فرص مهدرة:

لماذا ينبغي الاستثمار في التعليم التكنولوجي لفتيات الدول النامية؟

07 October 2019


عرض: جيهان عصام رياض ذكي - باحثة في العلوم السياسية

تدفع تأثيرات التكنولوجيا الحديثة على شكل اقتصادات الدول والعمل خلال الفترة القادمة، مع اختفاء بعض الوظائف، وظهور أخرى في ظل أتمتة الوظائف، وخسارة كثير من العاملين من الجنسين وظائفهم؛ كثيرًا من الدول (المتقدمة والنامية) إلى تعليم مواطنيها المهارات الرقمية الحديثة للحصول على وظائف في المستقبل تؤمن لهم دخلًا يُساعدهم على الحياة.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية التقرير المعنون "الاستثمار في تعليم فتيات العالم النامي العلوم والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات"، المنشور على موقع مجلس العلاقات الخارجية في السابع من أغسطس الماضي، للكاتبتين "ميجان ستون" (ناشطة وأكاديمية وسياسية، وتعمل حاليًّا كزميل أقدم في مجلس العلاقات الخارجية ببرنامج المرأة والسياسة الخارجية)، و"راشيل فوجلستين" (مديرة برنامج المرأة والسياسة الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية). 

وتدعو الكاتبتان في التقرير إلى ضرورة زيادة الاستثمارات الموجهة لتعليم الفتيات العلوم والتكنولوجيا ليتمكَّنَّ من الحصول على وظيفة في ظل الاقتصاد الرقمي، الأمر الذي يُقلل من رقعة الفقر، واعتماد العالم النامي على المساعدات الأمريكية.

وضع المرأة في العالم النامي

يشير التقرير إلى أن العالم النامي يعاني من تمثيل ضئيل للغاية للمرأة في قطاعات المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات؛ وذلك بسبب ضعف قدرة الحصول على فرص تعليمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أو ما تسمى اختصارًا (STEM). وبما أن الابتكار والتقنيات الحديثة تُعيد تشكيل الطبيعة العالمية للعمل، فإن الفتيات اللاتي تمتلكن المهارات الضرورية للمشاركة في الاقتصاد الرقمي ستتحسن أوضاعهنّ المالية واكتفاؤهنّ الذاتي، كما سيساهمن في زيادة النمو الاقتصادي لدولهنّ، ما يؤدي إلى تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية الأمريكية.

وكجزء من الالتزام الدولي بتمكين المرأة اقتصاديًّا، يدعو التقرير الولايات المتحدة إلى زيادة استثماراتها الموجهة لمجال تعليم الفتيات والنساء في العالم النامي المهارات العلمية الحديثة في مجالات (STEM). ويضيف أن التركيز الأمريكي المتزايد على تعليم الفتيات العلوم والتكنولوجيا وتدريبهنّ يتماشى مع توسيع نطاق الدعم الذي تقدمه إدارة الرئيس "دونالد ترامب" لتمكين المرأة اقتصاديًّا، ومع روح المبادرة على الصعيد العالمي.

وتقول الكاتبتان إنه في العامين الأخيرين أطلقت الإدارة الأمريكية مبادرتين للمرأة؛ الأولى مبادرة التنمية والازدهار العالمي للمرأة (W-GDP) والتي تهدف إلى تمكين 50 مليون امرأة في البلدان النامية بحلول عام 2025. والمبادرة الثانية هي مبادرة المرأة 2X للتعهد باستثمار مليار دولار لتحفيز النمو الاقتصادي عن طريق توفير رأس المال للشركات المملوكة للنساء في البلدان منخفضة الدخل.

نحو فهمٍ أفضل

تعمل التقنيات الحديثة على تغيير شكل العمل والاقتصاد العالمي بشكل كبير، حيث تخلق فرصًا وعقبات أمام العمال وأصحاب الأعمال والحكومات. فيشير التقرير إلى أنه عندما يكبر أطفال اليوم سيعملون في وظائف ومهام لا وجود لها حاليًّا، حيث يوجد ملايين الموظفين في البلدان المنخفضة الدخل يعملون في مهن لم يكن من الممكن تصورها منذ عقود فقط. فمثلًا يكسب أربعة ملايين هندي أرزاقهم من العمل كمطورين لتطبيقات الهواتف المحمولة، وأكثر من40% من العمال الذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر في بوليفيا وكينيا يؤدون مهامًا تتطلب إمكانات برمجية متطورة.

وتضيف الكاتبتان أن الطلب على التفكير النقدي والابتكار والتكنولوجيا أصبح يفوق كثيرًا التعليم والتدريب المتاحين في العالم النامي. وعلى المستوى العالمي، يُتوقع من العمال ذوي المهارات المنخفضة استخدام التكنولوجيا لتحقيق قدر أكبر من الإنتاجية، بينما سيُستخدم العمال ذوو المهارات العالية في مجالات (STEM) لاختراع منتجات وخدمات جديدة.

وتذكران أن هذا العالم الجديد يقدم تحديات فريدة من نوعها تواجه النساء والفتيات المستعدات للانضمام لسوق العمل. فقد يؤدي ظهور التقنيات الحديثة إلى تفاقم الفجوات القائمة بين الجنسين في البلدان النامية. وتضيفان أن كثيرًا من النساء والفتيات يعانين من تموضعهن في مهن أصبحت مهددة بالانقراض من العالم. فمثلًا كشف التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية خلال عام 2016 أن 70% من النساء العاملات في صناعة الملابس في جنوب شرق آسيا معرضات لخطر التشريد بلا عمل نظرًا لإحلال الآلات بدلًا منهن.

ويتحدث التقرير عن أن النساء والفتيات في معظم بلدان العالم النامي تفتقرن للمهارات والمعارف الحديثة اللازمة للمنافسة العادلة في الاقتصاد الرقمي. فمثلًا في أقل البلدان نموًّا في العالم تستخدم واحدة فقط شبكة الإنترنت بين كل سبع نساء مقارنة برجل مقابل خمسة رجال يستخدمون شبكة الإنترنت.

وتعد التكاليف المادية والمعايير الثقافية ومخاوف الأسرة من تعرض بناتهن للتحرش من خلال الإنترنت عقبات كبيرة أمام النساء في استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة. وبالتالي لا تتوفر للنساء نفس الفرص المتاحة للرجال لتطوير معرفتهن الرقمية اللازمة لطبيعة الوظائف الحديثة، مما يؤدي إلى استمرار دائرة الفقر وتقويض مصالح الولايات المتحدة في نمو الاقتصادي العالمي.

ويتراجع بشدة ظهور الفتيات في التعليم الثانوي المهتم بالعلوم والتكنولوجيا، وذلك على فرض أنهن يحصلن على تعليم ثانوي من الأساس. وعلى مستوى العالم تمثل المرأة 35% في التعليم العالي المهتم بالعلوم والتكنولوجيا، وأقل من 30% من الطالبات يبقين على اهتمام للحصول على وظائف ترتبط بمهاراتهن التكنولوجية، وفي النهاية يصل عدد خريجات التخصصات العلمية والتكنولوجية إلى 3% على المستوى العالمي.

وتُشير الكاتبتان إلى أن فشل النظم التعليمية في بلدان العالم النامي أدى إلى فقدان الفتيات حقهن في الوصول إلى تعليم ثانوي يصقل مهاراتهن التكنولوجية، وتضيع عليهن الفرصة للالتحاق بتعليم عالٍ يؤهلهن للتواجد في الوظائف التكنولوجية.

وبالفعل، كانت التكلفة الاقتصادية التي رتبتها الفجوة بين الجنسين في تعليم الفتيات في البلدان النامية كبيرة. ويقدر تقرير البنك الدولي أن إجمالي الخسائر في رأس المال البشري بسبب انخفاض أعداد النساء الحاصلات على تعليم ثانوي تقدر بحوالي 15 - 30 تريليون دولار على مستوى العالم.

وحتى في حالة حصول الفتيات على تعليم ثانوي تكنولوجي؛ فإن معظم البلدان النامية تفتقر للقواعد التي تساعد الفتيات على الانتقال من مرحلة التعلم إلى مرحلة التوظف في المجال التكنولوجي، وهي مشكلة لا تعيق المرأة فقط في تحقيقها الاستقلال المادي، لكنها تؤدي إلى تراجع النمو الوطني واتساع رقعة الفقر.

توصيات لتحفيز النمو الاقتصادي

يشير التقرير إلى أن البعض يتحدث عن أن الإنفاق على تعليم الفتيات العلوم والتكنولوجيا والابتكار محض ترف لا تقدر الحكومة الأمريكية على تحمله؛ لكنّ عمليةَ دمج التدريب في مجال التكنولوجيا والابتكار والاستثمار في "التعليم المباشر" يساعد -في واقع الأمر- الفتيات على الحصول على وظائف تكنولوجية، وهو استثمار ذكي تُجنَى ثماره على مدى طويل الأجل. فتدريب الفتيات اليوم على أن يصبحن جزءًا من القوى العاملة الرقمية الحديثة غدًا سيساعد في تنمية اقتصادات الدول النامية، وتعزيز مصالح الولايات المتحدة في الرخاء العالمي، والحد من الفقر والنمو الاقتصادي.

ولهذا تقترح الكاتبتان مجموعةً من التوصيات لتحفيز النموّ الاقتصادي من خلال زيادة تعليم الفتيات مجالات (STEM)، التي تتمثل في:

أولًا- يجب أن يعمل الكونجرس الأمريكي على توسيع دعم الولايات المتحدة للتعليم التكنولوجي للفتيات، وهو استثمار فعال من وجهة نظر التقرير، ويمكن أن يؤدي إلى سد الفجوة بين الجنسين في المعرفة الرقمية، ما يساعد على توليد فرص عمل للنساء وزيادة نمو مختلف قطاعات الاقتصاد.

ثانيًا- تتبّع ورقابة برامج التنمية الموجهة لتعليم الفتيات، فبدون ذلك يصعب تحديد فرص الاستثمارات الأكثر فعالية من حيث التكلفة. ومن شأن فهرسة البرامج التمويلية أن تحسن من التحليل وتحديد المشروعات الواعدة.

ثالثًا- ينبغي على إدارة الرئيس "ترامب" بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص وحكومات البلدان النامية والمنظمات غير الربحية لضمان إعداد الفتيات تكنولوجيًّا، وانتقالهن من مجرد التأهيل والتعليم التكنولوجي لمرحلة العمل في الوظائف الرقمية. وتعتبر الكاتبتان مبادرة Laboratoria (وهي مبادرة من القطاعين العام والخاص توفر تدريب الفتيات على المهارات المطلوبة في أمريكا اللاتينية) نموذجًا ناجحًا يستحق التوسع والتكرار.

رابعًا- يجب العمل على تحسين البيانات المصنفة على أساس النوع، وتحليلها على الصعيد العالمي؛ حيث إن الفجوات في البيانات المجمعة على أساس النوع تعوق خلق برامج تدريبية فعالة للنساء والفتيات. ولذا يجب أن تتعاون الإدارة الأمريكية مع المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية ومنظمة العمل الدولي والبنك الدولي لتحسين عملية جمع البيانات حول القوى العالمية العاملة في المجالات الرقمية ودعم الطرق الفعالة غير المكلفة.

خامسًا- تشجيع الدول الأخرى على الاستثمار في مجال تقديم تعليم تكنولوجي جيد للنساء والفتيات، لأن الولايات المتحدة في غنى عن تحمل العبء بمفردها. وتضيف الكاتبتان أنه بالاعتماد على إعلان (Charlevoix) بشأن جودة التعليم للنساء والفتيات في البلدان النامية ستعمل فرنسا على تعزيز المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة خلال رئاستها مجموعة السبع. وينبغي على الولايات المتحدة استغلال اجتماع 2020 لمجموعة العشرين بالمملكة العربية السعودية لتنظيم الاستثمارات متعددة الأطراف في تدريب الفتيات على العلوم والتكنولوجيا والابتكار.

ختامًا، سيؤدي التقاعس عن الاستثمار في زيادة تعليم الفتيات للعلوم والتكنولوجيا إلى خسائر فادحة؛ حيث يذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2017 أن سد الفجوة الاقتصادية بين الجنسين سيستغرق 217 عامًا، بجانب خسارة الإمكانيات الاقتصادية لنصف السكان. ففي الهند وحدها، يمكن أن ينمو الاقتصاد بنسبة إضافية تقدر بنحو 60% أو 2.9 تريليون دولار بحلول عام 2025 إذا شاركت النساء في القوة العاملة إلى أقصى حد.

المصدر: 

Meighan Stone and Rachel Vogelstein, “Investing in Girls’ STEM Education in Developing Countries”, Council on Foreign Relations, August 07, 2019.