نفوذ استراتيجي:

أهداف الخطة الأمريكية لتأمين حقول النفط بشمال شرق سوريا

05 November 2019


أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن خطته الخاصة بتأمين حقول النفط السوري والإبقاء على قوات عسكرية أمريكية محدودة في دير الزور تهدف إلى الحيلولة دون وقوعها مجدداً في أيدي التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش". لكن ذلك لا ينفي، على ما يبدو، أن الإدارة الأمريكية تسعى أيضاً إلى منع وصول النظام السوري وحليفيه- روسيا وإيران- لموارد النفط السورية، إلى جانب تعزيز نفوذ واشنطن في سوريا وبما يمكنها من المشاركة كطرف أساسي في التسوية السياسية في المستقبل، ودعم حضور الشركات الأمريكية في عمليات إعادة إعمار سوريا خلال مرحلة ما بعد التسوية. بيد أن هذه الخطة تواجه تحديات جمة في الوقت الحالي، في مقدمتها صعوبة عمل شركات النفط الأجنبية، بما فيها الأمريكية، في سوريا بسبب المخاطر الأمنية والسياسية، فضلاً عن وجود اعتراضات داخل الأوساط السياسية الأمريكية للخطة، لاسيما من جانب بعض أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب الأمريكيين. 

قوات محدودة:

بدأت الإدارة الأمريكية في تقليص وجودها العسكري عملياً في سوريا، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 13 أكتوبر الفائت، بسحب نحو ألف جندي من منطقة شمال شرق سوريا التي تتواجد بها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية "قسد". وقد برر الإدارة هذه الخطوة بأنها تهدف إلى تقليص المخاطر التي يمكن أن تواجهها القوات الأمريكية في الوقت الراهن، لاسيما بعد تحول المنطقة إلى ساحة للمعارك العسكرية بين ميليشيا "قسد" والجيش التركي الذي شن عملية عسكرية محدودة مؤخراً في هذه المنطقة بدعوى إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا. 

وفي توجه أمريكي مخالف للسابق، أعلن ترامب، في 22 من الشهر نفسه، عزمه الإبقاء على قوات عسكرية أمريكية محدودة بغرض تأمين حقول النفط في دير الزور التي تخضع حالياً لسيطرة ميليشيا "قسد. وتعد منطقة شمال شرق سوريا من أكثر المناطق الغنية بالنفط في سوريا، ويوجد بها حقل "العمر"، أحد أكبر الحقول السورية، الذي كان ينتج نحو 80 ألف برميل يومياً، وكذلك حقل "التنك" ويقُدر إنتاجه في الماضي بحوالي 40 ألف برميل يومياً، بالإضافة إلى حقول أخرى مثل "الجفرة"، و"كونيك"، وغيرها.

ومن الناحية العملية، تراجع نشاط قطاع النفط السوري بشكل بارز في أعقاب اندلاع الحرب عام 2011، حيث يبلغ مجموع ما تنتجه سوريا حالياً ما لا يتجاوز 24 ألف برميل يومياً مقابل حوالي 385 ألف برميل يومياً في عام 2011، يأتي معظمها من الحقول في شمال شرق البلاد.

لكن يبدو أن ترامب يسعى إلى ما هو أكثر من إبقاء قوات عسكرية في شمال سوريا، حيث يخطط، وفقاً لتقارير عديدة، لاستقدام شركات نفط أمريكية لتشغيل هذه الحقول التي لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية بسبب تدمير المنطقة على هامش المعارك العسكرية مع "داعش". وفي هذا السياق، قال ترامب: "ما أعتزم القيام به ربما يكون عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركاتنا للذهاب إلى هناك والقيام بذلك بشكل صحيح ... وتوزيع الثروة".

ولم يلق التوجه الأمريكي السابق ترحيباً من جانب بعض القوى الدولية والإقليمية، حيث نددت إيران وروسيا بهذا القرار، وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: "إن استغلال غير قانوني للموارد الطبيعية لدولة ذات سيادة دون موافقتها إنما هو أمر غير شرعي ونشترك مع إيران وتركيا في هذا الرأى". 

اعتبارات مختلفة:

بررت الإدارة الأمريكية قرارها بالإبقاء على وجود عسكري محدود في دير الزور بحماية حقول النفط من أى هجوم عسكري محتمل من التنظيمات الإرهابية وفي صدارتها "داعش"، حيث تبدي الإدارة تخوفات من أن تقع الموارد النفطية مجدداً في أيدي التنظيمات الإرهابية بما يعمل على توفير عائدات مالية كبيرة لها. 

وكان تنظيم "داعش" قد بسط سيطرته في الأعوام الثلاثة الماضية على عدة حقول نفطية في العراق وسوريا، وبما وفر له عوائد مالية تقدر بنحو 40 مليون دولار يومياً بحسب بعض الترجيحات، قبل أن يتم طرده منهما منذ أواخر عام 2018. وحالياً، تخضع معظم الحقول السورية في دير الزور لميليشيا "قسد"، وتستخدم عائدات النفط منها في دفع رواتب المقاتلين والموظفين المدنيين. 

وعلاوة على السابق، ترغب الإدارة الأمريكية، على ما يبدو، في فرض سيطرتها على حقول دير الزور من أجل منع وصول النظام السوري وحليفيه- إيران وروسيا- إلى الموارد النفطية، وكذلك قطع الطريق أمام الأكراد لتبادل النفط مع النظام الذي يسعى إلى توفير احتياجاته من النفط الخام في ظل القيود التي تفرضها الإدارة الأمريكية فيما يتعلق باستيراد النفط الإيراني خلال الفترة الأخيرة. 

كما لا يمكن استبعاد أن تكون لدى واشنطن رغبة في المشاركة كفاعل رئيسي في التسوية السياسية في سوريا، وتعزيز مشاركة الشركات الأمريكية في عمليات إعادة إعمار البنية التحتية السورية ولاسيما القطاع النفطي في المستقبل. 

صعوبات عديدة:

تبدي اتجاهات عديدة شكوكاً في جدوى خطة ترامب في استغلال النفط السوري في الوقت الراهن، وذلك لاعتبارات عديدة: يتمثل أولها، في أن الإبقاء على قوات أمريكية محدودة في هذه المنطقة لن يوفر ضمانات كافية لتأمين حقول النفط، لاسيما إذا ما تعرضت لهجوم من قبل قوات نظامية أو حتى من جانب التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أن الخطة نفسها لم تلق ترحيباً كبيراً من قبل الأوساط الداخلية الأمريكية، ولاسيما من بعض أعضاء مجلسى النواب والشيوخ. 

ويتعلق ثانيها، بالصعوبات التي يمكن أن تواجه الشركات الأجنبية، بما فيها الأمريكية، في تشغيل حقول النفطة في شمال سوريا، لما في ذلك من خطورة على استثماراتها بسبب التهديدات الأمنية والسياسية، فضلاً عن البنية التحتية المدمرة في هذه المنطقة وإنتاجها الضئيل نسبياً، كما أن استثماراتها في هذه المنطقة لا تتسق مع القانون الدولي في ظل عدم اتفاقها مع الحكومة السورية.

وينصرف ثالثها، إلى ضرورة التعاون بين القوات الأمريكية والميليشيا الكردية في حماية حقول النفط، وهو ما بات أمراً أكثر صعوبة من أى وقت سابق، في ظل غياب ثقة الأكراد حالياً في الإدارة الأمريكية، حيث يعتقدون أنها تخلت عن الدفاع عن مصالحهم ووجودهم في شمال شرق سوريا بعد التفاهمات التي توصلت إليها مع أنقرة وسمحت للأخيرة بتعزيز وجودها العسكري والمدني هناك، وهو ما قد يدفعهم، بحسب بعض الترجيحات، إلى التنسيق سياسياً وعسكرياً مع النظام السوري في الفترة المقبلة. 

إن مجمل هذه الاعتبارات السابقة تدفع إلى القول بأن هناك صعوبات بالغة تواجه تفعيل الخطة الخاصة بتأمين حقول النفط في شمال شرق سوريا، إلا أن الوجود العسكري الأمريكي بهذه المنطقة، بالتوازي مع محاولات استعادة التنسيق مجدداً مع الميليشيا الكردية، سوف يسمح بتحقيق مكاسب جيوستراتيجية واقتصادية في المستقبل.