مشكلات متوقعة:

تحديات ما بعد تعيين سعدالدين العثماني رئيساً للحكومة الجديدة بالمغرب

22 March 2017


يأتي قرار الملك محمد السادس بإعفِاء "عبدالإله بن كيران" وتعيين "سعد الدين العثماني" بدلاً منه لتشكيل الحكومة الجديدة في المغرب، كمحاولة للخروج من الأزمة السابقة ورفض الأحزاب السياسية التعاون مع "بن كيران" في هذا الشأن، وذلك من أجل تجاوز حالة الفراغ السياسي طيلة الخمسة أشهر الماضية، ومن المتوقع أن ينجح "العثماني" باعتباره شخصية تم التوافق عليها بين الملك والقوى السياسية قبل تعيينه، كعامل مساعد على إنهاء أزمة تشكيل الحكومة الجديدة اعتماداً على اتجاه الملك والأحزاب الأخرى بتسهيل عملية تشكيل حكومة ائتلافية تتسم بالتوافق، غير أن هناك عدد من التحديات (السياسية – الاقتصادية- الاجتماعية) التي من المنتظر مواجهتها خلال الفترة المقبلة والتي ستوضح مدى قدرة "العثماني" على قيادة الحكومة الجديدة وحدود قدرة الأحزاب التي ستشارك فيها على مساعدته في تجاوز الأزمة السياسية الحالية بالبلاد.
أصدر العاهل المغربي الملك "محمد السادس" قراراً في 17 مارس الجاري بتكليف "سعد الدين العثماني" بتشكيل الحكومة الجديدة بعد إخفاق "بن كيران" طيلة الخمسة أشهر الماضية في تشكيل حكومة ائتلافية. وبهذا القرار، تم إغلاق الباب حول التكهنات السياسية حول الشخصية الجديدة التي ستخلف "بن كيران" حيث اتجهت الأنظار داخل حزب العدالة والتنمية إلى شخصين هما "مصطفى الرميد" وزير العدل والحريات، أو "سعد الدين العثماني" رئيس المجلس الوطني للحزب، وإن كان المزاج الذي كان سائداً داخل الحزب وقياداته يميل نحو اختيار "الرميد".
مشروطيات الأحزاب:
وفي المقابل، أصدر حزب "العدالة والتنمية" بياناً أيد فيه موقف "بن كيران" ونفى عدم مسئوليته عن تأخر تشكيل الحكومة التي كان مكلفاً بتشكيلها منذ تكليف العاهل المغربي له قبل 5 أشهر وحتى الآن، وأن مسئولية ذلك ترجع للاشتراطات التي وضعتها الأحزاب السياسية الأخرى التي كان يتشاور معها "بن كيران" والتي كان من شأنها تعطيل تشكيل الحكومة بهذا الشكل، خاصة عقب البيان المشترك الذي أصدرته أحزاب "التجمع الوطني للأحرار" و"الاتحاد الاشتراكي" و"الاتحاد الدستوري" الذي أكدوا فيه على أنه لا يوجد أمل في أي تشكيل حكومي مع "بن كيران"، وهو الوضع الذي كان سيؤدي لأزمة سياسية حقيقية. كما أن تشكيل الحكومة المغربية المقبلة سيكون صعباً في هذه الحالة.
كما أنه لاقى معارضة "عزيز أخنوش" رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" بشأن مقترح "بن كيران" لتمديد الائتلاف الحكومي السابق المكون من أربعة أحزاب (العدالة والتنمية– الاستقلال الذي انسحب من قبل– التجمع الوطني للأحرار– التقدم والاشتراكية- الحركة الشعبية) واشتراط "اخنوش" دخول كل من حزبي "الاتحاد الدستوري" و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" واستبعاد "حزب الاستقلال"، الأمر الذي زاد الأمور تعقيداً وتوقفت معه مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة.
من المنتظر أن يواجه "العثماني" عدد من التحديات (السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية) وهي مستمرة طيلة السنوات الماضية والمرشحة بالاستمرار خلال الفترة المقبلة، وذلك على النحو التالي:
توزيع المناصب:
(*) تحديات سياسية: هناك جملة من التحديات السياسية المتوقع أن تواجه "العثماني" وعلى رأسها عملية تشكيل الحكومة الجديدة التي لن تتسم بالسهولة وتحديداً عندما يصل الأمر إلى عملية توزيع الحقائب الوزارية وفي هذه الحالة سيتعين على حزب العدالة والتنمية الاختيار بين أمرين، الأول هو البقاء ضمن الأغلبية والثاني الانضمام للمعارضة، وفي حالة اختيار الحزب الانضمام للمعارضة فلن يكون بمقدور مجموعة "أخنوش" تشكيل الحكومة، وبالتالي يصبح من الضروري عليها أن تتحالف مع حزب "الأصالة والمعاصرة".
أوضاع ضاغطة:
(*) تحديات اقتصادية: من أبرز المشكلات الاقتصادية التي واجهتها الحكومة السابقة، ومن المتوقع أن تواجهها الحكومة المغربية المقبلة، ما يلي:
- الإقبال على تحرير سعر الصرف عبر التعويم التدريجي للدرهم، وذلك في الوقت الذي تنطلق فيه البنوك التشاركية الإسلامية لأول مرة في الاقتصاد المغربي رغم عدم تشكيل الحكومة الجديدة وما قد يترتب على ذلك من زيادة المخاوف لمخاوف من أن يقود انخفاض قيمة الدرهم إلى مزيد من التضخم وارتفاع المديونية، في حين يرى مراقبون أن هذه العملية سوف تؤدي إلى تحفيز الاستثمار وإدماج البنوك التشاركية في المنظومة الاقتصادية والمالية، غير أن المحللين الاقتصاديين يحذرون من التداعيات السلبية لتعويم الدرهم خاصة فيما يتعلق بالتعاملات الدولية بما يضع الدرهم على المحك بوصفه عملة غير مطلوبة في تسوية التعاملات الدولية التي تتم بالدولار أو اليورو.
- استمرار الحكومة في سياسات تحرير الأسعار، وهو ما أثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين وخاصة بعد أن زادت أسعار الكهرباء والماء وعدد من السلع الضرورية مثل السكر والزيت والحليب.
- انخفاض الإنتاج الزراعي حيث يعتمد الاقتصاد المغربي بشكل كبير على القطاع الزراعي (يمثل أكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يعمل به أكثر من 40% من اليد العاملة).
- استمرار تدني أسعار النفط والغاز، وما مثله ذلك من فرص جدية لتحقيق نسب نمو مهمة لمجموعة من القطاعات الإنتاجية (كالنقل واللوجستيك والحديد والصلب والاسمنت) والأرباح التي كان بالإمكان استثمارها وطنياً بتحديث هذه القطاعات والتخفيف من العجز التجاري، كما تم استثمارها في تمرير التحرير الكامل لأسعار النفط ومشتقاته الذي تزامن مع الحد الأدنى لأسعار المحروقات في الأسواق العالمية وتأثر ذلك سلباً على الداخل المغربي.
- ارتفاع معدلات البطالة، وإخفاق الحكومة السابقة عن توفير فرص عمل، فقد ارتفع معدل البطالة خلال عام 2015(وفقاً للمندوبية السامية للتخطيط) من 9.6% إلى 10.1% أي بزيادة تقدر بـ 66 ألف عاطل (52 ألف منهم بالمجال الحضري) فيما تراجع عدد المناصب المحدثة من 58 ألف منصب عام 2014 إلى 41 ألف منصب عام 2015.
صناديق التقاعد:
(*) تحديات اجتماعية: ستظل إشكالية التداعيات الاجتماعية المترتبة على تطبيق مشروع "برنامج إصلاح صناديق التقاعد" التي دعت الحكومة السابقة لتطبيقه دون إجراء حوار مجتمعي مع النقابات أو ممثلي المجتمع المدني بهذا الشأن، وهو ما أثار عدد من التداعيات الاجتماعية، حيث طالبت عدد من المركزيات النقابية إجراء حوار مع الحكومة حيث تظهر المركزيات النقابية بما لها من امتداد سياسي حيث تعلن تبنيها الدفاع عن حقوق العمال في إطار غياب الثقة من قبل المواطن في الحكومة.
فقد بدأ نظام المعاشات المدنية في استعمال احتياطاته منذ عام 2014، فقد بلغ العجز المتراكم ما بين اشتراكات الأعضاء والخدمات المقدمة للمتقاعدين حوالي مليار درهم مع نهاية عام 2014، أما بالنسبة لعام 2015 فقد بلغ العجز الإجمالي حوالي 2.5- 3 مليار درهم، في حين بلغ في يوليو 2015 حوالي 1.3 مليار درهم. أما التأخير في إنجاز الإصلاح فيكلف حوالي 60 مليون درهم يوميا أي ما مجموعه 20 مليار درهم سنويا على اعتبار أن النظام يراكم ديونا لفائدة المنخرطين.
وتمت ترجمة ذلك في القيام بعدد من المظاهرات والاحتجاجات خلال الفترة الماضية ضد سياسات الحكومة، كان أهمها احتجاجات سكان طنجة ضد شركة أمانديس، وإضراب الأطباء الداخليين والأطباء المقيمين وإضراب طلبة المراكز الجهوية للتربية والتكوين وما يمثله ذلك من تحد لأهم القطاعات البنيوية وهي الصحة والتعليم.
خلاصة القول يشير قرار الملك بإعفاء بن كيران إلى انتظاره وقتاً طويلاً واحترامه للنهج الديمقراطي الذي نص عليه الدستور، حيث منح "بن كيران" فرصة واسعة لتشكيل الحكومة غير أن التخوف من دخول البلاد في فراغ مؤسساتي دفع بالملك لتعيين "العثماني" لتجاوز الدخول في أزمة سياسية أكثر تعقيداً.
شخصية توافقية:
وتشير السمات الشخصية والعملياتية لـ"سعد الدين العثماني" إلى كونه شخصية توافقية قادرة على التعامل مع كافة الأطراف دون الدخول في صدامات، حيث يختلف عن "بن كيران" في التعامل السياسي سواء داخل حزب العدالة والتنمية أو في اطار المشهد السياسي بشكل عام وهو ما يزيد من فرص نجاحه في تشكيل الحكومة الجديدة وتجاوز الصعوبات التي ستقف في طريق ذلك.
وفيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة فإن المسألة تعتمد بالأساس على كيفية اختيار العثماني للأحزاب التي ستشارك في الائتلاف الحكومي وسيبقى التساؤل حول مدى قدرته على إبداء قدر من المرونة في المشاورات المقبلة أم أنه سيحتفظ بنفس الشروط التي كانت تدار بها المشاورات السابقة، وهي كلها عناصر تؤثر في المدة الزمنية التي سيستغرقها التشكيل الحكومي الجديد، وإن كان من المرجح أن يتبنى العثماني أسلوباً مغايراً عن "بن كيران" والإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة.
ترقب وغموض:
رغم اختيار "العثماني" وما يتسم به من سمات قد تؤهله للنجاح في تشكيل الحكومة الجديدة إلا أن هناك حالة من الترقب والغموض تحيط بمدى قدرته على إقناع باقي الأحزاب السياسية على الإشتراك في حكومة إئتلافية وطنية وتجاوز حالة الفراغ السياسي، وعدم اللجوء إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.