تباين أيديولوجي:

تحديات الحكومة الائتلافية الجديدة في المغرب

13 April 2017


بعد حوالي ستة أشهر من الترقب، تم الإعلان رسمياً عن تشكيل الحكومة المغربية الجديدة برئاسة سعد الدين العثماني بعد أن عيَّنها الملك محمد السادس في 5 أبريل الجاري، وتضم هذه الحكومة خمسة أحزاب هي: التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي)، والاتحاد الدستوري (ليبرالي)، والحركة الشعبية (أمازيغي)، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري)، والتقدم والاشتراكية (شيوعي)، بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية الذي يقود هذا التحالف.

وجاء تشكيل الحكومة الجديدة بعد محاولات متعثرة من قِبل رئيس الوزراء السابق عبدالإله بن كيران، وهي المحاولات التي بدأت منذ فوز حزبه العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى في انتخابات 7 أكتوبر 2016، ولكنها باءت بالفشل، وأعفاه الملك وكلف العثماني يوم 17 مارس 2017 بتشكيل الحكومة التي أُعلنت مؤخراً.

التشكيل الجديد

تتمثل تركيبة الحكومة المغربية الجديدة، التي ضمت 27 وزيراً، في الآتي:

1- حصة حزب العدالة والتنمية، فقد حصل الحزب على منصب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى 11 حقيبة وزارية هي (حقوق الإنسان، التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، الشؤون العامة والحكامة، والأسرة والضمان والمساواة والتنمية الاجتماعية، وكاتب دولة مكلف بالنقل، والطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، والتشغيل والإدماج المهني، ووزير منتدب مكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة، وكاتبة دولة لدى وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي المكلفة بالصناعة التقليدية، وكاتبة دولة لدى وزير الطالقة والمعادن والتنمية المستدامة، وكاتب دولة لدى وزير الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي). 

وقد تقلد "المصطفى الرميد"، عن حزب العدالة والتنمية، منصب وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، بعدما شغل حقيبة وزارة العدل في حكومة ابن كيران. وبذلك يكون حزب العدالة والتنمية قد ابتعد عن الوزارات السيادية في الحكومة، حيث اكتفى بوزارات أقل أهمية.

2- الوزارات السيادية من نصيب التكنوقراط، حيث استمر التكنوقراط، وهم من دون لون سياسي، في إدارة 6 وزارات سيادية في الحكومة الجديدة، ومن أبرزها وزارة الداخلية وتولى هذا المنصب والي الرباط عبدالوافي لفتيت، بدلاً من محمد حصاد الذي أصبح وزيراً للتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي. كما تولى وزارة الخارجية ناصر بوريطة، الذي كان يعمل سابقاً وزيراً منتدباً بالوزارة ذاتها، والتي كان يسيرها حزب التجمع الوطني للأحرار. وتولى أحمد التوفيق منصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.

3- سيطرة حزب التجمع الوطني للأحرار على الحقائب الاقتصادية، فقد حصل هذا الحزب، الذي يضم شخصيات معروفة وليبراليين، على وزارات: الاقتصاد والمالية، والفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي.

4- احتفاظ بعض الوزراء بمناصبهم، منهم الحسين الوردي وزير الصحة، ومولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، ومحمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية. كما ظل عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) في منصبه الذي شغله في الحكومة السابقة وزيراً للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.

5- إشراك الصحراويات في تشكيلة الحكومة، وهي خطوة لتوسيع تمثيل مختلف مكونات المجتمع في العملية السياسية في البلاد، حيث تم تعيين رقية الدرهم عن حزب الاتحاد الاشتراكي، كاتب دولة لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي المكلفة بالتجارة الخارجية، وامباركة بوعيدة كاتبة الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات المكلفة بالصيد البحري عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وكانت قد شغلت منصب وزيرة منتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون في الحكومة السابقة.

6- دمج عدد من الوزارات، ومن ذلك دمج وزارتي التربية الوطنية والتكوين المهني، والتعليم العالي والبحث العلمي، في وزارة واحدة، وأيضاً دمج وزارتي الثقافة والاتصال، وكذلك وزارتي السياحة والصناعة التقليدية، بالإضافة إلى دمج وزارتي التعمير وإعداد التراب الوطني، والسكنى وسياسة المدينة.

7- وجود تسع سيدات في الحكومة، حيث اتسمت الحكومة الجديدة ببعض الملامح الدالة على وجود تجديد في تشكيلها، وذلك بوجود وزيرة واحدة للأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، و8 كاتبات لدى وزارات: الفلاحة، التجهيز والنقل، و2 لدى السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، والشؤون الخارجية والتعاون الدولي، والتراب الوطني والإسكان، والصناعة والاستثمار والتجارة، والطاقة والمعادن والتنمية المستدامة.

ومع ذلك، مازال الحضور النسائي في الحكومة المغربية "ضعيفاً" من ناحية العدد، من وجهة نظر البعض، علاوة على أن الوزارات التي تولتها نساء تنتمي إلى "الصفين الثاني والثالث" في الأهمية.

8- خروج كل من إدريس لشكر عن حزب الاتحاد الاشتراكي، وأمحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية من الحكومة الجديدة، وكذلك خروج حزب الاستقلال من التشكيل الجديد، والذي شارك لسنوات في المشهد السياسي بالبلاد.

9- وجود 13 كاتباً وكاتبة للدولة في الحكومة الجديدة، عكس حكومة ابن كيران السابقة التي لم تشمل هذا المنصب.

انتقادات داخلية

أثار التشكيل الحكومي الجديد عدداً من ردود الأفعال سواء داخل حزب العدالة والتنمية أو المجتمع المغربي بشكل عام، ويتضح ذلك فيما يلي:

1- هجوم مكثف ضد "العثماني": توجد حالة من الغضب داخل حزب العدالة والتنمية، بسبب تنازلات قدمها سعد الدين العثماني في تشكيله للحكومة، وقبوله مجموعة من الشروط، ومنها وجود تحالف من 6 أحزاب بعد استبعاد مجموعة من قياديي الحزب من الوزارات المهمة، أبرزهم مصطفى الرميد الذي تولى منصب وزير حقوق الإنسان.

ويبدو أن العثماني لا يتمتع بسلطة تنفيذية داخل هياكل ومؤسسات حزبه، وما قام به من اختيار للوزراء الجدد لم يكن سوى "تنفيذ إجباري" لقرارات قيادات حزبه، والدليل إعادة اختيار 8 من أعضاء الحزب الذين شغلوا مناصب وزارية في الحكومة السابقة (الرميد، يتيم، الرباح، الخلفي، الحقاوي، عمارة، بوليف، ومصلي).

2- مناصب من دون مسؤوليات حقيقية: تم انتقاد اختيار عدد من الأسماء لتولي مناصب في الحكومة من دون أن يكون لها تأثير فعلي في الحياة السياسية واقتصار دورهم على مناصب شكلية. كما تم انتقاد عدم اختيار إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، في أي منصب حكومي على الرغم من الجهود التي بذلها لتولي حزبه مناصب وزارية مهمة، واقتصر الأمر على تولي الحزب 3 مناصب وزارية ملحقة بوزراء آخرين.

3- اتهامات بانسداد طريق الإصلاح الداخلي: وهو ما عبَّرت عنه كل من جماعة العدل والإحسان (الإسلامية) التي رأت أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة هي "تعبير حقيقي عن الأوهام التي بشَّر بها دستور عام 2011، والملكية الثانية التي تحدث عنها البعض". واعتبرت الجماعة أن "ما يقع اليوم يضع خيار الإصلاح من الداخل في النفق المغلق والطريق المسدود مجدداً".

تحدٍ مركب

تشير تركيبة الحكومة الائتلافية الجديدة، بقيادة العثماني، إلى أنها حكومة تقنية في العمق، حزبية في الشكل، وتم تحديد عدد من المهام لها الواجب تنفيذها على وجه السرعة في ظل ما تواجهه البلاد من تحديات سياسية واقتصادية.

ومن جهة أخرى، يعكس موقف قيادات حزب العدالة والتنمية، على الرغم من انتقاداتهم العثماني، اتباعهم سياسة برجماتية واعية في التعامل مع مستجدات الأمور، حيث يتضح من ذلك عدم رغبتهم في العودة لصفوف المعارضة، وقبول الاستمرار في المشهد السياسي على الرغم من تنازلات الحزب في تشكيلة الحكومة الجديدة.

وسيكون على حكومة العثماني توضيح مدى قدرتها على مواجهة ما ينتظرها من تحديات سياسية واقتصادية خلال الفترة المقبلة، خاصةً محاربة الفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والنهوض بالتنمية الاقتصادية، وكذلك موقف العثماني من القضية الأمازيغية وتعامله معها كرئيس للسلطة التنفيذية وكمدافع عن الأمازيغية من جهة، وعن الأيديولوجية الإسلامية لحزبه من جهة أخرى.

ختاماً، يمكن القول إنه في ظل التباينات الأيديولوجية بين الأحزاب ذات المرجعيات المختلفة في الحكومة المغربية (يسارية، إسلامية، ومحافظة)، فإن ذلك قد يؤثر سلباً على تعامل الحكومة مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، خاصةً أن الحكومة السابقة قد تأثر عملها بهذا الاختلاف.