إزاحة موسعة:

لماذا تم تغيير القيادات العسكرية في الجزائر؟

20 September 2018


اتخذ الرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة" جملة من القرارات خلال الفترة الأخيرة، شملت إقالة عدد من القيادات في المؤسسة العسكرية (سبعة من كبار جنرالات الجيش والدرك والشرطة والمخابرات)، حيث قام بإحداث تغييرات في قيادات المناطق العسكرية الميدانية وُصفت بالاستثنائية، لأن العادة جرت أن تتم مثل هذه التغييرات في توقيتات زمنية محددة ترتبط بذكرى استقلال البلاد (الخامس من يوليو) أو في ذكرى الثورة التحريرية (في أول نوفمبر).

فقد قام بإنهاء مهام "اللواء حبيب شنتوف" (قائد المنطقة العسكرية الأولى في البليدة)، وتُعد هذه المنطقة هي الأهم في تقسيم الجيش الجزائري حيث تقع على بعد 50 كم جنوب العاصمة الجزائر. واللواء "السعيد باي" (قائد الناحية العسكرية الثانية في وهران). كما أجرى تعديلًا على قيادة المنطقة العسكرية السادسة بتعيين اللواء "محمد عجرود" لها في منطقة "تمنراست" جنوب البلاد. وشملت الإقالات اللواء "شريف عبدالرزاق" قائد المنطقة العسكرية الرابعة ومقرها ورقلة، والتي تدخل ضمن نطاقها مسئولية حماية المنطقة النفطية الممتدة في الصحراء الجزائرية جنوبًا.

كما شملت الإقالات قيادات في القوات البحرية والبرية وقائد القوات الجوية اللواء "عبدالقادر الوناس"، بجانب إنهاء مهام مدير صندوق الضمان الاجتماعي العسكري، هذا إلى جانب إصدار قرارات بمنع السفر بحق القيادات العسكرية والأمنية سابقة الذكر (قائد الدرك الوطني السابق اللواء مناد نوبة، واللواء سعيد باي واللواء بوجمعة بو دواو قائدا المنطقتين الأولى والرابعة). 

أسباب التغييرات:

يمكن تفسير حملة التغييرات التي شهدتها المؤسسة العسكرية الجزائرية خلال الفترة الأخيرة من خلال عدد من العوامل، ومن أهمها ما يلي:

1- تطوير منظومة الدفاع: حيث صرح رئيس أركان الجيش "أحمد قايد صالح" بأن تغيير القيادات العسكرية جاء بهدف رغبة الرئيس بوتفليقة في تطوير ديناميكية المؤسسة العسكرية بشكل عام، وتطوير منظومة الدفاع وفقًا لمعيار الكفاءة عبر ضخ دماء جديدة، حيث ظل بعض هذه القيادات في مواقعهم أكثر من 12 عامًا، وذلك لتحقيق هدف رئيسي هو تمكين الجيش الوطني من مواجهة التحديات الأمنية، ولا سيما مواجهة التنظيمات الإرهابية في منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي، كما تعمل المؤسسة العسكرية على ضبط الحدود الجنوبية والشرقية مع كل من ليبيا ومالي خشية تسلل عناصر تابعة لتنظيمات إرهابية، ومن ثم زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي والعودة بالبلاد إلى ما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي.

2- التورط في قضايا فساد: حيث تشير المصادر الداخلية إلى تورط عدد من القادة العسكريين في تجارة المخدرات، ففي شهر يوليو الماضي كشفت وزارة الدفاع عن وصول شحنة مخدرات (701 كجم كوكايين) في ميناء "وهران"، وقام القضاء العسكري بالتحقيق مع عدد من الضباط البارزين الذين تمت إقالتهم في شهر يوليو الماضي، ومنهم: الجنرال "بودواور" (مسئول المالية في وزارة الدفاع)، والجنرال "زيان مقداد" (مسئول مصلحة المستخدمين)، وتورطهما في قضايا فساد مالية كبيرة وعلاقتهما بصفقة المواد المخدرة التي تم ضبطها وتورط فيها بشكل رئيسي رجل الأعمال "كمال البوشي"، وأثبتت التحقيقات علاقته بمسئولين كبار، كما تمت إقالة مدير الأمن في البلاد "عبدالغني هامل" في شهر يونيو الماضي على خلفية التحقيقات في هذه القضية في ظل وجود اتهامات متبادلة بممارسة بعض الجهات السيادية في الدولة ضغوطًا هائلة على المحققين في القضية، وإغفال عدد كبير من المسئولين في قضايا فساد دون محاسبتهم. 

3- تهيئة الأجواء الداخلية: لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة المقرر إقامتها في أبريل 2019، حيث جاءت التغييرات الأخيرة في القيادات العسكرية لتؤكد توجهات الرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة" والدائرة السياسية المقربة منه بإعادة ترشحه لفترة رئاسية جديدة، وبالتالي فإن هذه التغييرات حملت في طياتها رسالة سياسية للقوى السياسية المؤيدة والمعارضة بأن الدائرة المقربة من الرئيس "بوتفليقة" سوف تظل قادرة على التأثير في المشهد السياسي بالبلاد، والتي يتزعمها قائد أركان الجيش الفريق "أحمد قايد صالح" وقائد الحرس الجمهوري الفريق "علي بن علي". فقد ظهر تأثيرهما في الطريقة التي تم الإعلان بها عن جملة التغييرات الأخيرة، حيث لم تُصدر الرئاسة بيانًا رسميًّا عن الرئيس "بوتفليقة" بصفته وزيرًا للدفاع يتضمن مجمل الإقالات والتعيينات الجديدة، وأيضًا لم تعلن وزارة الدفاع عنها إلا بعد فترة زمنية عند قيام قائد الأركان الفريق "أحمد قايد صالح" بمراسم تسليم المهام للقيادات الجديدة، وقد فعلها "بوتفليقة" من قبل عندما أقال رئيس أركان الجيش الأسبق الفريق "محمد العماري" في عام 2004، ورئيس جهاز المخابرات الفريق "محمد مدين" في عام 2015، من أجل ضمان إبعاد المنافسين المحتملين له في الحياة السياسية، ويرى اتجاه آخر أن هذه التغييرات جاءت من قبل بوتفليقة لتهيئة الأمر لشقيقه سعيد.

وقد أدت هذه المتغيرات إلى مطالبة بعض القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني (مكتب الفيدرالية الوطنية لأبناء الشهداء بتيزي وزو- الجمعية الثقافية قصباوية بالجزائر العاصمة) الجنرال "محمد مدين" (الجنرال توفيق) بترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك لتاريخه ومواقفه الوطنية تجاه الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد خلال الفترة الأخيرة والتي اتخذها حفاظًا على الوضع الداخلي للبلاد.

كما دعت حركة مجتمع السلم (حمس) ذات التوجهات الإسلامية إلى ضرورة انتخاب رئيس جديد توافقي، ثم اختيار رئيس حكومة توافقي، يجسد الرؤية الاقتصادية والإصلاحات السياسية المتوافق على أولوياتها، ثم تشكيل حكومة توافقية واسعة التمثيل، تجمع بين الكفاءة والخبرة والرمزية السياسية، وتوافق مع رؤية (حمس) كل من حزبي "النهضة" و"العدالة الاجتماعية" الرافضين لفكرة التجديد لبوتفليقة.

غير أن تلك الدعوة لم تجد صداها عند كثير من الأحزاب، وعلى رأسهم أحزاب الموالاة مثل "جبهة التحرير الوطني" (الأفلان)، و"التجمع الوطني الديمقراطي" (الأرندي)، اللذين قبلا بالمبادرة في أبعادها الثلاثة، وأعلنا استعدادهما لتشكيل لجان مشتركة خاصة للجانب الاقتصادي، وتحسين وتطوير اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات، غير أنهما رفضا الأساس السياسي للمبادرة، وتمسكا بالتوافق على تولي بوتفليقة العهدة الرئاسية الخامسة.

4- المؤسسة العسكرية: على الرغم من أن القيادات التي تمت إقالتها كانت معروفة بالولاء لرئيس البلاد ورئيس أركان الجيش، كما أن معظمهم يحتل رتبًا عسكرية أقل من رئيس الأركان، إلا أنه كان هناك هاجس ظهور شخصيات من داخل المؤسسة العسكرية قد تنافس رئيس الأركان "قايد صالح" مستقبلًا باعتباره الحاكم لهذه القرارات، ويبقى رئيس الحرس الجمهوري "علي بن علي" هو أبرز المنافسين لـ"قايد" في حال إعلان بوتفليقة عدم ترشحه مستقبلًا وإعلان "قايد" الترشح بدلًا منه، وفي هذه الحالة ستنخرط المؤسسة العسكرية بشكل مباشر في التفاعلات السياسية بالبلاد.

تنافس مستتر:

ترجح المؤشرات الحالية وجود تنافس أو صراع بين سعيد بوتفليقة (شقيق الرئيس بوتفليقة)، ومؤيدي بقاء بوتفليقة لولاية خامسة من جهة، و"قايد صالح" من جهة أخرى، حيث ذكرت مصادر محلية تفيد بأن اللواءين اللذين أُنهيت مهامهما محسوبان على "سعيد بوتفليقة"، وهو ما يعد استبعادًا لقيادات الصف الأول بالجيش، ويرجح ذلك استبعاد الاحتمال القائم على تهيئة بوتفليقة لشقيقه "سعيد" لخلافته في حكم البلاد.

ورغم أن عملية تغيير القيادات العسكرية التي حدثت مؤخرًا لم تكن الأولى من نوعها في البلاد، إلا أنها أحدثت حالة من الانقسام داخل المجتمع الجزائري. فمن جهة، رأى البعض أن هذه التغييرات عملية مقبولة وفي وقتها، خاصة أنها تسبق إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة بتسعة شهور تقريبًا، وهو إجراء معتاد يقدم عليه دومًا الرئيس بوتفليقة قبيل الإعداد لمثل هذه الاستحقاقات الانتخابية، بالإضافة إلى أنها جاءت في وقت تواجه فيه البلاد تحديات أمنية متعلقة بمكافحة الإرهاب والتهريب وتجارة الأسلحة.

بينما رأى فريق آخر أن هذه التغييرات الجماعية غير عادية منذ عام 2004، خاصة أنها مست قادة من الصف الأول، حيث طالت رؤساء المناطق العسكرية الهامة، وبعضهم معروف عنه كفاءته مثل اللواء مفتاح صواب (رئيس المنطقة العسكرية السادسة) في مجال مكافحة الإرهاب، كما أن هذه التغييرات تؤكد حقيقة الدور السياسي للمؤسسة العسكرية.

وستظل المؤسسة العسكرية هي الداعم الأول للرئيس الحالي، والمؤثر الرئيسي في مجمل تطورات التفاعلات السياسية بالبلاد، هذا بالإضافة إلى الدعم الفرنسي الواضح لبوتفليقة، وهو ما يرجح الاتجاه إلى مساعدته في تولي فترة رئاسية خامسة حفاظًا على استقرار البلاد من ناحية، والعلاقات الفرنسية الجزائرية من ناحية أخرى.