تحالف "جمنا":

كيف يستعد المحافظون للانتخابات الرئاسية في إيران؟

02 May 2017


يسعى تيار المحافظين الأصوليين إلى تعزيز فرص أحد مرشحيه في الفوز بالانتخابات الرئاسية الثانية عشرة التي سوف تُجرى في 19 مايو 2017. ويبدو أنه استفاد بشكل كبير من الانتخابات الرئاسية السابقة التي مُنِيَ فيها بهزيمة قوية من تيار المعتدلين الذي مثله الرئيس الحالي حسن روحاني، وذلك عندما فشلت قواه الرئيسية في التوافق على مرشح واحد للانتخابات، ولم تنجح في تشكيل إطار سياسي واسع يضع قواعد واضحة ملزمة لها، بشكل أدى في النهاية إلى دخول أربعة مرشحين من التيار للانتخابات هم سعيد جليلي، ومحمد باقر قاليباف، وعلي أكبر ولايتي، ومحسن رضائي، بعد أن رفضوا الانسحاب لصالح بعضهم، بشكل مثّل أحد الأسباب الرئيسية التي مكنت الرئيس روحاني من حسم المنافسة من الجولة الأولى بعد أن نجح في الحصول على أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين.

اطار جديد:

من هنا، اتجه بعض قوى تيار المحافظين الأصوليين إلى تشكيل ما يسمى بـ"الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية" أو "جبهة مردمي نيروهاي انقلاب إسلامي" (جمنا)، والتي توافقت فيما بينها على وضع قائمة بأسماء خمسة مرشحين، على أن يقوم أربعة منهم بالانسحاب للمرشح الخامس قبل إجراء الانتخابات بأيام قليلة من أجل تعزيز فرصه في الفوز، واستقطاب دعم القاعدة الشعبية المؤيدة للتيار، وتحييد قدرة تيار المعتدلين على استثمار الانقسام القائم بين تلك القوى، على غرار ما حدث في الانتخابات الماضية.

وبالفعل فقد اختارت الجبهة، في 6 إبريل 2017، قائمة بأسماء خمسة مرشحين من بين عشر شخصيات، بعد إجراء انتخابات داخلية شارك فيها أكثر من 4000 عضو في الجبهة، حيث حصل إبراهيم رئيسي على 2147 صوتًا، فيما نال علي رضا زاكاني تأييد 1546 صوتًا، وجاء مهرداد بازرباش في المرتبة الثالثة بـ1404 أصوات، وحصل محمد باقر قاليباف على تأييد 1373 صوتًا، وجاء برويز فتاح في المرتبة الخامسة والأخيرة بـ994 صوتًا. 

"فلترة" مجلس الصيانة:

لكن اللافت في هذا السياق أن ثلاثة من المرشحين الخمسة لم ينجحوا في تجاوز "مقصلة" مجلس صيانة الدستور الذي يتولى مهمة البت في ملفات المرشحين للاستحقاقات الانتخابية المختلفة، فضلا عن مراقبة التشريعات والقوانين الصادرة عن مجلس الشورى الإسلامي، وتقييم مدى مطابقتها للدستور، حيث قام المجلس، في 20 إبريل 2017، بتصفية المرشحين المتقدمين إلى ستة فقط، منهم اثنان فقط رشحتهما جبهة "جمنا" هما إبراهيم رئيسي، ومحمد باقر قاليباف.

وهذه الخطوة تحديدًا تشير إلى أن مجلس الصيانة يبدي تحفظات عديدة إزاء توجهات وأنشطة بعض مرشحي تيار المحافظين الأصوليين، وأنه ربما تعمد اتخاذ تلك الخطوة تجنبًا لاتهامه بالتحيز لصالح التيار الأخير، خاصة أنه رفض بعض المرشحين الذين ينتمون لتيار المعتدلين، أمثال محمد هاشمي شقيق رئيس الجمهورية الأسبق رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني الذي توفي في 8 يناير 2017. فضلا عن أنه لم يقبل أيضًا ترشيح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ومساعده حميد بقائي. 

استقطاب ثنائي:

وهنا، ربما يمكن القول إن خريطة المرشحين الذين وافق عليهم مجلس الصيانة تشير إلى استقطاب بين تيارين كل منهما له ثلاثة مرشحين استطاعوا تجاوز "فلترة" المجلس. لكن ربما لا تكون تلك الخريطة نهائية، حيث من المحتمل أن يتجه بعض المرشحين إلى الانسحاب قبيل إجراء الانتخابات بفترة وجيزة.

إذ قد ينسحب إسحاق جهانجيري النائب الأول للرئيس روحاني، من أجل تعزيز فرصة الأخير في تجديد ولايته الرئاسية، كما يبدو أن أحد مرشحي جبهة "جمنا" سوف ينسحب لصالح الآخر، حيث تشير تقارير عديدة إلى أن باقر قاليباف ربما يفضل عدم الاستمرار في المنافسة لدعم فرص فوز إبراهيم رئيسي، وإن كان ذلك لا ينفي أن ثمة اتجاهات داخل تيار المحافظين ما زالت تبدي مخاوف من احتمال نشوب خلافات بين القوى التي تشكل الجبهة، قبيل إجراء الانتخابات، خاصة أن قاليباف سبق أن رفض الانسحاب في الانتخابات الرئاسية السابقة لصالح علي أكبر ولايتي، الذي رفض بدوره التراجع عن المنافسة لصالح الأول، بشكل كان له دور كبير في هزيمة المرشحين أمام روحاني من الجولة الأولى. 

كذلك، فإن بعض قوى تيار المحافظين الأصوليين تمارس ضغوطًا على المرشح المحافظ مصطفى مير سليم من أجل الانسحاب لصالح مرشحي الجبهة، لتعزيز فرص أيٍّ منهما في الفوز بالانتخابات، وهو ما يبدو أن مير سليم لم يتجاوب معه بعد، خاصة بعد أن خرج من قائمة الترشيحات الأولية للجبهة.

فرصة المحافظين:

ومن دون شك، فإن تعمد مجلس صيانة الدستور عدم السماح للرئيس السابق أحمدي نجاد بالترشح مجددًا في الانتخابات، خاصة بعد أن ارتكب، في رؤية رجال الدين وقوى تيار المحافظين الأصوليين، "خطأ فادحًا" بتحديه لرغبة المرشد في عدم ترشيحه، ربما يصب في صالح التيار الأخير.

إذ إن دخول أحمدي نجاد المنافسة كان من الممكن أن يساهم في توسيع نطاق الخلافات بين القوى التي تنتمي لهذا التيار، التي تبدو مصرة على تحييد تلك الخلافات حتى تتمكن من استعادة منصب رئيس الجمهورية من تيار المعتدلين، وتعويض خسارتها الفادحة في الانتخابات الرئاسية السابقة.

وهنا، فإن تلك القوى سوف تبذل جهودًا حثيثة من أجل عرقلة محاولات بعض الشخصيات دعوة المرشد الأعلى علي خامنئي للتدخل لدى مجلس الصيانة من أجل السماح لأحمدي نجاد بالترشح في الانتخابات، على اعتبار أن ذلك الاحتمال، في حال حدوثه، سوف يصب في صالح تيار المعتدلين، الذي يراقب بدقة "التوازنات المتحركة" بين القوى التي تنتمي للتيار المنافس.

تأثير ترامب:

يمكن القول في النهاية إن الرئيس الحالي حسن روحاني ما زالت لديه فرصة لتجديد ولايته الرئاسية لأربعة أعوام أخرى بدعوى أن تنفيذ ما جاء في برنامجه السياسي والاقتصادي يحتاج إلى مزيد من الوقت، لكنه سوف يواجه عقبات عديدة في هذا السياق، في ظل حرص المحافظين الأصوليين على استيعاب النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية الماضية، فضلا عن استثمار التوتر المتواصل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والعقبات التي تحول دون حصول إيران على مزيد من العوائد الاقتصادية للاتفاق النووي في تعزيز فرصة مرشحهم. 

لكن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن ثمة متغيرات مهمة قد يكون لها تأثير مباشر على نتائج الانتخابات، ويتمثل أبرزها في السياسة التي سوف يتبناها المرشد الأعلى علي خامنئي للتعامل مع الإجراءات الأمريكية المتوقعة في مرحلة ما بعد انتهاء مهلة التسعين يومًا التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتقييم الاتفاق النووي. إذ إن خامنئي ربما يسعى للاستعداد مبكرًا لأية إجراءات أمريكية أكثر تصعيدًا خلال المرحلة القادمة، بشكل قد يكون له دور في تحديد هوية الرئيس القادم لإيران.