دعم خفي:

أبعاد وآليات الأدوار المساندة للإرهابيين

06 September 2016


تشير العمليات الإرهابية التي وقعت في بعض الدول خلال الفترة الأخيرة إلى وجود أدوار خفية يقوم بها بعض الأفراد الذين يقدمون أنماطًا مختلفة من الدعم للإرهابيين الذين ينفذون تلك العمليات، تساهم فى استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية التي ينتمون إليها أو يدعمون توجهاتها من ناحية، وتزيد من احتمالات تنفيذ ونجاح تلك العمليات من ناحية أخرى.

وقد بدأت العديد من الدول في إبداء اهتمام خاص بتلك الأدوار. فعلى سبيل المثال، أشار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في 19 مارس 2016، إلى أنه "يجب القبض على كل من سمح بهذه الهجمات أو نظمها أو سهل تنفيذها"، وذلك في تعليقه على إعلان السلطات البلجيكية القبض على صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسي في الهجمات التي وقعت في باريس في نوفمبر 2015، إلى جانب ثلاثة أشخاص آخرين من عائلة اتهمت بإيواءه. وقد بدأت اتجاهات عديدة في إطلاق مصطلح "الثعالب المنفردة" على هؤلاء الأفراد الذين يقومون بتقديم دعم خفي للإرهابيين، وذلك لقدرتهم على التخفي والابتعاد عن أية أنشطة قد تؤدي إلى رصدهم أو عرقلة الأدوار التي يقومون بها.

نشاط بارز

كشف اعتراف هاري سارفو، وهو ألماني نشأ في بريطانيا وانضم إلى تنظيم "داعش" في سوريا قبل أن يعلن انشقاقه، بعض ملامح الأدوار التي يقوم بها هؤلاء الأفراد فى تنفيذ العمليات الإرهابية، حيث أوضح أن قيادات التنظيم كانت تحض باستمرار على تقديم المساعدة للإرهابيين من قبل المتعاطفين مع التنظيم من أجل تنفيذ عمليات إرهابية نوعية في بعض الدول الأوروبية وذلك بهدف فرض ضغوط على الأخيرة لمنعها من المشاركة في العمليات العسكرية التي تشنها بعض الأطراف ضد التنظيم في سوريا والعراق، ولتأكيد أن التنظيم ما زالت لديه القدرة على تنفيذ عمليات نوعية رغم استمرار تلك الضربات.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك قيام بعض الأفراد بتقديم معلومات للإرهابيين الذين قاموا بتنفيذ الهجوم على مدينة "بن قردان" التونسية فى 7 مارس 2016، وقيام بعض الأشخاص بمساعدة الإرهابى صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسي فى تفجيرات باريس على الهروب والاختباء، حيث كان من الصعب أن يتولى تلك المهمة أحد المنتمين ظاهريًا لتيار ديني أو تنظيم إرهابي، أو أحد المعروفين لدى الأجهزة الأمنية، إذ يحتاج الأمر إلى أشخاص غير معروفين ولا يلفتون الأنظار للأدوار التي يقومون بها.

ملامح متعددة

يمكن وضع مجموعة من المعايير التى يمكن من خلالها تحديد شكل وملامح تلك المجموعات التي تضم أفرادًا يقدمون دعمًا خفيًا للإرهابيين، وذلك من أجل تمييزها عن المجموعات الأخرى على غرار "الذئاب المنفردة" أو "المجموعات الإرهابية"، أو حتى المتعاطفين فكريًا مع التنظيمات الإرهابية، وتتمثل أهم تلك المعايير في الآتي:

1- العمل بصورة منفردة: يعمل الشخص الذي يقدم الدعم أو التمويل للتنظيمات الإرهابية أو المجموعات التى سوف تقوم بتنفيذ عملية إرهابية، بشكل فردى تمامًا، حيث لا تكون له أي علاقة بمجموعات معينة يمارس أدوارًا من خلالها، وهو ما يزيد من صعوبة الوصول إليه من قبل الأجهزة الأمنية، خاصة في حالة نجاحها في إلقاء القبض على تلك المجموعة وإحباط خططها لتنفيذ عملية إرهابية.

2- الارتباط غير العميق: يحرص الشخص الذي يقوم بتقديم الدعم للإرهابيين على عدم الارتباط تنظيميًا بأية جماعة إرهابية، وحتى الذين كانوا أعضاء سابقين فى بعض التيارات الدينية وتحولوا إلى تقديم الدعم للإرهابيين، قاموا، وفقًا لتقارير عديدة، بقطع صلاتهم التنظيمية تمامًا، حيث يقدمون دعمهم إلى هذه التنظيمات بصورة غير مباشرة، مع حرصهم الشديد على الابتعاد عن المشاركة في أية أنشطة قد تقوم بها تلك التنظيمات.

وهنا، فإن اتجاهات عديدة بدأت تشير إلى أن هذا النمط من الأشخاص لم يصل إلى المرحلة التي يقتنع فيها بشكل كامل بأفكار وتوجهات التنظيم الإرهابي، بشكل كان يمكن أن يؤدي إلى تحوله من شخص يقوم بتقديم دعم للإرهابيين إلى إرهابي يقوم بتنفيذ عملية إرهابية بنفسه.

3- الثقة: في كثير من الأحيان يتولى مهمة تقديم الدعم للإرهابيين شخص واحد فقط موثوق فيه يكون بمثابة الوسيط بين الإرهابي والتنظيم، بشكل يفرض عقبات عديدة أمام عملية رصد الخطط التي تضعها التنظيمات الإرهابية لتنفيذ عمليات إرهابية نوعية في بعض الدول.

4- الدعم غير المباشر: يقدم هؤلاء الأفراد أنماطًا محددة من الدعم غالبًا ما يمكن إخفائها، مثل تسهيل عمليات الإيواء، أو الإمداد بمعلومات عامة وغير مباشرة حول الأهداف المطلوبة، أو تقديم الأموال في صورة تبرعات إلى هيئات أو جمعيات معروف أنها تساند تلك التنظيمات، أو تقديم الأموال الى وسيط موثوق فيه، ينقلها بدوره إلى التنظيم المحدد.

5- الاحتياطات الأمنية العالية: غالبًا ما يحرص هؤلاء الأفراد على اتخاذ كل الاحتياطات الأمنية المتاحة، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يدل على أن لهم علاقة بالتيارات الدينية أو التنظيمات الإرهابية، كما يمتلك هؤلاء الأفراد، في كثير من الأحيان، القدرة على التخفى والمراوغة بشكل جيد، خاصة أنهم يتعمدون الاحتفاظ بمسافة مع أعضاء التنظيمات والمجموعات الارهابية.

أدوار مختلفة

تكتسب الأدوار التي يمكن أن يقوم بها هؤلاء الأفراد أهمية خاصة لدى التنظيمات الإرهابية، حيث أنها يمكن أن تساهم بشكل مباشر في دعم احتمالات تنفيذ العملية الإرهابية، ويمكن تناول أهم تلك الأدوار على النحو التالي:

1- مساعدات مالية: وتقدم تلك المساعدات، في الغالب، إلى التنظيمات الإرهابية، من أجل تعزيز قدرتها على الاستمرار فى نشاطها رغم الضربات العسكرية التي تتعرض لها. ويتم تقديم هذه المساعدات بطرق متعددة، حيث يمكن تقديمها عن طريق وسيط موثوق فيه من جانب هؤلاء الأفراد والتنظيمات الإرهابية، كما يمكن تقديمها على شكل تبرعات يتم تحويلها إلى هيئات تقوم بتقديم خدمات لأعضاء هذه التنظيمات.

2- دعم لوجيستي: مثل الإيواء والمساعدة على الهروب والتخفي، وهذا النوع من الدعم يعتبر هو الأخطر في رؤية بعض الاتجاهات. ويقدم هذا النوع من الدعم غالبًا إلى الإرهابيين الذين يقومون بتنفيذ عملية إرهابية، حيث يحتاج بعضهم إلى مكان آمن للاختباء فيه، يكون أصحابه موثوق فيهم وغير معروفين لدى الأجهزة الأمنية، نظرًا لحرصهم على عدم الارتباط بالتيارات الدينية أو التنظيمات الإرهابية بشكل مباشر. لكن هذا النوع من الدعم لا يقدم، في الغالب، إلا لشخص واحد فقط، حيث تتزايد صعوبة تقديمه إلى مجموعة أكبر.

3- توفير معلومات: في كثير من الأحيان، يمارس هؤلاء الأفراد أدوارًا بارزة في تقديم معلومات إلى الإرهابيين الذين يقومون بالتخطيط لتنفيذ عملية إرهابية، حول بعض الأهداف المحددة والتوقيت المناسب لتنفيذها.

4- ترويج الأفكار: وهذا النوع من الدعم تحديدًا يعتبر الأسهل، إذ لا يحتاج غالبًا إلى مهارة، كما أنه لا يحمل، في كثير من الأحيان، أى مخاطرة، حيث يقوم بعض هؤلاء الأفراد بالترويج لأفكار وتوجهات التنظيمات الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعى.

5- استقطاب متعاطفين: ويكتسب هذا النمط أهمية خاصة لأنه يمكن أن يساعد التنظيمات الإرهابية في ضم عناصر جديدة إليها، حيث يمكن أن تتحول تلك العناصر الجديدة إما إلى "ذئاب منفردة" تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية في مناطق محددة، أو مجموعات خفية تقوم بتقديم دعم لبعض الإرهابيين لتنفيذ مثل تلك العمليات.

خلاصة القول، يبدو أن العمليات الارهابية التى وقعت في بعض الدول خلال الفترة الأخيرة قد كشفت عن الأهمية التي تحظى بها الأدوار التي يقوم بها بعض الأفراد، والتي يمكن أن تساهم أو تعرقل تنفيذ العملية الإرهابية. لكن الأخطر من ذلك هو أن تلك الأدوار يبدو أنها سوف تستمر نظرًا لقدرة تلك النوعية على التخفي وحرصها على الابتعاد عن ممارسة أية أنشطة قد تؤدي إلى رصدها من قبل أجهزة الأمن التي تسعى إلى تعقب كل الأطراف التي يمكن أن تساهم في تنفيذ العمليات الإرهابية.

لقراءة النص كاملاَ رجاءً الضغط هنا