مهام متنوعة:

أدوار القوافل الحدودية في الشرق الأوسط

26 August 2019


تزايدت أدوار القوافل التي ترسلها وزارات معنية أو "إمارات مناطقية" أو منظمات إغاثية أو جيوش نظامية أو ميلشيات مسلحة أو أفراد لقاطني المناطق الحدود "النائية" في بعض دول الإقليم، بما يمكنها من مواجهة الأفكار المتطرفة للجماعات الإرهابية، وإنشاء المناطق الأمنية على التخوم الملتهبة، وتعزيز التبادلات التجارية بين دول الجوار الجغرافي، وتحسين الأوضاع النسائية في الأقاليم البعيدة، وتوصيل المساعدات الإغاثية للمناطق المنكوبة والمجتمعات المحاصرة، وتسهيل التدفقات الديموغرافية وخاصة اللاجئين الفارين من بؤر الصراعات المسلحة العربية، وتعزيز الوحدة الوطنية، وفضح ممارسات بعض النظم، وتمويل الصراعات الداخلية.

ولا تزال حدود دول الإقليم تمثل معضلة كبرى من زوايا مختلفة، سواء لأجهزة الدول أو قوى المجتمع أو الأفراد أو استخبارات حرس حدود دول الجوار، لا سيما بعد تحولات عام 2011، والتوابع الناتجة عنها. وتتمثل أبرز الأدوار التي تقوم بها قوافل الحدود في منطقة الشرق الأوسط، خلال السنوات القليلة الماضية، فيما يلي:

تفكيك التطرف: 

1- مواجهة الأفكار المتطرفة: صارت القوافل الدعوية ركيزة أساسية لتجديد الخطاب الديني ونبذ التعصب الفكري، لا سيما في ظل توجيه رؤساء بعض الدول بأهمية ذلك، وهو ما أشار إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للجهات المعنية بضرورة تكثيف القوافل الدعوية إلى المناطق الحدودية والرد على الاستفسارات الدينية لقاطنيها. وفي هذا السياق، أطلقت وزارة الأوقاف المصرية، في منتصف أغسطس 2019، قوافل دعوية موسعة إلى المناطق الحدودية بالبلاد مثل مطروح والعلمين والساحل الشمالي وحلايب وشلاتين ووادي النطرون، لمواجهة الأفكار المتطرفة وتأكيد أهمية الوسطية وتعزيز الانتماء الوطني وتعريف السكان بالمخاطر التي تهدد المجتمعات وتؤثر على البناء والتنمية عبر إيفاد أئمة متميزين.

تأمين الحدود:

2- إنشاء المناطق الأمنية: أرسلت تركيا قافلة عسكرية مكونة من 12 مركبة مدرعة مع وحدات القوات الخاصة والحافلات إلى المناطق الحدودية مع سوريا عند مدينة رأس العين، وهو ما جاء بعد إعلان وزير الدفاع خلوصي أكار، في 30 يوليو 2019، عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي التركي، عن احتمال بدء عملية تركية جديدة في شمال سوريا إذا لم تتمكن تركيا والولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق بشأن تأسيس منطقة أمنية. وتكرر ذلك أيضًا على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان حينما قال: "إن أنقرة مستعدة لشن عملية في شرق الفرات، وكذلك في منبج ضد وحدات حماية الشعب الكردية، إذا لم تسحبها الولايات المتحدة من هناك". 

مكاسب المعابر:

3- تعزيز التبادلات التجارية: أرسل الجيش السوري قافلة كبيرة من التعزيزات إلى الحدود العراقية، في 17 إبريل 2019، لضمان سلامة الطريق السريع الدولي أثناء الاستعداد لإعادة فتحه، حيث يربط بين العاصمتين السورية والعراقية، وهو ما تزامن مع نشر تعزيزات من قوات الحشد الشعبي على الحدود السورية مع محافظة الأنبار. وتأمل الحكومة السورية أن تؤدي إعادة فتح الطريق السريع الدولي إلى تعزيز التبادل التجاري مع العراق، وهو ما تكرر مع الأردن أيضًا. وكذلك الحال بالنسبة لقافلة "جسور الأخوة" التي حملت منتجات جزائرية متجهة إلى موريتانيا خلال الفترة من 23 إلى 26 أكتوبر 2018، على نحو يعكس توجه الجزائر لإطلاق منصات لوجستية في المناطق الحدودية.

العلاج المجاني:

4- توفير الخدمات الطبية: كثفت وزارة الصحة والسكان في مصر عمل القوافل الطبية المجانية، على مدار عام 2019، لخدمة الأهالي المتواجدين في المناطق النائية والمحافظات الحدودية (شمال وجنوب سيناء، ومطروح، والوادي الجديد، وأسوان) بحيث ضمت كل قافلة كافة التخصصات الطبية مثل النساء والولادة، وخدمات تنظيم الأسرة والباطنة، والأطفال، والأنف والأذن، والعظام، والجراحة، والرمد، والأسنان، والقلب، والجلدية، وخدمات أخرى مثل الأشعة والتحاليل الطبية. فضلاً عن التوقف عند الحالات التي تحتاج إلى المزيد من الفحوص الطبية أو التدخلات الجراحية.

تمكين المرأة:

5- تحسين الأوضاع النسائية: دشن الأمير فيصل بن خالد بن سلطان أمير الحدود الشمالية، في 11 مارس 2019، انطلاق "قافلة المرأة"، وهى إحدى مبادرات صندوق الأمير سلطان لتنمية المرأة، بما يؤدي إلى نشر الوعى والتثقيف بين النساء في مجال تطوير الذات، والاستفادة من الفرص، والتعامل مع الضغوط، وبناء الشخصية المؤثرة، وريادة الأعمال، وتحسين جودة الحياة، وزيادة مساهمتها في تنمية الوطن، لا سيما أن رؤية 2030 التي يدعمها ولى العهد الأمير محمد بن سلمان فتحت آفاقًا جديدة لينطلق الصندوق في فضاءات جديدة. وفي هذا السياق، هناك تعويل على قدرات نساء منطقة الحدود الشمالية للمساهمة في تطوير وتنمية منطقة الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية.

قوافل الإغاثة:

6- توصيل المساعدات الإغاثية: تقوم بعض منظمات الأمم المتحدة، بالتعاون مع عدد من المنظمات "الشريكة" في مجال الإغاثة الإنسانية في بؤر الصراعات المسلحة العربية، ومنها مناطق داخل سوريا، بإدخال مواد غذائية ومساعدات طبية ومستلزمات جراحية، وإجراء تقييمات سريعة للاحتياجات، مع الأخذ في الاعتبار تعثر وصول بعض قوافل الإغاثة بسبب انعدام الأمن في بعض المناطق التي تشهد صراعات مسلحة ممتدة، وهو ما يؤثر فيما بعد على ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل وآمن ومستدام وخاصة إلى المناطق المحاصرة أو التي يصعب الوصول إليها. 

وقد تكون الإعاقة نابعة من بعض الأفراد المتلقين للمساعدات، على نحو بدا جليًا في منع بعض الأفراد في ولاية جندوبة التونسية قافلة مساعدات تتكون من ثلاث شاحنات من التوجه إلى إحدى المناطق الحدودية، وإجبارها على العودة من حيث أتت، وفقًا لما ذكرته عدة مواقع إلكترونية تونسية في 24 فبراير 2019، وذلك في إطار الحملة الجهوية التي نظمت تحت شعار "جندوبة تريد تنمية حقيقية".

انتقال اللاجئين:

7- تسهيل التدفقات الديموغرافية: أطلق مجهولون على مواقع التواصل الاجتماعي، في أول مارس 2019، حملات تدعو الأجانب بشكل عام والسوريين خاصة لتنظيم قافلة تتجه من تركيا لعبور الحدود منها إلى اليونان تحت مسمى "قافلة الأمل" بقيادة منظمة إنسانية دولية للبحث عن حياة أفضل في الدول الأوروبية، مع الوعد بوضع خريطة بالتنقلات الزمنية فيما بعد، وهو ما أثار هواجس بعض اللاجئين من احتمال تعرضهم لابتزاز جماعات التهريب. كما أن السلطات التركية أصدرت قرارًا يقضي بمنع السوريين من السفر إلى 11 ولاية تركية قريبة من الحدود البرية والبحرية لليونان، وهو ما أدى إلى إلغاء الحملة فيما بعد.

مواجهة الاختراق:

8- تعزيز الوحدة الوطنية: لجأت كل من وزارة الدفاع ووزارة الداخلية في الجزائر، في مارس 2016، إلى إطلاق قافلة لتنشيط المناطق الحدودية بالتنسيق مع وزارات المجاهدين والشباب والرياضة والثقافة والمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة للجمارك وجمعية قدماء الكشافة الإسلامية والجماعات المحلية تحت شعار "يا أرض الجزائر يا أمنا" لتوعية سكان "المداشر" والقرى الحدودية بأهمية الوحدة الوطنية بعد تزايد المهددات الأمنية والاقتصادية على الحدود الجزائرية، لا سيما في ظل عدم استقرار الأوضاع في تونس وليبيا، وتهديد الجماعات الإرهابية وشبكات الإجرام المنظم.

سجينات الأسد:

9- فضح ممارسات بعض النظم: أطلقت ناشطات سوريات مبادرة "قافلة الضمير"، في 6 مارس 2018، لتسليط الضوء على أوضاع السجينات والمعتقلات لدى النظام السوري، وفضح ممارسات النظام والانتهاكات التي يتعرضن لها، على نحو ما عكسه مطلقو القافلة في بيانها التأسيسي المنشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك". وقد خرج أعضاء القافلة، في 6 مارس 2018، في مسيرة بالحافلة بدأت من مدينة اسطنبول ومرت عبر مدن إزميت وسكاريا وأنقرة وأضنا وحتى الحدود السورية. كما انطلقت– بالتزامن مع يوم المرأة العالمي- لمناداة العالم من ولاية هاتاي التركية بهدف إطلاق سراح النساء المعتقلات والمحتجزات في السجون السورية. وقد حددت القافلة أهدافها في توجيه انتباه العالم إلى المصاعب التي تعانيها النساء السوريات من تعذيب واغتصاب وإعدام واعتقال وهجرة قسرية ولجوء بسبب الحرب في سوريا.

تجار الحرب:

10- تمويل الصراعات الداخلية: تشير بعض وسائل الإعلام اليمنية إلى أن العاصمة صنعاء تشهد تجهيز قوافل غذائية وعسكرية بدعم من تجار موالين لميلشيا المتمردين الحوثيين، ويتم توجيهها نحو جبهات القتال في مناطق يمنية مختلفة لمساعدة مقاتليها. ويشارك في تجهيز تلك القوافل بعض تجار صنعاء الذين باتوا يسيطرون على هرم الاقتصاد، في الوقت الذي تفرض الميلشيا ضرائب على التجار الصغار فيما يطلق عليه "دعم المجهود الحربي". وهنا تجدر الإشارة إلى تنظيم الميلشيا فعاليات ما يسمى بـ"قوافل الصمود" التي تظهر عشرات المسلحين أمام الكاميرات التلفزيونية للترويج لمزاعم حول وجود دعم شعبي لها وإقناع بعض المكونات الأخرى بضرورة الالتحاق بجبهات القتال.

خلاصة القول، إن هناك أدوارًا متعددة للقوافل المتوجهة لمناطق الحدود في بعض دول الإقليم، وفقًا للجهة المسئولة عن تنظيمها، والتي تعكس استعادة دور الدولة في المناطق المهمشة تنمويًا، وقوة العديد من الجماعات المسلحة الموجودة في المناطق الحدودية، وشبكة المصالح الاقتصادية والمحلية التي تغذي انعدام أمن الحدود، في الوقت الذي تتضح محورية ما تقوم به تلك القوافل لتعزيز التبادلات التجارية بين دول الجوار الجغرافي، لا سيما المنهكة اقتصاديًا.