أزمات مناخية:

هل تدفع الدول الفقيرة كلفة "الاحتباس الحراري"؟

03 May 2019


عرض: أحمد عبدالعليم - باحث دكتوراه في العلوم السياسية

يشهد العالم العديد من التغيُّرات المناخية التي تؤثر بشكل كبير في طبيعة الحياة على كوكب الأرض، وبعض تلك التغيُّرات تكون لها تداعيات اقتصادية على أغلب دول العالم، لا سيّما الدول النامية، وهو الأمر الذي دفع باحثين إلى دراسة ما إذا كان من الممكن أن تكون لظاهرة الاحتباس الحراي تأثيرات سلبية على اقتصادات الدول، وعمّا إذا كانت التأثيرات ستختلف بين البلدان النامية والفقيرة وتلك المتقدمة، وكذلك إلى أي مدى يمكن أن تكون هناك توقعات في هذا الشأن في ظل سيطرة حالة من انعدام اليقين عند دراسة تأثير التغيُّرات المناخية على دول العالم في المستقبل؟.

وفي هذا الإطار، تأتي دراسة "الاحتباس الحراري يزيد من عدم المساواة الاقتصادية في العالم"، وهي من إعداد "نواه ديفنبو" (عالم جيولوجيا بجامعة ستانفورد الأمريكية)، و"مارشال بوركي" (مُحرِّر في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناح في ألمانيا). وقد نُشرت الدراسة في مجلة "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية" في مطلع أبريل 2019.

ماهية الظاهرة

تناولت الدراسة -في بدايتها- ماهية ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث أشارت إلى أنها ظاهرة طبيعية ترجع إلى أن هناك مجموعة من الغازات بالإضافة إلى بخار الماء الموجودين في الغلاف الجوي كمكونات رئيسية، ويكون تركيزها بالغلاف الجوي ضعيفًا. وتعمل تلك الغازات على احتفاظ كوكب الأرض بدرجات الحرارة الطبيعية. وفي ظل زيادة انبعاثات الغاز من الأنشطة البشرية المتزايدة منذ بداية العصر الصناعي فقد زاد ذلك من تأثيرها الحابس للحرارة في الغلاف الجوي. وهو ما أدى إلى ظهور إحدى أسوأ الظواهر البيئية، التي تُعرف بظاهرة الاحتباس الحراري، وأحيانًا يطلق عليها الاحترار العالمي، والتغير المناخي العالمي.

وتحدث هذه الظاهرة بسبب زيادة الملوثات من الغازات المختلفة في الغلاف الجوي، وتنجم عن الغازات الضارة المنبعثة من أدخنة المصانع، أو محطات تكرير البترول، وكذلك من عوادم السيارات وغيرها من مصادر التلوث المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض. وتُعرف تلك الغازات بالغازات الدفيئة، ومنها غاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان.

وتشير الدراسة إلى أن بعض العلماء يُرجع أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري إلى عوامل طبيعية خارجة عن إرادة الإنسان متمثلة في الشمس وما ترسله من أشعة للأرض مثل الأشعة فوق البنفسجية، بما يؤدي في حال عدم نفاذها من الغلاف الجوي القريب من سطح الأرض إلى احتباسها، بما يؤدي -في النهاية- إلى زيادة درجة الحرارة على سطح الأرض. وللانفجارات البركانية تداعيات سلبية على المناخ العالمي، وعلى زيادة درجات الحرارة بشكل مستمر.

تأثيرات جمّة

ترى الدراسة أن ظاهرة الاحتباس الحراري من شأنها أن تؤدي إلى خلق ظواهر أخرى سلبية مرتبطة بها وناتجة عنها، لعلّ أبرزها ارتفاع مستوى سطح مياه البحار نتيجة ذوبان القطبين (الشمالي والجنوبي)، بما يؤدي إلى غرق العديد من الأجزاء المنخفضة في المدن الساحلية. فضلًا عن تدمير الأراضي الزراعية بشكل تام، علاوةً على أن ذلك قد يؤدي إلى تصحر الأراضي بشكل كبير.

وتضيف الدراسة، أنه نتيجة لذلك فإن هناك العديد من الكائنات الحية سوف تكون مُعرَّضة للانقراض لعدم قدرتها على التأقلم مع التغيرات المناخية الجديدة، وانتشار الأمراض المعدية في بعض المناطق حول العالم، وحدوث كوارث زراعية وفقدان المحاصيل، بالإضافة إلى زيادة حرائق الغابات بسبب موجات الحرارة المرتفعة وبشكل خاص في فصل الصيف، وبالتالي فإن التغيرات المناخية وما يرتبط بها من ظواهر -مثل الاحتباس الحراري- لها العديد من النتائج السلبية، سواء على البيئة أو الزراعة أو حتى الكائنات الحية.

التداعيات الاقتصادية

تُبرز الدراسة أن لظاهرة الاحتباس الحراري العديد من التداعيات السلبية على المساواة الاقتصادية بين بلدان العالم المختلفة، حيث تفترض وجود علاقة بين تقلبات درجة الحرارة وبين النمو الاقتصادي في الدول، وذلك في ظل ارتفاع الحرارة في البلدان الباردة، وتناقص النمو في البلدان الدافئة. وبالرغم من حالة عدم اليقين فيما إذا كان ارتفاع درجات الحرارة قد استفادت منه بعض الدول المعتدلة أم لا، فإن هناك احتمالًا يصل إلى 90% بأن يقل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بالدول الفقيرة في ظل زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي تُظهر النتائج أن العديد من البلدان الفقيرة قد تضررت بفعل الاحتباس الحراري.

وخلال العقد الماضي زادت الأدلة التي تؤكد زيادة الاحترار العالمي والاحتباس الحراري بشكل تاريخي، بما في ذلك التأثيرات الموثقة على الزراعة وصحة الإنسان والنظم الإيكولوجية. ويُعد تحديد هذه الآثار السلبية أمرًا بالغ الأهمية لفهم تكلفة الاحتباس الحراري الاقتصادية وتصميم الآليات الكفيلة بالتخفيف من آثار تغير المناخ.

وتفترض الدراسة أن هناك أدلة على كون البلدان أو الأفراد الأكثر فقرًا هم الأكثر تأثرًا بشكل سلبي من التغيرات المناخية، وذلك في ظل كونهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة من أجل حماية أنفسهم من التغيرات المناخية، أو لأنهم بالفعل يعيشون في المناطق الأكثر دفئًا، وبالتالي فإنه مع زيادة الاحترار الإضافي فإن ذلك يكون مُضرًّا، سواء للصحة أو للإنتاجية. 

وبالرغم من أن الدول الغنية هي التي كانت مسئولة بنسبة كبيرة عن انبعاثات الغازات الضارة التي أدت إلى الاحتباس الحراري في العالم؛ إلا أن آثار ذلك بنسبة أكبر تدفعه البلدان الفقيرة. وبالتالي يمكن القول إن هناك حالة من عدم المساواة في التداعيات السلبية للاحتباس الحراري.

فعلى سبيل المثال، هناك علاقة وطيدة بين التغيرات المناخية وبين الزراعة، وما يرتبط بها من صناعة أو تأمين مصادر دخل لملايين البشر حول العالم. وبالتالي فإن الاحتباس الحراري في ظل إضراره بالمحاصيل الزراعية، وإتلاف بعضها؛ فإن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي، وسيُهدد حياة ملايين البشر حول العالم، وهو ما يتطلب ضرورة التكاتف العالمي من أجل التعامل الاستباقي مع مثل تلك الأضرار التي تُهدد حياة الكوكب.

افتراضات قائمة

تحاول الدراسة تقديم ربط بين النمو الاقتصادي وتقلبات درجة الحرارة عبر تحديد تأثير المناخ على التوزيع العالمي للناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، في ظل أن ارتفاع درجة الحرارة على المدى الطويل من شأنه أن يؤدي إلى زيادة النمو في البلدان الباردة، ولكن تؤدي إلى انخفاض النمو في البلدان الحارة. فعلى سبيل المثال، سوف يحدث ذلك بالنسبة للبلدان الأكثر برودة مثل النرويج، وكذلك لبعض البلدان التي تُعتبر دافئة مثل الهند. ومع ذلك فإن الدراسة تؤكد أن كل تلك الافتراضات نسبية وليست حقائق مطلقة في ظل حالة عدم اليقين فيما يتعلق بدرجات الحرارة في المستقبل.

وفي السياق ذاته، تؤكد الدراسة أنه من المحتمل أن تتأثر التجارة بين البلدان وبعضها بعضًا بفعل الاحتباس الحراري، حيث تركز الدراسة على الصين باعتبارها إحدى الدول التي من المتوقع أن تشهد نموًّا أقل أو أن يكون نموها بطيئًا في المستقبل، وذلك في ظل وجود عدد كبير من السكان بالصين، وإمكانية تأثرهم بشكل كبير بالاحترار التاريخي، وهو ما يرتبط بشكل كبير بانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

وختامًا، فإن الدراسة تؤكد بشكل قاطع أن الإجابة عن التساؤلات المرتبطة بتأثيرات التغيرات المناخية على دول العالم، بما في ذلك ظاهرة الاحتباس الحراري؛ هي إجابات أقرب للتوقعات في ظل وجود حالة من عدم اليقين بشأن أي توقعات مستقبلية، سواء فيما يتعلق بارتفاع درجات الحرارة وزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري في العالم، أو حتى فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية للدول، خاصةً وأن عدم المساواة الاقتصادية في العالم يرتبط بالعديد من المسببات التي تعتبر التغيرات المناخية جزءًا منها أو عاملًا واحدًا من عوامل مختلفة، ولذا فإنه من الصعب بمكان وضع تقديرات مستقبلية دقيقة حول تأثير التغيرات المناخية على حالة عدم المساواة الاقتصادية العالمية.

 المصدر:

Noah S. Diffenbaugh and Marshall Burk , “Global Warming Has Increased Global Economic Inequality”, Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America, April 22, 2019.