تداعيات وخيمة:

كيف تتأثر الاستثمارات القطرية في الدول المقاطعة؟

20 June 2017


يفرض قرار المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية بمقاطعة قطر، ضغوطاً على تدفقات الاستثمارات القطرية في الأسواق المجاورة، لاسيما مع تصاعد القيود الاقتصادية والتجارية المفروضة عليها. فعلى مدار السنوات الماضية، كانت الأسواق العربية، خاصة الخليجية والمصرية، مقصداً جاذباً لرؤوس الأموال القطرية، والتي أتاحت لها فرصاً واعدة في ظل النمو المرتفع الذي حققته دول المنطقة وبالتزامن مع تحسن مناخ الاستثماري بها.

وبالتالي فإن إجراءات المقاطعة المفروضة على قطر، مثل سرعة مغادرة المواطنين القطريين أراضي دول الخليج الثلاث، وإغلاق المنافذ البحرية والجوية والبرية كافة أمام قطر، سيتسبب في خسائر كبيرة للاستثمارات القطرية، خاصةً في الأسواق الخليجية، حيث يُتوقع أن تؤدي إلى انحسار تدفقات المستثمرين القطريين إلى الأسواق المالية والعقارية الخليجية، وعرقلة العمليات التشغيلية لكثير من الشركات والمشاريع القطرية فيها، فضلاً عن إنهاء فرص المستثمرين القطريين الطامحين للاستفادة من المشروعات الواعدة في الأسواق المجاورة.

خريطة الاستثمارات القطرية

قامت قطر منذ بداية العقد الماضي بتوظيف ثرواتها الهائلة الناجمة عن نمو عائدات قطاع النفط والغاز الطبيعي في البلاد، وذلك من خلال الاستحواذ على كثير من الأصول المالية وغير المالية في العديد من الأسواق العالمية، لاسيما الأمريكية والأوروبية. وبحسب الإحصاءات الرسمية القطرية، فقد بلغ إجمالي استثماراتها في الخارج نحو 35.6 مليار دولار بنهاية عام 2015.

في حين تشير منظمة الأونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) إلى أن قيمة الاستثمارات القطرية الخارجية بلغت نحو 43.2 مليار دولار في عام 2015. ويُضاف إلى هذه المبالغ، محفظة استثمارية كبيرة يديرها جهاز قطر للاستثمار بالخارج وتُقدر بنحو 335 مليار دولار بنهاية يونيو 2016، وفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادية، لتحتل بذلك المرتبة 14 عالمياً ضمن قائمة أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم.  

وفي الأسواق العربية، حققت الاستثمارات القطرية نمواً كبيراً منذ نهاية العقد الماضي، حيث شهدت كثير من دول الخليج والبلدان العربية، نمواً اقتصادياً مرتفعاً بالتزامن مع اتخاذ عدة خطوات للإصلاح الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار، وهو ما أتاح للمستثمرين القطريين العديد من الفرص الواعدة.

وبحسب بيانات "إف دي آي ماركتس"FDI Markets  التابعة لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فقد بلغت قيمة الاستثمارات القطرية في المنطقة العربية نحو 30.4 مليار دولار خلال الفترة من عام 2003 وحتى أبريل 2016، لتصبح بذلك رابع أكبر مُصدِر للاستثمارات البينية في المنطقة العربية. وعلى مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ضخت قطر استثمارات بقيمة 8.6 مليار دولار بنهاية عام 2015، أي ما يوازي 24% من إجمالي الاستثمارات القطرية في الخارج.

وعلى مستوى كل دولة، كانت الأسواق السعودية والإماراتية والمصرية من أهم المقاصد الجاذبة للاستثمارات القطرية. وبين عامي 2003 و2016، استقبلت السعودية والإمارات رؤوس أموال قطرية بقيمة 3.8 مليار دولار و1.2 مليار دولار على التوالي، والبحرين ما قيمته 21 مليون دولار. وبالنسبة للسوق المصري، فقد بلغت الاستثمارات القطرية نحو 14.7 مليار دولار حتى عام 2015، وفقاً لبياناتFDI  التابعة لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

وقد تركزت محفظة الاستثمارات القطرية بالأسواق العربية في الأنشطة المالية والعقارية والنقل والاتصالات وغيرها، ولتطابق بذلك نمط توزيع الاستثمارات القطرية في الخارج حتى نهاية عام 2015، والتي شكلت فيها أنشطة القطاع المالي والتأمين 36% من إجمالي حجم الاستثمارات الخارجية، وأنشطة النقل والتخزين والمعلومات والاتصال 31%، ثم أنشطة التعدين واستغلال المحاجر 27%. 

قيود مؤثرة 

يتعرض الاقتصاد القطري لضغوط شديدة منذ إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة الدوحة، حيث أعقبته قرارات مماثلة من دول أخرى. وقيَّدت دول المقاطعة الأربع علاقتها الاقتصادية والتجارية مع قطر في ظل حظر استخدام قطر منافذها البرية أو البحرية أو الجوية، كما جمدت دول الخليج الثلاث حرية تنقل القطريين داخل أراضيها؛ حيث منحت المقيمين والزائرين من المواطنين القطريين مُهلة 14 يوماً انتهت يوم الأحد 18 يونيو الجاري لمغادرة البلاد، وذلك لأسباب أمنية واحترازية، كما حظرت على جميع المسافرين ممن يحملون الجوازات القطرية السفر إليها أو عبرها.

ومن شأن كل هذه الإجراءات، أن تؤثر على المصالح القطرية في دول المقاطعة سواء على صعيد الأفراد أو المؤسسات والشركات التجارية. كذلك، أصبحت التعاملات المالية بين البنوك القطرية والخليجية أكثر صعوبة في ظل إصدار الدول الأربع قائمة تضم 59 فرداً و12 كياناً داعمين للإرهاب، والتي حتمت قيام البنوك المركزية في هذه الدول بإعداد توجيهات لتجميد أصول الأشخاص والكيانات المدرجة أسماؤهم على قوائم الإرهاب، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات العناية الواجبة المعززة بشأن المعاملات مع عدد من البنوك القطرية، وهي بنك قطر الإسلامي، وبنك قطر الدولي الإسلامي، وبنك بروة، ومصرف الريان، وبنك قطر الوطني، وبنك الدوحة.

مستويات التأثير

من المتوقع أن تؤثر القيود التي فرضتها دول المقاطعة على أوضاع الاستثمارات القطرية في الأسواق المجاورة، وذلك على النحو التالي: 

1- الاستثمارات الفردية:  

استثمر القطريون بكثافة في دول مجلس التعاون الخليجي على مدار السنوات الماضية، فحتى عام 2015، كان هناك 5.1 ألف رخصة ممنوحة للقطريين لممارسة الأنشطة الاقتصادية في السعودية والإمارات والبحرين، وفقاً لإحصائيات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون في تقريرها حول السوق الخليجية المشتركة لعام 2016.

وفي هذا السياق، نشطت استثمارات القطريين في أسواق المال والعقارات الخليجية، لاسيما السوقين السعودي والإماراتي. وبلغ عدد القطريين الذين يملكون عقارات في دول الخليج الثلاث (السعودية، والإمارات، والبحرين) نحو 14.9 ألف قطري بنهاية عام 2015، علاوة على وجود 15.3 ألف مساهم قطري في الشركات المساهمة الإماراتية والسعودية.

ولكن تبدو الأوضاع الحالية ليست في صالح القطريين، الذين قد يدفعهم التوتر القائم نحو التخلي عن أصولهم المالية والعقارية المميزة في الأسواق الخليجية. ولن يكون بمقدورهم، أيضاً، الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في دول الخليج الثلاث. 

2- الاستثمارات المؤسسية:

في أعقاب اندلاع الأزمة الحالية، زادت التكهنات بأن كثيراً من شركات الأعمال القطرية ستواجه صعوبات في ممارسة أعمالها في دول الخليج خلال الفترة المقبلة، وهو ما حدث بالفعل. وكانت الخطوط الجوية القطرية من أولى الشركات التي تأثرت بالإجراءات التي اتخذتها الدول المقاطعة.

وثمة توقعات بأن تواجه الشركات والمشروعات القطرية مزيداً من الصعوبات مستقبلاً، في ظل حظر تنقل القطريين داخل دول الخليج الثلاث، بالإضافة إلى احتمالية تأثر التعاملات المالية بين البنوك الخليجية والقطرية.

3- المشروعات المستقبلية:

في حال استمرار الأزمة الراهنة، سيكون من الصعب المُضي قُدماً في عدد من المشاريع المشتركة بين الدول الخليج الثلاث من ناحية وقطر من ناحية أخرى، مثل المشروع المقترح ببناء جسر بين قطر والبحرين بطول 40 كيلومتراً. وبالمثل قد تتوقف أي مشاريع وحدوية مع قطر مثل مشروع ربط شبكات السكك الحديدية بين دول الخليج والمخطط لها خلال السنوات القادمة، وهو ما قد يمثل تهديداً لخطط أعمال الشركات القطرية المشاركة في هذه المشروعات.

وبطبيعة الحال، فإن المقاطعة الحالية تعني عملياً إنهاء فرص توسع الشركات القطرية في الأسواق الخليجية والمصرية أو الحصول على فرص استثمارية جديدة بها، مما يؤثر على خطط هذه الشركات التي كانت تطمح للاستفادة من المشروعات الاستثمارية الواعدة في الدول الأربع، مثل المشروعات الاستثمارية في السوق السعودي والمطروحة في إطار "رؤية المملكة عام 2030". كما ستضيع على صندوق قطر السيادي فرصة المشاركة مع الصناديق الخليجية في العديد من الاستثمارات العالمية الواعدة.

ختاماً، يمكن القول إن رؤوس الأموال القطرية على عتبة مرحلة جديدة من التجفيف في دول الخليج الثلاث المقاطعة لها ومعها مصر، حيث ستشهد انحساراً كبيراً خلال الفترة المقبلة، حال استمرار الأزمة، لاسيما في ظل الصعوبات التشغيلية التي باتت تواجهها أكثر من أي وقت مضى.