استنزاف اقتصادي:

هل ينجح التحالف الدولي في وقف تجنيد داعش للتكنوقراط؟

19 September 2016


تتزايد الخسائر العسكرية التي يتعرض لها تنظيم "داعش" في الفترة الأخيرة، وذلك بالتزامن مع تكثيف قوات التحالف الدولي وبعض الأطراف الأخرى هجماتها العسكرية ضد مواقعه في الأراضي العراقية والسورية. في الوقت نفسه، يبدو أن التنظيم يفقد تدريجيًّا قدرته على توفير إمدادات مستمرة من العناصر البشرية اللازمة لإدارة أصوله الاقتصادية وتنظيم إيراداته المالية.

 فقد بات توفير ضمانات كافية لتأمين نخبة من التكنوقراط والفنيين أكثر تعقيدًا مع تصاعد حدة العمليات العسكرية ضد مواقع التنظيم، علاوةً على تراجع إيراداته المالية. ومن الوارد أن يتسبب نقص العناصر البشرية التي تمتلك خبرة في فرض مزيد من الضغوط على التنظيم من ناحيتين: الأولى تنصرف إلى الحد من قدرته على تشغيل المنشآت النفطية. في حين تتصل الثانية باحتمال تضاعف مصروفات التنظيم المتصلة بالأجور مع ارتفاع المخاطر التي يواجهها المقاتلون والعاملون تحت سيطرته أكثر من أي وقت مضى.

مكاسب متراجعة

تمكن تنظيم "داعش" منذ أكثر من عامين من تسيير الشئون السياسية والاقتصادية والإعلامية للأراضي الواقعة تحت سيطرته عبر هيكل تنظيمي وظيفي متعدد يضم مختصين أكفاء من مهن مختلفة من المهندسين والمحاسبين والأطباء وغيرها ليتمكن من تشغيل منشآته الاقتصادية من حقول النفط ومحطات الكهرباء الواقعة تحت سيطرته، وتنظيم إدارة موارده المالية.

ولتوفير العناصر البشرية اللازمة، تبنّى التنظيم سياسة دعائية ومالية جذابة للغاية مكنته من تجنيد عناصر من المحليين في العراق وسوريا بجانب تدفقات من الأجانب من نحو 100 دولة على مستوى العالم.

وفي غضون الشهور الماضية، يبدو أن الأمور تسير في اتجاه مغاير للسابق، حيث أصبح توفير الدعم البشري أكثر تعقيدًا أمام التنظيم، وذلك بالتزامن مع تكثيف قوات التحالف الدولي هجماتها الجوية ضد مواقعه، واستعادة القوات العراقية وميليشيا "البيشمرجة" الكردية لعدة مدن عراقية آخرها القيارة، بشكل أدى إلى فقدان التنظيم قرابة 45% من الأراضي التي سيطر عليها في العراق، وما يتراوح بين 16 و20% من الأراضي التي سيطر عليها في سوريا.

وبالتزامن مع الخسائر السابقة، فَقَدَ "داعش" العديد من الحقول النفطية التي كانت تؤمّن له إنتاج حوالي 40 إلى 60 ألف برميل يوميًّا وبعائدات تراوحت بين 500 و600 مليون دولار سنويًّا. بينما مع انخفاض أسعار النفط، وارتفاع وتيرة جهود مكافحة التهريب من جانب الدول المجاورة، من المرجّح هبوط إيراداته من النفط -أهم مصادر تمويل التنظيم- إلى حدود 250 مليون دولار في عام 2016، كما يؤكد دانييل جلاسر وزير الخزانة الأمريكي لشئون مكافحة تمويل الإرهاب والجرائم المالية.

مؤشرات انكسار

بالتزامن مع الخسائر المالية والعسكرية، بات حصول التنظيم على مزيد من الدعم البشري أكثر تعقيدًا، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء عدة اعتبارات تتمثل في:

1- تراجع التجنيد: تُشير التقديرات الأمريكية إلى أن تدفقات المقاتلين الأجانب للأراضي العراقية والسورية انخفضت شهريًّا من نحو 2000 مقاتل أجنبي في عام 2015 إلى نحو 200 مقاتل شهريًّا في الشهور الأولى من عام 2016، وهو ما يؤكده الجنرال الأمريكي بيتر جريشتن نائب قائد العمليات والاستخبارات في قوات التحالف الدولي ضد "داعش"، الذي يضيف أن التنظيم يواجه مشكلة أخرى تتمثل في تزايد معدلات هجرة المقاتلين الأجانب من مناطق الصراع.

تعداد المقاتلين الأجانب بـ"داعش" بحسب التوزيع الجغرافي


Source: Foreign Fighters an Updated Assessment of the Flow of Foreign Fighters into Syria and Iraq, The Soufan Group, December 2015.

2- انخفاض الرواتب: في بداية نشأته، حرص تنظيم "داعش" على تقديم الإغراءات المالية لجذب العناصر البشرية من التكنوقراط والفنيين لتسيير شئون المناطق التي يسيطر عليها. وفي هذا الصدد، عرض التنظيم رواتب سخية للمجندين الأجانب، لا سيما التكنوقراط، بلغت 1200 دولار مقابل 400 دولار شهريًّا للمجندين المحليين. ولم يكن بإمكان التنظيم الاستمرار في تقديم الدعم المالي نفسه في ظل الظرف المالية الضاغطة حاليًّا، لذا أقدم على خفض الرواتب إلى نحو النصف كما تشير تقديرات عديدة.

3- ظاهرة العائدين: كنتيجة لتصاعد حدة العمليات العسكرية وتراجع الرواتب، تزايدت ظاهرة هروب المجندين الأجانب والعودة إلى بلادهم مرة أخرى، حيث أصبحت دوافعهم للبقاء في الأراضي العراقية والسورية أقل مما سبق، وهو ما بات يشكل في الوقت نفسه خطرًا على أمن هذه الدول، لا سيما أن هذه العناصر تلقت تدريبات وخبرات قتالية طويلة بالإمكان استخدامها في تنفيذ عمليات إرهابية.

4- استهداف القيادات: زادت قوات التحالف الدولي من حملات تصفية القيادات الرئيسية لـ"داعش"، في سياسة تعتبرها هذه القوات ناجحة وذلك بهدف وقف زخم الأنشطة الإعلامية والمالية والعسكرية للتنظيم من ناحية، وفي الوقت نفسه إثارة كثير من القلق وعدم الثقة داخل التنظيم مما قد يدفع بعض الكوادر والعناصر إلى الهروب خارج الأراضي التي يسيطر عليها.

 وفي هذا السياق، ومن أجل تقويض قدرات التنظيم المختلفة، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، في نهاية أغسطس 2016، مقتل المتحدث باسم "داعش" أبو محمد العدناني في غارة جوية على مدينة الباب في محافظة حلب السورية. وقبل ذلك، تمكنت القوات الخاصة الأمريكية من قتل أبوسياف، المسئول المالي والنفطي للتنظيم في مايو 2015.

ضغوط متعددة

يمكن القول إن انخفاض إمدادات الموارد البشرية لتنظيم "داعش" تسبب في فرض مزيدٍ من الضغوط المالية على التنظيم، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- أعباء مالية: تحد الخسائر التي تعرض لها التنظيم بسبب العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي، سواء على مستوى فقدانه لبعض المناطق التي سيطر عليها في الفترة الماضية أو على مستوى استهداف قياداته، من قدرته على تجنيد مزيد من الأفراد الأجانب، لا سيما أولئك المدفوعين للانضمام إليه لدواعٍ مالية أكثر منها أيديولوجية.

غير أن تنظيمًا مثل "داعش" قد يعوض خسارته من المقاتلين والعاملين الأجانب وذلك من خلال تجنيد مزيد من العناصر البشرية من المناطق التي يسيطر عليها، لكن هذه الآلية لا يمكن الاعتماد عليها لفترة طويلة. لذا وفي هذه المرحلة، فإنه من أجل التغلب على معضلة النقص المتوقع من العناصر البشرية، قد يضطر التنظيم لدفع رواتب أكثر سخاء للمقاتلين والفنيين بهدف إقناعهم بالعمل في هذه البيئة التي أضحت أكثر خطورة.

2- تعطيل المنشآت الاقتصادية: بحسب ترجيحات غربية، يواجه التنظيم صعوبات جديدة في مجال إنتاج النفط وصيانة الآبار النفطية جراء النقص الشديد في المهندسين والفنيين العاملين في صناعة النفط، بما قد يضطره للاعتماد على تقنيات إنتاج وتكرير أكثر بدائية، وهو ما يُسبب خسائر مالية إضافية للتنظيم، ويُعد هذا سببًا من ضمن أسباب أخرى تتصل باستهداف المنشآت النفطية من قبل قوات التحالف الدولي، مما أدى إلى تراجع قدرات إنتاج النفط الحالية للتنظيم إلى ما بين 10 آلاف و30 ألف برميل يوميًّا.

ختامًا، يُمكن القول إن تنظيم "داعش" بات على شفا تبني سياسة جديدة في اجتذاب العناصر البشرية تفاديًا للضغوط القائمة بشأن الدعم البشري، حيث سيكون قوامها الرئيسي، على الأرجح، تقديم مزيد من الإغراءات المالية، بجانب الاعتماد على مزيد من العناصر البشرية المحلية بشكل أكبر.