مراقبة طهران:

كيف تتبع الشركات الدولية السلوك الإيراني تجاه العقوبات؟

04 July 2019


لجأت إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطاقة منذ نوفمبر الماضي، والتي تقضي بحظر صادارتها من النفط الخام والمنتجات المكررة للعالم إلى تبني أساليب مختلفة لتهريب هذه المنتجات للأسواق الدولية مع إخفاء وجهات التصدير، ويتمثل أبرزها في غلق الأنظمة الآلية للناقلات، وتغيير أعلام السفن، ونقل الشحنات من ناقلة لأخرى في عرض البحر وغيرها. وبرغم ذلك، إلا أن شركات تتبع السفن تمكنت بالآونة الأخيرة عبر استخدامها لوسائل تقنية متطورة على غرار صور الأقمار الصناعية التجارية بجانب توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في رصد حالات مختلفة لانتهاك العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية، وهذا ما سوف يساعد المجتمع الدولي على فهم السلوك الإيراني المتعلق بكيفية تجاوز العقوبات الأمريكية بشكل أفضل.

أساليب التهريب:

تُصر إيران أن بمقدورها مواصلة مبيعاتها من النفط الخام للأسواق الدولية رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني منذ نوفمبر الماضي، والتي تحظر صادرات الخام والمنتجات المكررة الإيرانية لكافة دول العالم. وربما يمكن تفسير ذلك بأن طهران قد يكون لديها من الأساليب التي قد تمكنها من تجاروز العقوبات الأمريكية وذلك مثلما جرى عليه الأمر عند تشديد العقوبات الدولية عليها في الفترة من (2012-2015).

وطبقاً للعديد من الاتجاهات، فلازال لدى طهران إمكانية لتصدير ما يتراوح  بين 200 ألف -300 ألف برميل يومياً- وهو ما دون صادراتها البالغة 2.5 مليون برميل يومياً في إبريل 2018- عن طريق التهريب للأسواق الدولية باستخدام المسارات البحرية غير المكشوفة أو عبر الحدود البرية بالتعاون مع بعض دول الجوار. 

وفي الوقت الحاضر، لجأت إيران لمجموعة من الأساليب لإخفاء وجهات شحنات من النفط المنقولة عبر البحر ولعل أهمها إغلاق أنظمة التتبع لناقلاتها والمعروفة بنظام  "إيه.آي.إس"، وهو نظام تتبع آلي متصل بالأقمار الصناعية تستخدمه السفن.

وبموجب القانون الدولي، فإن السفن التجارية ملزمة بحمل أجهزة تتبع بالقمر الصناعي على متنها عند الإبحار إلى وجهاتها المختلفة حول العالم، وذلك من أجل تمكين السلطات البحرية من تحديد مواقع السفن وتحسين السلامة البحرية، وهو أمر ينطبق أيضاً على ناقلات النفط والغاز الطبيعي. 

وطبقاً لشركات تتبع السفن، فقد بدأت طهران في إيقاف تشغيل أنظمة التتبع الآلي لناقلاتها منذ شهر أكتوبر الماضي حتى بات معظم أسطول الناقلات الإيرانية غير قابل للتتبع في أمر يعرف في مجال الشحن البحري بـ "التعتيم الكامل" للسفن. 

وعلاوة على ذلك، فقد قامت إيران بعمليات تمويه أخرى لإخفاء وجهات صادراتها ومنها إرسال إشارات لاسلكية لمواقع تحميل خاطئة، وتغيير أعلام السفن، ونقل الشحنات من سفينة لأخرى في عرض البحر، بالإضافة لإجراء تعديلات مستمرة على مواعيد الناقلات، وهذا كله ما قد يعقد من عملية تتبع الناقلات ومعرفة وجهات الشحنات المنقولة. 

آليات التعقب:

في المقابل، فمنذ بداية تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران في نوفمبر الماضي، نشطت شركات تتبع السفن على غرار تانكر تراكرز الأمريكية، وكبلر لبيانات الطاقة ومقرها لندن في تعقب تحركات السفن الإيرانية انطلاقاً من مختلف الموانئ الإيراني أو من جزيرة خرج، المنفذ الرئيسي لتصدير النفط الإيراني للوجهات المختلفة وذلك في محاولة لكشف مسارات تهريب شحنات الخام الإيراني أو المنتجات المكررة لعملائها من دول العالم.

وهنا، ينبغي الإشارة إلى أن كثير من شركات تتبع السفن بات لديها من الوسائل التقنية المتطورة التي تمكنها من رصد حركة السفن بصفة شبه يومية، بعدما كان يتستغرق الأمر أسبوعاً أو أكثر في الماضي، وتستعين في ذلك بصور الأقمار الصناعية التجارية التي تحصل عليها من شركات المتخصصة في هذا المجال، كما تتعاون  في بعض الأحيان مع قطاع واسع من الهيئات الحكومية وشركات الشحن البحري وشركات التأمين والعملاء لمساعدتها في إجراء مسح يومي لطرق شحن النفط العالمية.

ولدى بعض شركات تتبع السفن عملاء حاليين من الحكومات والهيئات الدولية والتي تقدم لها خدمات معلوماتية خاصة ببعض القضايا السياسية الدولية وذلك على غرار شركة Windward  وهي شركة تقع في تل أبيب تعمل مع الأمم المتحدة  للتأكد من التزام دول العالم بالعقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية، كما تقوم بجانب شركات أخرى بتقييم التزام الدول بالعقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني. 

وبجانب صور الأقمار الصناعية، فقد بدأت بعض شركات تتبع السفن مؤخراً في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تدقيق حسابات سرعة السفن والمسافات التي تقطعها، فضلاً عن معرفة وجهاتها النهائية وأحجام حمولتها وذلك عن طريق معالجة كميات كبيرة من البيانات الدقيقة من بينها السمات البصرية للسفن، وبما يعمل بنهاية الأمر على التنبؤ بسلوك السفن بشكل أفضل.

ملامح مختلفة:

كشفت بيانات شركات تتبع السفن بالفترة الأخيرة عن ثمة ملامح أساسية متعلقة بالسلوك الإيراني في تهريب منتجات النفط للأسواق الدولية، وفيما يلي أبرزها:-  

1- ملاذات التهريب: على ما يبدو أن الأسواق الآسيوية ولاسيما الصين هي الملاذ الرئيسي لمبيعات النفط الإيراني رغم العقوبات الأمريكية. وبجانب الرفض الصيني للعقوبات الأمريكية أحادية الجانب، يمثل الخام الإيراني خياراً جاذباً لمصافي النفط الصينية لاسيما مع تقديم طهران مزيد من الخصم على المبيعات وتسهيلات للسداد بجانب تحمل تكلفة النقل والتأمين للعملاء. وعليه، فقد واصلت بعض الشركات الصينية في استيراد النفط الإيراني حتى بعد إلغاء الإعفاءات الأمريكية لصادرات النفط الإيرانية في مايو الماضي.

وطبقاً لما رصدته شركة "تانكر تراكز" الأمريكية TanckerTrackers، فقد جرى نقل عدد من شحنات الخام الإيراني للصين في الفترة الأخيرة ومنها شحنة تابعة للشركة الوطنية للنفط الإيرانية بمقدار مليون برميل لأحد عملائها في الصين وهو "مجمع جين کشي للتكرير والبتروكيماويات" وذلك على متن الناقلة "سؤز مكس سالينا" وقد غادرت محطة جزيرة خرج الإيرانية في 24 مايو الماضي.

وفي العادة، ما يتم نقل شحنات النفط الإيراني للعملاء في الصين عبر اتباع الناقلات مسارات بحرية مباشرة، إلا أنه في بعض الأحيان يتم نقل الشحنات إلى مضيق "ملقا" بالقرب من سواحل ‏ماليزيا البحرية على أن يتم تحميلها على سفن وناقلات أخرى لتصل إلى وجهاتها النهائية في الصين لاحقاً. كما يجرى في  بعض الأحيان نقل النفط الإيراني من سفينة إلى أخرى في المياه الواقعة بين سريلانكا وجزر المالديف وفقاً لبيانات تتبع السفن.

ومن المحتمل أن تستقبل أوربا في القريب العاجل أول ناقلة محملة بالنفط الإيراني وذلك منذ أواخر عام 2018 مع تطبيق العقوبات الأمريكية على طهران. وطبقاً لوحدة لويدز مارين إنتليجنس البريطانية، فقد تم رصد ناقلة نفط تدعى "جرايس 1" وترفع علم بنما وعلى متنها مليوني برميل من النفط الإيراني، وقد غادرت الخليج العربي في 14 مايو الماضي وفي طريقها لأن تعبر مضيق جبل طارق وصولاً إلى أوربا في 4 يوليو الجاري، ولعل ذلك يأتي بعد أيام قليلة من بدء الاتحاد الأوروبي تفعيل آلية "أنسيتكس" بهدف تفادي العقوبات الأمريكية وذلك في 28 يونيو الماضي.

2- نطاق التهريب: وعلى غرار النفط الخام، توسعت إيران أيضاً في بيع منتجات النفط المكررة والبتروكيماويات لبعض عملائها في آسيا ولاسيما الصين والهند بخصومات وتسهيلات كبيرة في السداد وذلك في محاولة لتعويض تراجع صادرات النفط.

وفي هذا الصدد، كشفت شركة كبلر لبيانات الطاقة عن اتجاه ما لا يقل عن أربعة ناقلات عملاقة محملة بالغاز البترول المسال الإيراني- الذي يستخدم في الطهي- في مايو ويونيو إلى الصين وبشحنات قيمتها 80 مليون دولار. وعلى هذا النحو أيضاً، أوضحت بيانات تتبع السفن أن عشر شحنات على الأقل من الميثانول أُرسلت إلى الصين من إيران منذ بداية العام الجاري. 

كما من اللافت أن إيران اتجهت بالآونة الأخيرة في تسويق شحنات من منتجات البتروكيماويات لأسواق بعيدة عنها وذلك على غرار البرازيل، والتي استقبلت نحو 230 ألف طن على الأقل من اليوريا الإيرانية منذ بداية العام وذلك بحسب بيانات شركات تتبع السفن، وذلك في مسعى منها على ما يبدو لتنويع أسواق وجهات صادراتها من البتروكيماويات بجانب الأسواق الآسيوية. 

3- مستويات التخزين: ركزت شركات تتبع السفن جهودها مؤخراً أيضاً على تعقب مستويات المخزونات الإيرانية من النفط الخام سواء في المواقع البرية أو البحرية وذلك باعتبارها أحد المؤشرات الرئيسية العاكسة لحركة ونشاط الصادرات الإيرانية، فكلما زادت المخزونات دل ذلك على وجود صعوبات أكبر أمام إيران لبيع نفطها بالأسواق الدولية، والعكس صحيح أيضاً. 

وكما يبدو، فإنه مع تراجع قدرة إيران على تصدير نفطها للخارج، زدات كميات النفط الخام المخزنة بمنشآت التخزين بشكل كبير بالفترة الأخيرة، وقد بلغ حجم المخزون البري في إيران نحو 46.1 مليون برميل في مايو الماضي وذلك من سعة إجمالية قدرها 73 مليون برميل (63.1% من إجمالي سعة التخزين) ليسجل أعلى مستوياته منذ منتصف يناير الماضي طبقاً لبيانات لشركة كايروس، وهي شركة ترصد التدفقات النفطية. 

وعلى جانب آخر، فقد زادات المخزونات العائمة، أي النفط المخزن في الناقلات، لمستويات غير مسبوقة. وحتى مايو الماضي كان هناك 16 ناقلة إيرانية محملة بنحو 20 مليون برميل  وذلك بالمقارنة بنحو 12 ناقلة تحمل ما لا يقل عن 13 مليون برميل من النفط في مارس الماضي، وبزيادة في المخزونات لا تقل عن 7 مليون برميل، بما يعكس عدم إمكانية إيران تصدير نفطها للخارج.

وختاماً، يمكن القول، أن شركات تتبع السفن باتت تمارس دوراً جوهرياً في فهم السلوك الإيراني المتعلق بكيفية تجاوز العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الإيراني، الأمر الذي قد يدعم جهود الإدارة الأمريكية في تنفيذ خطتها الرامية لتصفير الصادرات الإيرانية بالتوازي مع تشديد الضغوط على الدول المنتهكة للعقوبات.