ارتدادات خلفية:

حدود الارتباط بين تصاعد الإرهاب في مصر وأزمات الإقليم

27 July 2017


 شهدت مصر في الآونة الأخيرة تصاعداً واضحاً للعمليات الإرهابية، سواء من قبل تنظيم "داعش"، أو حركة حسم الإرهابية، المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من توجيه القوات الأمنية ضربات موجعة لهذه التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم "داعش" ولاية سيناء، ولا يمكن فصل هذا التطور عن العوامل الإقليمية المرتبطة بتصاعد التوتر مع قطر، خاصة في ضوء وجود أدلة على تورط الأخيرة في دعم الجماعات الإرهابية في مصر.

ويهدف هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على أبرز التنظيمات الإرهابية الموجودة في مصر، وأبرز العوامل المفسرة لتصاعد الأنشطة الإرهابية في الآونة الأخيرة، فضلاً عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية في مواجهة تلك الاعتداءات الإرهابية.

خريطة التنظيمات الإرهابية: 

 تنبع التهديدات الإرهابية من ثلاث جماعات إرهابية، وهي: تنظيم "داعش" – ولاية سيناء، وحركة حسم (سواعد مصر)، بالإضافة إلى اختراق خلايا داعشية لصعيد مصر، وعلى الرغم من أن هذه الجماعات تتمتع بهياكل مؤسسية مستقلة، عن بعضها البعض، فإن هناك قدراً من التعاون، سواء على مستوى محاكاة التكتيكات، كما في حالة حركة حسم و"داعش" – ولاية سيناء، أو على المستوى الأيديولوجي، كما في حالة الجماعات المرتبطة بـ"داعش" في صعيد مصر، و"داعش" في ولاية سيناء. وبصورة أكثر تفصيلاً، فإن هذه الجماعات تتمثل في:

1- تنظيم "داعش" – ولاية سيناء: ويعود أصل هذا التنظيم إلى تنظيم أنصار بيت المقدس، والذي بايع أبا بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" في نوفمبر ٢٠١٤، وتكون بصورة أساسية من البدو المهمشين، والسلفيين الجهاديين، الذين فروا إلى سيناء قادمين من محافظات أخرى في مصر. 

ويركز التنظيم على استهداف القوات الأمنية في سيناء، والأقباط المسيحيين، سواء في داخل سيناء أو خارجها، والتي كان آخرها الهجوم الذي وقع في ٩ أبريل ٢٠١٧، حين تم استهداف كنيستين في الإسكندرية وطنطا باستخدام عبوات ناسفة، وهو ما أدى إلى مقتل حوالي ٤٥ فرداً. ويهدف "داعش" من استهداف المسيحيين إلى إثارة الاحتقان الطائفي في المجتمع المصري.

وهناك مؤشران على وجود تعاون بين ولاية سيناء أو "أنصار بيت المقدس"، والإخوان المسلمين، الأول يتمثل في أن استهداف التنظيم للقوات الأمنية في سيناء قد تضاعف في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، فقد كان التنظيم طوال الفترة الممتدة من عام ٢٠١٢ إلى عام ٢٠١٣، يركز على استهداف خطوط نقل الغاز الطبيعي، التي تربط بين مصر وإسرائيل والأردن، غير أنه بعد الإطاحة بمحمد مرسي، ركز التنظيم على استهداف قوات الجيش والشرطة في سيناء. 

وثانياً، هناك مؤشرات على تغاضي أو حتى تواطؤ حركة حماس مع تنظيم "داعش" ولاية سيناء، وهو ما وضح في تورط عناصر سابقة في الجناح العسكري للحركة في الهجوم على الجيش المصري في ٧ يوليو ٢٠١٧، والذي نتج عنه وفاة ٢٣ جندياً مصرياً.

2- حركة حسم: تورطت جماعة الإخوان المسلمين في القيام بعمليات إرهابية طيلة الفترة الممتدة من الأربعينيات، وحتى الستينيات من القرن العشرين. وقد لجأ الإخوان مرة أخرى إلى العنف بعد الإطاحة بمحمد مرسي، خاصة شباب التنظيم، الذين شاركوا في هجمات ضد الأهداف الحكومية والأقباط، بل وقد أعلن القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، محمد البلتاجي أن العمليات الإرهابية التي تحدث في سيناء لن تتوقف حتى عودة مرسي إلى السلطة.

وفي هذا الإطار، يعتقد الكثير من الخبراء والمتابعين للجماعات الإرهابية أن حركة حسم هي إحدى الحركات الإرهابية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، والتي تورطت في تنفيذ عمليات إرهابية، والتي كان أبرزها محاولة الاغتيال الفاشلة لعلي جمعة، مفتي مصر السابق في أغسطس 2016، كما حاولت الحركة اغتيال المستشار أحمد أبو الفتوح رئيس محكمة الجنايات بمدينة نصر، والذي كان أحد ثلاثة قضاة شاركوا في محاكمة محمد مرسي.

ويركز التنظيم بصورة أساسية على القيام بعمليات إرهابية في المناطق الحضرية المزدحمة خارج سيناء، ويستخدم التنظيم تكتيكات إرهابية معقدة، مثل استخدام السيارات المفخخة في تنفيذ العمليات الإرهابية، وقد نجحت الحكومة المصرية في توجيه ضربات موجعة للتنظيم، والتي كان آخرها اعتقال عدد من عناصر التنظيم، فضلاً عن الكشف عن الهيكل التنظيمي للحركة، المسؤول عن التجنيد والتدريب والتمويل والتخطيط للعمليات الإرهابية.

وعلى الرغم من الضربات الأمنية الموجعة للتنظيم، فإنه نجح في القيام بعمليات إرهابية انتقامية، وهو ما يمكن إرجاعه إلى الطبيعة اللامركزية للتنظيم، كما يعتقد بأن بعض الجماعات الإرهابية الأخرى المرتبطة بالإخوان المسلمين، والتي أعلنت عن نفسها، وسرعات ما اختفت، قد تكون اندمجت في حسم، مثل حركة لواء الثورة.

3- اختراق خلايا داعشية لصعيد مصر: شهدت مصر مؤخراً عدداً من العمليات الإرهابية من قبل عدد من الخلايا الإرهابية المرتبطة بـ"داعش"، والتي كانت متمركزة في ليبيا، وقام بعضها بالانتقال إلى صعيد مصر لتنفيذ عمليات إرهابية. ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل منها انهيار الدولة في ليبيا، وتوفر السلاح لدى عدد كبير من الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى صعوبة تأمين كامل الحدود المصرية مع ليبيا، فضلاً عن دور مصر في دعم خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، في فرض الأمن والاستقرار في شرق ليبيا.

وقد كان أول هجوم للتنظيم ذلك الذي استهدف ذبح ٢١ قبطياً يعملون في ليبيا في فبراير ٢٠١٥، كما شن التنظيم أول هجوم داخل مصر في يناير ٢٠١٦ عندما قام بالهجوم على نقطة تفتيش للجيش في واحة الخارجة في الصحراء الغربية، وهو ما أسفر عن مقتل عشرة ضباط. ويلاحظ أن التنظيم يسعى لمحاكاة ولاية سيناء، سواء في استهداف قوات الشرطة، أو في استهداف الأقباط لإثارة الاحتقان الطائفي.

صعود التهديدات الإقليمية:

هناك مجموعة من الأسباب التي تفسر تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في مصر مؤخراً، والتي ترتبط بالدور القطري في تأجيج العنف في مصر، وخطر عودة المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى انضمام عناصر عسكرية سابقة في حماس إلى "داعش"، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- التدخل القطري في الشؤون الداخلية: فقد كشفت الأزمة بين الدول الرباعية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وقطر عن الدور الذي تمارسه قطر في مساندة ودعم الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين في مصر، وهو ما وضح في أن القائمة التي أعدتها الدول الأربع، والتي ضمت ٥٩ إرهابياً والمقيمين في قطر، كان من بينهم ٢٦ إرهابياً مصرياً، كما أن بعضهم ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين،  حيث أمدتهم الدوحة بالقنوات الإعلامية لمهاجمة الحكومة المصرية، وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن قناة الجزيرة لم تشر إلى حركة "حسم" باعتبارها جماعة إرهابية، بل تشير إليها باعتبارها حركة مسلحة، أو تشير إلى تصنيف السلطات المصرية للجماعة باعتبارها تنظيماً إرهابياً. 

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن يوسف القرضاوي، القائد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، والمقيم في قطر، والمقرب من الأسرة الحاكمة في قطر، وصف من يرفض حكم الرئيس السابق محمد مرسي بالخوارج، وحث الإخوان المسلمين، من خلال قناة الجزيرة، على التظاهر حتى عودة مرسي إلى الحكم، بل ودعا إلى التدخل الأجنبي لإعادته إلى الحكم.

وقد اتهمت وزارة الداخلية المصرية قطر بدعم الجماعات الإرهابية في مصر، والتورط في تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر ٢٠١٦، فقد كشفت السلطات المصرية أن محب مصطفى السيد قاسم، قائد الخلية الإرهابية التي نفذت الهجوم، التقى قيادات بارزة في تنظيم الإخوان المسلمين في الدوحة، وأقنعوه بالانضمام إلى تنظيم "داعش" – ولاية سيناء لتلقي التدريب اللازم لتنفيذ العملية الإرهابية، وهو ما يوضح حجم العلاقة بين الإخوان المسلمين و"داعش" في سيناء، وقطر. 

2- عودة المقاتلين الأجانب: تواجه مصر، مثل العديد من الدول الأوروبية، مخاطر عودة المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا، خاصة بعد أن تعرض التنظيم الأم في سوريا والعراق لانتكاسات عسكرية. وتشير التقديرات الأمنية أن حجم المقاتلين الأجانب يتراوح عددهم بين بضع مئات إلى بضع آلاف. وقد تلقى هؤلاء المقاتلون تدريباً طويلاً في تصنيع المتفجرات وتجنب الإجراءات الأمنية، وهو ما يزيد من خطرهم على الأمن المصري. ويعتقد أن الهجوم الذي وقع استهدف الأقباط في المنيا قد قامت به عناصر تدربت على يد أحد الميليشيات المرتبطة بـ"داعش". 

3- انضمام عناصر سابقة في حماس إلى "داعش": وجهت السلطات المصرية اتهامات عدة إلى حركة حماس بتورطها في دعم "داعش" في سيناء. وقد أشارت جريدة الإندبندنت البريطانية بأنه بدءاً من عام ٢٠١٦، قام العشرات من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس بالانضمام إلى "داعش" في ولاية سيناء.

 وتتمتع هذه العناصر بخبرة واسعة في تصنيع المتفجرات، واستخدام الصواريخ المضادة للدبابات، وقد مارسوا دوراً مهماً في مساعدة التنظيم الإرهابي على مواصلة عملياته ضد القوات المصرية. وكما سبقت الإشارة، فإن حماس تعد فرع الإخوان المسلمين في فلسطين، وقد سبق وأن اتهمتها الحكومة المصرية بالتورط مع حزب الله في إثارة الفوضى وعدم الاستقرار وقتل مدنيين في أعقاب الاحتجاجات التي شهدتها مصر في أعقاب الاحتجاجات العربية.

إجراءات المواجهة الأمنية: 

اتبعت مصر استراتيجية متعددة الأبعاد في محاولة منها لمواجهة التهديدات الإرهابية، وهو ما يمكن إيجازه على النحو التالي:

1- الحصول على دعم ومساندة القبائل في مكافحة الإرهاب: فقد قامت القوات الأمنية بالتعاون مع رجال القبائل في سيناء، خاصة قبيلتي الترابين والسواركة وأمدتهم بالدعم اللوجستي، لمحاربة "داعش"، كما قامت مصر باتباع السياسة نفسها في التعامل مع القبائل البدوية في الصحراء الغربية، إذ استعانت بهم لرصد وتتبع تحركات الجماعات الإرهابية في تلك المناطق.

2- التدابير والإجراءات الأمنية والعسكرية: قامت مصر بتوجيه ضربات جوية ضد الجماعات الإرهابية في شرق ليبيا، وقد جاءت أولى الضربات في فبراير ٢٠١٥، واستهدفت معسكرات تدريب "داعش"، بالإضافة إلى مخازن السلاح التابعة للتنظيم، أما الضربة الثانية، فجاءت في مايو ٢٠١٧، واستهدفت الجماعات الإرهابية في درنة، شرق ليبيا.

ومن جهة ثانية، قامت الحكومة المصرية بتشديد الإجراءات الأمنية على الحدود مع غزة، ودمرت العديد من الأنفاق، وكذلك أنشأت منطقة عازلة على طول الحدود مع القطاع، وعززت الحكومة المصرية نقاط التفتيش التابعة للقوات العسكرية في شمال سيناء، خاصة على الطرق المؤدية إلى مدن العريش والشيخ زويد.

وبالإضافة إلى ما سبق، فقد أعلنت الحكومة المصرية حالة الطوارئ في أبريل ٢٠١٧، وذلك في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي استهدف المسيحيين في أبريل ٢٠١٧، وعلى الرغم من بعض الانتقادات الموجهة للحكومة المصرية بتوظيف الأداة الأمنية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية، ومحاولة تحميلها اللوم في تعزيز التطرف، فإنه من الملحوظ أن العديد من الدول الغربية لجأت مؤخراً إلى تغيير تشريعاتها لتعزيز قدرة أجهزتها الأمنية على مواجهة "داعش"، فقد أعلنت فرنسا حالة الطواري، وقامت ألمانيا بطرح مشروع قانون، ويسمح بأخذ بصمة الأطفال منذ سن السادسة، بالإضافة إلى إعطاء المحققين الحق في الاطلاع على الرسائل الخاصة.

3- تعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة الإرهاب: فقد قامت الحكومة المصرية بالتعاون مع حركة حماس، إذ إن انتماء الأخيرة إلى تيار الإخوان المسلمين لم يمنع الحكومة المصرية من قبول مساعي الحركة للتقرب من مصر. وقد تم التوصل إلى صفقة تم بموجبها الاتفاق على قيام حماس بلعب دور في ضبط حدود القطاع مع مصر، في مقابل فتح معبر رفع بين مصر وغزة، وإمداد مصر للقطاع بجانب من احتياجاته من الكهرباء.

ومن جهة ثانية، عززت مصر تعاونها الأمني مع خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي في شرق ليبيا، في محاولة لضبط الحدود، ومحاربة التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي للدولتين.

4- الضغط على قطر: قامت مصر بالرد على التدخل القطري في الشؤون الداخلية، ودعمها الجماعات الإرهابية والمتطرفة من خلال المشاركة في الجهود السعودية – الإماراتية – البحرينية الرامية إلى مقاطعة قطر، لإجبارها على تغيير سلوكها، وبالإضافة إلى ذلك طالبت مصر مجلس الأمن بالتحقيق في قضية تمويل قطر للجماعات الإرهابية.

وفي الختام، يمكن القول إن مصر سوف تواجه تحديات من التنظيمات الإرهابية، خاصة تلك المرتبطة بتنظيم "داعش"، والتي تتخذ من الدول المجاورة قاعدة لشن هجمات على مصر. وعلى الرغم من نجاح الجهود المصرية في توجيه ضربات استباقية ضد التنظيمات الإرهابية، فإنه يتوقع أن تشهد مصر عمليات إرهابية في المدى المنظور، غير أنه على المدى الطويل، ومع تعزيز التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى مواصلة الضغط على قطر لتغيير سياستها الداعمة للإرهاب، فإنه يتوقع أن تنجح مصر في القضاء في التهديدات الإرهابية.