توافق حَذِر:

أسباب تأسيس مركز عمليات المنطقة الأمنية بشمال سوريا

22 August 2019


رغم إعلان تركيا، في 7 أغسطس 2019، عن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية حول تأسيس مركز عمليات مشترك "في أقرب وقت ممكن" لإنشاء وتنسيق وإدارة المنطقة الأمنية المزمع إقامتها في شمال سوريا، إلا أن ذلك لا يوحي بأن الطرفين نجحا في التوصل إلى تسوية للخلافات العالقة بينهما سواء حول عمق المنطقة الأمنية أو الطرف الذي سيقوم بإدارتها، أو حول الموقف من الميليشيات الكردية، لا سيما "وحدات حماية الشعب الكردية"، على نحو يشير إلى أن ما تم التوصل إليه قد يتعرض لتحديات عديدة خلال المرحلة القادمة، في ظل تباين مواقف القوى المعنية بالتطورات الميدانية والسياسية التي تجري على الساحة السورية.

أهداف عديدة:

ربما يمكن تفسير إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على الوصول إلى هذا الاتفاق الأَوَّلي مع تركيا، في هذا التوقيت، في ضوء اعتبارات رئيسية ثلاثة تتمثل في:

1- جولة جديدة مع "داعش": كان لافتًا أنه بالتوازي مع تصاعد حدة الخلافات بين واشنطن وأنقرة حول القضايا المتعلقة بالمنطقة الأمنية، وفي مقدمتها عمق تلك المنطقة، ظهرت تحذيرات عديدة من أن تنظيم "داعش" بدأ في توسيع نطاق نفوذه مجددًا في سوريا عقب الانسحاب الجزئي الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، كما بدأ نشاطه يتزايد داخل العراق، حيث قال مفتش عام بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، في 6 أغسطس الجاري، أنه "رغم خسارته على المستوى الإقليمي، إلا أن داعش عزز قدراته في العراق واستأنف نشاطه في سوريا خلال الربع الحالي".

وبالطبع، فإن ذلك يزيد، في الرؤية الأمريكية، من أهمية استمرار الدعم الذي تقدمه واشنطن للميليشيات الكردية، لا سيما "وحدات حماية الشعب الكردية"، باعتبار أنها الطرف الرئيسي الذي يقوم بمحاربة تنظيم "داعش" على الأرض، بالاستفادة من الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي ضد التنظيم.

وبمعنى آخر، فإن واشنطن بموازاة تفاهماتها مع تركيا حول المنطقة الآمنة، سوف تواصل العمل على منع "داعش" من استعادة نفوذه في المناطق التي سبق أن خرج منها ويحاول العودة إليها من جديد في الفترة الحالية، عن طريق استمرار سياستها الحالية تجاه الميليشيات الكردية.

2- منع التدخل التركي: سعت واشنطن عبر تلك الخطوة إلى منع تركيا من تنفيذ تهديداتها بالتدخل عسكريًا لإقامة المنطقة الآمنة وإبعاد الميليشيات الكردية عن الحدود معها، بالعمق الذي تريده وكشفت عنه في المفاوضات التي أجريت على جولتين مع المسئولين الأمريكيين خلال الفترة الأخيرة. 

وقد كان لافتًا أن أنقرة تبنت مواقف متشددة إزاء القضايا العالقة بالمنطقة الآمنة، لم تقتصر فقط على العمق الذي تصر عليه ويصل إلى 32 كيلومتر، وإنما تمتد أيضًا إلى اضطلاعها بإدارة تلك المنطقة، على نحو بدا جليًا في تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في 30 يوليو 2019، والتي قال فيها أن "تركيا ستكون مضطرة إلى إنشاء المنطقة الآمنة بمفردها في حالة عدم التوصل إلى اتفاق مشترك بين الجانبين"، مضيفًا أن "تركيا هى الدولة الأنسب وصاحبة القوة القادرة على ضبط المنطقة الآمنة".

3- احتواء التهديدات الكردية: تابعت القوى الكردية بدقة تطورات المباحثات التي تجري بين الجانبين التركي والأمريكي، على المستويين السياسي والأمني، حيث اعتبرت أن إقامة منطقة أمنية لا يتوافق مع مصالحها ومساعيها لاستثمار دورها في الحرب ضد "داعش" من أجل الحصول على مكاسب سياسية على المدى الطويل.

ومن هنا، سارعت تلك القوى إلى توجيه تهديدات قبل الإعلان عن تأسيس مركز العمليات. إذ قال بدران جيا كرد مستشار الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال سوريا، في 7 أغسطس الجاري، أن "أى عملية عسكرية تركية ضد قوات تعمل تحت القيادة الكردية سوف تشعل حربًا كبيرة إذا فشلت جهود واشنطن في وقف خطط أنقرة"، مشيرًا إلى أن عواقب عديدة قد يفرضها التدخل العسكري التركي، خاصة فيما يتعلق بتزايد احتمال اندلاع فوضى شاملة في تلك المنطقة، نتيجة انشغال القوات الكردية في المواجهة العسكرية المحتملة مع القوات التركية، على نحو سوف يقلص من قدرتها على محاربة الخلايا النائمة التابعة لتنظيم "داعش" وحراسة آلاف السجناء من العناصر التي تنتمي للتنظيم.

متغيرات مؤثرة:

مع ذلك، فإن اتجاهات عديدة تبدي شكوكًا في مدى إمكانية استمرار هذا التوافق وتطوره إلى درجة إقامة المنطقة الآمنة في الفترة القادمة، خاصة في ظل وجود متغيرات أخرى سوف يكون لها تأثير في هذا السياق، على غرار تطورات الوضع في إدلب. إذ انهارت الهدنة التي تم التوصل إليها في 2 أغسطس الجاري، في نهاية اجتماعات الجولة الثالثة عشر لمحادثات الآستانة بين إيران وتركيا وروسيا، بالتوازي مع العمليات العسكرية التي يشنها النظام السوري وروسيا، بعد أن اتهما الميليشيات الموجودة في إدلب بتنفيذ هجمات ضد قاعدة حميميم والقرداحة.

ويبدو أن التصعيد في إدلب لا ينفصل عن القلق الذي تبديه روسيا والنظام تجاه المعطيات التي يمكن أن يفرضها التوافق الأمريكي-التركي بشأن المنطقة الآمنة في الشمال على الأرض، على نحو قد يؤثر على استمرار محادثات الآستانة خلال المرحلة القادمة، وربما يدفع الطرفين إلى العمل على وضع عقبات أمام تحويل هذا التوافق إلى خطوات إجرائية.

فضلاً عن ذلك، فإن التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج قد يكون له دور في تحديد المستوى الذي ربما يصل إليه هذا التوافق، خاصة في ظل محاولات طهران التلويح بنفوذها الإقليمي ضمن الآليات التي تستخدمها في مواجهة الإجراءات العقابية الأمريكية.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في سوريا خلال المرحلة الحالية تبدو مؤقتة، بانتظار تبلور معطيات مختلفة تمهد المجال أمام الوصول إلى تسوية للأزمة وحسم القضايا المصيرية المرتبطة بها، أو تجدد الصراع العسكري مرة أخرى.