تنافس المُصدّرين:

كيف يؤثر خط "قوة سييبريا" على واردات الصين من الغاز؟

08 December 2019


أطلقت روسيا والصين في 2 ديسمبر الجاري خط أنابيب "قوة سيبيريا" الذي سينقل الغاز الروسي للمقاطعات الشمالية الشرقية في الصين، وبطاقة قدرها 38 مليار متر مكعب، وذلك بموجب اتفاق وُقِّع بين الجانبين في مايو 2014. ومن المتوقع أن يحقق هذا الخط منافع متبادلة لكلا الجانبين، حيث سيعمل على تأمين إمدادات وفيرة من الغاز وبأسعار جاذبة للسوق الصينية، فيما يصبّ الخط في صالح جهود موسكو الرامية لتنويع أسواق صادرات الغاز خارج أوروبا. إلا أن الإمدادات الروسية من الغاز -بحسب العديد من الترجيحات- سوف تتنافس بشدة مع نظيرتها القادمة من منتجين آخرين، ومن المحتمل أن تقوض من إمكانات نمو الطلب على الغاز المسال في السوق الصينية في المستقبل.

شراكة استراتيجية:

تؤسس روسيا والصين لمرحلة جديدة من التعاون في مجال الطاقة بعد أن أطلق الرئيسان الروسي "فلاديمير بوتين" والرئيس الصيني "شي جين بينج"، في 2 ديسمبر الجاري، خط أنابيب "قوة سيبيريا" (Power of Siberia) الذي سينقل الغاز الروسي للمقاطعات الصينية الشمالية الشرقية. وفي هذا السياق، قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في سوتشي: "هذا حدث تاريخي.. ليس فقط لسوق الطاقة العالمي، ولكن أولًا وقبل كل شيء بالنسبة لنا، بالنسبة لروسيا والصين.. هذه الخطوة تنقل علاقات الطاقة الاستراتيجية بين روسيا والصين إلى مستوى جديد...".

وقبل خمس سنوات، وقّعت شركة "غازبروم" الروسية وشركة البترول الوطنية الصينية ((CNBC في مايو 2014 اتفاقية لتزويد السوق الصينية بالغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب "قوة سيبيريا" وبنحو 38 مليار متر مكعب سنويًّا لمدة 30 عامًا، مما سيجعل الصين بحسب التوقعات ثاني أكبر مستورد للغاز الروسي بعد ألمانيا، علمًا بأن موسكو تُزوّد الصين حاليًّا بجزء ضئيل من احتياجاتها من الغاز المسال، وبما يبلغ 1.3 مليار متر مكعب عام 2018.

شكل (1): خريطة خط أنابيب غاز "قوة سيبيريا" بين روسيا والصين

 

Source: Power of Siberia, Gazprom, accessible at: https://bit.ly/2RjUTNB 

ويمتد خط أنابيب "قوة سيبيريا" بطول نحو 3000 كيلو متر من حقلي الغاز الروسيين "تشياندينسكوي" و"كوفيتكا" في شرق سيبيريا إلى المقاطعة الصينية هيلونججيانج الشمالية الشرقية، المتاخمة لروسيا، ثم يستمر إلى جيلين ولياونينغ. ومن المقرر أن يزود خط الأنابيب المقاطعات الصينية بـ4.6 مليارات متر مكعب من الغاز في السنة الأولى، على أن تزيد تدريجيًّا إلى 19 مليار متر مكعب بحلول عام 2022، ثم إلى 38 مليار متر مكعب بنهاية 2025، بما سيكون له تأثير طويل المدى على ديناميات سوق الغاز في الصين.

وبالتأكيد فإن إتمام إطلاق خط الأنابيب الجديد سيمثل حافزًا للطرفين لتوسيع نطاق التعاون في مجال الطاقة، والمضيّ في تنفيذ عددٍ من المشاريع الأخرى في مجال الغاز بالمستقبل، والتي يجري التباحث حولها بين الطرفين حاليًّا، ومن بينها مشروع خط أنابيب غاز "قوة سيبيريا 2" الذي سيوفر 30 مليار متر مكعب سنويًّا إلى حدود الصين الغربية مع روسيا، وخط أنابيب أصغر آخر ينطلق من جزيرة "سخالين" الروسية إلى الصين أيضًا.

ومن المرجّح أيضًا أن تعزز الشراكة المتنامية في مجال الغاز بين الطرفين من فرص مشاركة الشركات الصينية في مشاريع الغاز الروسية الجديدة، وذلك بعد استثماراتها الكبيرة بالسنوات الأخيرة في مشروعين لإنتاج الغاز المسال بالسوق الروسية هما: "يامال للغاز المسال"، و"القطب الشمالي للغاز المسال2". 

منافع مشتركة:

يمثل إطلاق خط أنابيب "قوة سيبيريا" صفقة مربحة بلا شك لكلٍّ من الجانبين الصيني والروسي، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاستراتيجية. فبالنسبة للصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، سوف تعمل الإمدادات الروسية الجديدة من الغاز على تعزيز أمن الطاقة لديها وسط النمو المتسارع للطلب على الخام، ولا سيما في ظل خطط الحكومة لمكافحة تلوث الهواء والحد من الانبعاثات الكربونية. 

ووفقًا للتقديرات الحكومية الصينية، من المرجح أن ينمو الطلب على الغاز الطبيعي من 360 مليار متر مكعب في عام 2020 إلى 480 مليار متر مكعب بحلول 2025 أي بمعدل نمو سنوي بنسبة 5.5%.

ولا يزال عدد من المقاطعات في شمال شرق الصين مثل لياونينج، التي سوف تصل إليها إمدادات الغاز الروسية، تعتمد على استخدام الفحم في تلبية معظم احتياجات الأنشطة الاقتصادية من الطاقة إلى الآن، مما يعني أنه من المرجح أن يحل الغاز محل الفحم، ولا سيما في الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة، وكذلك في التدفئة بالمنازل خلال فصل الشتاء.

ويأتي حصول الصين على الإمدادات الروسية من الغاز ليصب أيضًا في صالح جهودها الحثيثة الرامية لتنويع مصادر وارداتها من الخام، فهي تستورد حاليًّا معظم احتياجاتها من الغاز من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بجانب أستراليا. وفي عام 2018، بلغت واردات الصين من الغاز الطبيعي (في صفته السائلة أو الغازية) ما مجموعه 121.4 مليار متر مكعب، وتم استيراد أكثر من 75% منها من المناطق الثلاث السابقة. 

ولعل إحدى المزايا الأخرى بالنسبة للصين في صفقة الغاز الروسية أنها سوف تحصل على الخام بأسعار تقل عن مستوى الغاز القادم من آسيا الوسطى أو الغاز الروسي المسوق في أوروبا، وذلك طبقًا لتصريحات سابقة لمسئولين صينيين. وفي هذا الصدد، قال "لينغ شياو"، نائب رئيس شركة "بتروتشاينا" الصينية في شهر نوفمبر الماضي: "إمدادات سيبيريا سيتم تسعيرها أقل قليلًا من واردات الغاز من تركمانستان.. الشحنات إلى الصين ستكون أقل من أسعار بيع الغاز الروسي إلى أوروبا".

أما على الجانب الآخر، فإن السوق الصينية تمثل بلا شك منفذًا واسعًا للغاية لتسويق الغاز الروسي، فهي سوق ذات آفاق واعدة للغاية في المستقبل، وسيصب ذلك بالتأكيد في صالح تحقيق طموحات موسكو الرامية لتنويع أسواق صادراتها خارج الأسواق الأوروبية. وتطمح وزارة الطاقة الروسية لبيع نحو 31% من صادرات الغاز للأسواق الآسيوية بحلول عام 2035 مقارنة بــ6% فقط حاليًّا.

وتُعد أوروبا حاليًّا بجانب تركيا السوق الرئيسية لصادرات الغاز الروسي، حيث يستقبلان نحو 200 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويًّا، ولكن تبحث موسكو عن أسواق جديدة لتسويق إمداداتها من الغاز، وذلك بعد أن عانت من توتر شديد في علاقتها مع بعض الدول الأوروبية بالسنوات الماضية.

وقد واجهت موسكو بالفترة الماضية بعض الصعوبات في تسويق إمدادات جديدة من الغاز لأوروبا بسبب فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على موسكو عقب تدخل الأخيرة عسكريًّا في شبه جزيرة القرم في عام 2014، بجانب اتجاه الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات على مشاريع نقل الغاز الروسي لأوروبا وفي مقدمتها "نورد ستريم 2"، وهذا ما دفع دولًا أوروبية عديدة مؤخرًا -وفي مقدمتها بولندا- لتنويع مصادر واردات الغاز من أسواق أخرى مثل الولايات المتحدة وأستراليا.

تأثيرات محتملة:

في المستقبل، سوف تشكل إمدادات الغاز الروسية إلى الصين عبر خط أنابيب "قوة سيبيريا" بالتدريج ركيزة أساسية في تأمين احتياجات الصين من الغاز، ومن المحتمل أن تساهم بنسبة تقترب من 2% من إجمالي استهلاك الصين من الخام في العامين المقبلين، ثم تزيد إلى حوالي 8% بمجرد أن يصل خط الأنابيب إلى طاقته الإجمالية البالغة 38 مليار متر مكعب بحلول 2025.

ومن المحتمل أن تتنافس هذه الإمدادات الوفيرة من الغاز الروسي مع نظيرتها الأخرى عبر خطوط الأنابيب القادمة من آسيا الوسطى أو شحنات الغاز الطبيعي المسال المنقول عن طريق البحر. والأرجح أن يحل الغاز الروسي محل بعض شحنات الغاز المسال المستوردة في السوق الصينية، لا سيما وأن بكين ترتبط بعقود طويلة لاستيراد الغاز من دول آسيا الوسطى.

وعليه، يمكن أن تقوض الإمدادات الروسية من الغاز من إمكانات نمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال في الصين على المدى المتوسط بحسب العديد من الترجيحات. وجدير بالذكر أن التوقعات السابقة كانت تشير إلى أن الصين ستزيد من وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من نحو 73.5 مليار متر مكعب في عام 2018 إلى نحو 109 مليارات متر مكعب بحلول عام 2025.

وعلى جانب آخر، ربما في العام الأول أو الثاني من توريد الغاز الروسي للسوق الصيني، لن يكون هناك تأثير يذكر على أسعار الغاز الطبيعي و(المسال) بالسوق الفورية (Spot Prices) في الصين، إلا أنه بمجرد بلوغ خط الأنابيب طاقته القصوى سوف تتأثر مستويات أسعار توريد الغاز على نحو ملحوظ، حيث سوف يضطر منتجو الغاز الآخرون لخفض أسعار توريد الخام للسوق الصينية في ظل وجود إمدادات أخرى وفيرة من الغاز الروسي وذلك من أجل زيادة حصتهم هناك، وهذا ما سيُمكّن بكين في نهاية المطاف من الحصول على إمدادات وفيرة من الغاز وبأسعار جاذبة.

ختامًا، يمكن القول إن مشروع خط أنابيب "قوة سيبيريا" سوف يحقق منافع مشتركة لكلا الجانبين الصيني والروسي، إلا أنه من المحتمل أن يزيد من حدة التنافس بين المنتجين للفوز بحصص إضافية من صادرات الغاز بالسوق الصينية، الأمر الذي قد يدفعهم لخفض أسعار التوريد بشكل ملحوظ.