توجُّه جديد:

كيف تسعى إدارة ترامب إلى إحكام العزلة على خصومها؟

17 September 2017


بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تبني سياسة جديدة تقوم على فرض عزلة دولية وإقليمية على الدول التي يتسع نطاق خلافاتها معها، من أجل ممارسة ضغوط أكبر عليها، ودفع كثيرٍ من دول العالم إلى تأييد سياستها في التعامل مع تلك الدول. لكن اللافت هنا، هو أن ذلك ربما يشير إلى أن الخيارات المتاحة أمام الإدارة الأمريكية لا تبدو واسعة في التعامل مع تلك الدول؛ إذ إن الاستناد إلى الخيار العسكري ما يزال يواجه عقبات عديدة لا تبدو هينة، سواء لاعتبارات داخلية أو لتوازنات خارجية، كما أن خيار العقوبات لم ينجح حتى الآن في الضغط على تلك الدول من أجل تغيير سياستها التي تسببت في تصاعد حدة التوتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، على غرار ما يحدث مع كوريا الشمالية وإيران. ويبدو أن ذلك سوف يدفع واشنطن إلى مواصلة انتهاج تلك السياسة خلال المرحلة المقبلة، على أساس أنها قد تساعد في دعم الخطوات التي تتخذها إزاء خصومها في المنطقة والعالم.

وتكشف مؤشرات عديدة عن اتجاه الإدارة الأمريكية إلى محاولة دفع حلفائها نحو تقليص علاقاتهم مع خصومها الدوليين، وهو ما يُمكن تناوله على النحو التالي:

هاجس طهران:

1- ممارسة ضغوط على قطر للتراجع عن تطوير علاقاتها مع إيران: كان لافتًا أن الإدارة الأمريكية بدأت تُبدي اهتمامًا خاصًّا بضرورة منع قطر من محاولة تطوير علاقاتها مع إيران، عبر التركيز على ضرورة الالتزام ببنود قمة الرياض، في إشارةٍ إلى القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عُقدت بالرياض في 21 مايو 2017 بمشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من قادة الدول العربية والإسلامية.

إذ أكد البيان الختامي للقمة على ضرورة التصدي لأنشطة النظام الإيراني المُزعزِعة للاستقرار والأمن في المنطقة والداعمة للإرهاب، وشدد على خطورة برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.

ولذا كان التصدي لأنشطة إيران والالتزام بقرارات قمة الرياض أحد المحاور الرئيسية في الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس ترامب مع كلٍّ من سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان (ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة)، والأمير محمد بن سلمان (ولي العهد، وزير الدفاع السعودي)، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في 9 سبتمبر 2017.

وقد أكد بيان وزارة الخارجية الأمريكية أن ترامب أكد خلال تلك المحادثات أن "الوحدة بين الشركاء ضرورية لتعزيز الاستقرار الإقليمي، والتصدي لتهديد إيران"، في إشارة واضحة إلى الدوحة تُفيد بأن مقاربتها الجديدة التي تقوم على محاولة استقطاب دعم إيران في أزمتها مع الدول الأربع المضادة للإرهاب قد تؤثر على علاقاتها مع واشنطن التي تركز في المرحلة الحالية على ضرورة التصدي لأنشطة إيران في المنطقة.

تجاوز العقوبات:

2- اتهام تركيا بمساعدة إيران على تجاوز العقوبات المفروضة عليها: وجهت وزارة العدل الأمريكية، في 6 سبتمبر 2017، اتهامات لتسعة أشخاص ثمانية منهم أتراك من بينهم وزير الاقتصاد التركي السابق محمد ظافر شاغليان، المقرب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمدير العام السابق لبنك خلق الحكومي سليمان أصلان، بـ"التآمر لاستخدام النظام المصرفي الأمريكي في إجراء تحويلات بمئات ملايين الدولارات بالوكالة عن الجمهورية الإيرانية وجهات إيرانية أخرى تشملها العقوبات".

وأشارت وزارة العدل الأمريكية إلى أن المتهمين ساعدوا إيران خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2015 على الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها قبل الوصول للاتفاق النووي في منتصف يوليو 2015.

ورغم أن هذه الاتهامات لا تبدو جديدة، حيث سبق أن كُشف عنها خلال ديسمبر 2013، وتسببت في ما يمكن تسميته بـ"أكبر فضيحة فساد" داخل الحكومة التركية التي كان يرأسها آنذاك الرئيس الحالي طيب أردوغان؛ إلا أن العودة إلى إلقاء الضوء عليها من جديد في هذا التوقيت ربما لا ينفصل عن وجود قلق أمريكي تجاه تطور العلاقات بين تركيا وإيران، خلال الفترة الأخيرة.

فإلى جانب الدعم الذي قدّمته تركيا لإيران في الملف النووي، قبل الوصول للصفقة النووية، فإنها حرصت على رفع مستوى علاقاتها الثنائية بين الطرفين، والوصول إلى تفاهمات سياسية وأمنية معها حول بعض الملفات الإقليمية، وعلى رأسها تطورات الصراع في سوريا، والاستفتاء على الانفصال في إقليم كردستان المزمع إجراؤه في 25 سبتمبر الجاري.

وربما لا يمكن فصل تصعيد هذا الملف تحديدًا في هذا التوقيت عن الزيارة اللافتة التي قام بها رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري إلى أنقرة ولقائه كبار المسئولين الأتراك، في 16 أغسطس 2017، والتي ستتبعها زيارة سيقوم بها لاحقًا الرئيس أردوغان إلى طهران، والذي التقى مع الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش قمة التعاون الإسلامي للعلوم والتكنولوجيا التي عقدت في كازاخستان يومي 10 و11 سبتمبر الجاري.

أنقرة بدورها ترى، على ما يبدو، أن تعمد واشنطن إعادة فتح هذه القضية في هذا التوقيت تحديدًا له هدف سياسي خاص بممارسة ضغوط عليها من أجل تقليص مستوى علاقاتها المتصاعدة مع إيران على المستويات المختلفة.

كما أنها باتت تعتبر أن هذا الملف ربما ينضم إلى قائمة الخلافات المتعددة التي أصبحت حاضرة بقوة في علاقاتها مع واشنطن، والتي صعدها عدم تجاوب الأخيرة مع مطالب الأولى بتقليص دعمها العسكري للميليشيات الكردية في سوريا، في ظل اعتمادها عليها في محاربة تنظيم "داعش"، وعدم حسم ملف تسليم فتح الله جولن (مؤسس حركة خدمة) الذي تتهمه أنقرة بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو 2016.

من هنا، ربما يمكن تفسير حرص أردوغان على تأكيد أن أنقرة لن تكون جزءًا من عقوبات واشنطن على طهران، حيث قال، في 8 سبتمبر الجاري، إن الاتهامات الموجهة إلى الوزير التركي السابق هي تحرك له دوافع سياسية.

خيارات مقيدة:

وفي ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية، إن واشنطن باتت تتبنى سياسة جديدة تقوم على ضرورة تقييد الخيارات الدولية والإقليمية المتاحة أمام خصومها في المنطقة والعالم، من خلال دفع حلفائها إلى تبني مواقف قريبة من هذه السياسة، باستخدام أوراق ضغط مختلفة مثل إعادة توجيه اتهامات لتركيا بالمساهمة في التحايل على قرارات مجلس الأمن بسبب علاقاتها المتنامية مع إيران.