العِقد الأول:

هل هُزِمت حركة "بوكو حرام" في نيجيريا؟

22 August 2019


رغم أن الرئاسة النيجيرية أعلنت في بيان أصدرته، في 30 يوليو 2019، هزيمة حركة "بوكو حرام" بعد 10 سنوات من العمليات الإرهابية الذي قامت الأخيرة بشنها منذ عام 2009 وأدت إلى مقتل 27 ألف شخص ونزوح أكثر من 2 مليون آخرين واتسع نطاقها إلى داخل دول الجوار، إلا أنها بدت حذرة في الإشارة إلى أن ذلك لا يعني أن خطر التنظيمات الإرهابية تراجع في نيجيريا، على نحو يوحي بأن ثمة عوامل عديدة ما زالت تلك التنظيمات حريصة على استغلالها بهدف تعزيز قدرتها على البقاء ومواصلة عملياتها الإرهابية بعد الضربات العسكرية القوية التي تعرضت لها في الفترة الماضية، سواء داخل نيجيريا أو في دول الجوار.

دلالات عديدة:

كانت الرئاسة النيجيرية حريصة على توجيه تحذيرات من أن التنظيمات الإرهابية التقليدية تتراجع لصالح التنظيمات الجديدة التي تضم، حسب ما جاء في البيان الذي أصدرته، "خليطًا" من عناصر حركة "بوكو حرام" ومجموعات إجرامية وإرهابيين انتقلوا من دول في شمال وغرب إفريقيا، مستغلين تصاعد حدة الصراع المسلح في ليبيا والهزائم العسكرية التي تعرض لها تنظيم "داعش" في كل من سوريا والعراق خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

ويتوازى ذلك مع التحذيرات التي أطلقتها اتجاهات عديدة من أن منطقة غرب إفريقيا ربما تشهد تصاعدًا في حدة العمليات الإرهابية من قبل بعض التنظيمات التي تسعى إلى تعزيز نفوذها داخل دولها خلال الفترة القادمة، في ظل ما تتسم به من سيولة حدودية على نحو يضعف من قدرة الأجهزة الأمنية على منع تنقل الإرهابيين داخل دولها أو رصد المجموعات الإرهابية الجديدة التي تقوم التنظيمات الرئيسية بتكوينها.

واللافت في هذا السياق، أن هذه التحذيرات جاءت في أعقاب اتساع نطاق الهجمات الإرهابية التي تشنها تلك التنظيمات، على غرار الهجوم الذي نفذه عناصر من "بوكو حرام" في شمال شرق نيجيريا، في 27 يوليو 2019، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 65 شخصًا، ردًا على مقتل 11 عنصرًا من مقاتليها قبل أسبوعين من قبل سكان محليين، بما يعني أن الهجوم كان بمثابة رسالة لإرهاب السكان المحليين ودفعهم إلى عدم التعرض لعناصر الجماعة من جديد.

فضلاً عن ذلك، استمرت الهجمات التي تشنها الحركة ضد قوات الجيش، وكان آخرها الهجوم الذي استهدف 3 مراكز في ولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا، في بداية مارس 2019، وقامت به إحدى المجموعات الموالية لفصيل أبو مصعب البرناوي التابع لتنظيم "داعش". ويتوازى ذلك مع استمرار الهجمات الإرهابية خارج نيجيريا، في ظل قدرة مقاتلي "بوكو حرام" على عبور الحدود مع دول الجوار، حيث أعلنت مسئوليتها عن الهجوم الذي وقع في شمال الكاميرون، في 13 يونيو 2019، وأدى إلى مقتل نحو 30 شخصًا بينهم 16 جندي كاميروني.

عقبات مختلفة:

قد يكون في مقدور السلطات النيجيرية توجيه ضربات قوية ربما تقلص من قدرة حركة "بوكو حرام" على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، لكن ذلك لا ينفي أنها ما زالت تواجه صعوبات عديدة في إلحاق هزيمة "نهائية" بالحركة، يمكن تناولها على النحو التالي: 

1- التماسك التنظيمي: تمكنت "بوكو حرام"، على عكس بعض التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في الفترة الماضية، من تعزيز تماسكها التنظيمي، بعد سيطرتها على الانقسام الذي نشب داخلها في أغسطس 2016، عندما قررت القيادة الرئيسية لـ"داعش" الإطاحة بزعيم الجماعة أبوبكر شيكاو، وتعيين أبو مصعب البرناوي بديلاً له، وهو ما أدى إلى انقسام الحركة لفصيلين. إلا أن الحركة احتوت تداعيات الانقسام، لا سيما بعد أن تجنبت الاصطدام العسكري بين الفصيلين اللذين اتفقا على تقسيم مناطق النفوذ والنشاط، بل والتنسيق المستمر في التعامل مع الضغوط التي يتعرضان لها. 

2- استغلال التضاريس الصعبة: كانت الحركة حريصة في المرحلة الماضية على تعزيز نفوذها في مناطق يصعب على قوات الجيش والشرطة الوصول إليها، بسبب تضاريسها الصعبة، وقد حولت تلك المناطق إلى بؤر انطلاق لشن هجمات ضد المدنيين والعسكريين في آن واحد، مع السعى في الوقت نفسه إلى تقليص الخسائر البشرية التي يمكن أن تتعرض لها بسبب الضربات التي توجهها قوات الشرطة والجيش ردًا على العمليات الإرهابية التي تشنها. 

3- القدرة على الاستقطاب: ما زالت الحركة قادرة على استقطاب عناصر إرهابية للانضمام إليها وتنفيذ عمليات إرهابية داخل نيجيريا وبعض دول الجوار، حيث قامت بتجنيد سيدات، على سبيل المثال، للمشاركة في تلك العمليات، مثل الهجوم الذي نفذته انتحارية تابعة للحركة في منطقة كايغا كيندجيريا بغرب تشاد، في 14 أغسطس 2019، وأدى إلى مقتل 6 أشخاص.

4- الحصول على ظهير محلي: أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الحركة تمكنت من تكوين أفرع لها داخل دول الجوار، مع القيام بنقل قيادات وكوادر لتدريب العناصر الإرهابية الجديدة التي استطاعت استقطابها للانضمام إليها، على نحو دفع بعض المسئولين في دول الجوار إلى التحذير من مخاطر نجاح الحركة في الحصول على ظهير محلي لها داخل تلك الدول. إذ أن هذا الظهير يمكن أن يساعد الحركة في تعزيز قدراتها البشرية وتوفير المعلومات وإخفاء العناصر المتورطة في العمليات الإرهابية.

وفي هذا السياق، أشار الرئيس التشادي إدريس ديبي، في 4 يونيو 2019، إلى وجود "تواطؤ محلي" مع الحركة، داعيًا إلى "الإبلاغ عن كل الذين يعملون كحلقة وصل مع الإرهابيين والتنظيمات التي يتبعونها"، وذلك بعد الهجمات العديدة التي قامت الحركة بشنها داخل تشاد في الفترة الماضية.

هذه العوامل في مجملها تكشف أن المواجهة بين قوات الشرطة والجيش وحركة "بوكو حرام" في نيجيريا ودول غرب إفريقيا سوف تستمر خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل إصرار الحركة على مواصلة عملياتها الإرهابية واستغلال الصراعات الداخلية والإقليمية من أجل تعزيز نفوذها وتوسيع نطاق سيطرتها.