الخيارات الخمسة:

المسارات المحتملة للمقاتلين المحليين بعد سقوط التنظيمات الإرهابية في الإقليم

25 July 2017


يطرح انهيار التنظيمات الإرهابية أو تفكيكها في بعض بؤر الصراعات المسلحة في المنطقة العربية، تساؤلاً مهماً، حول المسارات المحتملة للمقاتلين المحليين، لاسيما في ظل ما يتمتعون به من خصائص تميزهم عن المقاتلين الأجانب، مثل ارتباطهم بالأرض التي يوجدون فيها، وكذلك "تعدد دوافع الانضمام للتنظيمات" وعدم اقتصارها على العامل الفكري فقط، إضافة إلى قدرتهم على التخفي والذوبان وسط السكان المحليين، نظراً لوجود "شبكة علاقات اجتماعية"، وتمنحهم القدرة على ذلك، مما يجعل خياراتهم ومساراتهم متعددة بعد انهيار التنظيمات، مثل "القتال حتى الموت" أو ممارسة العمل الإرهابي بشكل منفرد، أو التوجه إلى تكوين مجموعات إرهابية صغيرة، أو الانخراط في تنظيمات أخرى، أو الابتعاد عن ذلك كله، والعودة إلى الحياة الطبيعية.

 فقد أثار إعلان رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي"، في العاشر من يوليو الجاري، عن تحرير مدينة "الموصل" من قبضة تنظيم "داعش"، وإنهاء وجوده في المدينة بشكل كامل، والذي جاء بعد فترة من خروج التنظيم من مدينة "حلب" السورية بشكل كامل، تساؤلات مهمة، حول مصير المقاتلين المحليين في صفوف التنظيمات الإرهابية، والمسارات المحتملة لهم، عقب انهيار تلك التنظيمات أو تفكيكها.

إن حالة سقوط تنظيم "داعش" في العراق، ليست الوحيدة، حيث كان قد سبقها، إعلان تنظيم "سرايا الدفاع عن بنغازي" في ليبيا، الذي يعد من المجموعات التابعة لتنظيم "القاعدة"، استعداده لحل نفسه، في 23 يونيو الماضي، والذي جاء بعد أقل من شهر، من إعلان شقيقه الأكبر "أنصار الشريعة"، حل نفسه في 28 مايو 2017، وإنهاء وجوده التنظيمي على الساحة، من دون توضيح مصير مقاتليه ومساراتهم المستقبلية، الأمر الذي يستوجب إلقاء الضوء على سمات المقاتلين المحليين، التي تميزهم عن المقاتلين الأجانب، حتى يمكن تحديد المسارات المحتملة لهم.

خصائص مميزة:

تتميز العناصر المحلية داخل صفوف التنظيمات الإرهابية في بؤر الصراعات المسلحة العربية، بعدد من السمات، التي تجعل خياراتهم متعددة في حالة تفكيك أو انهيار التنظيمات الإرهابية التي ينتمون إليها، ويمكن تحديد أهم تلك السمات في الآتي:

1- الارتباط بالأرض: أعضاء التنظيمات الإرهابية من العناصر المحلية، هم في الأصل مواطنون انخرطوا في صفوف التنظيمات الإرهابية - بغض النظر عن الدوافع - بسبب وجودها وانتشارها في المناطق التي يعيشون فيها، ولم يأتوا من دول أخرى للالتحاق بالتنظيمات، كالمقاتلين الأجانب.

وبالتالي فهم مرتبطون بالأرض بشكل كبير، وليس لديهم دافع الرغبة في مغادرتها، إلى بلاد أخرى، وبالتالي فإنه في حالة انهيار التنظيمات التابعة لها، فإنهم سيبقون داخل بلدانهم، ولن يسافروا إلى الخارج، إلا تحت وطأة الخوف من القتل أو السجن، بخلاف المقاتلين الأجانب، الذين لديهم الخيار بين العودة إلى بلادهم تحت مسمى (العائدين)، أو التوجه إلى إحدى البؤر المشتعلة الأخرى، للالتحاق بأي من التنظيمات الإرهابية، وهو ما يطلق عليهم (المقاتلون الجوالة).

2- تعدد دوافع الانضمام للتنظيم: لا يعد "العامل الفكري"، الدافع الوحيد وراء انضمام  العناصر المحلية للتنظيمات الإرهابية، بخلاف العناصر الأجنبية، التي انخرطت في صفوف هذه التنظيمات بسبب ذلك "العامل" فقط، حيث تتعدد دوافع العناصر المحلية وراء انخراطهم، ما بين "اقتصادية"، أو "اجتماعية"، أو "انتقامية"، كما ينخرط بعض تلك العناصر بهدف الحصول على حماية التنظيم أو الخوف من بطشه، ولكن هذا لا يمنع وجود أعداد غفيرة قد انضمت بسبب "العامل الفكري"، وبالتالي فإن تعدد الدوافع، يمكن أن يتيح لقطاعات منهم خيارات متعددة، في مرحلة ما بعد التنظيم، نظراً لأن "الفكر" لن يكون العامل الوحيد الحاكم لتوجهاتهم في تلك المرحلة.  

3- القدرة على التخفي: نظراً لأن المقاتلين المحليين، هم مواطنون من التركيبة السكانية نفسها في المناطق التي تنشط فيها التنظيمات التابعة لها، لذا فهم لا يختلفون عن قاطني تلك المناطق من حيث الشكل والملامح واللهجة والزي، وهو ما يمنحهم القدرة على التخفي والذوبان بين السكان، في حالة إذا ما كانوا مطلوبين أمنياً، خاصة أنهم على دراية كبيرة بطبيعة الأرض، والعائلات والقبائل والعشائر وخريطة علاقاتها.

مما يجعل لديهم القدرة على التحرك والانتقال من مكان إلى آخر، من دون لفت الأنظار، حتى يتمكنوا من تحديد المسار الذي سوف يتخذونه مستقبلياً، بخلاف "المقاتلين الأجانب"، الذين يختلفون عن السكان في كل ما سبق، لذا ستعد خياراتهم محدودة للغاية، في ذلك الإطار.

4- امتلاك شبكة علاقات اجتماعية: بما أن المقاتلين المحليين، من سكان وأبناء المناطق التي تنشط فيها تنظيماتهم، لذا فهم يتمتعون بشبكة علاقات اجتماعية جيدة، بسبب علاقات القرابة والصداقة والمصاهرة أو حتى الانتماء القبلي والعائلي.

وهذا ما يسمح لهم بالحصول على قدر من المساعدة والدعم في وقت الأزمات، مثل الإيواء والاختباء، فضلاً عن الدعم المادي والمالي، في حالة المطاردة الأمنية والتعقب، وهو ما سيسمح لهم بتدبر أمورهم حتى تتحسن الأوضاع، نظراً لأن العلاقات الاجتماعية في المنطقة العربية، تتسم بالتماسك والتشعب والانتشار الجغرافي بين العديد من المناطق، ثم استئناف نشاطهم من جديد عندما تسمح لهم الظروف بذلك.

خيارات متعددة:

في ظل الخصائص التي يتميز بها المقاتلون المحليون، والتي تعد ميزة نسبية في بعض جوانبها، مقارنة بالمقاتلين الأجانب، نظراً لأنها تسمح لهم بتعدد المسارات والخيارات في مرحلة ما بعد سقوط التنظيمات، وبالتالي يمكن تحديد أهم هذه المسارات في الآتي:

1- القتال حتى الموت: على الرغم من تعدد دوافع العناصر المحلية للانضمام للتنظيمات الإرهابية، فإن أعداداً كبيرة قد انضمت بسبب القناعة الفكرية، مثلهم مثل المقاتلين الأجانب، مما يجعلهم يعتقدون أن القتال حتى الموت، سيكون دفاعاً عن الإسلام وليس التنظيم، سواء عن طريق القتال التقليدي أو من خلال العمليات الانتحارية أو الانغماسية.

وهذا ما يؤيده إعلان تنظيم "داعش" في صحيفته النبأ الأسبوعية، في العدد (89)، الصادر في 13 يوليو 2017، بأن عدد العمليات الانتحارية لمقاتليه في الموصل قد بلغ (482)، مما يعني أن هذا العدد من العناصر قد قاتل حتى الموت، وهذا الخيار غالباً ما يستخدم في حالة الانهيار وليس التفكيك، لاسيما أن العديد من هؤلاء يرى أن الموت أفضل من القبض عليه ودخول السجن، من باب المقولة الشهيرة، المنسوبة لابن تيمية، "يموت الرجل ولا يقع في الأسر".

2- ممارسة العمل الإرهابي بشكل منفرد: هناك عدد من العناصر المحلية، التي ستتمكن من الهروب، خاصة في حالة التنظيمات المنهارة، كما حدث مع تنظيم "داعش" في الموصل، ستفضل العمل بشكل منفرد، سواء كان عملاً "عسكرياً"، مثل تنفيذ بعض عمليات الاغتيالات، أو الهجمات على بعض المنشآت، أو كان "دعوياً"، عبر محاولة نشر الفكر بين المحيطين بها قدر المستطاع، عبر العمل تحت ستار السلفية، وذلك من أجل تجنب الضربات الأمنية اللاحقة، نظراً لأن العمل بشكل منفرد، غالباً ما يكون أكثر أمناً من العمل الجماعي. 

3- تكوين مجموعات إرهابية صغيرة: نظراً لأن الفكر الإرهابي، وهو ما يطلق عليه "الجهادي"، غالباً ما يكون متجذراً بشكل كبير في عقول معتنقيه، ويصعب التخلص منه، إلا من خلال مراجعة فكرية ذاتية صادقة، من دون أي ضغوط خارجية، وهو أمر يصعب حدوثه في حالة العناصر المتبقية من التنظيمات الإرهابية، خاصة بعد انهيارها. 

لذا فإن عدداً من هذه العناصر، سيسعى إلى إحياء هذا الفكر عبر العمل على تكوين مجموعات أو خلايا نائمة، بشكل سري للغاية، يمكن من خلالها ممارسة العمل الإرهابي في المستقبل من جديد، إذا ما أتيحت  الفرصة لذلك، مثل المجموعة التي أعلنت السلطات التونسية عن اكتشافها، في يونيو 2017، تحت مسمى "الغرباء"، والتي تكونت من العناصر المحلية المتبقية من تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي.

4- الانخراط في تنظيمات أخرى: وهو خيار سوف يكون متاحاً بقوة أمام العناصر التي توجد في منطقة أو بؤرة بها تنظيمات مشابهة للتنظيم الذي كانوا ينتمون إليه، من الناحية الفكرية والتنظيمية، وهذا ما يتوافر في الحالة الليبية، التي تعج بالعديد من التنظيمات الإرهابية بمختلف توجهاتها، وعلى رأسها التنظيمات القاعدية، مما سيسهل على العناصر المحلية، من التنظيمات المفككة، مثل "أنصار الشريعة" أو "سرايا الدفاع عن بنغازي"، الانخراط في المجموعات القاعدية الأخرى، مثل "مجلس شورى المجاهدين في درنة" وغيرها، لاسيما في ظل الدعم الذي تتلقاه هذه المجموعات، من فصائل تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، لكن في المقابل فإن هذا الخيار سيكون صعباً بالنسبة للعناصر "الداعشية"، التي ستنهار تنظيماتها، نظراً لأن "العائق الفكري"، سيمنعها من الانضمام إلى المجموعات الأخرى.

5- العودة إلى الحياة الطبيعية: نظراً لأن هناك عدداً من العناصر المحلية داخل التنظيمات الإرهابية، قد انضم ليس بدوافع غير فكرية، وإنما لتحقيق مصالح محددة،  فإنه في حالة انهيار هذه التنظيمات، وانتفاء تلك المصلحة، فإنهم غالباً ما سيفضلون العيش في هدوء والابتعاد عن العمل التنظيمي بشكل نهائي، وعدم محاولة تكرار تلك التجربة، نظراً لإدراكهم المخاطر التي كانت يمكن أن تطالهم في حال القبض عليهم، لاسيما أنه ليس هناك عامل فكري، يدفعهم للاستمرار في ذلك الطريق، كما انهم سيسعون جاهدين إلى قطع أي علاقة أو صلة بالماضي، وبالتالي فهم سيسعون إلى العيش في حياة طبيعية هادئة، مثل أي مواطن عادي. 

مشروطيات المسار:

وأخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول، إنه على الرغم من تعدد المسارات والخيارات، أمام العناصر المحلية بعد تفكيك أو انهيار التنظيمات الإرهابية، التي كانوا ينخرطون في صفوفها، مقارنة بالمقاتلين الأجانب، فإن ذلك يتوقف بشكل كبير على طبيعة التنظيم الذي ينتمون إليه، والبيئة التي يوجدون فيها، ومدى تعدد التنظيمات فيها، فضلاً عن حدود دور العامل الفكري لكل عنصر، ولكن الأهم من ذلك كله، هو قدرة الإرهابي على الإفلات من قبضة العناصر المطاردة له، وهو أمر سيكون صعباً في حالة التنظيمات "المنهارة"، وأيسر إلى حد ما، في حالة التنظيمات "المفككة".