جدل ترامب:

لماذا انقسم الأمريكيون حول الانسحاب من اتفاقية المناخ؟

05 June 2017


أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس لتغير المناخ، جدلا محتدمًا بين مراكز التفكير والخبراء والمحللين الأمريكيين حول دوافع وتداعيات وردود الفعل المترتبة على الانسحاب، وانقسمت مواقف المتابعين الأمريكيين للقرار، بين تأييد الانسحاب من الاتفاقية واستعراض الدوافع الكامنة خلف قرار ترامب، أما الفريق الثاني من المحللين والخبراء فقد عارض القرار بصورة واضحة، مركزين على التكلفة التي ستتحملها الولايات المتحدة نتيجة للتراجع عن الالتزامات البيئية.

دوافع الانسحاب الأمريكي:

أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلق بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ، حالة كبيرة من الجدل، خاصة أن هذه الاتفاقية تُعد بمثابة أول اتفاقية عالمية تجمع غالبية دول العالم لتخفيف آثار التغير المناخي، وكان قد وقَّع عليها ما يُقدر بحوالي 195 دولة، فيما صَدَّق عليها 144 منهم.(1)

وعلى الرغم من هذا الجدل الذي أثاره القرار، إلا أن "مادلين شيهان بيركنز" و"ريبيكا هارينجتون" أكدتا أن هذا القرار لم يكن مفاجئًا لمن يتابع حساب ترامب على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" حتى قبل وصوله إلى سدة الرئاسة، فترامب سبق وذكر في تغريدة له في عام 2012 أن مصطلح "التغير المناخي" ما هو إلا خدعة دبرتها الحكومة الصينية، كما تعهد بـإلغاء اتفاقية باريس في حال وصوله إلى كرسي الرئاسة، مؤكدًا أنها ضد مصالح الشركات الأمريكية، حيث تضع العديد من القيود على كمية الطاقة التي يتم استهلاكها.(2) وفي هذا الإطار يمكن استعراض أهم دوافع ترامب للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ على النحو التالي: 

1- القيود الاقتصادية: يؤكد كل من "نيكولا لوريس" و"كاتي تاب" في مقالهما المعنون "أربعة أسباب تدعم قرار ترامب في الانسحاب من اتفاقية باريس" والمنشور في "The Heritage Foundation" أن السبب الرئيسي لانسحاب ترامب من هذه الاتفاقية هو أنه يرى أن هذه الاتفاقية تُقيِّد الولايات المتحدة في كثير من تحركاتها في المجال الاقتصادي، وتجعلها ملزمة بالعديد من الأعباء. بيد أن هذا الأمر غير صحيح فهذه الاتفاقية غير مُلزِمة، ولا توجد أي عقوبات يتم تطبيقها في حال عدم الالتزام بمتطلباتها؛ فهي مجرد آلية للتشاور لمساعدة الدول في إيجاد استراتيجيات للمحافظة على البيئة ومكافحة التغير المناخي، وكان يمكن لترامب تعديل بعض بنود الاتفاقية بدلا من الخروج منها.(3)

2- تراجع الناتج المحلي الإجمالي: ركز ترامب على الأعباء والتكاليف التي سوف تتحملها بلاده نتيجة لهذه الاتفاقية. فقد ذكر -مثلا- أن هذه الاتفاقية ستؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية بما يقدر بحوالي 2.5 تريليون دولار وذلك بحلول عام 2035، إلا أنه أغفل العديد من الجوانب الإيجابية التي تعود على الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة تخفيض حجم الانبعاثات الكربونية، والمزايا الاقتصادية لصعود صناعات الطاقة المتجددة، فضلا عن انخفاض ما يتم إنفاقه في القطاع الصحي لمعالجة الأمراض المرتبطة بالتلوث الناتج عن الوقود الأحفوري.(4)

3- ارتفاع معدلات البطالة: ترى المقالة المعنونة "لماذا التخلي عن اتفاقية باريس كارثة للولايات المتحدة الأمريكية؟"، والمنشورة في "فورين بوليسي"؛ أن ترامب روج مجموعة من الادعاءات حول "اتفاقية باريس"، يأتي على رأسها أن هذه الاتفاقية سوف تؤدي إلى تزايد نسبة البطالة في بعض القطاعات التقليدية الأكثر إضرارًا بالبيئة (Job killer)، خاصة قطاعي الفحم والنفط اللذين يَنتج عنهما العديد من الانبعاثات الخطيرة التي تحذر منها الاتفاقية، كما أنه يرى أن قراره هذا يُعد تنفيذًا لوعده خلال حملته الانتخابية بدعم هذه الصناعات.(5)

غير أن هذا الأمر غير صحيح؛ حيث يمكن استبدال هذه الوظائف بعدد من الوظائف الأخرى غير التقليدية في مجالات التكنولوجيا وغيرها من المجالات التي تحتاجها العديد من الشركات الأمريكية التي كانت قد حثت ترامب على عدم الخروج من هذه الاتفاقية( 6).

انقسامات الداخل الأمريكي: 

رأى المقال المعنون "انسحاب ترامب من اتفاق باريس: ماذا يعني؟ وماذا سيأتي بعد ذلك"، والمنشور على موقع مركز "بروكنجز"، أن هذا القرار له العديد من التداعيات الخطيرة على وضع ومكانة الولايات المتحدة في العالم، حيث يؤدي إلى التشكيك في كافة اتفاقياتها الحالية، كما سيؤدي إلى تراجع دورها القيادي، ويشكك في دعواتها للتعاون المشترك بين الدول لمكافحة التهديدات التقليدية وغير التقليدية، وربما هذا ما أدى إلى صعود حالة من الجدل الداخلي حول هذا القرار، سواء بين مستشاري الرئيس أو بين المواطنين الأمريكيين، وهو ما يمكن إيضاحه فيما يلي:

1- انقسام مستشاري الرئيس: ظهر انقسام خلال اتخاذ هذا القرار بين مستشاري الرئيس؛ ففي حين رأى البعض ضرورة خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية بدعوى أنها غير عادلة لبلادهم، حيث إن الإجراءات المطلوبة لخفض الانبعاثات الأمريكية ليست في مصلحة اقتصاد البلاد، فقد رأى آخرون أن من الأفضل بقاء الولايات المتحدة في الاتفاقية حتى تحتفظ بمقعد على طاولة المفاوضات المناخية العالمية. (7)

2- بوادر الرفض الشعبي: يؤكد "وليام جالستون" في مقاله "اتفاقية باريس تحظى بتأييد أكثر من دونالد ترامب"، والمنشور على موقع مركز "بروكنجز"؛ أن هناك اختلافًا مبكرًا قد ظهر بين ما يريده المواطنون الأمريكيون وما يتخذه ترامب من قرارات. ففي حين جاء قرار ترامب بالخروج من اتفاقية باريس، جاءت رغبة الأغلبية من الأمريكيين -بما في ذلك أنصار ترامب- على عكس ذلك، حيث أعربوا عن رغبتهم في البقاء بالاتفاقية.

وقد أُجري استطلاع للرأي بواسطة "جامعة ييل" و"جامعة جورج ميسون" في مطلع عام 2017 على عينة من الناخبين الذين صوتوا لترامب في الانتخابات، أكد أن 47% من أنصاره يؤيدون البقاء في اتفاقية باريس للمناخ، فيما رأى 28% منهم أنه يجب الانسحاب من هذه الاتفاقية، وأجاب حوالي 25% بأنهم لا يعرفون، وعلى الرغم من ذلك فقد توقع بعض مستشاري ترامب بأن هذا القرار قد يحظى بالكثير من الدعم، بل سيُعد خطوة إيجابية هامة في تاريخ البلاد، وهو ما يعكس حالة من الانفصال عن الواقع.(8)

 

ردود الفعل الدولية:

اتجهت غالبية الدول إلى اتخاذ موقف معارض لقرار الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يمكن إيضاحه فيما يلي:

1- الاتحاد الأوروبي: أكد الاتحاد الأوروبي التزامه بالاتفاقية، وقدرته على قيادة تغير المناخ، مؤكدًا أن العالم يمكن أن يعتمد على أوروبا من أجل قيادة العالم في مكافحة تغير المناخ من خلال سياسات مناخية طموحة، وعن طريق تقديم الدعم المستمر للفقراء والضعفاء لتحسين البيئة وتقليل مخاطر تغير المناخ.(9)

2- المملكة المتحدة: صرحت رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" بأنها رغم خيبة أملها إزاء انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ؛ إلا أنها لا تزال ملتزمة باتفاقية باريس، مؤكدةً أنها تمثل الإطار الصحيح لحماية الأجيال القادمة وأمنها، وضمان الحفاظ على طاقة آمنة لمواطنيها وأعمالهم.(10)

3- ألمانيا: فيما يتعلق بألمانيا، فقد أكدت "أنجيلا ميركل" المستشارة الألمانية أسفها الشديد على القرار الأمريكي بالانسحاب، مؤكدة -في الوقت ذاته- ضرورة الالتزام بالاتفاقية، وأنه لا يمكن إعادة التفاوض عليها، لأنها تمثل أداة حيوية للكوكب كله وبلادها واقتصادها بشكل خاص، كما أشارت إلى أن تنفيذ اتفاقية باريس سيوفر فرصة اقتصادية كبيرة للازدهار والنمو على الصعيدين الوطني والعالمي، وشددت على أن بلادها ستضاعف جهودها من أجل دعم البلدان النامية، لا سيما الأكثر فقرًا منها، في تحقيق أهدافها بتقليل الانبعاثات وتحسين البيئة.(11)

4- كندا: لم يختلف رد الفعل الكندي كثيرًا عن باقي المواقف الدولية الأخرى، حيث صرح رئيس الوزراء الكندي "جاستين ترودو" بأنه ملتزم بالاتفاقية ودعم النمو الاقتصادي النظيف، رغم القرار الأمريكي بالانسحاب الذي سبب لهم خيبة أمل عميقة.(12)

5- روسيا: وفيما يتعلق بالجانب الروسي، فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية "ديمتري بيسكوف" أن بلاده تولي أهمية كبيرة لهذه الاتفاقية، إلا أن فعالية هذا الاتفاق قد تتضاءل في ظل غياب أبرز مشاركيها.(13)

تكلفة السياسات الأحادية: 

وصفت مجلة "Foreign Policy" هذا القرار بالكارثة، وأن مبررات الرئيس الأمريكي في هذا الصدد غير صحيحة على الإطلاق، ولن يدفع ثمنها سوى الولايات المتحدة، حيث سيكون لهذا القرار العديد من التداعيات السلبية، سواء على المستوى الأمريكي أو الدولي، وهو ما يمكن إيضاحه فيما يلي: 

1- تزايد التهديدات التقليدية: حذر كبار الخبراء العسكريين الأمريكيين، خاصة وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس"، من قرار الولايات المتحدة بالانسحاب؛ حيث ذكر ماتيس أن هذا القرار سيكون له العديد من التأثيرات السلبية على المناخ العالمي، ولن تتمكن الإدارة الأمريكية في المستقبل من التعامل معها، كما أن تأثير تغير المناخ سوف يؤدي إلى المزيد من تدفقات اللاجئين، والعديد من المجاعات والصراعات والإرهاب، وهو ما يمثل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي.(14)

2- الصعود الصيني-الهندي: قد يؤدي هذا القرار إلى خلق فرص عمل في الصين، الفائز الأكبر من هذا القرار، حيث ستفضل العديد من الشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة الاتجاه إلى الصين التي بدأت تشهد صعودًا ملحوظًا في قطاع الاقتصاد الأخضر، خاصة مع تأكيد الصين على بقائها بالاتفاقية حتى وإن انسحبت الولايات المتحدة منها، في محاولة منها لاستغلال هذه الفرصة لمنازعة الولايات المتحدة الأمريكية على مركز القيادة العالمية، كما اتجهت بعض التحليلات الأخرى إلى أن هذا التنازل المتعمد من قبل الولايات المتحدة عن دورها القيادي قد يُستغل من بعض القوى المتوسطة الصاعدة لا سيما الهند التي بدأت تتجه للعمل في مجال الطاقة النظيفة.(15)

3- التوتر الأمريكي-الأوروبي: يُشير المقال المنشور في مجلة "فورين بوليسي" تحت عنوان "لماذا التخلي عن اتفاقية باريس كارثة للولايات المتحدة الأمريكية؟" إلى أن هذا الانسحاب أدى إلى توتر في العلاقات الأمريكية الأوروبية، وهو التوتر الذي ستستغله كل من روسيا والصين لتحقيق مصالحهما. فعلى سبيل المثال، تزامن قرار ترامب المتعلق بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ مع زيارة "لي كي تشيانج" رئيس مجلس الدولة الصيني لألمانيا وبلجيكا، وهو ما استغله في إعلان تأييده لاتفاقية باريس للمناخ، والتأكيد على أن بلاده ستعمل لتحقيق أهداف الاتفاقية. وربما يمكن القول إن هذا التوتر في العلاقات الأمريكية الأوروبية ستتخذه الصين وسيلة لتسريع المفاوضات حول اتفاقية الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي.

4- تراجع تماسك التحالفات: تؤكد "سامنثا جروس" المتخصصة في شئون الطاقة والبيئة بمؤسسة "بروكنجز"، أن قرار ترامب بالانسحاب دليل على خطأ فادح في فهم ترامب لما يفيد البلاد والسياسة الخارجية وطبيعة وأهمية الاتفاقيات المنضمة إليها بلاده بشكل عام، كما أن ما حدث قد يتكرر كثيرًا في علاقات الولايات المتحدة مستقبلا مع حلفائها، مما يؤثر سلبًا على مصالح البلاد.(16)

وختامًا، إن قرار ترامب هو بمثابة رسالة للعالم مفادها عدم تقدير الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب لحلفائها ومصالحهم المشتركة، خاصة تلك المتعلقة بالبيئة وقضاياها. (17)

المصادر: 

1- Sarah Ladislaw, “Energy Fact & Opinion: Leave the Paris Climate Accord? Why Leave Money on the Table?”, Centre for Strategic and International Studies, May 25, 2017

2 - Madeleine Sheehan Perkins and Rebecca Harrington, “It’s 'an expensive hoax' — and other things Trump has said about climate change”, Business Insider, June 3, 2017 

3- Nicolas Loris and Katie Tubb, “4 Reasons Trump Was Right to Pull Out of the Paris Agreement”, The Heritage Foundation, June 1, 2017, 

4-Nicolas Loris and Katie Tubb. Ibid

 5-Dana Varinsky, “5 claims Trump used to justify pulling the US out of the Paris Agreement — and the reality”, Business Insider, June 1,2017, 

 6- Daniel B. Baer and Others, “Why Abandoning Paris Is a Disaster for America”, Foreign Affairs, June 2, 2017

7-William A. Galston and Others. “Trump’s Paris Agreement withdrawal: What it means and what comes next”, Brookings, June 1, 2017

8- William A. Galston, “Paris Agreement enjoys more support than Donald Trump” Brookings, May 31, 2017

9-Daivd Choi, “How world leaders are reacting to Trump's decision to leave the Paris climate agreement”, Business Insider, June 1, 2017

10-Jonathan Watts and Kate Connolly, “World leaders react after Trump rejects Paris climate deal”, The Gurdian, June 2, 2017

11 -Jon Sharman, “Paris agreement: Angela Merkel says she will help “save our planet' after Trump's withdrawal from climate deal”, Independent, June 1, 2017

12-Peter Zimonjic, “Trudeau tells Trump Canada is disappointed by withdrawal from Paris climate deal”, CBC News, June 1, 2017

 13- Andrew Osborn, “Russia says still likely to back Paris climate deal despite U.S. withdrawal”, Reuters, June 2, 2017

 14-Daniel B. Baer and Others. Op.cit.

15 -Daniel B. Baer and Others, Ibid

16 - William A. Galston and Others. Op.cit.

17- “The flaws in Donald Trump’s decision to pull out of the Paris accord”, The Economist, June 1, 2017,