تسييس الصورة:

استخدامات "انستجرام" بين المنافسة الانتخابية والتسلل الإرهابي

27 September 2017


على الرغم من انتشار تطبيقات الهواتف المحمولة إلا أن عددًا محدودًا منها حقق انتشارًا عالميًّا كاد يقترب إلى حدود الاحتكار، لا سيما مع اتجاه عمالقة التكنولوجيا للاستحواذ عليها. ومن أهم هذه التطبيقات إنستجرام، المتخصص في مشاركة الصور والفيديوهات، وهو التطبيق الذي لاقى انتشارًا مضطردًا حتى وصل عدد الصور عليه إلى 40 مليار صورة حول العالم. 

وعلى الرغم من استخدام التطبيق لأغراض التسلية والترفيه بالأساس، إلا أنه شهد أيضًا استخدامًا سياسيًّا تارة بغرض الدعم والتضامن، وتارة أخرى بغرض الدعاية السياسية والحروب الانتخابية، وتارة ثالثة لنشر الأفكار الإرهابية، لا سيما بعد إغلاق العديد من حسابات التنظيمات المتطرفة على فيسبوك ويوتيوب وتويتر، الأمر الذي حمل أبعادًا أكثر جدية للتطبيق.

انتشار مضطرد:

أطلق المبرمجان الأمريكيان "كيفن سيستروم" و"مايك كريجر" تطبيق إنستجرام على متجر "آبل" في أكتوبر 2010 كأول منصة اجتماعية لالتقاط الصور ومشاركتها. ورغم بساطة التطبيق، إلا أنه استطاع أن يحقق رواجًا هائلًا حتى بلغ عدد مستخدميه بعد شهرين فقط من إطلاقه مليون شخص حول العالم، وقبيل نهاية العام الأول بلغ عدد مستخدميه 10 ملايين شخص يتداولون 150 مليون صورة.

وفي أبريل 2012، تم طرح التطبيق على متجر أندرويد، وبعد ستة أيام تم الإعلان عن شرائه من قبل فيسبوك، وتضاعف عدد مستخدميه إلى 80 مليون مستخدم في يوليو من العام نفسه، وهو الرقم الذي ارتفع إلى 100 مليون في فبراير 2013، ثم 150 مليون مستخدم نشط شهريًّا في سبتمبر من العام نفسه، يتداولون 16 مليار صورة بمعدل 55 مليون صورة يوميًّا. وقد ساهم إطلاق التطبيق لخدمة الفيديو في يونيو 2013 في تدعيم هذا الرواج، وهي الخدمة التي شهدت رفع 5 ملايين مقطع فيديو في أول أربع وعشرين ساعة من إطلاقها.

وعقب خمس سنوات، وصل عدد المستخدمين النشطين شهريًّا إلى 700 مليون في أبريل 2017، يتداولون 40 مليار صورة، مقارنة بنحو 600 مليون في ديسمبر الماضي، ليسجل أعلى معدل نمو له منذ إطلاقه بإضافة 100 مليون مستخدم جديد خلال أربعة شهور فقط. ويبلغ معدل استخدامه 32% بين مستخدمي الإنترنت ليصبح ثاني أكبر شبكة اجتماعية انتشارًا بعد فيسبوك.

ويقدر تقرير الإعلام الاجتماعي العربي لعام 2017 الصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية عدد مستخدمي إنستجرام في الدول العربية بنحو 7.1 ملايين مستخدم نشط، تستحوذ المملكة العربية السعودية على 30% منهم بإجمالي 2.1 مليون مستخدم، تليها دولة الإمارات العربية المتحدة 1.2 مليون، ثم مصر 800 ألف، ولبنان 570 ألفًا، والكويت 360 ألفًا، فيما تستحوذ الإمارات على أعلى معدل انتشار بنسبة 13% من سكانها.

وتقل هذه الأرقام كثيرًا عما أعلنه جوناثان لابين، المدير العام لمنطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا وباكستان لدى شركة فيسبوك المالكة للتطبيق، والذي أفصح في فبراير 2017 عن أن مستخدمي التطبيق بالشرق الأوسط بلغ 63 مليون مستخدم ما يجعلها المنطقة الأكثر نموًّا في استخدامه عالميًّا، وقد يرجع هذا الاختلاف إلى المنهجية التي اتبعها تقرير الإعلام الاجتماعي الذي اعتمد على جمع البيانات بأسلوب العينات، وذلك بالتطبيق على عينة ضخمة قوامها 750 ألف مستخدم، مع استخدام طرق تحديد المواقع الجغرافية لتحليل بيانات الصور وغيرها من أساليب التحليل.

الاستخدام السياسي:

على الرغم من الطابع الخفيف لتطبيق إنستجرام والذي يتنافر مع النمط التقليدي للاتصال السياسي من حيث كونها أكثر جدية وصرامة، إلا أن هذا الطابع نفسه أتاح مزايا نوعية للتطبيق جعلت منه أداة جيدة للتواصل مع فئات جديدة وبأساليب غير مألوفة، وهي المزايا التي تتركز في ثلاثة عناصر؛ الأول الارتباط بالصورة والعناصر المرئية والتي تُعد الأكثر رواجًا وتشجيعًا على التفاعل، الثاني الطابع الحميمي الذي يتيح مساحات للاستمالات العاطفية والتواصل الإنساني خاصة في الحملات الانتخابية، أما الثالث فهو جمهور المستخدمين الذين تُظهر الإحصاءات أن النسبة الأكبر منهم من الإناث وصغار السن، وهي الفئات التي طالما كان من الصعب التوجه إليها. ففي الولايات المتحدة، أظهر استطلاع لمركز "بيو" للأبحاث في أغسطس 2017 أن 60% من مستخدمي التطبيق من النساء، و51% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا.

وتتضح تلك المزايا التي يوفرها إنستجرام للتواصل السياسي بالنظر إلى نتائج الدراسات التي أُجريت في هذا الشأن، فقد أظهر تقرير تويبلوماسي Twiplomacy المتخصص في استخدام القادة السياسيين للإعلام الاجتماعي والصادر عن "مؤسسة بيرسون مارستيلرز للعلاقات العامة" حول "قادة العالم على إنستجرام للعام 2017"، أن 144 دولة من 193 عضوًا بالأمم المتحدة (72.5%) يمتلك رؤساؤها أو قادة حكوماتها ووزراء خارجيتها حسابات على التطبيق، وأضاف التقرير أن الطبيعة المصورة له تجعله قناة مثالية للزعماء من أجل مخاطبة الناخبين بمكونات مصورة تسمح لهم بالمشاركة والتفاعل.

وكشف التقرير الذي تضمن تحليل 325 حسابًا لشخصيات رسمية يتابعها نحو 49 مليون شخص في أبريل 2017، أن حساب رئيس وزراء الهند ناردندرا مودي كان الأكثر متابعة بإجمالي 6.8 ملايين متابع، يليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإجمالي 6.4 ملايين، فيما ضمت قائمةُ العشرة الأوائل اسمين عربيين هما: الملكة رانيا العبدالله (عقيلة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية) التي يتابع حسابها 3.1 ملايين، وسمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس وزرائها بإجمالي 3.4 ملايين متابع، كما وُضع حساب وزير الخارجية البحريني أحمد بن خالد آل خليفة ضمن قائمة الحسابات الجديرة بالمتابعة والتي تنشر صورًا غير تقليدية وتتعامل بابتكار مع المتابعين.


وأشارت الشركة -في تقريرها- إلى أن الحسابات الرسمية لا تنشر فقط رسومًا توضيحية أو بيانات أو صورًا لأحداث إرهابية على سبيل المثال، وإنما يميل الزعماء السياسيون إلى نشر صور شخصية لهم ولعائلاتهم، وأن صورة رئيس سلوفاكيا مع نجله كانت الأكثر استحواذًا على الإعجاب في حسابه، فيما كان فيديو إيفانكا ترامب مع ابنها الأكثر مشاهدة على حساب والدها بإجمالي 1.7 مليون مشاهدة.

وفي العام الماضي، أجرت شركة "نيوز ويب" لأبحاث التسويق دراسة على استخدام المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأمريكية لإنستجرام في الفترة من ديسمبر 2015 إلى يناير 2016، ووضعت ترامب على رأس قائمة المرشحين من حيث حجم التفاعل، كما أشارت إلى ثلاثة تكتيكات رئيسية يستخدمها المرشحون، هي: الطابع الشخصي بنشر صور العائلة، والوحدة والاحتواء بنشر صور الداعمين على اختلاف توجهاتهم، وأخيرًا استخدام الفيديو ذي الطابع الحاد استدلالًا بالفيديوهات الهجومية التي كان ينشرها ترامب، وهو ما حوَّل إنستجرام إلى ساحة للحرب الانتخابية.

وقد واصل ترامب هذه الحرب مع المراحل التالية للانتخابات؛ إذ شهد التطبيق حربًا بالصور بين دونالد ترامب ومنافسه الجمهوري جيب بوش، حيث عمد ترامب إلى نشر فيديوهات قصيرة مكثفة بشأن موقف الأخير من حرب العراق، وهي الحرب التي وصلت إلى حد نشر فيديو لوالدة بوش تحثه فيه على عدم خوض الانتخابات، وهو ما مثَّل تحولًا كبيرًا في استخدام السياسيين للتطبيق، وهو الاستخدام الذي كان يغلب عليه الطابع الشخصي والإنساني، وهو ما دفع بوش للرد بفيديو هجومي مماثل بعنوان "دونالد ترامب الحقيقي".

مخاوف مشروعة:

ارتبط انتشار الهواتف الذكية بالتقاط الصور السيلفي واستخدام كاميرات المحمول لتوثيق الأحداث ومشاركتها، وهو ما يتناغم مع تعاظم ثقافة الصورة وتأثيرها، وهي أمور وفرت مناخًا ملائمًا لانطلاق الشبكات الاجتماعية التي تعتمد على نشر الصور ومشاركتها. 

وعلى الرغم من الظهور المبكر لمواقع مشاركة الصور مثل فليكر، إلا أن ابتكار تطبيق مخصص لالتقاط الصور ومشاركتها عبر الهواتف الذكية أتاح منصة ذات مزايا نوعية سرعان ما تلقفها ملايين البشر عبر العالم ليسارعوا بنشر مليارات الصور عن تفاصيل حياتهم اليومية عبر منصة إنستجرام التي بادر عملاق التكنولوجيا فيسبوك للاستحواذ عليها، ليصبح الأخير أكبر بنك معلومات لنحو ربع سكان الأرض.

ولعل هذا الحجم الضخم من البيانات يثير مخاوف مشروعة بشأن استخدام فيسبوك لهذه البيانات، والصورة الأكبر التي توفرها للمجتمعات حال إخضاعها لعمليات الفرز وتقنيات تحليل البيانات الضخمة، وهي المعلومات التي تتزايد بشكل لا نهائي، ونتشارك جميعًا في توفيرها، ونوافق على امتلاكه لها وتصرفه فيها.

مصدر آخر للقلق في هذا الشأن، يتصل باستخدام الجماعات الإرهابية له والاستفادة من تلك المزايا التي يوفرها للاتصال السياسي، فمع الانتشار المضطرد له أجرى معهد الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية دراسة عام 2013 أظهرت تسلل المحتوى الإرهابي للتطبيق، واستخدام عناصر إرهابية حساباتهم لنشر صور داعمة للتطرف، وهو ما تكرر في دراسة أخرى أجرتها جامعة جورج واشنطن عام 2015 على استخدام داعش لوسائل التواصل الاجتماعي توصلت فيها إلى اتجاه التنظيم لاستخدام منصات أكثر حميمية مثل إنستجرام، وأنه بمقارنة تواجد التنظيم على تويتر يبدو المحتوى المنسوب إليه على إنستجرام "غير رسمي"، سواء بنشر صور توضح التعاطف، أو بنشر تفاصيل الحياة اليومية في ظل التنظيم بسوريا، بما يصب في النهاية لصالح إظهار الإرهاب كأنه أمر طبيعي.

تطفو أيضًا بعض المخاوف بشأن استخدام إنستجرام مصدرًا للأخبار واستقاء المعلومات، فقد أظهر استطلاع لمركز "بيو" للأبحاث في أغسطس 2017 أن 67% من الأمريكيين يستخدمون الإعلام الاجتماعي للحصول على الأخبار، وأن 27% يستخدمون إنستجرام لهذا الغرض، وهي الأخبار التي أظهر استطلاع في العام السابق أن ثلثيهم يحصلون عليها بطريقة غير مقصودة أي ضمن أنشطة أخرى يجرونها، وهو ما يعني عدم السعي للتحقق منها، وإنما استهلاكها بشكل ضمني يسمح -إلى حدٍّ كبير- بتسلل الشائعات والأخبار الزائفة، وهي المعضلة التي باتت تؤرق صناع التكنولوجيا والتشبيك الاجتماعي.