتصور أنه، استجابةً للحجر الصحي الحالي والمستقبلي أو أوامر "البقاء في المنزل"، ستقوم الشركات أيضًا بتسريع تطوير قدرات الأتمتة، وبالتالي إنهاء بعض الوظائف التي غالبًا ما يشغلها المهاجرون بسرعة أكبر.

بالإضافة إلى ذلك، ففي معظم الصناعات، ستتركز عمليات تسريح بعض الموظفين نتيجة انتشار فيروس كورونا على العمال المهاجرين، لأن كثيرًا منهم من حاملي التأشيرات المؤقتة. فعلى سبيل المثال، يوجد في نيوزيلندا حوالي 190 ألف شخص يقيمون بتأشيرات مؤقتة؛ وهؤلاء سيواجهون خيارات صعبة عند الاستغناء عنهم؛ فإما العثور على وظيفة أخرى، أو الحصول على نوع مختلف من التأشيرات، أو محاولة العودة إلى بلدانهم الأصلية التي تواجه صعوبات اقتصادية أكبر.

وعندما تصبح الوظائف متاحة بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا يتوقع الكاتب أن حكومات نيوزيلندا والولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى ستشجع بلا شك الشركات على توظيف المواطنين، وهو ما ستكون له آثار دائمة على العمال المهاجرين وأسرهم ومجتمعاتهم.

زيادة التفاوت العالمي

يؤكد الكاتب أن التفاوت العالمي قد بلغ بالفعل أعلى مستوياته في التاريخ اعتبارًا من يناير 2020، حيث امتلك 2,153 شخصًا ثروة أكثر من أفقر 4.6 مليارات شخص في العالم، وأغنى 22 رجلًا في العالم لديهم ثروة أكثر من جميع النساء في إفريقيا. ومن المرجح أن يزداد التفاوت العالمي على المدى المتوسط والطويل، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى تأثير الوباء الدائم على الهجرة.

تعتمد دول مثل الفلبين وبنجلاديش وغانا وهندوراس بشكل كبير على تحويلات مواطنيها في الخارج. في عام 2018، تلقى العالم النامي ككل حوالي 529 مليار دولار أمريكي من التحويلات الخارجية، بما يعادل 75% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة في العام نفسه. ووفقًا للكاتب، إذا تعطلت العمالة المهاجرة في الخارج بشكل كبير بسبب الصدمات الاقتصادية الناتجة عن الفيروس، فسوف تتأثر مصادر دخل هذه الأسر في جميع أنحاء العالم النامي، مما يخلق تأثيرات مضاعفة في جميع الاقتصادات العالمية، وبالتالي يوسع الفجوة بين الدول الأكثر ثراءً والأكثر فقرًا.

كما يُشير "ييبوك" إلى أن العديد من العمال المهاجرين -وخاصة من ذوي المهارات المتدنية- ليس لديهم خيار العمل من المنزل، فيجب عليهم الذهاب إلى العمل جسديًّا، مما يعرضهم لخطر فيروس كورونا ونشره، فضلًا عن تعرضهم لمزيد من الأخطار لأن العديد منهم لا يحصلون على رعاية صحية مناسبة يمكن الوصول إليها ماليًّا. فمثلًا، ترفض المستشفيات الإيرانية علاج المهاجرين الأفغان، مما أدى إلى عودة العديد منهم إلى بلادهم ذات البنية التحتية الصحية التي دمرت بعد عقود من الصراع.

إغلاق الباب أمام المهاجرين نهائيًّا

شهد السياسيون المعادون للهجرة نجاحًا انتخابيًّا حول العالم في السنوات الأخيرة. وقد أجبر فيروس كورونا دول العالم على تشديد قيود السفر والاختبارات الطبية المطلوبة للمهاجرين. وفي حين أن معظم تلك التدابير مصممة لتكون مؤقتة، فإنه ليس من الصعب تخيل رئيس الحكومة المجرية "فيكتور أوربان" مثلًا أو غيره من المعادين للأجانب والمهاجرين، يستمر في تطبيق تلك الإجراءات لإبقاء حدود المجر مغلقة فعليًّا بشكل دائم أمام المهاجرين، بداعي الخوف من موجة ثانية أو ثالثة من انتشار الفيروس أو غيره.

ويشير الكاتب إلى أنه على الرغم من أن عددًا من سبل الهجرة سيُعاد فتحها بعد اختفاء تهديد كورونا، فإن بعض القادة السياسيين -مثل "أوربان"- سوف يرون قيود الهجرة الحالية فرصةً لتعزيز أجندات أوسع وأطول أمدًا مبنية على كراهية الأجانب والمهاجرين. ومع ازدياد عدد الوفيات حتمًا في الأيام والأسابيع المقبلة، سيحصل هؤلاء القادة على دعم عام متزايد لقيود الهجرة المشددة قصيرة المدى. ويؤكد الكاتب -في هذا الإطار- أن "ما لا يدركه الجمهور هو أنه قد لا يكون من السهل إعادة فتح الباب أمام تدفق الهجرة بعد غلقه".

معاناة النازحين قسرًا 

يؤكد الكاتب أن اللاجئين وطالبي اللجوء والمشردين داخليًّا سيعانون من خيارات حركة أقل. ففي إيطاليا مثلًا سيواجه طالبو اللجوء الذين وصلوا حديثًا الحجر الصحي الإلزامي لمدة أسبوعين وعددًا أقل من خدمات الاندماج أو عدم وجودها حتى بعد 14 يومًا بسبب القيود الإلزامية على مستوى الدولة على العمال الذين يذهبون للعمل. وإذا تم النظر إلى المهاجرين الذين يأتون إلى إيطاليا عبر ليبيا على أنهم يجلبون معهم فيروس كورونا، فإن الرأي العام من صقلية إلى السويد سوف يتشدد بلا شك بطرق لن تختفي قريبًا.

يشير "ييبوك" إلى أنه ستتم إعادة فتح بعض مسارات الحركة بأسرع ما يمكن، لكن قد يكون لإغلاقها على الإطلاق تداعيات طويلة الأمد. فقد خفضت كولومبيا خدمات الاستجابة في فنزويلا إلى النصف على الرغم من الاحتياجات المتزايدة. كما أوقفت وكالات الهجرة واللاجئين التابعة للأمم المتحدة إعادة توطين اللاجئين على الصعيد العالمي بسبب مخاوف كورونا.

ومع ذلك، فإن هذه القيود وغيرها من القيود الضرورية على المدى القصير تعني أن النازحين قسرًا والمهاجرين الضعفاء الذين يعيشون غالبًا في مخيمات مكتظة وفي مناطق حضرية مزدحمة مع ضعف الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة سيكونون في خطر متزايد. وسيتركز الكثير من هذا الخطر في العالم النامي، حيث يقيم 84% من اللاجئين و99% من النازحين داخليًا في المناطق التي وصلها الفيروس حديثًا. لذا عندما ينتشر الفيروس عبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وبقية البلدان النامية في العالم، فمن شبه المؤكد أن المهاجرين القسريين سيكونون في خطر أكبر، وذلك نتيجة نقص في معدلات الاختبار والوعي أكثر من غياب الفيروس.

بالإضافة إلى ذلك، فإن غالبية المهاجرين القسريين مشردون داخليًّا، لذا فإن حظر مسارات الحركة تعني أن هؤلاء الأشخاص سيعلقون في أو بالقرب من الأماكن الخطرة التي أجبرتهم على ترك منازلهم في المقام الأول. وهذا يمكن أن يخلق فرصًا للفاعلين من غير الدول لاستغلال مظالم هؤلاء ضد الحكومات.

تزايد الهجرة غير الشرعية

يؤكد "ييبوك" أن هناك أدلة متزايدة على أن القيود المفروضة على الهجرة الآمنة والمنظمة والعادية تدفع الأشخاص الضعفاء -ما يصل إلى 100 مليون شخص على مستوى العالم- إلى مسارات غامضة غير منتظمة للهروب من الأذى عبر الهجرة غير الشرعية.

ومع ظهور وانتشار فيروس كورونا، أضحى عدد وسائل الهجرة المنتظمة أقل مما كان عليه قبل شهرين. ومن ثم فإن الآثار الاقتصادية وعدم المساواة وسياسات الاستجابة والآثار المتعلقة بالنزوح ستزيد جميعها اليأس لدى المهاجرين. وفي مثل هذا السيناريو، فإن أولئك الذين يشعرون بأنهم مضطرون للحركة سوف يستخدمون المهربين والمتاجرين وغيرهم من الجماعات غير المشروعة بشكل متزايد. وستزداد الهجرة داخل وبين الدول النامية ذات النظم الصحية الضعيفة. كما سيسافر المهاجرون غير النظاميين في أماكن قريبة مع أشخاص آخرين، وسيعبرون الحدود الدولية دون توثيق أو فحوصات صحية، وهو ما سيعرضهم وزملاءهم المسافرين وأي شخص في طريقهم لخطر شديد.

ومن واقع التأثيرات الخمسة المذكورة، يدعو "ييبوك" إلى أنه عند تصميم قيود على التنقل البشري على المدى القصير، ينبغي النظر في التداعيات على المدى الطويل، على غرار الجهود المبذولة للتأكد من أن الأشخاص غير القادرين على العمل الآن لا يفقدون وظائفهم بشكل دائم. 

المصدر:

Erol Yayboke, Five Ways COVID-19 Is Changing Global Migration, Center for Strategic and International Studies, March 25, 2020.