توحيد الشرعية:

كيف يستهدف اتفاق الرياض ميليشيا الحوثيين؟

10 November 2019


وقّعت الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، في العاصمة السعودية، يوم 5 نوفمبر الجاري، اتفاق الرياض، بحضور الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي"، وولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، وصاحب السمو الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان"، بالإضافة إلى ممثلين آخرين عن الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي والتحالف العربي. وجاء توقيع هذا الاتفاق بعد مفاوضات بين الطرفين استمرت نحو شهرين، برعاية سعودية، وذلك بهدف إنهاء التوترات الموجودة في عددٍ من محافظات جنوب اليمن، خاصة عدن وأبين، بين حكومة "هادي" والمجلس الانتقالي، على خلفية الاشتباكات التي حدثت بين الجانبين في بداية شهر أغسطس 2019.

وبالتالي، يهدف المشاركون في اتفاق الرياض إلى أن يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين شركاء الشرعية في اليمن، وتوحيد صفوفهم في مواجهة ميليشيا الحوثيين الانقلابية، واستئناف عمليات إعادة الإعمار في المحافظات المحررة، وصولًا إلى حل الأزمة في اليمن.

ركائز أساسية:

يتضمن اتفاق الرياض عدة بنود رئيسية، تشتمل على ترتيبات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، وهي في مُجملها تُمثل المحاور الرئيسية للاتفاق المُوقّع بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك على النحو التالي:

1- وحدة الدولة اليمنية: أكد اتفاقُ الرياض التزامَ تحالف دعم الشرعية بوحدة الدولة في اليمن من خلال الإشارة إلى المرجعيات الثلاث لحل الأزمة؛ وتتمثل المرجعية الأولى في مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية المُعلنة في نوفمبر 2011، ونصّت حينها على نقل السلطة من الرئيس -آنذاك- "علي عبدالله صالح"، إلى نائبه "عبدربه منصور هادي"، وتشكل حكومة وحدة وطنية وإدارة مرحلة انتقالية يتم خلالها الحوار من أجل حل المشاكل الرئيسية في اليمن. وتتحدد المرجعية الثانية في مخرجات الحوار الوطني الشامل في يناير 2014، الذي اتفقت خلاله القوى السياسية اليمنية على وجود "دولة فيدرالية" مكونة من 6 أقاليم هي (حضرموت وعدن جنوبًا، والجند وآزال وتهامة وسبأ شمالًا).

بينما تتصل المرجعية الثالثة المُشار إليها في اتفاق الرياض، بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الصادر في أبريل 2015، والذي ينص على سحب ميليشيا الحوثيين قواتها من جميع المناطق التي استولت عليها، والتخلي عن أسلحتها، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية.

2- شرعية المجلس الانتقالي الجنوبي: تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017 بعد قرار الرئيس "هادي" في أبريل من العام نفسه بإقالة رئيس المجلس "عيدروس الزبيدي" من منصبه السابق كمحافظ لعدن. ومن بعدها، سعى المجلس الانتقالي للتعبير عن طموحات الجنوبيين، وأن يكون ممثلًا شرعيًّا لهم في مفاوضات الحل السياسي للأزمة اليمنية، واتخذ في سبيل تحقيق هذا الهدف عدة خطوات، منها تعزيز التواصل مع القوى الدولية المعنية بالأوضاع في اليمن. وجاء اتفاق الرياض ليقر بشرعية المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال النص على "مشاركة المجلس الانتقالي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء انقلاب الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني"، فضلًا عن تمثيل المجلس في الحكومة اليمنية المقرر تشكيلها وفقًا لهذا الاتفاق.

3- ترتيبات سياسية واقتصادية: يسعى اتفاق الرياض إلى توحيد الجبهة السياسية للشرعية اليمنية، وإعادة الأوضاع في عدن إلى ما كانت عليه قبل أحداث أغسطس الماضي. وفي هذا الإطار، أشار الاتفاق إلى تشكيل حكومة كفاءات سياسية خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا من توقيع الاتفاق، بحيث لا تتعدى 24 وزيرًا مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، وأن يتم اختيارهم على أساس النزاهة والكفاءة والخبرة، وممن لم ينخرطوا في أي أعمال قتالية أو تحريضية خلال أحداث عدن وأبين وشبوة.

كما أكد الاتفاق على عودة الحكومة اليمنية إلى مباشرة عملها من العاصمة المؤقتة "عدن" خلال مدة لا تتجاوز 7 أيام، وأن يقوم الرئيس "هادي" بتعيين محافظ ومدير لأمن عدن خلال 15 يومًا، وتعيين محافظين لأبين والضالع خلال 30 يومًا.

ويرتبط بهذه الخطوات السياسية ترتيبات أخرى اقتصادية تضمنها اتفاق الرياض لتحسين مستوى معيشة المواطنين، وتطوير كفاءة وجودة العمل، ومكافحة الفساد في المحافظات الجنوبية. وتشمل هذه الترتيبات إيداع موارد الدولة في البنك المركزي بعدن، والصرف بموجب الميزانية المُعتمدة وفق القانون اليمني، مع تفعيل أجهزة الرقابة ومكافحة الفساد.

4- ترتيبات عسكرية وأمنية: اتخذ التحالف العربي في اليمن، بالتنسيق مع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، عددًا من الخطوات السابقة على توقيع اتفاق الرياض، حيث كانت بمثابة تمهيد للترتيبات العسكرية والأمنية المتضمنة في هذا الاتفاق. ومن أبرز هذه الخطوات؛ إعادة انتشار قوات التحالف العربي في عدن، بحيث تقوم القوات السعودية بدور الإشراف على الأوضاع الأمنية هناك.

وفي إطار إعادة ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في المحافظات الجنوبية، وسعيًا لعدم تكرار اشتباكات أغسطس 2019 بين قوات حكومة "هادي" وقوات المجلس الانتقالي؛ نص اتفاق الرياض على عودة جميع القوات التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية شهر أغسطس الماضي، إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها، على أن تحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة خلال 15 يومًا. ويُضاف إلى ذلك، إعادة تنظيم القوات العسكرية في المحافظات الجنوبية وتوحيدها تحت قيادة وزارة الدفاع اليمنية خلال 60 يومًا، والأمر نفسه ينطبق على القوات الأمنية في هذه المحافظات من خلال ضمها وزارة الداخلية اليمنية.

مُحفّزات عديدة:

تسعى الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وبرعاية ودعم كاملين من دول التحالف العربي، من وراء توقيع اتفاق الرياض؛ إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المُبتغاة، التي تصب في مصلحة جميع الأطراف الهادفة لاستعادة الشرعية اليمنية، ويتمثل أبرزها في الآتي:

 1- استقرار جنوب اليمن: يهدف اتفاق الرياض إلى إنهاء حالة عدم الاستقرار التي سادت عددًا من المحافظات في جنوب اليمن، على خلفية الاشتباكات التي حدثت بين قوات الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في أغسطس 2019. وبالتالي يُستهدف من هذا الاتفاق عودة الحكومة اليمنية إلى ممارسة عملها من عدن، وإعادة الأوضاع في الجنوب إلى ما كانت عليه قبل نحو 3 أشهر، علمًا بأن أحداث أغسطس الماضي كانت قد أدت إلى إعادة توزيع خريطة السيطرة الميدانية في بعض المحافظات الجنوبية. فوفقًا لتقرير نشره موقع (Political Geography Now) في أكتوبر الماضي، كان المجلس الانتقالي يسيطر على محافظة عدن، ومناطق في محافظة لحج (مثل الحوطة وكرش)، وبعض مناطق محافظة أبين (مثل العاصمة زنجبار، ومنطقة شقرة، ومنطقة مودية)، وبعض مناطق محافظة الضالع (مثل دمت)، بالإضافة إلى أجزاء من محافظة تعز (مثل المخا والبرح).

2- توحيد الشرعية اليمنية: يهدف اتفاق الرياض إلى توحيد صفوف الشرعية اليمنية، بدعم من التحالف العربي، من أجل استعادة الأمن والاستقرار في اليمن، ومواجهة انقلاب ميليشيا الحوثيين وغيرها من التنظيمات الإرهابية في اليمن مثل "القاعدة" و"داعش". وتم التأكيد على ذلك الهدف ضمن المبادئ الرئيسية للاتفاق، كما أنه انعكس في التصريحات وردود الفعل الصادرة عن الأطراف اليمنية والخارجية بشأن هذا الاتفاق، ومنها تأكيد رئيس الوزراء اليمني "معين عبدالملك"، بأن اتفاق الرياض سينعكس إيجابيًّا على تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة، والتسريع باستكمال تحرير بقية المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثيين. وفي الاتجاه ذاته، اعتبر المتحدث باسم الحكومة اليمنية "راجح بادي"، أن هذا الاتفاق خطوة مهمة جدًّا في توحيد صفوف الشعب اليمني لمواجهة الخطر الأكبر المتمثل في الميليشيات الحوثية.

كما أعلن وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية "نجيب غلاب"، عن وجود توجه لزيادة الضغط العسكري على الحوثيين بعد توقيع اتفاق الرياض، مشيرًا إلى احتمالية حدوث حراك شعبي في مناطق سيطرة الحوثيين. من ناحيته، شدد المتحدث الرسمي للمجلس الانتقالي الجنوبي "نزار هيثم"، على أن اتفاق الرياض يسهم في تأسيس مرحلة جديدة لإرساء الأمن والاستقرار في البلاد، بالتعاون والشراكة مع التحالف العربي.

وفي المقابل، وقفت ميليشيا الحوثيين في خانة الرافضين لاتفاق الرياض، نظرًا لأنها تدرك أنه لا يصب في مصلحتها، حيث سعت الميليشيا خلال الأشهر الماضية للاستفادة من الانقسامات التي كانت موجودة في صفوف الشرعية، وذلك على أمل تحقيقها مكاسب ميدانية. وفي هذا الإطار، عقَّب القيادي "محمد علي الحوثي"، عبر حسابه بموقع "تويتر"، على اتفاق الرياض، زاعمًا أن الاتفاق ليس في مصلحة اليمن. كما حاول القيادي الحوثي "حميد عاصم"، التقليل من أهمية هذا الاتفاق، مُدعيًا أنه لا يمثل الشمال ولا الجنوب، وأنه "ولد ميتًا، ولن يتم تنفيذه".

3- دعم الحل السياسي: يُعد اتفاق الرياض خطوة مهمة في اتجاه إعادة تنشيط المفاوضات السياسية مرة أخرى بين الشرعية اليمنية وميليشيا الحوثيين، أملًا في التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب في البلاد، وذلك وفقًا للمرجعيات الثلاث المُعترف بها دوليًّا والتي أكد عليها هذا الاتفاق في مبادئه الأساسية. وثمة محفزات عديدة لتفعيل هذا المسار السياسي خلال الفترة المقبلة، ومنها تمثيل المجلس الانتقالي الجنوبي في مفاوضات الحل السياسي للأزمة اليمنية، ما قد يعطيها قوة دفع على الأقل من جانب الشرعية اليمنية والجهات الداعمة لها. ويُضاف إلى ذلك، إعادة الشرعية تنظيم صفوفها وتوحدها في مواجهة ميليشيا الحوثيين، وما قد يمثله ذلك من ضغوط متوقعة على الميليشيا الانقلابية، على اعتبار أن تماسك الشرعية سينعكس لصالحها خلال المعارك العسكرية التي تخوضها لاستكمال تحرير باقي المناطق اليمنية من قبضة الحوثيين.

كما يمثل العامل الإقليمي والدولي دافعًا مهمًّا، في هذا التوقيت، لمحاولات إنجاز تسوية سياسية للأزمة اليمنية، وهو ما ظهر في ردود الفعل المرحبة باتفاق الرياض باعتباره خطوة مهمة لتحقيق هذا الهدف. فعلى سبيل المثال، أكد الأمير "محمد بن سلمان" أن الاتفاق خطوة نحو الحل السياسي وإنهاء الحرب في اليمن. ومن ناحيته، قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن "مارتن غريفيث"، إن "توقيع اتفاق الرياض يمثل خطوة مهمة في الجهود الجماعية الرامية إلى التوصل لتسوية سلمية للنزاع في اليمن".

كما اعتبر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، هذا الاتفاق بداية جيدة جدًّا، داعيًا كافة الأطراف إلى العمل لبلوغ تسوية شاملة. ووصف وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، الاتفاق بأنه "خطوة مهمة نحو الحل السياسي". وجدير بالذكر أن واشنطن أصبحت داعمة لجهود تسوية الأزمة اليمنية خلال الفترة الأخيرة، وهو ما ظهر في تصريح مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى "ديفيد شينكر"، خلال زيارته إلى السعودية في شهر سبتمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة تجري محادثات مع الحوثيين بهدف إيجاد حل مقبول من الطرفين للنزاع اليمني.

من جانبه، اعتبر الاتحاد الأوروبي، في بيان صادر عقب توقيع اتفاق الرياض، أن اليمن اليوم أقرب إلى التوصل لتسوية تفاوضية شاملة للسلام تُنهي النزاع القائم. وأكد الاتحاد الأوروبي أنه سيواصل تقديم الدعم للمبعوث الأممي إلى اليمن في هذا المجال.

4- محاصرة النفوذ الإيراني: لا يمكن فصل التطورات التي يشهدها اليمن عن التصعيد الحالي في المنطقة من جانب إيران، وهو ما ظهر -مثلًا- في الهجوم على منشآت نفطية تابعة لشركة "أرامكو" السعودية في سبتمبر الماضي، وإعلان ميليشيا الحوثيين المدعومة من طهران مسئوليتها عن هذا الهجوم الإرهابي، فضلًا عن استمرار إيران في تزويد وكيلها الحوثي في اليمن بالأسلحة لاستهدف قوات الشرعية اليمنية والأراضي السعودية.

وفي هذا الإطار، تأمل الأطراف الداعمة للشرعية اليمنية في أن يؤدي اتفاق الرياض إلى تطويق الدور الإيراني الداعم للفوضى في اليمن، حيث تسعى السعودية إلى توحيد جبهة الشرعية اليمنية، وحشد التأييد الدولي، من أجل التوصل لحل للأزمة اليمنية بعيدًا عن طهران. ولعل ذلك ما دفع وزارة الخارجية الإيرانية إلى إصدار بيان انتقدت عبره اتفاق الرياض، زاعمة أنه لن يُسهم في حل أزمة اليمن ومشاكله.

مشروطية الإنجاز:

يبقى القول إن نجاح اتفاق الرياض في تحقيق أهدافه خلال الفترة المقبلة يظل مشروطًا بقدرة طرفي الاتفاق (الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي) على الالتزام بتنفيذ البنود المتضمنة فيه وفقًا للإطار الزمني المحدد، خاصة مع وجود احتمالية حدوث اختلافات في وجهات النظر بين الطرفين حول تفسير بعض بنود الاتفاق وآلية تنفيذها على أرض الواقع، سواء فيما يتعلق بالترتيبات السياسية أو العسكرية أو الأمنية. وبالتالي سيقع جزء كبير من مسئولية تطبيق هذا الاتفاق على التحالف العربي، وهو ما تم تضمنيه في المبادئ الأساسية من خلال النص على تشكيل لجنة تحت إشراف تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية تختص بمتابعة وتنفيذ وتحقيق أحكام هذا الاتفاق وملحقاته.